الفصل الواحد و الستون ( القسم الأول ) : أسفل زخات المطر.

914 55 4
                                    

الفصل الواحد و الستون ( القسم الأول ) : أسفل زخات المطر.
___________________
" من في اِستطاعته أن يقنع عيني بأنها لن تراكِ ؟
حتى تكف البحث عن ملامحك في وجوه العابرين وفي شرود الغرباء ! "

أحيانا تطرح علي روحي سؤالا ... هل الألم يقاس ؟
إنه ليس جسما صلبا لكي يكون لديه معايير لحسابه و بوسعنا قياسه ، و لكن هو ضرر يصيب جسد الإنسان ولا يزول سوى بالمضادات.
حسنا و ماذا عن ألم الروح ؟ في أي جزء يصيب.
هو فراغ يحتكم نقطة ما في عضو من أعضاء الإنسان ، غالبا ما يكون القلب فيشققه و يتآكله يوما عن يوم لتضل آثاره إلى الجسد فلا يصبح بوسع المضادات و الأدوية علاجه ، إنه لا يزول ، ولا يُنسى ، ولو مرت عليه مئات السنين ...

ولم تنسى هي ذلك الألم و لكنه تضاعف في تلك اللحظة حينما بدأت تسرد له عما عاشته ، عن الحقائق و الأوجاع التي لن تزول ، يدها على موضع قلبها تقبض و تشد عليه لعل تلك الغصة التي تنغرز به كالخنجر تتداعى و تنهار ...
أخبرته عن كل شيء حرفيا ، عن نقلها إلى المستشفى في الإسكندرية و إخبارها من قبل الطبيب المشرف عليها بأن المادة التي أخذتها أثرت عليها بشكل سيء جدا و نسبة حملها مجددا قريبة من الصفر ، مريم لن تنسى ذلك اليوم الذي فقدت فيه أملها بأن تصبح أما ..
أن يكون لها طفل تحمله بين يديها و يناديها ب "أمي" ، لن تستطيع منح ذلك الحق لنفسها لأن جسدها المتضرر يرفض ذلك ، هذه هي الحقيقة ولن تتغير !

- انا اسف.
تشدق بها وهو يشعر بنفسه يلقي كتلة نار من فمه و الدموع تحرق عينيه تأبى النزول...
هو لم يعش ألما بهذا القدر من قبل ، لم يسبق و أن شعر بالعجز الى هذه الدرجة.
حقيقة أن مريم لن تتمكن من الإنجاب ثانية تقتله ، فمابالها هي التي فرحت بحملها بمفردها و عانت لوحدها ، لا يزال يتذكر ذلك اليوم عندما وجدها ملقية على الأرضية وسط دمائها.
حينها شعر بروحه تسحب منه خاصة وأنه كان بالإمكان أن ينقذها لولا أنه لم يجب على اِتصالاته.

مريم لديها الحق الكامل في أن تكرهه و تحقد عليه ولو كان مكانها لفعل أكثر مما فعلته هي و الأدهى أن الذي أذاها هو فرد من عائلته فكيف سينظر اِلى وجهها !
ليته لم يقابلها يوما ، على الأقل لم تكن لتتعرض لكل هذا الأذى ، لم يكن سيُجبرها بطريقة غير مباشرة على أن تتزوجه فتعاني و تبكِ و تتألم و تخسر طفلها بسبب عمه المجرد من الإنسانية.

مسحت الأخرى دموعها و نظرت اليه ليتابع بإختناق :
- اسف لاني قتلت فرحتك بالبيبي ... و لأني مقدرتش الحقك و انقذك ، اسف لاني عرضتك لكل الأوجاع ديه و مكنتش معاكي ... اسف لانك وقت لما اتصلتي تستنجدي بيا انا كنت مع واحدة غيرك حتى لو مش بإرادتي.

شهقت بغصة و ردت بتحشرج :
- و انت ايه ذنبك اصلا.

- ذنبي هو في اني مكنتش قد الثقة اللي اديتهالي ... و ذنبي اني مشكيتش في سبب اجهاضك رغم ان كمية الدم اللي نزفتيه بيخلي اي واحد يستغرب و يفهم ان الاجهاض الطبيعي مكنش هيبقى بالسوء ده ، بس صدقيني يا مريم انا ساعتها مكنتش مركز غير في خوفي من اني اخسرك مكنتش واعي للي بيحصل بسبب تأنيب الضمير اللي عشته في اللحظات ديه و ...
توقف عندما تخلى عن فكرة إخبارها بأنه كان لا يزال قابعا تحت هلوسة الأدوية و بالتالي لم يكن سينتبه لوجود مؤامرات تحوم حوله وهو في تلك الحال.

نـيـران الـغـجـريـةWhere stories live. Discover now