الانحطاط: الفهم والتجربة

16 3 5
                                    


19 يوما من حياة كيوس...

تراه امام نار مخيم، سطوعها يتسرب بين الأشجار المتشابكة، محبطا. لو اقتربت منه بما بكفي ستجد هالات من السواد تحت عينه، لربما مصدرها دمع غزير؛ ولربما كذلك بسبب فخره، حفظها بالكاد حتى ابتعد بما يكفي عن البوابة.

لم تكن له رفاهية الصيد، لذا اكتفى ببعض من الفطر مما وجده في طريقه، أي تقريبا أربع أبواغ عملاقة؛ من علمه يدري انها لن تضره.

من بعيد، جالس في مواجهة كريات من النور، تشير لأطراف قمة الجدار العظيم، والعائدة لمشاعل الحرس.

Krosh، كان اسمها. خلف الجبل تأتي ارض الليل الابدي، واقطاعة حكم الملك الأسود. ما يجعل هذه المدينة الحائل بين الشياطين والبشر. ولو بعد 30 سنة من السلام، فصرامة نقاط التفتيش شيء طبيعي بالكامل.

تساءل كيوس كيف تم بناء جدار بهذا الحجم، خاصة في فترة حرب. فوق ذلك، ما من مقالع حجارة بالقرب، فهذا زاد من حيرته.

واجب الفارس توفير الأمان وضبط النظام، بالرغم من ذلك لم يقم بشيء لأجله؛ والسيدة أخلفت بوعدها لـ كيوس، بالرغم من ان هذا الأخير حماها. أول تفاعل آدمي له لم يكن بتلك الإيجابية، فخلّف به هذا جرحا أعمق مما ظنّ.

في خضم جلد الذات، تحسس كيوس اقتراب مخلوق منه، والذي كان واضحا كونه من الضواري الوحشية.

نظير لوحش الخلد الأخضر من وقت سابق، لكن بقوام أقصر، فلربما هو مراهق متحمس.

بنظرة واحدة من كيوس، شلّ الوحش في مكانه، كما لو انه يقول "صدقني، هذا ليس وقتك".

الوحش لم يستوعب نية العداء بالكاد، فتقدم نحوه متجاهلا احساسه بالخطر.

سحب كيوس الخنجر، ولم يتردد في خلق العشرات من جروح الخفيفة على سطح جسمه. بالرغم ان بوسعه تسلق جسده الطويل لأجل ضربه في نقطة حساسة، الا انه عمل على استغلال هذا كفرصة جيدة لتفريغ الإحباط. كيوس حاول تفادي قتله من أول مرة.

في النهاية، سقط الوحش على ظهره من الألم، حتى وقف كيوس على بطنه شامخا، متصورا مصيره الكامل بين يديها.

في اللحظة التي كان فيها على وشك نحره، أصدر الوحش صوت زمجرة، ليس لتخويف العدو، بل مثل حيوان يستنجد.

تلك الزمجة أجبرت كيوس على الاستيقاظ، فأدرك سوء الوضع الذي هو فيه.

قرر النهوض عن جسمه، والسماح له بالمغادرة.

بالنسبة لذلك الوحش، فهذه ليست مودة تجبره على حمل شعور بالامتنان، بل فخره سيفرض عليه إيجاد فرصة للانتقام. رغم ان كيوس يدري هذا، لكن سمح له بالمغادرة على كل حال.

كل الحيوات مقدسة، لذا هنا كيوس خرق بالفعل واحدة من مسلماته الخاصة عن أدب الصيد، وهي رفض القتل لأجل المتعة.

وضع يده على وجهه في وجع يحاول تمالك نفسه، وفهم طبيعة شعوره الحالي.

الرغبة في التدمير والفساد.

كل تلك الحركة جعلت كيوس يعطش، فمد يده بداخل الحقيبة لأجل رشفة الماء، فلم يتبقى بزمزميته الجلدية الا القليل.

لم يهلع، بما انها قرب جبل ثلجي، فلا شك من وجود مجرى مائي ما على قرب.

أخمد نار مخيمه الصغيرة بردمها ترابا، وانطلق للبحث.

أثناء المشي، ورد اذنه صوت لضرب قوي بالسيوف، قبل تمكنه من لمح شعلة صغيرة بين الأشجار، ثم اقترب لتفقد ما يجري. هذا ما حصل قرب الطريق الأساسي للمدينة.

3 رجال في طور حماية العربة من 5 آخرين. تعرف كيوس على اثنين منهم، وهما قاطعا طريق من وقت سابق؛ غير ان ثالثهم غائب، غالبا بسبب جرح ذراعه. وجود 3 قطاع إضافيين يدل بطريقة ما على كبر عدد افراد تلك العصابة، وكون هذا الطريق جزءا من اراضيهم.

كيوس يدري فرق القوة بينه وبين الرجال أولئك، وكيف أن بوسعه التصدي لـ3 او حتى 5، لكنه تردد لسبب بسيط، وهو ما حصل في ذات اليوم.

هل فعلا الموضوع يستحق محاولة القتال لأجل شخص لا تعرفه؟ وماذا لو فعل ثم قابلوه بالجحود؟ ما المستفاد من كل هذا؟ شك كيوس، ويده مطبقة بقوة على مقبض الخنجر، لا يدري ما يفعل.

رين بطل مكروه، لا شك انه كان ليفعل الصواب، بغض النظر عن رأي الناس به، فكر كيوس. وهذا لوحده منحه بصيصا نور حتى يقوم باتباعه، لولا ان الشيطان همس في اذنها.

كولومبي من عمق عقله الباطن قالت بلسان مشطور مثل الحية "ايمانك به وببطولته مجرد وهم، صدقني انا التي اعرفه. وصدقني حينما أقول انه ما كان ليهتم حتى. بدلا عن ذلك، انت بحاجة للماء. انظر للعربة كيف ان ليس عليها مراقب، بينما الكل منشغل بالقتال لأجلها".

كيوس ما كان ليتردد في رفض هذا الاقتراح، لكن في هذه النقطة، بدا له عرضا فوق المغري.

تسلل من خلال ظلمة المكان، خلف الرجال المتحاربين، حتى ركب ظهر العربة في سر. وهناك بدأ بالتفتيش. والظاهر انهم كانوا حفنة تجار عاديين في طور نقل صناديق من التوابل وأوراق الشاي.

هذا لم يمكن ما يبحث عنه، لكن لم يطل الامر ان وجد امامه برميلين من الماء. وطبعا، هذا أكبر من ان يحمله كيوس بنفسه، لذا سارع لفتح واحد وملأ زمزميته منه.

هرول للغوص بين الأشجار، دون ان يلاحظه أحد، وعلى وجهه أجمل ابتسامة لأجمل فتى لص في القارة. الفخر والسعادة من استغلاله الفرصة واستغباء الكل لأجل الحصول على ما يريد. كانت فرحة مزيفة، لكن لم تمنعه من الابتسام وتناسي كل شيء. شعور جميل ان تكون الفاعل بدلا من المفعول به.

في لحظة، سمع كيوس صوت صراخ رجل ما، قبل انغراز الشفرة في عظم صدره، لا يدري هل هو من بين التجار او قطاع الطرق، فقرر العودة لتفقد ما يجري. هنا، همس الشيطان في اذنه من جديد "لا تهتم بهم. بدلا عن ذلك، لدينا الآن، لحم، فطر، ماء، توابل. انا اعرف وصفة جيدة ستأكل أصابعك معها".

حار كيوس فيما تعنيه كولومبي بالتوابل، حتى وجد بيده كيسين صغيرين لا يدري متى أخذهما معه بالضبط.

كان امام كيوس خياران، الأول العودة للقتال لأجل غرباء لا يعرفهم او يعرفونه، او الاتجاه لمخيمه البسيط لأجل الاستمتاع بأشهى طبق فطر مع توابل مستوردة.

انت تدري ما حصل بعدها.

Beyond the Blank PageWhere stories live. Discover now