الصفحة البيضاء

72 3 11
                                    

بالنظر الى بضع أراء لبضعة مفكرين، فإن هوية الشخص تتولد من ذكرياته الخاصة، أي ان شخصك الحالي نتاج تراكم خبرات على بعضها. مثل ما لو انّك تقول ان الحكمة ان والمعرفة مفهومان منفصلان عن بعض، كذلك المعرفة نفسها لا تعادل تجربة في الحياة.

بالنسبة لي، اعتبر نفسي شخصا مسطحا، او شديد التسطح. يمكنك مناداتي علما دون حياة او خبرة، فبقدر ما أدري الكثير عما يجري من حولي، أجهل كل شيء عن نفسي.

ماضيي صفحة بيضاء، الا من مشهد واحد، كان لي مثل نقطة الانطلاق.

مستلقيا، ظهري على سطح مرج أخضر يبدو لي ممتدا الى ما لا نهاية، حتى سد الأفق، فأراه العالم كله لي.

وحينما فتحت عيني، وقع عليها نور الشمس مباشرة بشكل عمودي، حتى كادت تحترق، لكني لسبب ما لم اشعر بالألم.

حاولت مد دراعي لأجل التغطية على النور، لكن بعضا منه لا زال منسلا عبرها. ذراعي كان صغيرا للغاية، بالكاد وسعه حصر شيء منه.

أعتقد ان هذه اول مرة أرى فيها ذراعي عن قرب، ما منحني شعورا غريبا.

دراعي نحيل للغاية.

أدري ما هي الأصابع، لكن تحريكها أصعب مما ظننت، كذلك أشعر بنوع من غياب الاتزان والتزامن.

وبعدها بقليل تعلمت ان كلما قربت يدي من مصدر الضوء صغرت المساحة التي يغطيها الظل، لذا تمكنت من حسر النور بوضع كف يدي على عيني مباشرة.

لا زلت مستلقيا على العشب، أحاول التفكير في بضع أشياء.

أشعر بالجوع.

ما هو الجوع على كل حال؟

انتهى بي الامر بوضع يدي الثانية على بطني، لكن هذا لم يدفعني للتحسن، بالرغم من ذلك جسدي يحب الضغط على بطني لسبب ما.

ظللت على تلك الوضعية لساعات، لا أدري ما انتظر صراحة. فقط، حينما قضى عليّ الملل، نطقت دون قصد بصوت مسموع "ماذا الآن؟".

هل هذا صوتي؟ بدا مختلفا عن الذي اعتدت التفكير به. في الواقع، الصوت الذي فكرت به كان محيرا لي، لمن هو عائد.

فسمعت نفس صوتي الداخلي، لكن من الخارج هذه المرة، من خلال اذني.

قال الصوت "لما لا تنهض عن العشب كبداية؟".

لا أدري لما هلعت، لكن رد الفعل ذاك ساعدني على الجلوس باستقامة. وتعلمت بعدها ان نور الشمس لا يكون مؤذيا للعين حينما لا تنظر له مباشرة.

بشكل فطري ميزت ان الصوت اتاني من الجانب، فاستدت نحوه بلا تفكير.

في النهاية، وجدته رجلا، لونه ابيض في أبيض، كما لو انها سحابة على شكل انسان. فقط، له زوج عيون من لون الذهب، مشعة مثل الشمس التي فوقي الآن. تلك العيون كانت أكثر ما برز فيه، الى جانب نظراته الملولة.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now