معمعة ريسا: دخول العثة

12 2 4
                                    


بالليل، وسط صخب الحانة، جلس الرجل، يرتشف حزنه وهمه مع جرعة خمر بسيطة، تفكيره كان في البلاء الذي جلبه معه للمدينة. يفكر في الصواب والغلط، ثم كيفية تهربه منها لو تفاقم الوضع.

في لحظة، لمعت صورة ريسا في عينه، فاحمرت وجنتاه، ليس من الشرب الكثيف، بل لأن قلبه خفق لها قليلا.

بقدر ما هي متوحشة وشريرة، الا انها كانت أكثر رحمة به من معظم ما حوله.

هو يدري كونه مجرد ضحية استغلال ومتعة لحظية، لكن تلك كانت واحدة من ابسط حالات متلازمة ستوكهولم.

بينما الخمر يسري في كل شريان من جسمه، غلبته الشهوة، فبدأ يفكر في طريق للوصول لها.

هناك سمع صوتا جانبه يهمس "الأمومة شيء غريب بالفعل. سعادة الطفل من سعادتك، وحزنه من حزنك. هو ذات منفصلة، لكنك لا تتوقف عن رؤية الأمل فيه، مثل لو انه امتداد للذات. هذا جعلني أفكر، كيف يمكنني ان أكون اما جيدة وخدومة، لكن دون فرط الحماية والتدخل. بوسعي تقديم هدية لطفلي، لكني اشك انه سيسعد بها، فما ظنك بهذا؟ هل يجوز لك ترك طفلك يتقدم في حياته الخاصة دون تدخل، حتى لو عنى هذا احتمالية موته؟ قبل كل شيء، الأسود ترمي اشبالها من الجرف".

لم يفهم الرجل القصة من ذلك الحوار، الى ان استدار جانبه، لتفقد هوية الجالسة جانبه على نفس المنضدة.

تظهر امرأة ذات جمال أثيري. تتطاير حولها خيوط طويلة من الشعر الأبيض الفضي، ملتقطة أشعة ضالة ونسجها في نسيج متلألئ. عيناها الزرقاوان، العميقتان مثل هاوية المحيط، تحملان أسرارًا لا توصف، تتلألأ بجاذبية غامضة. بشرتها نقية كالثلج المتساقط حديثًا، مما يضفي عليها هالة من عالم آخر، تكاد تكون شفافة في مواجهة الليل.

وهي ترتدي ملابس بيضاء نقية وألوانًا زرقاء سماوية، وتتحرك برشاقة تبدو وكأنها تتحدى الجاذبية نفسها. ابتسامتها، منحنى الشفاه الساحر والمريح، تحمل في طياتها ثقل الألغاز المحجبة والطمأنينة التي تهمس بها الريح.

ولكن ما يميزها حقًا هو رقصة العث الساحرة التي تحيط بها، وهالة من الأجنحة المتقزحة التي تومض مع كل حركة. كل فراشة، عبارة عن منارة صغيرة من اللون والضوء، تدور حولها مثل جوقة سماوية، وتلقي تعويذة من العجب والسحر على كل من يراها.

لم يصدق الرجل، ولم يستوعب هل هو في اليقظة او المنام. لكن أكثر ما بدا له واقعيا، حينما مدت له المرأة الغامضة زجاجة تطلب منه السماح لها بأن تسقيه وتصب له.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now