لقاء امومي

18 3 21
                                    


داخل عالم من التسارع الفكري، في مساحة وهيجها الأبيض لا يسطر أي حدود، وقفت الاثنتان في توازي لبعضهما البعض. على وجه كل واحدة منهما ابتسامة تعتبر مثيلة لأختها، مثل كيانين متقاربين وشديدي التناسق.

لمست ريسا حافة رأسها، حتى تحقق من أن قرنها قد عاد مكانه. ثم أدركت أن اليد التي لمستها -لا شعوريا- به كانت من ذراعها المبثور، والتي تجددت بطريقة ما. ففهمت أن هذا ليس واقعا، بل أقرب ما يكون لحلم ما قبل النهاية.

سألت ريسا مستنكرة "إذن، لمن أدين بشرف قتلي؟".

قهقهت كولومبي معلقة على برودها رغم عن كونها نهايتها "لا شيء أقل من هذا متوقع من امي. حتى الموت لا يضايقك".

أحنت ريسا رأسها مفكرة. وفي ذلك الانحناء لاحظت كيف ان بطنها ما عادت منتفخة. طبعا، هما في نطاق فكري خاص، فلا حق بأي روح دخيلة بالتواجد به، حتى لو كانت حملها. وبما انها تذكرت موضوع الحمل، فاستوعبت ما يجري.

قالت ريسا "كيوس رقم 10 إذن؟ هذا يفسر لما بدا لي مذاق دم ذلك الطفل قريبا مني". صمتت قليلا قبل أن تسأل "اذن، هو ليس كيوس رقم 1 في النهاية، بل 12، والا لما أنت هنا".

اجابت كولومبي "الخطة كانت إطعام كل النسخ للأخير، لكن تأكدي من أن هذا هو الأول. لا شيء يسير كما هو مخطط له".

همهمت ريسا موافقة وغير مبالية، بما انها النهاية لها على كل حال، ثم سألت "اذن، لما لا تسمحين لي بالموت؟ لا أظنك ناديتني هنا لأجل الحصول على لقاء أموميّ وديّ".

ردت كولومبي "في الواقع، هذا ما أملته. ليس وكأني توقعت منك الكثير على كل حال. يبقى هذا أفضل من السماح لأجنبنيّ ما بفعلها بدلا عني".

"مجرد طفل تواق لعاطفة. لكم هذا ممل".

"بدورك، الم تحاولي دعوة أخي للعيش معك في كوخ؟".

"هو شعور مختلط قبل كل شيء. كل واحد منا يعيش وهو في احتياج، ولا زلت أجهل خاصتي. ظننت ان حملي هذا ذريعة لأجل تسلق الحكم، لكن... أنا لا أدري وحسب".

"لا تدرين ما إذا انت تحبين طفلك فعلا او لا؟".

تبسمت ريسا في وجهها، وقالت "أنا فقط أحب كوني شخصا سيئا. بث الحب ليس تخصصي". ثم أحنت لها رأسها متأسفة "انا لم احمل عاطفة أموميّة تجاه أحد من البداية، بقدر ما كنّا 12 امرأة لعبة دور حاويات للأجنة. اخذك ابن القمر عني بعد وضعي لك مباشرة، فلم أحصل على فرصة لحملك بيدي حتى". أكملت كلامها بعد فاصل بسيط، حيث نظرت في عيني كولومبي مباشرة "رغم انّك من انهيت امري، إلا انّي لا احمل ذرة كره نحوك، بل نوعا من الامتنان. وربما خسارة حملي الأول، جعلتني أكثر تعلقا بالثاني. لن أقول انّي أحبّك، لكني لا اكرهك على الأقل".

نزلت دمعة واحدة من خلال خذ كولومبي، دون أن تنطق بكلمة واحدة.

اندفعت ريسا بلمح البصر، حتى طوقتها بذراعيها معا، ما كان مثل حركة هجومية، لذا حاولت كولومبي حماية نفسها، لكن ما غلفها من الخارج كان مجرد حضن.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now