اليومُ المائة والثاني والأربعين

108 26 11
                                    

عزيزي لا أحد:

بدأ شيءٌ ما بالحدوثِ في الآونةِ الأخيرة..
لا أظنُ بأنه شيءٌ مهمٌ يستحقُ تدوينه لكَ لأنه بلا معنى، ولكنه أصبحَ يتكررُ أكثرَ فأكثر مؤخرًا.
ليس حُلمًا..
ولا كابوسًا..
إنما فقط كالومضاتِ فيما أنا نائم.

لا يوجدُ صورٌ كثيرة، إنما أضواءٌ براقةٌ عديدة.
الكثيرُ والكثيرُ منها في الواقع..
برتقالية، خضراء، حمراء، زرقاء، وبيضاءٌ تصيبُكَ بالعمى.

ثمّةَ موسيقى صاخبة تلفُ المكان، وبالكادِ يمكنني سماعُ صوتي لكثرةِ علو الصوت، وعقلي خاوٍ تمامًا، عدا من شعورِ النشوة.
على الأقل، كان ذلك ما يحاولُ عقلي إقناعي به، ولكن في غياهبِ قلبي، كنتُ أعلمُ بأن شيئًا ما ليس على ما يُرام.
شعورُ السعادةِ ذاك واهن، وغيرُ مُرضٍ..

مع الموسيقى تلك، يكونُ هناك ضحكاتٌ كثيرةٌ بجانبي، تختلطُ وتمتزجُ مع صوتِ اصطدام الكؤوس الحادِ حينَ يأتيني من الأمام، وأشعرُ بيدي تتحركُ تلقائيًا وترتفعُ حاملةً كأسها أيضًا.
أكمامُ قميصي مُجعدة ومطوية إلى مرفقيّ تقريبًا، والبذلةُ التي أرتديها باهظةٌ وجديدة.

تنزلقُ حينها يدُ أحدهِم لتلتف حول خاصتي، فأشعرُ بخواتمها تصطدمُ بالخواتمِ الكثيرةِ التي أرتديها أنا أيضًا.
يسقطُ اضوءُ على الخواتمِ تلك، فتلمعُ في الغرفةِ المظلمة.
وتضربُ رائحةُ العطرِ أنفي، فيخيلُ لي للحظةٍ أنني أختنقُ لقوته.

تسحبني المرأةُ من على الكرسي الذي كنتُ أجلسُ عليه، وأشعرُ بالدوارِ يصاحبُ النشوة بداخلِ جسدي.
نصلُ إلى ساحةِ الرقص، فتعلو الموسيقى أكثرَ من السابق.

ومضاتٌ من الأضواء..
ومضاتٌ من الأوجه الغير المعروفة..
ومضاتٌ من بعضِ الأشياء..
ومضاتٌ من اللا شيء..

أضحكُ وابتسم، محررًا كل الأحاسيسِ بداخلي حتى أصبحُ كيانًا جامدًا يرقصُ مع موجةِ الموسيقى وحسب.
كُلُ ومضةٍ تشبه الأخرى..
أضواء، موسيقى، ووجوهٌ غيرُ معروفة.
الاختلافُ الوحيدُ في كلِ واحدةٍ هو أن المرأةَ الذي تظهرُ فيها دائمًا مختلفة.

تارةً يكونُ لها شعرٌ طويل، وتارةً يكونُ قصيرًا..
تارةً تكونُ طويلة، وتارةً أخرى تكونُ أقصرَ مني.
تارةً ترتدي أقراطًا، وتارةً لا تفعل.
أحيانًا يكونُ لها وشمُ ثعبانٍ حولَ ذراعها، وأحيانًا يكونُ تنينًا.

لا يوجدُ شعرٌ ناعمٌ مموجٌ بنيّ..
أو جسدٌ رشيقٌ طويل.
لا توجدُ رائحةُ فراولة..
بل رائحةُ عَطرٍ مُمرِضة.
لا توجدُ أعينٌ غزاليةٌ تطالعني..
بل أوجهٌ متنكرةٌ بالمكياج.
لا توجدُ، أبدًا، ابتسامةٌ مشترقةٌ دافئة..
ولكن أخرى جانحةٌ وخطيرةٌ تجيدُ إغوائي.

هناكَ دائمًا امرأة..
ولكنها لم تكن ساني أبدًا.

أربعةُ حبوبٍ أخرى كي أخدرَ الصداعَ الذي استيقظتُ معه.

                 
                ****               

رسائلٌ إلى لا أحد.Where stories live. Discover now