الفصل الثامن والعشرين

17.4K 975 28
                                    

°°~دُمية مُطرزة بالحُب~°°
"الفصل الثامن والعشرين"

جلست "ملك" على المائدة مستندة عليها بذراعها وقد طال انتظارها لـ "يونس" الذي لم يأتي بعد منذ أن غادر ظهيرة اليوم.. حتى إنه لم يتناول من الطعام التي أعدتهُ له بنفسها، وكان ذلك سبب عبوسها أغلب اليوم.
استمعت لطرقات على الباب، فـ هبت من مكانها معتقدة إنه حضر أخيرًا.. فتحت، فـ تفاجئت بوجود "رضا" العامل لدى متجر والدها الصغير.. أحنى بصره عنها بـ احترام و :
- الحج موجود؟

أجفلت بضيق مجددًا وهي تجيبه:
- آه
- أصله بعت طلبني وانا جيت أشوفه عايز مني إيه

أفسحت له "ملك" و :
- أتفضل وانا هبلغه

أغلقت الباب وقبل أن تدخل لوالدها كان يخرج هو بعدما سمع صوتهِ و :
- أهلًا يارضا

فـ صافحهُ رضا بـ حرارة و :
- أهلًا ياحج، أؤمر

أشار له ليجلس و :
- أقعد، كوبايتين شاي يابنتي الله يكرمك
- حاضر يابابا

وولجت للمطبخ تاركة إياهم، فبدأ "إبراهيم" يتحدث إليه بـ استفاضة :
- أنا عايز أبيع المحل وبدور على مُشتري

حدق "رضا" وقد أصابه الذهول :
- ليه كده ياحج! ؟؟.. ده احنا اللهم صلي على النبي أكبر محل ملابس رجالي في المكان بتاعنا والزباين بييجوا علينا بالأسم!

أطرق "إبراهيم" رأسهِ متضايقًا كونهِ مضطر أن يتخلى عن هذا الكيان الذي بناه لنفسه وسعى ليكون أفضل المتاجر الخاصة بالملابس وتكبد العناء كي يكون على مكانته تلك، ولكنهُ مضطر على تأمين "ملك" أولًا.. فهي لن تستطيع التعامل بنفسها مع الأمر وتولي مكان والدها، لذلك قرر تجميد كل شئ وتحويلهُ لمبلغ نقدي كبير من أجلها :
- عارف، بس الأعمار بأيد ربنا وانا مش ضامن أعيش يوم زيادة
- ياحج بعد الشر ربنا يطول في عمرك

فـ غصب نفسهِ على بسمة مريرة وقد لاحت الحقيقة أمام عينيه :
- مش باين

فـ اقترح عليه "رضا" :
- طب ما تأجره ليا، أو أشغله وليا تلت الربح.. أي حاجه بس متقفلش مكان أكل عيشي أنا والرجالة

اختنق "إبراهيم" من هذه النقطة أيضًا، فهو ربّ عمل لـ خمس عمال بـ خمس أسر يعيشون من خيرهِ وفائضهِ.. تنهد بثقل، فـ رفع عنه "رضا" حمل الرد واستطرد قائلًا :
- هسيبك تفكر وتعرفني ردك بعدين، بس فكر فينا ياحج الله يخليك، دلوقتي الدنيا عطلانة والشباب اللي معاهم شهادات على القهاوي، يبقى أحنا هنعمل إيه!

عادت "ملك" ووضعت الشاي أمامهم ثم انصرفت للداخل، فـ أومأ "إبراهيم" رأسه له و :
- ماشي، هفكر يارضا.. ربنا يعمل اللي فيه الخير
- إن شاء الله كل خير ياحج

نظرت "ملك" من نافذة غرفتها يمينًا ويسارًا، لم ترى أي مؤشر يُنبئ بحضورهِ.. حتى أن "عيسى" مازال مُرابطًا أسفل منزلهم ولم يتحرك من المكان الذي تركه فيه "يونس"، زفرت بـ اختناق وهي تتحسس ذراعها بلطف لعلها تنسى تلك الوخزات المؤلمة التي مازالت تُرافقها، ثم مددت على الفراش بعدما تناولت هاتفها.. عضت شفتيها وهي تفتح تطبيق المكالمات المرئية، وأفتر ثغرها مبتسمة بعدما قررت أن تتصل به وتراه على الأقل.. ولكنها فشلت في الوصول إليه، يبدو إنه أغلق بيانات الهاتف ولم يستخدم الأنترنت منذ الصباح.. فـ ألقت الهاتف على الفراش مستسلمة لحزنها، وعيناها على الهاتف تتمنى لو إنه يتصل الآن بها فـ ينقشع حُزنها.
............................................................................

~دُمية مطرزة بالحُب~Where stories live. Discover now