الانحطاط: أول لمسة آدمية وأول مدينة

16 3 3
                                    


وقت عبوره من خلال تلك الغابة، لاحظ عربة متوسطة البعد عنه. عربة عادية نسبيا، لكن ليس من طبيعة الدابة التي تجرها.

حيوان زاحف بقوام يشبه الذئب، يُستعمل من طرف الطبقة ميسورة الحال لجر العربات بدلا عن الجياد. صحيح ان له طبيعة مفترسة، لكن ليس لو لم تم تدجينه منذ مرحلة الفقس، فعندها يصير فوق الأليف والوديع.

ليس هذا ما ابهر كيوس، فتلك لم تكن اول مرة يصادف بها مخلوقا سحريا. بل انبهاره كان من اللذين على العربة.

أول تفاعل آدمي.

زوج مكون من رجل ومرأة على متن تلك العربة، فلم يقدر كيوس على مقاومة فضوله والرغبة في الاطلاع.

من ذاك الرجل؟ ما اسمه؟ ما مهنته؟ من اين اتى؟ الى اين ذاهب؟ ما طعامه المفضل؟ كيف يقضي وقت فراغه؟ ما حلم طفولته؟ والكثير من الأسئلة التي تدافعت بداخل حيز كيوس الفكري المحدود.

حينما قابل اول بشري، اعترف به تلقائيا ككيان مساو له، فتمنى لو انه يتعلم كل شيء عنه. تمنى التودد له ومصاحبته.

دون قصد منه، إطالة كيوس النظر أثار شبهة الزوجين.

حينها، لوحت له الزوجة للمجيء، فاستجاب لها كيوس مثل حيوان بري.

سالت السيدة بنبرة مهذبة توحي بالرقي الاجتماعي "كيف لي خدمتك بنيّ؟".

تعطلت قدرة كيوس على التفكير لبرهة من فجائية الموقف، وأول ما نطق به هو "هل البنفسجي لونك المفضل؟".

توازيا مع ذلك، احمرت وجنتا كيوس من الخجل، بسبب افتتاحيته الغريبة للحوار. وبالرغم من ذلك، هو مستغرب. صارع نمرا وذئبا حتى الموت، تجنب رجلا مخبولا يرمي بالفؤوس، سحب السيف المقدس من الصخر، وعاشر البطل وملك الطيور، فلما وقوفه امام مجرد انسان تسبب له في كل هذا الهلع؟

السيدة غطت على ابتسامتها بكم ثوبها الواسع، وأجابت "لا يا ابني، الأحمر لوني المفضل. ماذا عنك؟".

صمت كيوس قليلا، ما أثار قلق السيدة. سألت "هل من مشكلة؟".

اجاب كيوس "رجاء لا تستعجليني، انا اعمل على هذا حاليا". صمت أطول من ذلك بقليل، ثم أجاب "البني على ما أظن".

الرجل سائق العربة تحدث من تلقاء نفسه مجيبا "البني لوني المفضل انا كذلك".

في تلك اللحظة تحولت عينا كيوس الى لآلئ من الحماس والبهجة بعد ان وجد شخصا يشاركه نفس التفضيل، فصاح داخليا "هذا الرجل، سأحميه بحياتي".

سألت السيدة "ما اسمك؟".

كيوس يدري ان ليس عليه التعريف باسم الحالي، لكن في نفس الوقت فخره يمنعه من استعمال لقب مستعار. بدلا عن ذلك، رفض تقديم نفسه وحسب.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now