حداد على خسارة المدينة

16 3 5
                                    


أشرقت الشمس معلنة بداية يوم جديد، وهو 24 من حياة كيوس.

وقف الاثنان معا أمام لوح حجري عليه اسم منقوش، تحت شجرة مثمرة وفيرة الظل، أفضل ما وجده فونتي في تلك الغابة.

بينما كيوس في حداد بسيط، حول بصره نحو فونتي، حيث وجد دراعه المفقودة في مكانها، لكن عليها قفاز. والمثير أنها ذات اليد الممسكة بسيف الفضة السوداء.

سمع كيوس من كولومبي معظم ما جرى من الليلة السابقة، إلا ظهور اوتاه وابن القمر، هذا كجزء من اتفاق مسبق بين الثلاثة.

بنبرة متردد سأل كيوس "هل كان هذا خطئي؟ هل تكرهني؟".

هادئا ومتزنا رد عليه فونتي "أكرهك؟ أنا حتى لا اعرف من انت. طفل غامض اخترق حياتي، وجوده سلب اخي وجزءا كبيرا من عمري. طبعا انا اكرهك. كل خلية حية من جسدي تأمرني بقتلك، لكن هذا في ذاته سيجرد الاحمق المدفون تحت التراب الآن من سببه".

مترددا سأله كيوس ثانية "وما ستفعله الآن؟".

ليلة أمس، قرر فونتي زرع يد اكنو كبديل على يده المفقودة، ما منحه كذلك القدرة على حمل سيف الفضة السوداء. ولعدم قدرته على هضم الفكرة، قرر تغطية تلك اليد الجديد بقفاز، كمحاولة منه تفادي واقعه الحالي.

"اخي الأهبل ورث لعنته من ابيه، وانا الآن ورثت ذات اللعنة منه هو. ما هو البطل على كل حال؟ ولما عليّ تحمل تلك المسؤولية؟ أنا فقط أدري أنّ حياتي ليست ملكي بعد الآن، فأنا الوحيد الذي سيمنح لوجود اخي الاهبل معنى. لن أنتقم، بما ان قاتله مات. فقط، سأحاول العيش كشخص صالح مثل ما حاول هو أن يكون". فلف بصره نحو كيوس القصير جانبه "وماذا عنك أيها الشقي؟".

"ما عدت أدري؟"، قال كيوس. قلبه لا يزال يعتصر من الألم، بسبب ان ما أصاب المدينة كان بسببه هو. لو أنّه لم يسحب السيف من البداية، لما استهدفته ريسا، ولما مات أكثر من 5 ألاف شخص. هو فقط لا يدري كيف عليه التصرف بعد ما جرى ذلك اليوم.

قال فونتي "سحب السيف من الصخرة، وموت جنرال، والتي تكون حاملة بولي العهد الأسود. أدري انّك حصلت على حريتك قريبا، لكن انصحك بالابتعاد عن هنا في أقرب وقت".

بصمت، استدار كيوس استعدادا للمغادرة. وبشكل مفاجئ، أحس بنزول ثقل عظيم على قمة رأسه، ما تسبب له في وجع جهنمي. حينما استدار، وجد كيف أن فونتي ضربه بحافة السيف الأسود – وهو في غمده.

سأله كيوس متألما واضعا يديه معا على رأسه "لما فعلت هذا؟".

رد عليه فونتي مبتسما "آسف رفيقي، لكني لن أتمكن من مسامحتك ما لم افعل هذا على الأقل. نحن الآن متعادلان".

للأفضل أو الأسوأ. كيوس توجع فوق ما يمكن للكلمات أن تصفه. لا يد له في أي مما جرى من حوله، لم يكن يسعه أن يتصرف بطريقة أفضل مما فعل مسبقا. هذا تجاوز حدود امكانياته، ولم يسعه إنقاذ أحد. هو يعي كما أن فونتي في ألم. بالرغم من ذلك، وهو لا يزال في أوج استيائه، تمكن من إيجاد مساحة لمسامحة كيوس.

"هل فعلا استحق ان يتم التساهل معي هكذا؟"، فكر كيوس.

"أدري ان الوقت غير مناسب، لكن ايفيل، يمكنني طلب شيء ما منك؟"، قاطعت كولومبي حفل أفكاره، بسلوكها الشاذ هذا.

كيوس نفسه احسّ بالفضول، فتلك أول مرة تطلب منه كولومبي شيئا شخصيا، والدليل على ذلك مناداته أيها بالاسم. طبعا، لم يكن له خيار سوى الموافقة.

ترك فونتي أمام قبر اكنو، وبعد أن ابتعد عنه بمسافة بسيطة، تمكن من سماع صوت رشقة.

وببطن الغابة حيث وقع كل شيء، استقرت قدما كيوس. سأل "الآن ماذا؟". وقبل أن يُعقّب كليّا عما لديه، تمكن من لمح رأس آدمية ملقاة جانبيا. من لون شعرها وقرنها الوحيد يمكنك الجزم.

"هل هذه ريسا؟"، سأل مستنكرا، وبمشاعر متضاربة بين الشماتة والحزن.

ردت كولومبي "تلك امي". ففسرت له كيف أنّ كل واحد من كيوس لديه امّ بيولوجية، حتى كيوس الحالي نفسه. هذا الذي بث فيه الأمل والفضول لمقابلتها والتعرف عليها.

سأل كيوس "جلبتني هنا لدفنها؟".

ردت كولومبي "هذا فقط سيقوم بتسميم التربة، وتركه مكشوفا سيجلب الوحوش، والنار لن تحرقه".

سأل كيوس "إذن، ما المعمول؟".

طلبت منه كولومبي نقله لبقعة مشمشة، حيث سيتبخر على مهل تحت نورها.

حاول كيوس عمل عزاء بسيط لها بالتعبير عن أسفه، لكن كولومبي سألته ببساطة "لأجل ماذا؟". وبعد ما ظن ان بقلبها بضعا من المعالم الآدمية، وجد ان مشاعرها ذات لون مختلف. "فعلا، اظن اننا لن نتفاهم"، قال كيوس.

استعد هذا الأخير للمغادرة، لكن كولومبي أوقفته من جديد.

"ماذا الآن؟"، سأل كيوس الممتعض.

على الجانب الثاني من الشجرة، قرن ريسا الذي كسره اكنو من وقت سابق.

"بما ان ريزو طلب منك البحث عن ذلك الحداد، فلا شك أننا سنستفيد من هذا بشكل ما. نصف سحر الشياطين في قرونها على كل حال".

وبدون أي خطة، شد كيوس رحاله نحو المدينة الثانية، وهذا كإعلان لنهاية الفصل الثاني.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now