ما بعد نهاية المدينة: عاطفة الأخوين

7 3 1
                                    


قبل ذلك ببضع ساعات، في كهف رطب، صحا اكنو على ضوء من نار كانت جانبه.

السرعة من جزع نهوضه تلك أوجعته بدءا من داخل جسده، فتذكر انه مصاب. ومثل فلم طويل تم تسريعه لثانية، استوعب اكنو ما جرى. وأول ما تساءل بشأنه كان مصير فونتي.

لف بصره في المكان، حتى وجد هذا الأخير على باب الكهف يراقب ويحرس. بطريقة هزلية، شكله يشبه الهر المبلول وهو منكمش داخل عباءته.

نهض اكنو في الحال، يبدو عليه اتجاهه لمكان محدد، لكن اكنو اوقفه بصيغة تحذيرية "لم أتخيل انّك قد تصير أكثر حمقا مما أنت عليه، لكن هل الضربة الأخيرة أوجعتك لهذا الحد؟ أين تخال نفسك ذاهبا يا ابن المرأة؟".

تفادى فونتي التواصل البصري، لكن هذا لم يخفي ارتجافه. اكنو بحدة حواسه تمكن من استشعار اضطرابات نبض قلبه من خلال الأرض الصلبة، وهو متعاطف مع هذا. في النهاية، اكنو تعلم السحر من خلال والده، ثم الأكاديمية الملكية. لم يختبر بنفسه قط ذعر الاقتراب من الموت مثل ما فعل اليوم.

قال فونتي محاولا إقناع اكنو بالتراجع "أنا أكره قول هذا، لكن دع الامر لـ اشيل لي". هذا الأخير الذي كان بطل القصيدة الشعرية من وقت سابق.

أجاب اكنو بحزم كما المعتاد "ووقت وصوله، كم من شخص سيموت باعتقادك؟".

فقد فونتي صبره، وصاح بصوت مزق الصمت من حولهما "وأمام من تحاول التباهي؟؟؟ والدك ليس هنا. ثَمّن حياتك أيها الأرعن".

فهم اكنو أخيرا أن ارتجاف فونتي لم يكن قلقا على نفسه، بل على اكنو.

أكمل فونتي كلامه "أعرف انّك لست مهتما بالناس من حولك. انت لا تمتلك قلب بطل، لكنك تجبر نفسك على التصرف وفق تلك المعايير. ما الخطأ في الخوف على نفسك؟ وما الخطأ في محاولة العيش بسلام؟ لما عليك رمي نفسك للموت لأجل حفنة من الغرباء؟ لما تقدم مشاعر أولئك الغرباء عليّ أنا، الشخص الوحيد الذي يهتم لأمرك فعلا؟ لما انت ملح على تعذيبي؟؟؟".

تشنج اكنو، وما عاد قادرا على الفهم. سأله بجحود، يأمل منه أن يفلته "لا تتصرف كما لو أن لك الحق في القلق علي، وانت لست أخا لي حتى".

لربما ملأ هذا قلبه بالكراهية، فلم يقدر فونتي سوى على الضحك. وبسرعة رفع كم ثوبه الواسع حتى يكشف عن يده المفقودة. كل ما تبقى منها هو أثر حرق متبوع بلعنة من السم والسواد، ينخر روحه من الخارج للداخل.

تسمر اكنو عاجزا عن التعبير، فقال فونتي "ولن تسألني حتى كيف هربت بك من ذلك الجرم؟".

عودة لتلك اللحظة، حيث وجد فونتي نفسه تحت ظل الفلكة العظيمة، على بعد بضع أمتار من وصولها الأرض، استنفر، وحاول جرد كل الحلول الممكنة.

ليس وكأن معه تقنية يسعها تبديدها، وسيف اكنو لا جدوى منه دون حامل له.

استجمع ما تبقى له من شجاع، وقصد السيف بأسرع ما يقدر.

لمس فضة سوداء بنقاوة كاملة يؤدي للموت الفوري بسبب جفاف الطاقة، لكن فونتي كان له رصيد أعلى مما يملك البشري العادي. هذا ما وفر له فقط بضع ثواني. تلك الثواني كانت كافية لحمل السيف، وتبديد الجرم بعيدا.

وفي الحين، حمل اكنو المصاب، وهرب به لكهف بعمق الغابة، خوفا من لحاق ريسا بهما.

هذه العملية كانت لها تكلفة، وهي خسارة يد فونتي التي حملت السيف. لأجل إيقاف زحف التسمم الأسود، كان عليه بثرها.

عودة للحاضر، صاح فونتي على اكنو "انت تدري ما تكون الفضة السوداء، لذا يمكنك تخيل ان هذه اليد لن تنمو من جديد. لأجل من ضحيت بهذه اليد؟ كان بوسعي الهرب وحيدا، لكني جازفت بسحبك معي".

أحنى فونتي رأسه، وسمح لـ اكنو بالعبور. "ربما انت على حق. نحن لسنا اخوة على كل حال. أنا ما عدت اهتم".

من خلال كتفيه، تحسس فونتي زوجا من الادرع يحضنه من الوراء. وهذا لم يخلف به ذلك الشعور الإيجابي الذي امله، بل على النقيض، ولد إحساسا الجحود والاستغلال. وبلمح البصر، سارع لإشعال نفسه بنار متقدة حتى يدفع اكنو بعيدا عنه.

علت الحرارة واشتدت، لكن ذراعيه يرفضان افلاته. كان شكل حوار صامت يبين عن ندم اكنو على ما قاله في وقت قريب، بما ان الكلمات لا تكفي للتعبير عن أسفه. كذلك مشاعر فونتي كانت حقيقية، فلم يشأ حرق أخيه أكثر مما فعل، لذا أخمد النار.

وبالرغم من كل شيء، لا زال اكنو المتفحم في طور حضن لـ فونتي.

عادت البسمة لـ فونتي بدرجة ما، لكن هذا لم يساعده بعد على تقبل رغبة اكنو. قال "لن أعالجك هذه المرة. انت استحققت ما حصل لك".

أجاب اكنو "في الواقع، أنا من عليّ شكرك على منحي فرصة لإظهار صدق ندمي. حينما ينتهي كل شيء، تأكد من انّي سأجد طريقة ما لإرجاع يدك".

قال فونتي "انا ما عدت اهتم بهذه اليد. هو ثمن بسيط حتى لا تلقي بنفسك لخطر غير ضروري. لما لا تفهم وحسب؟".

أفلت اكنو فونتي، واستعد للخروج من الكهف.

قال فونتي كمحاولة أخيرة لإقناع هذا الرأس المتيبس "الكلمات مثل السهم، لا يمكنك استرجاعه بعد تحريره. أنا لن أسامحك قط على ما قلته".

حينها استدار اكنو نحوه مع نظرات جدية، تحمل مشاعر مبهمة، لكن كلماته شرحتها، حيث سأل "فقط، اريد ان أتأكد من شيء بسيط. انت لست قوس قزح، أليس كذلك؟؟؟".

مع تأخر زمني يقدر بصفر ثانية، رشق فونتي اكنو بطوبة مباشرة للجبهة.

"شكرا على سكب مشاعري الآدمية على الرمل يا ابن العضلة. هذه آخر مرة أصارحك فيها بشيء. في الواقع، أتمنى لو تموت، بجدية".

Beyond the Blank Pageحيث تعيش القصص. اكتشف الآن