" في لحظة خاطفة حينما نواجه إنعكاس صورتنا على قطعة ملساء ، يرى كل منا أحلك مخاوفه ...
ذلك الجانب الذي يخشى أن يطلق سراحه ...
ذاك الذي تطمسه خلف قناع الكماليات ...
فيغدو سرا بينك و بين المرآة ! "أنين متحشرج و شهقات حارقة عجزت عن الوصول إلى مسامعه فإرتدت غارقة في الفراغ ، حاضر ملطخ بالماضي و مستقبل غامض بلا أمان ، ظلال تتراقص من أسفل فرجة الباب الذي يمنعه عن الخارج فينكمش رعبا عند معرفة صاحبها جيدا .....
و مجددا يزداد الطنين داخل رأسه فيعتصره بيديه يحاول إسكاته و تخفيف آلامه حتى نجح أخيرا فعاد من الخيال إلى الواقع ....
إرتعشت رموش عينيه و إنفرجت جفونها ببطء محاولا إزالة الغشاوة عنها ، و بعد ثوان توضحت الرؤية له فوجد السقف يقابله و شعر بشيء يجثم عليه ليقاوم صداعه و يلتفت بوجهه في وهن ، فرآها جالسة على الأرض يد تمسك بيده و الأخرى تضع بها قطنة معطرة أسفل أنفه ، و عندما وقع نظرها عليه إنكمشت ملامحها و إنتحرت اللآلىء من عينيها الكحيلتين دمعة تلو الأخرى دون توقف ، وبينما هو يطالعها مرت خاطرة سخيفة على ذهنه لم تناسب موقفه البتة " أي نوع من الكحل تستخدم مريم يجعله لا يندثر مع دموعها السخية ؟ "
و عندما سمع صوتها المتلهف يسأله عن حالته إنتبه عمار إلى إستلقائه على الأريكة في الردهة فهمس بتشتت :
- في ايه ... ايه اللي حصل ... وانتي قاعدة بتعيطي كده ليه ؟تذكرت مريم فقدانه الوعي منذ قليل بعد تصرفات غريبة قام بها فإنطلقت صرخاتها الخائفة و كادت تخرج طلبا المساعدة لكن عز عليها تركه ملقيا على الأرضية هكذا فآثرت حمله أولا وقد عانت الويلات حتى إستطاعت سحب جسده الثقيل و حمله على الأريكة ، جلبت قطعة من القطن و عطرتها لتضعها تحت أنفه و حين كادت تغادر لتخبر البواب بطلب طبيب باغتها عمار وهو يمسك يدها في حالة الاوعي هاتفا بضعف " ماما لأ ... بابا متسبنيش ... بابا ... ".
فظلت مريم جالسة تفترش الأرض تحاول إيقاظه وهو يئن و يهمهم بكلمات غير مفهومة حتى فتح عيناه و هاهو يننظر إجابتها على سؤاله.
مسحت دموعها و أجابت بصوت مبحوح :
- أغمى عليك فجأة و انا معرفتش أعمل ايه فجبتك هنا و حاولت أفوقك لحد ما فتحت .... عمار انت كويس تحب أطلبلك الدكتور ؟و مع كل كلمة منها كانت ذاكرة عمار تستعيد آخر لحظات عاشها قبل إغمائه فزفر ماسحا وجهه بكف يده :
- أنا بخير متقلقيش مجرد إرهاق لأن بقالي يومين مبنامش كويس و كمان انا مكلتش حاجة من الصبح علشان كده .... مفيش داعي لدكتور.إنتفضت مريم واقفة بسرعة :
- اسفة نسيت أنك مكلتش حاجة من الصبح بص أنا أساسا لسه عاملة الأكل ثواني و أحط السفرة.رآها عمار تركض إلى المطبخ و نظراته تتبعها حتى إختفت ، أغمض عيناه يمسح على وجهه متذكرا ما عاشه قبل ثوان من إغمائه اللعنة لقد فقد السيطرة على نفسه و إنعكس الأمر على تخيلاته فكاد يقتلها !!
YOU ARE READING
نـيـران الـغـجـريـة
Mystery / Thrillerتتقاطع طرقهما و تتصادف الأقدار لتجمعهما معا .... في ظروف غامضة و خارجة عن المألوف .. بين طرفين معاكسين لبعضهما .... أحدهما يمثل القناع المزيف للصورة المثالية لأي شخصية ذات قيمة في المجتمع ، و يستغل نفوذه ليتذوق لذة ضعف الآخرين أمامه ... و الطرف الآخ...