فتاة التنين

23 3 14
                                    


في حالة من الاسقاط النجمي، ظلت كولومبي جالسة قرب كيوس فاقد الوعي. بوضع بسيط من التأمل، استرجعت الطريق التي عبر من خلالها وصولا هنا، التي دامت ما يتجاوز أسبوعا من التوغل بالأدغال، فيها اقترب كيوس من الموت أكثر من مرة. هذه لا تختلف عن أي منها.

لم يتبق له أي مؤونة، وهو متعب على أن يصطاد. بعيدا عن ذلك، لن يدافع عن نفسه حتى ضد أي كان سيعترضه الآن. الذئاب استنزفته مثل ما لم يفعل شيء قبلا، ووضعه الحالي ميؤوس منه.

مدت كولومبي يدها نحوه على مهل تفكر، هل عليها علاجه الآن بينما هو مغشي عليه حتى لا يلاحظ، او تتركه أطول لعله يصحو بنفسه.

وبطرف العين، سحبت يدها بعيدا، وفكرت "لكم هو محظوظ". قالتها بعد أن حولت بصرها لبقعة داكنة بين الأشجار، مشيرة لقدوم شيء أو شخص لعله ينجده.

بهمس الشمس على خصل شعرها الذهبية ترقص النسمات، وعيناها كلوحة فنية بلون السماء الصافية. بشرتها كاللوتس الناعم ينعكس جمالها، وعلى خصرها يرقص الخنجر بأناقة، بظهرها تتلألأ النبالة كسيف بطل قصص الخيال... تقريبا. كمزيج بين القذارة على اسطورة مهذبة، تقدمت الشقراء الغامضة على عجل وهرولة.

تصورتها كولومبي آتية لنجدة كيوس، لكنها تجاوزته مسبقا، وطالت يدها حقيبة سفره.

قالت كولومبي "هذه إذن هي استنجد أعمى بأعمى؟ لا تتعبي نفسك".

أفرغت الفتاة الغامضة الحقيبة، حتى وجدتها جوفاء، الا من الخريطة، البوصلة، وحجر الصابون. حتى ان الزمزمية الجلدية أكثر جفافا من رمل الصحراء.

امسكت الفتاة الصابون، مثل ما لو انها تتفقد مادة غامضة ومبهمة. فعلقت عليها كولومبي ساخرة "نعم، هو صابون للتنظيف. لا شك انّك ستستدفين منه بشدة".

شمت الفتاة الصابون، فكانت الرائحة القوية مفاجئة لها، اجبرتها على إفلاته ألما نزل على انفها.

"هل نتعامل مع حيوان بري هنا او ماذا؟"، فكرت كولومبي.

بلمح البصر، ومن مصدر مجهول، تلقت الفتاة عضة ما على معصمها.

الجرو الأبيض من وقت سابق، لم يغادر عودة لقطيعه، بل ظل على مقربة يراقب كيوس من مسافة. وكإجراء وقائي مثل ما قد يتصرف أي كلب حراسة، حاول طرد المعتدي.

ظل مزمجرا. عصر جرو الذئب بفكه بقوة على معصم الفتاة الغامضة، يرفض افلاتها.

الفتاة لم تبد نوعا من استجابة الألم، بل بقيت تراقب الكلب برد فعل لا يحمل أي تضاريس مقروءة.

بشكل مفاجئ، قربت وجهها من عنقه، حتى فتحت فكها كاشفة عن كل اسنانها. وآخر ما ستتمكن من سماعه هو تأوهات جرو ينفق.

مات الكلب مخنوقا عضا على العنق، فتحول كتلة لحم مغلفة بفرو.

حتى ان كولومبي غطت على فمها دهشة بشكل غير مقصود "ما تكون هذه البربرية؟".

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now