ما بعد نهاية المدينة: عودة البركان

14 3 3
                                    


24 يوما من حياة كيوس، بذات اليوم، قريبا من منتصف الليل.

تحتضنهما أشجار الغابة الكثيفة بأغصانها المدببة، يزحفان عبر ظلمة خشبية نحو مكان مجهول، حتى ريسا ليست متحققة من وجهتها بعد هجر الجيش الأسود. يمكنك ان ترى عليها الهم واضحا وهي تفكر.

على الجانب الثاني كيوس الخنوع، خسر آخر ما تبقى له من رغبة للمقاومة. الأمر لا يتعلق بالفجوة بينه وبين ريسا وحسب، بل بسبب ما حصل فهو أكثر صدمة من إبداء رد فعل تجاه أي مما يحصل من حوله. عيناه هائمتان في الفراغ، وتفكيره لا يزال محصورا في لحظة من التاريخ، حيث انتهى كل شيء. ريسا ما كلفت نفسها عناء تقييده، فهو لا ينوي الهرب حتى.

شمّت ريسا القليل من الدم بطريقة شاذة، فاستدارت لتجد كيف أن كيوس من صدمته لم يحاول تفادي غضن حتى، ما خلف جرحا بسيطا على خده.

نزلت على نفس مستواه، حتى قربت وجهها من وجه، واستعملت لسانها للعق الدم. فعلا، كان طيب المذاق.

منظر مثير للشفقة، لحد أن ريسا لم تقاوم رغبتها في الطبطبة على رأس تلك الجثة المتحركة. "لا تقلق بني. ما دمت لا تقوم بأي حركة متهورة، لن اؤذيك"، قالت بنبرة بها حنيّة.

"رجاء، اقتليني"، همس خافت، قد يصعب على شخص بسمع خارق التقاطها. كان له صدق نية خام، ملأ اليأس كلماته.

وقفت ريسا، واعتدلت. نظرت في عينيه مباشرة، وقالت مبتسمة "تتذكر حينما ركبت معي العربة، وسألتك ان تصير اخا أكبر لطفلي؟ هذا هزلي نظرا لمن انت. أخبرني، كيوس رقم 1، ما رأيك أن تنتقل للعيش معي؟ كوخ صغير في ريف معزول، نتعاون مع بعض في تربية هذا الطفل، مثل اسرة واحدة؟".

التناقض، بسببه لم يدري من أين عليه البدء في التعقيب. هو محبط على الإجابة أساسا.

صوت تكسر غصن يشير لاقتراب مفترس ما، لكن لا مفترس هنا أشدّ من ريسا نفسها.

زحف الظل خارج الأشجار، حيث ظهر كونه مجرد وحش آكل نمل عادي أخضر من وقت سابق، مثل الذي اعترض عربة ريسا قبلا. لم تحتج ريسا أكثر من طلقة سوداء صغيرة لأجل اسقاطه من بعد.

قهقهت "انظر، حتى انّي صرت حارستك الشخصية هذه المرة"، فمسحت على رأسه من جديد.

لكن الأمر لم ينتهي عند تلك النقطة، فقد حولت ريسا بصرها نحو ظل عمق الأشجار، بعد أن دفعت كيوس لما وراء ظهرها في وضعية حماية. وقالت "الحُمق هو تكرار نفس التجربة مع توقع نتائج مختلفة، فلما عدت؟".

كيوس لديه استشعار للطاقة هو الثاني، فلم يدري من تتحدث له ريسا بالضبط، فهو لا يرى إلّا الفراغ بذاك الاتجاه.

لاحظ كيف ان الوحش كان مصابا من البداية، وعليه آثار جروح بالسيف، ما يعني أن شيئا ما هاجمه قبلا، فلربما هو المعنيّ.

وليس أن الأشجار تحتوي كيانا بطاقة جبارة، بل العكس. كل جسد في ذاك العالم لديه نسبة من الطاقة، حتى الماء والحجر، لكن ذاك الركن المظلم بالذات لا هالة صادرة عنه، كما لو أن شيئا يمتصها.

ولم يطل الأمر إلى أن زحف خارج الشجر بدرع ذهبي مشقوق، سيف أسود بيده، حروق درجة ثانية، ووقفة شامخة عليها قوة حضور تعادل انفجار بركان.

كما لو ان الحياة عادت لـ كيوس فجأة، وتحولت عيناه للآلئ تشع ميلاد أمل جديد. "انت حي؟؟؟".

لا كلمة او رجفة على شفته، بقي اكنو واقفا مكانه يراقب.

استدارت ريسا نحو كيوس حتى تشرح له "هذا محرج، بما أنهما هربا في اللحظة الأخيرة، لكنه ظل ممتعا".

مررت يدها بخفة وسلاسة أمام وجه كيوس في حركة تنويم حتى فقد الوعي، ثم أسندته على جذع شجرة.

وبعد ما فرغت، استدارت نحو اكنو، ثم قالت "رجل نبيل بالفعل. رغم كونك بعيدا عن العين والحواس (عديم الهالة) الا انّك اخترت مواجهتي مباشرة. هل يعقل قلقك على سلامة الصبي؟ او ربما غياب صديقك المشعوذ إشارة لوجود خطة ما؟".

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now