أمل الهرب من الطير الابيض

21 2 7
                                    

الغبار، كان هذا عنوان اللوحة. على سطح أرض يملأها البياض الرملي، وسماء فوقي ليس لها أي أجرام او سدم. لا أدري ما مصدر النور، لكني متأكد من انه ليس الرجل الذي أمامي.

مثل جثة، منقوب الجسم؛ نصف كتلته اللحمية ضائعة، ينظر لي بعينه الوحيدة المتبقية، ومشيرا لي بآخر إصبع من جسده المحنط.

رغم ان معظم تضاريسه ممحوة، لكن يمكنني التعرف على ذاك المعطف الشتوي، فلم يمض وقت مذ ودعته.

أحسست بوخزة قوية بدأت من أسفل عمودي الفقري، حتى تشعبت في ظهري كاملا، فبدأ البرد ينخرني من الداخل. لم أقوى على النظر له، ليس لقبحه، بل بسبب شعور قاهر تولد داخلي.

أظن ان الوقت متأخر قليلا على شعوري بالندم اتجاه رجل الفأس.

تحسست جسدا ثقيل بيدي اليسرى، فحاولت الاطلاع له دون إزاحة بصري كليا عن الجثة. فتبين انّي ممسك بمثيلة فأسه من وقت سابق.

نطقت الجثة بصوت هدير شبحي مثل نسمة هواء ليلية باردة، فكانت كلمات ليس لها شكل. استيعابي لها تولد فقط من حركة واحدة، شرحت ما أمل مني ان افعله.

رفع اصبعه حتى صارت بنفس مستوى رأسه، ووضعها في المساحة بين عينيها، كما لو انه يطلب مني التصويب نحوها.

أعتقد ان هذا كان شعورا اختبره لأول مرة في حياتي، والذي ليس الخوف او الحماس، بل واحدا على جانب مختلف من الوادي.

رغم انّي حاولت بجدية قتله في وقت ليس ببعيد، لكني متردد الآن. ليس أني لا اود أذيته وحسب، بل أتمنى مراضاته بشكل ما. أتمنى تصويب الوضع معه، والتأسف على ما جرى.

أنا لست قاتلا، او ربما انا كذلك. ربما لم أكن بكامل وعيي وتركيزي حينها، او ربما هيأته الحالية غير نظرتي. المهم، انّي فعلا اشعر بالسوء نحوه هذه اللحظة.

أشعر بالسوء لدرجة انّي قد أبكي.

أومض العالم بشكل مفاجئ، ما بهرني. وصحوت على سطح الملاءة التي فرشتها قبل استسلامي للنوم.

كرد فعل، نهضت على عجل، مع عرق بارد ونبض قلب متسارع. لا أتذكر بالكاد ما رأيت في منامي، لكني تحسست قطرة مميزة نازلة من على خذي.

لو استمرت الاحلام الغريبة بمطاردتي، فربما عليّ التوقف بجدية عن النوم. لو ظل الوضع كما هو، فلن أقوى على احتوائه أكثر من هذا.

لا أدري هل هو كسل او احباط، لكن سيلا من العواطف الشاذة قد ملأني، ما منعني من النهوض عن الفراش. وفي وسط الزوبعة الفكرية، قررت سحب خنجري. قطعة حديد لها سطح عاكس، من خلالها تمكنت من رؤية وجهي.

هذا الشخص انا اذن؟ لا أدري حتى ما أعبر به عن نفسي، او ما شعوري الآن. هل هي خيبة امل ان شكلي لا يتماشى مع الهوية التي رسمتها لنفسي، او انّي لم أتقبل بعد من انا.

Beyond the Blank Pageحيث تعيش القصص. اكتشف الآن