آسف، لكنك تبدو لي من نفسي الطينة

13 2 5
                                    


في مكان يطغى عليه اللون البني العنبري، وتفوح منه رائحة كل ما يمكنك وصفه باحتفال خيالي. ورغم ان الوقت مبكر من الصباح، الا ان الصخب لا زال في أوجه.

دخل كيوس المطعم مطوقا جانبيه بكل من اكنو و فونتي، مثل حارسين شخصيين، او ربما زوج من السجانين في طريقهما به نحو الزنزانة.

تبدو الفكرة في ظاهرها مثيرة للريبة، فلو كان الاثنين عازمين على العداء، ما مصلحتهما من استجوابه في مطعم، ما دام الوضع قد يشتد في وسط قد يتأذى فيه مدني بسبب قتال. ففكر كيوس ان ربما الاثنان لا ينويان على شر، لهما ثقة مطلقة في قدرتهما، يستخفان به، او ربما لم يفكرا كثيرا في الموضوع.

أثناء قصدهم الطاولة، ومثل حيوان بري، أحس بنظرات مصوبة نحوه من قريب. فحول بصره بالاتجاه المعني، حتى وجد خيال الظل الأحمر، مستندا على مرفقه، يراقبه بابتسامة تبدو عليها البراءة والحنان الأمومي.

كيوس لوح لها بيده مبتسما، كما لو انه يقول "ما شعورك وقد نجحت في دخول المدينة دون مساعدتك؟". غير ان ريسا لم تبد أي رد فعل خاص تجاه شماتته بها، ما جعل كيوس يستاء.

اكنو اجلس كيوس على طاولة، في تواز معهما، ما يدعم استغراب كيوس. لو ان الاثنان يشتبهان في كونه مجرما من نوع ما، فكان أولى ابقاؤه على قرب منهما، بدلا عن منحه مسافة للهرب.

سلوكهما العفوي جعل كيوس يرتاب ويرتاب أكثر.

ريبته تبددت من شيء بسيط، هو اذن اكنو له بطلب ما يود على القائمة. حينها امتن داخليا لحصوله على فطورين مجانيين في نفس اليوم.

تمالك كيوس نفسه، ثم رفع يده كما لو انه يطلب الاذن للحديث.

سأل اكنو بنبرة معتدلة لا تحمل رحمة او ضغينة "ما الامر؟".

قال كيوس محرجا "بدلا عن الطعام، هل يمكنني الحصول على قيمته مالا؟". يعني، لا زال على كيوس جمع خمس فضيات لأجل نقابة التجار، فكل فلس يُحتسب كقيمة.

مد اكنو يده في جيبه، لكن فونتي أطبق عليها بأقوى ما لديه، والذي ليس الكثير.

فونتي تذكر مرة حينما عبر اكنو جانب عجوز متسولة، فرمى لها عملة ذهبية كاملة، اضطر فونتي لمشاجرة العجوز حتى يسترجعها، ما جعله سمعته أكثر هراء.

يد اكنو مثقوبة... مجازا.

سأل كيوس كولومبي "هل انا في ورطة؟". لم يكن بنيته طلب الإجابة، بقدر ما بدت له سخرية من وضعه الحالي. قالها مبتسما وهو ينظر لشجار الاثنين حول تلك العملة الذهبية، كيف ان قبضة اكنو مطبقة عليها بينما فونتي يحاول انتزاعها منه بيديه وأسنانه معا.

في خضم هذه المهزلة، وردت اذن كيوس كلمات ملحنة محمولة على صوت عود وثري. لف بصره جانبيا حتى يتحقق من مصدرها، والتي أتت من خلال شاعر متجول ببطن الحانة، يدندن بأبيات.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now