غزو الغيلان: تجلي الفاعل

11 3 1
                                    


عودة لـ أكنو، حينما لا زال في طور الجري بسرعة لا تقارع، يمزق كل غول يقع على محيط بصره.

حتى وهي قادرة على استعمال السحر، إلا أن هجماتها تنزلق بسهولة عن جسده. لا يمكنها خلق مسافة قبل أن يطالها بالفعل، ولا يتبقى منها سوى لطخات من الدم على الأرض.

لا النار تحرقه، لا البرق يصعقه، لا الصخور تسحقه، لا المياه تغرقه، لا الريح تبطئه، والسيوف او الرماح تخرق جلده. مثل دبابة من العضلات الفولاذية، شق طريقه عبر ازقة المدينة، مخلفا وراءه بركا من الدم الملوث.

في بضع أجزاء من الثانية لمح مشهدا أجبره على التوقف، لمنظر شخص مألوف له. فكر "حتى أنت؟". والذي لم يكن بالمميز، سوى كونه زميل نقابة، الذي يقع تحته في الترتيب كثالث أقوى عضو بالفرع.

السوط بيده، يكاد ينزل به على بشرية حامل، لولا ان اكنو شق المسافة بينهما، حتى حماها بظهره.

تراجع الغول للوراء، محاولا خلق مسافة بينهما.

مع حركة لوخز عضلات لا ارادية، تصرف مثل الثمل المخمور. امتد السوط من خلال يده كشفرة ملتوية، سوّت كل المباني المحيطة بهما بالأرض، حتى تحول الحي الى مساحة مفتوحة من الركام.

قال اكنو بصوت مسموع "حتى وانت مُجرَّد من كل ما يجعلك آدميا، لا تزال محافظا على ذاكرتك العضلية".

تركيزه بالكامل مصوب للعدو أمامه، والذي قد اعتبره أكبر تهديد عليه. ونسي. الشياطين لها أشكال بشرية كذلك.

قبل أن يدرك بوعي ما حصل، وبسبب حدة حواسه، تحرك جسده بطريقة لا ارادية، محولا الطعنة من القلب الى جانب الخصر.

أيضا، اكنو قفز مبتعدا عن الاثنين، ثم قال "إذن، افترض أن هذا من صنيعك؟"، مشيرا لـ ريسا لاعبة دور الضحية.

بعض من دم اكنو لا زال على يد ريسا، فقامت بلعقة محاولة تذوقه. بسبب مذاقه المر، فقد بصقته قبل ان يبقى ثانية كاملة على حافة لسانها.

قالت ريسا "بعض من دمي يجري في عروقك بالفعل، فأظن أن هذا الوقت المناسب gلتلفظ بكلمات أخيرة، قبل التحول إلى غول بدورك".

لم يغمض لـ اكنو جفن، وبقي متماسكا مثل العمود المتين. وعلى نقيض ما أملته ريسا، فجرح خصره قد تعافى، معوضا كتلة اللحم التي خسرها.

اتسعت عينا ريسا في تعجب، ثم قالت منبهرة "بدن جاف؟ لا عجب أن مذاق دمك مر".

اكنو ولد دون موهبة سحرية، كونه لا يمتلك ذرة طاقة واحدة في جسمه. كقيمة مضافة يعوض بها نقصه، هو متفرد ببنية عضلية تتجاوز الحد الوحشي بأضعاف. هذا ما يسمى بـ"البدن الجاف"، اي جاف من الطاقة.

الغيلان تتولد من هيجان الطاقة، لكن اكنو ليست له طاقة من البداية. لن يتحول إلى غول حتى لو حُقن دم ريسا، فهو لا يملك ما يستحق الهيجان.

وبما ان الشياطين تميل للبشر دوي الطاقة الأعلى، فلم تستلطف ريسا دم اكنو الخالي منها.

الغول تحرك مقاطعا الحوار بينهما، لكن السوط هذه المرة قصد ريسا الأقرب له.

استحضرت ريسا رمحا من الظلام، ثم وجهته نحو السوط، الذي التف من حوله حتى علق به.

حاول الغول سحب سوطه، لكن قبضة ريسا كانت القوة المهيمنة في صراع الجر.

ريسا من سحبت الغول نحوها بحركة جدية واحدة من يدها، وقالت "لو قيدت شخص بحبل، فهذا يعني أنه يقيدك بالمثل".

وبينما تم جره محلقا نحوها بقوة زخم قبضتها، شطرته وهو لايزال في الهواء، حتى تحول إلى كتلتين متماثلتين.

استدارت نحو اكنو، وقالت "أدري ما تفكر به، وهو سؤال حول مهاجمته لي. الغول هو اصطلاح على الذي خسر التحكم بطاقته. حتى لو ولد من دمي، فهذا لا يعني أن بوسعي التحكم به. هي حالة هيجان قبل كل شيء".

اختفى الرمح من يد ريسا، وبسلام اتجهت نحو طوبة ضخمة حتى تجلس عليها، واضعة يديها فوق ركبتها.

اكنو حائر، فالعداء باد عليها، لكنها كذلك لا تنوي اذيته، فصعب عليه تحديد هدفها بالضبط.

مدت ريسا يدها باتجاه اكنو مستحضرة بذلك كرة ثخينة من الظلام الصلب، ثم قالت "أنا أمنعك من تفادي هذه الكرة، قبل الحصول على إذن مني".

اكنو بيده سيف التقطه من واحدة من جثث الحرس، بحركة واحدة منه، شطر كرة الطاقة إلى نصفين.

ريسا بشكل عبثي نظرت الى يدها المقسومة - بدءا من إصبعيها البنصر والوسطى حتى الرسغ، ثم قالت "الظاهر ان هذه اللعبة لن تكون تنافسية بالنسبة لك. تهاني؛ هذا لوحده يجعلك من بين أقوى خمس بشر اعرفهم، دون احتساب البطلين".

تعافت يدها حتى عادت قبضة سليمة، ثم قالت "ما رأيك أنت تنضم لي؟ انا مجرد مخلوق فضولي حول قدرته على ترويض البشر. في النهاية، هذه أيضا واحدة من اشكال السلام؛ أقصد، الانصياع للجنس المهيمن".

تحرك اكنو بسرعة، في نيته استهداف عنقها. غير أن ريسا انحنت على مهل، حتى ارتطم السيف بجانب رأسها، مصيبا كتلة شفافة.

كبداية تصور اكنو انها مستعمل لنوع من سحر الحواجز، لحين كشفت ريسا عن قرنيها المغلفين بالوهم.

بالنسبة للشياطين، فطاقتها السحرية تبدأ من القرون، والتي تكون أكثر عضو هشاشة في أجسادها ونقطة ضعفهم الأساسية. لأجل أن تستعمل ريسا قرنها لصد ضربة اكنو، فهذا يدل بشكل واضح على استخفافها به وثقتها العمياء في فرق القدرة القتالية بينهما.

أدرك اكنو انها في مصيبة. وهو حاليا يحاول الدفع بثقل جسده كاملا، الا أنه عاجز عن صنع شرخ في ذلك القرن. ليس ان ريسا تخادع، بل القوة العضلية في عنقها لوحده هيمنت على اكنو تلك اللحظة.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now