غزو الغيلان: دمار المدينة

10 2 1
                                    


المباني سليمة، لكنها تحتوي أزقة تعبأ بصوت تأوهات شبحية. المدينة التي كانت نابضة بالحياة قبل ما يقرب يوما وحسب، تحولت الى ما يتجاوز المقابر في البشاعة. ليس وأن الميت يرقد في سلام بقبره، بل هو يمشي على قدميه، مجتهدا في دعوة غيره لمشاركته نفس المصير.

خرج الثلاثة من السجن توا، ولم يجد أي منهم ما قد يسره. لا يكفي فقط المدينة تحت وطأة احتلال جيش من الغيلان، بل الأسوأ في كونهم مجرد بشر متحولين بالغلط.

بدون رسم تعبير محدد على وجهه، سأل اكنو مراقبا المشهد "من قد يفعل هذا؟".

كيوس في باله جواب على هذا السؤال، لكن لم يتجرأ على مشاركة معرفة ناقصة، فلزم الصمت. وحتى بالرغم من كونها مدينة تقع أقصى الشمال، الا ان الحرّ طاله من جسد اكنو المتقد.

توازيا مع ذلك، لمح الثلاثة ظلا لفتاة صغيرة تزحف بين الشوارع، مع لون بشرتها الفضي يظهر جليا كونها مسخا مثل البقية. المقرف بشأنها هو تمسكها بيد آدمية عائدة لوالدتها. وبالرغم من تحولها الى شبه مسخ، لا زالت محافظة على واحدة من وصاياها البدائية، وهي عدم افلات يد والدتها.

كل من فونتي و اكنو تمكنا من التعرف عليها صدفة، والتي كانت نفس البنت التي أرعبها فونتي في وقت قريب، بعد أن جعلها تتعثر برفع حجر بلاط.

لربما الجنود الخمس من وقت سابق لم يختلفوا جوهريا عن مجرد وحوش برية، لكن مقاربتهم الشكلية مع شخص يعرفونه مسبقا خلف أثرا غير حميد.

سأل اكنو دون النظر لوجه فونتي، مخفيا تعابيره "حتى لو أبدنا المصدر، فما من طريق لعلاج الغيلان، صحيح؟".

شد فونتي على قبضته يعاني صعوبة في مصارحة اكنو، لكنه قالها على كل حال "نظريا، بلى. هو هيجان في الطاقة، فلا ارتباط بين الضحية والمصدر".

في النهاية، استهداف البشر مختلف عن صيد الوحوش، لذا وضع فونتي يده على اكنو الذي يتجاوزه قامة، ثم قال "يمكنك ترك العمل القذر عليّ هذه المرة".

كانت تلك اللحظة ذاتها التي لمحتهما فيهما الغولة الصغيرة، فاندفعت نحوهما مع قفزة معززة بالطاقة، مزقت ألياف ساقها العضلية.

قبل ان تطال أسنانها ذراع اكنو، كان قد سحق جمجمتها بالأرض أسرع مما يمكنك أن تلمح.

فونتي المتعود لم يبد رد فعل، بينما كيوس هو المتعجب مما جرى قبل برهة. حتى وهي مسخ متحول، لا تزال طفلة. وسعه قمعها مع أقل تشويه للجثة. هنا سحق جمجمتها بالكامل، حتى ما عاد لها رأس بين كتفيها.

استدار اكنو نحو كيوس وقال "ما من مثير للإعجاب بي. بالرغم من كل شيء، انا لا احمل ذرة شفق تجاه أي شخص ممن يزحفون هنا. انا فقط أدري أنّ عليّ الغضب، وسأتصرف وفق هذا".

ثم حول اكنو بصره نحو فونتي بطريقة يبدو فيها الصرامة ونفاذ الصبر "يفترض بقصر النبيل التحول الى ملجأ، خذ هذا الطفل هناك، ثم الحقني".

هل تمنى كيوس القتال؟ بلى. هل يستطيع؟ لا. هو يدري كم هو عائق في حضورهما، لذا انصاع لـ اكنو الغاضب دون مناقشة. هناك حمله فونتي من مؤخرة ياقته، قبل أن يطفو في الجو باستعمال عنصر الريح.

لم يطل الامر الى ان ارتفع الاثنان، حيث وسعهما رؤية المدينة من زاوية أوسع، فأدركا كم أن الوضع قد فسد بالفعل. في ليلة واحدة انتشرت عدوى الغيلان أسرع مما وسع أي منهما التصور، فزاد فونتي من قوة اندفاعه حتى يضع كيوس ثم يلحق اكنو أقرب فرصة.

فقط، قبل ذلك، لاحظ فونتي اتزان كيوس وعدم إدلائه بأيّ تعليق واحد فيما يتعلق بكونه يحلق حرفيا الآن. أجاب كيوس أنه امتطى طاووسا ملكيا من قبل (ريزو). همهم فونتي قبل أن يرد عليه ساخرا "نعم، طبعا فعلت".

ساد بينهما الصمت، دون تبادل أي كلمة ثانية. كما لو أن كلا منهما قد شرد في عالمه الخاص. واستغلالا فرصة الركود تلك، سأل كيوس كولومبي "هل هذا من صنيع الشيطان الذي حدثتني عنه؟".

أجاب كولومبي "ليس وكأن بوسعي الجزم، لكن لو كان من نوع مصاص الدماء، فهو قادر على هذا. في النهاية، عليه مشاركة الدم مع بشري واحد، والذي سينقل العدوى بنفسه لباقي المدينة. دماء الشياطين قوية بما يكفي لخلق هيجان داخلي بأجساد البشر العاديين".

عض كيوس على شفته قبل ان يسأل مكرها "يمكنك اخباري بمكانه؟".

توازيا مع ذلك، لم تقدر كولومبي على قمع ضحكتها، كما لو أن الفوز كان من نصيبها. سألت شامتا به "وما الذي غير رأيك يا ترى؟".

رد كيوس "من قبل، كان هذا تحديا بيني وبينك، حتى اثبت وجهة نظري، لكن انظر للمدينة الآن؟ هذا خطئي، والموضوع ما عاد يشملني وحدي".

صمتت كولومبي، ثم قالت "لأول مرة اتفق معك في شيء، وهو أن هذا خطؤك، لكن لما عليّ انا ترقيع خطأك لك؟".

أجاب كيوس "ليس واجبا عليك. أنا أطلب منك، وردك سيكون تكرما عليّ".

صمتت كولومبي مدة من الوقت، ثم ردت متنهدة في شكل من القبول "أنا أرفض. أخشى أن عليك تدبر أمرك بنفسك kiddo".

هل خاب أمل كيوس؟ ليس تماما. لقد خرق واحدة من مسلماته، بطلب المساعدة من أكثر من يكره سؤاله، والذي رفضه في الحين. بالرغم من ذلك، لم يستطع كرهه. لحين يظن كيوس انه بدأ باستيعاب القليل من كولومبي، تفاجئه ببعد إضافي في شخصيتها.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now