المشعوذ الأناني: اكتمال البطل

14 2 11
                                    

في ضباب الزمن، قبل عقد أو ربما أكثر من حاضرنا القصصي، شرعت ملحمة بطل الرواية، فونتي، في مسارها المتعرج. والذي ولد وترعرعت وسط سحر "ماريستو" الريفية، وهي قرية جذابة تقع في المناطق الجنوبية، حيث تتراقص همسات الساحل مع النسيم.

تكشفت نشأة فونتي في أحضان هذه القرية الصغيرة الهادئة، إلا أن تربيته تحملت ثقل الحزن والرفض. على الرغم من حيوية والديه وسلامتهما، إلا أن فقر المودة بين الثلاثة ميزت سنوات حياته الاولى. وهذا ما حصل تحت ظلال الشك، الشك من أثار ظهور شائعات عن خيانة الأم، مما جعله منبوذًا عن غير قصد. على الرغم من استمرار وجود والده، ظل فونتي شخصية على الهامش، روحًا منعزلة تائهة في تيارات الرفض.

وسط عزلة وجوده الانفرادي، وجد فونتي العزاء في رفيق غير متوقع، وهو ثعبان طيفي ذو لون زمردي اسمه Xyndr. مع همس أفعواني انزلق مباشرة إلى قلب فونتي، أصبح زيندر المقرب من أفكاره العميقة، ولسانه مليء بالإكسير القوي للمشورة السامة.

وكطفل منحرف، فقد عمل على مجموعة من أعمال التخريب والسرقة. لم يكن طامعا في شيء محدد، بل لامتلاكه عاطفة غير مفهومة، تصور أن العالم من حوله يكرهه، فقرر مبادلته الكراهية.

وصحيح ان له بيتا يسكنه، لكنه يتجنب العودة له معظم الوقت، حتى لا يتم صلبه بشأن التبرئة التي سيجلبها معه كل مرة، وليس كما لو أن إطاره الأسري كان بتلك البهجة. والغابة على حدود القرية اتخذ منها مأوى له، ضد كل نفس من حوله.

وحيد، قلق، ومضطرب، لحد ان وضع جدارا اجتماعيا بينه وبين الكل، وتبنى لنفسه فلسفة الفساد. كطفل شارع، لم يكن له حيز كبير للثقة بأحد وفضل التصديق أن مصيره يكمن في ما سيصنع بيده.

الثعبان زيندر كان شريك سكنه الوحيد، والمغذي الأساسي لتلك الأفكار، والذي عمل على سحب فونتي للهاوية مثل زوبعة وسط المحيط. ورغم انغماسه في النجاسة بالتدريج، الا ان فونتي الطفل وجد العزاء في كونه شخصا سيئا. يدري عن مقدار السوء في ما يتلقى منه من تعاليم، لكنه راض عنها جميعها.

الأنانية، الغضب، الكسل، الطمع، كره الذات، الرغبة في التسبب في الأذية، كل هذا تماشى مع نظرة فونتي للعالم. فصار العالم من حوله قائما على الانغماس في الملذات.

بالنسبة لشخص يرى نفسه في القاع، فأكثر ما سيكره هو تحذيق شخص ما به من القمة. وذاك كان الاسم الذي سيصيبه بالسعار كل ما ذُكر أمامه "اكنو".

لو ان فونتي كان المفسد البربري، فـ اكنو بمثابة الطفل المعجزة، الذي جسّد نقيض كل ما اعتقده فونتي تلك الفترة. صارم، قوي، كذلك لطيف وحنون. يقدم مساعدة غير مشروطة لكل من حوله، لدرجة أن بات يُضرب به المثل للأطفال المشاكسين "لما لا يمكنك أن تكون مثل اكنو وحسب؟". وكثيرا ما سمع فونتي تلك الجملة من أبويه.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now