اليومُ المائة والخامس والخمسين

114 31 20
                                    

  عزيزي لا أحد:

ظهرَ الرجلُ المريبُ على عتبةِ بابي اليوم..
وضعَ اصبعه على شفتيه وأخبرني بأن أبقى هادئًا ثم تسللَ للغرفة.

أغلقتُ الباب خلفه، ثمَ سمعتُه يصفرُ بمجردِ دخولِه.

- واو، مكانٌ جيد..

أخذَ نظرةً متفحصةً حول الغرفة.

- إنها أفضلُ من غرفتي بما يقاربُ ألفَ مرة!

ثمَ أمسكَ بأوراقِ النبتةِ بأناملِه وأردف: ولكن النبتةَ تحتضرُ بالمناسبة.

بقيتُ واقفًا عند البابِ أتفحصُه وهو يجولُ في الأرجاءِ لامسًا كلَّ شيءٍ في غرفتي، ولكن بمجردِ أنّ وصلت أناملُه للطاولة، أجبرتني غرائزي على التحدث.
لسببٍ ما، لم أرغب بإكتشافه المخبأ الذي أخبئ به كلَّ شيءٍ أقومُ بكتابته إليك.

- كيفَ وجدتني؟

- لديّ طرقي الخاصة. ليسَ من الصعبِ الإبحارُ في هذا المكانِ بمجردِ عبورك من العوائق.

- العوائق؟ كررتُ بعده، بغيرِ اعتيادٍ على المصطلح.

رفعَ إبهامه في الهواء، ثم دفعها نحو السبابةِ والوسطى وهو يكرر: العوائق.

لم أفهم ما معنى ذلك..

- أتمانعُ جلوسي على كرسيك؟

سحبَ الكرسي من حيثُ كنتُ قد وضعته بترتيبٍ تحت طاولته. لم يكن هناك وقتٌ لأجيب، لأنه كان قد جلسَ بالفعل.
مُجددٍا أخذَ يصفرُ بمجردِ رؤيته للنافذةِ العلويّة.

- يا فتى، إنكَ تملكُ منظرًا ليليًا حتى! ما الذي فعلتَه كي تستحقَ هذه الجنة؟

جلستُ بحذرٍ على السرير، غير متأكدٍ من أنه حقًا في غرفتي.

- لا شيء. استيقظتُ بها..

- لابد من أنّ السيد والسيدة وايت يثقان بك كثيرًا كي يسمحا لكَ بالبقاءِ هنا. لو كنتُ مكانك، لكنتُ استخدمتُ هذه النافذة للهروبِ منذُ وقتٍ طويل.

قهقه بصوتٍ غريب.

- لقد تعلموا بأن يضعوني في غرفةٍ مغلقةٍ بعد أن جربتُ ذلك آخر مرة..

سيد وسيدة وايت.. مصطلحاتٌ أخرى غيرُ مألوفةٍ لي.

- يبدو بأنكَ تعرفُ الكثير عن هذا المكان، سيد.. توقفتُ عند إدراكي بأنني لا زلتُ لا أعرفُ اسمه.

- كيم.. نطقَ بالاسم.

- آوه! هذا اسمي أيضًا! قلتُ، بسعادةٍ بعض الشيء.

حتى مع أنني كنتُ لا أعرفُ شيئًا عنه، إلا أن حقيقةَ كوننا نتشاركُ اللقبَ عينه مشوقةً لي.
ثمَ هوى قلبي بعدها قليلًا.. أنا وساني نتشاركُ اللقبَ نفسه.

جعلني أقفزُ في مكاني عندما سمعته يشخرُ بصوتٍ عالٍ.
ضحكته كانت مريبة، بكونه لا يستطيعُ فتحَ فمه بشكلٍ كامل.

- تخمينٌ عشوائي وقد حصلتُ على لقبكَ منذُ محاولتي الأولى. إن قراءتكَ سهلةٌ كثيرًا، كيم.

حدقَ بي بنفسِ الابتسامةِ على وجهه.

- أسفٌ أيها الفتى. كانت تلك كذبة. اسمي ليس كيم، ولكنك للتو فقط أخبرتني بخاصتك.

فجأةً أحسستُ بأنني ما عدتُ أحبُّ هذا الرجل كثيرًا بعد الآن، فأنا لا أحبذُ أن يُكذَبَ عليّ.

- سرٌ صغيرٌ بيني وبينك، إنني لا أتذكرُ اسمي. لقد استخدمتُ أسماءً كثيرة، حتى ضاعَ الاسمُ الحقيقي بينها..

ولكن ربما لم يكن سيئًا لهذا الحدِ يا عزيزي..
كان نوعًا ما يشبهُني.

- أحاولتَ أنّ تتذكر؟

سعلَ ساخرًا.

- مَن يهتم. هذا هو أنا الآن، وهذا ما يهم..

نهضَ عندها وسارَ نحو الرف، حيثُ كانت كلُ أقنعتي الآن مطويةٌ بانتظامٍ في الزاوية، عوضًا عن عرضها كما كانت سابقًا.

- إنهم يسمحون لكَ بالخروجِ حتى. هاه! كم مضى من الوقتِ على كونكَ هنا حتى أصبحتَ تملكُ كل هذه الأقنعة؟

- فقط مؤخرًا. كانت هذه هنا منذُ أنّ وصلت.

كان دوري الآن للكذب.. لا أريدُ إخباره.
التقط القناعَ الأعلى ووضعه على وجهه.

- كيفَ أبدو؟ سألَ، مستديرًا إليّ.

حجبَ القناعُ الأسودُ نصفَ وجهه، وشعره الأشعثُ الأبيضُ والأسودُ كان مختبئًا تحت قبعةٍ كان يرتديها اليوم.

- تبدو.. محجوبًا. قلتُ له.

- محجوبًا.. أحببتُ هذه الكلمة.

****

مَن تظنون يكونُ هذا؟ أيُّ تخمينات؟!

أنزلتُ اليوم الفصل الأول من رواية جديدة تتحدثُ عن الصداقة والمشاكل الاجتماعية، جيمين وتاي.
امتعوني بحضوركم ^^

رسائلٌ إلى لا أحد.Where stories live. Discover now