الخنجر الأمين

17 2 5
                                    


17 يوما من حياة كيوس.

صحيح ان ضربة السيف المقدس بثت الحياة على الجبل المقفر، لكن هذا فقط ما شمل القمة. وكلما نزل عنه بطلنا ابتعد عن حاجز الطاقة، فعاد البرد لنخر عظامه. غير ان لا بد من الإشارة كذلك، المناخ بعيدا عن القمة بارد قطعيا، لكن بدرجة ممكن احتمالها آدميا.

على ظهره الضيق حقيبة جلدية تقربه حجما تحوي مؤونته لهذه السفرة، والمتمثلة في كيسيين جلديين من الماء، قطع لحم مجففة، غيار ملابس واحد، ملاءة، قداحة، حجر صابون، ولا ننسى خنجره الأمين.

طريق عشبي منحوت بخط ترابي قاتم، ما يوحي بمرور العشرات من الخطوات من فوقه، ما منع العشب من النمو. هذا يعني كذلك ان لو اتبعه كيوس، فلا شك في وصوله الى نقطة مأهولة.

في لحظة من التأمل الذاتي القصير، وقف بطلنا امام شجرة ما، يتحسس عظمتها وشموخها، هذا بتمرير يده على سطح لحائها الخشن.

فكر تأنيّا بوجهته الخاصة، هذا ما قاده لسيل بسيط من الذكرى، التي لم تمضي عليها بالكاد 5 أيام مذ غادر الجبل.

كان مجرد حوار عادي مع ريزو، من ماض قريب.

ريزو هز كتفيه باستخفاف، وقال "باستثناء رين، لم أتوقع وجود شخص قد يرفض حيازة قوة السيف المقدس. بسبب هذا، أدري كم انت عنيد، لكن متأكد من ان هذا الخنجر ما تود بدء مغامرتك به كسلاحك الأساسي؟".

تبسم كيوس في وجهه ابتسامة خفيفة، وقال مجيبا على قلقه البسيط، بعد ان تحسس ان سؤاله هذا نابع عن اهتمام "بلى. أفكر لكم سيكون من الملائم لأسطورة الخاصة ان نكبر انا وهذا الخنجر مع بعض. هو مجرد شفرة حادة من المعدن، لم تُطرق به أي امال من صانعه، ولا يخدم أي هدف محدد. سيكون من الجميل لو تمكنت -أنا- من دب معنى ما به".

ريزو يدري ان المنطق لن يجدي مع هذه الصبي في هذه الحالة، والا لأقنعه بخطر استعمال سلاح غير موثوق. بدلا عن ذلك حاول التفاوض معه على نفس مستواه الفكري، لأجل ضمان الحد الأدنى لسلامته "ابصمه باسمك على الأقل".

هنا تذكر كيوس كيف ان الخنجر الذي مد رين له قبلا كانت عليه بصمة باسم كيريو، فلو قام بالمثل لخنجره هذا فستتعزز امكانياته بدرجة كبيرة.

فرك كيوس مؤخرة رأسه مع ابتسامة محرجة، وقال بخجل واضح "أظن ان هذا لوحده سيكون عائقا كبيرا لي، بما ان ليس لدي اسم".

ريزو يدري كم ان الأسماء شديدة الأهمية في ميدان السحر والتعاويذ، فقال متفهما "وانا لن استعجلك، لكن تأكد ان ساحرا دون اسم ساحر ضعيف. لو أردت الصمود بهذا العالم، فعليك إيجاد واحد يحمل الكثير من قوة المعنى في حروفه".

انتهى الموضوع، لكن ريزو أراد مفاتحته بنقطة ما أرقته "اذن، ما وجهتك؟". لم ينتظره ان يجيب قبل ان يقترح عليه من عنده هدفا أوليا لرحلته "Mogi الحداد. في أول اشتباك بين كيريو والملك الأسود، فقد تشقق ايغوفا. موغي كان الحديد الوحيد القادر على اصلاح السيف المقدس، ولربما الوحيد القادر على منح معنى للخنجر الذي معك. جرب البحث عنه، وان فعلت، اوصل له تحياتي".

ضحك كيوس "ومن قال لك ان ليس في بالي وجهة؟".

انبهر ريزو بعض الشيء، وقرب وجهه في فضول ينتظر منه اخباره بما يود تحقيقه.

قال كيوس "أعتقد انّي سأقصد مسقط رأس رين".

بما ان الموضوع كله منسوب لـ رين من جديد، فقد خاب امل ريزو. كيف ان كيوس يتوقع منه التحرر من الماضي، بينما هو نفسه لا يزال مقيدا بـ رين.

قال كيوس مكملا "سأتعلم أكثر عن نفسي، لو تعلمت أكثر عن الشخص الذي صنعت لأكونه، وانا اقصد البطلين رين و كيريو".

أعجب ريزو قليلا بنضج كيوس وطموحه، ما أجبره على سحب تصوره السابق.

قال كيوس "واثق من انّك لا تريد مرافقتي؟".

مع تعبير متألم قال "لسوء الحظ، لا يمكنني التفكير بأحد غيره في حضورك، لذا لا أتخيلني أجد استقراري معك". صمت قليلا قبل ان يكمل "أيضا، الضوء ليلة أمس كان مبهرا، فلا شك ان بعض الطفيليين سيردون لهذا الجبل، وواجبي استقبالهم".

كيوس أحس بالقليل من التأنيب، بسبب ان حركته السابقة لم تكن محسوبة والآن تبعاتها تنعكس على أحد غيره، فبكل قلق سأل "ستكون على ما يرام؟".

وضع ريزو يده على صدره منتفخا، وقال "تدري من انت قلق بشأنه؟ انا ريزو ملك الطيور. لا وجود لوحش في السماء أقوى مني".

ثم أشار ريزو لصدر كيوس، وقال بنبرة من الصرامة والتحذير "عدى ذلك، وتحسبا لمقابلتك واحد من أولئك الطفيليين، لا تتجرأ على استعمال اسمك كيوس".

عودة للحاضر، حينما لا زال كيوس واقفا امام الشجرة.

سحب خنجره، حتى بدأ بالتمعن نظرا به، فوجد عليه العشرات من بقع الدم الجافة ووبر من حيوانات ذبحها في الطريق، بل وشروخ على شفرته. حينها تنهد من الإحباط، كيف ان خنجره لن يصمد والرحلة لا تزال في أولها.

وبينما الخنجر لا زال بتلك اليد، استعمله لنقش كلمة على تلك الشجرة، "Afel". باللغة القديمة تعني "الاجابة" او "انت"، وهذا الاسم الذي منحه كيوس لخنجره.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now