الفصل الثاني عشر : إعترافات.

1.7K 76 10
                                    


" في لحظة خاطفة حينما نواجه إنعكاس صورتنا على قطعة ملساء ، يرى كل منا أحلك مخاوفه ...
ذلك الجانب الذي يخشى أن يطلق سراحه ...
ذاك الذي تطمسه خلف قناع الكماليات ...
فيغدو سرا بينك و بين المرآة ! "

أنين متحشرج و شهقات حارقة عجزت عن الوصول إلى مسامعه فإرتدت غارقة في الفراغ ، حاضر ملطخ بالماضي و مستقبل غامض بلا أمان ، ظلال تتراقص من أسفل فرجة الباب الذي يمنعه عن الخارج فينكمش رعبا عند معرفة صاحبها جيدا .....

و مجددا يزداد الطنين داخل رأسه فيعتصره بيديه يحاول إسكاته و تخفيف آلامه حتى نجح أخيرا فعاد من الخيال إلى الواقع ....

إرتعشت رموش عينيه و إنفرجت جفونها ببطء محاولا إزالة الغشاوة عنها ، و بعد ثوان توضحت الرؤية له فوجد السقف يقابله و شعر بشيء يجثم عليه ليقاوم صداعه و يلتفت بوجهه في وهن ، فرآها جالسة على الأرض يد تمسك بيده و الأخرى تضع بها قطنة معطرة أسفل أنفه ، و عندما وقع نظرها عليه إنكمشت ملامحها و إنتحرت اللآلىء من عينيها الكحيلتين دمعة تلو الأخرى دون توقف ، وبينما هو يطالعها مرت خاطرة سخيفة على ذهنه لم تناسب موقفه البتة " أي نوع من الكحل تستخدم مريم يجعله لا يندثر مع دموعها السخية ؟ "

و عندما سمع صوتها المتلهف يسأله عن حالته إنتبه عمار إلى إستلقائه على الأريكة في الردهة فهمس بتشتت :
- في ايه ... ايه اللي حصل ... وانتي قاعدة بتعيطي كده ليه ؟

تذكرت مريم فقدانه الوعي منذ قليل بعد تصرفات غريبة قام بها فإنطلقت صرخاتها الخائفة و كادت تخرج طلبا المساعدة لكن عز عليها تركه ملقيا على الأرضية هكذا فآثرت حمله أولا وقد عانت الويلات حتى إستطاعت سحب جسده الثقيل و حمله على الأريكة ، جلبت قطعة من القطن و عطرتها لتضعها تحت أنفه و حين كادت تغادر لتخبر البواب بطلب طبيب باغتها عمار وهو يمسك يدها في حالة الاوعي هاتفا بضعف " ماما لأ ... بابا متسبنيش ... بابا ... ".

فظلت مريم جالسة تفترش الأرض تحاول إيقاظه وهو يئن و يهمهم بكلمات غير مفهومة حتى فتح عيناه و هاهو يننظر إجابتها على سؤاله.

مسحت دموعها و أجابت بصوت مبحوح :
- أغمى عليك فجأة و انا معرفتش أعمل ايه فجبتك هنا و حاولت أفوقك لحد ما فتحت .... عمار انت كويس تحب أطلبلك الدكتور ؟

و مع كل كلمة منها كانت ذاكرة عمار تستعيد آخر لحظات عاشها قبل إغمائه فزفر ماسحا وجهه بكف يده :
- أنا بخير متقلقيش مجرد إرهاق لأن بقالي يومين مبنامش كويس و كمان انا مكلتش حاجة من الصبح علشان كده .... مفيش داعي لدكتور.

إنتفضت مريم واقفة بسرعة :
- اسفة نسيت أنك مكلتش حاجة من الصبح بص أنا أساسا لسه عاملة الأكل ثواني و أحط السفرة.

رآها عمار تركض إلى المطبخ و نظراته تتبعها حتى إختفت ، أغمض عيناه يمسح على وجهه متذكرا ما عاشه قبل ثوان من إغمائه اللعنة لقد فقد السيطرة على نفسه و إنعكس الأمر على تخيلاته فكاد يقتلها !!

نـيـران الـغـجـريـةWhere stories live. Discover now