الفصل الثامن و العشرون : حادثة إنتحار

1.6K 69 2
                                    


_____________
"لا تنخدعوا بالمظاهر ، ليس كل الأقوياء أقوياء حقا ! لأن هناك قشرة صلبة نغطي بها أنفسنا لنحمي هشاشتنا من الداخل ، و يحدث في لحظة ما أن تنكسر تلك القشرة ! " #مقتبس

- أنا عايزة اشتغل في شركتكم.

مرت دقيقة كاملة على نطقها لتلك الجملة ليبلم رأفت وهو يناظرها بخبل و كأنها مختلة عقلية ، انتظر ان تضحك بسخرية و تقول أنها مجرد مزحة سخيفة لكي تستفزه إلا أن ملامحها الجدية رسمت عليه الذهول وهو يسأل نفسه إن كانت قد جُنت !

هل حقا طلبت منه هذه البربرية عديمة المستوى أن يدبر لها عملا في شركة البحيري ، الشركة التي أصغر حمام بها مساحته أكبر من منزلها في القرية !
كيف تجرأت أساسا على نطق هذه الكلمات الغبية ؟!

دلك رأفت عنقه وهو يضحك بخفوت قبل أن يحدق بمريم هامسا :
- انتي اكيد اتجننتي ، مفيش تفسير تاني لسبب طلبك ده.

ازدرد ريقه ثم تابع بأكثر أسلوب مهين على الإطلاق :
- شكل سكوتنا مقوي قلبك و مخليكي تفتكري انك نفسك حاجة مهمة ، انتي مين عشان تعتبي باب شركتي أصلا ؟
بفض النظر عن انك البنت اللي عملت فضيحة تليق بمستواها المنعدم بس انتي مش شايفة نفسك عاملة ازاي شكلك و لبسك و طريقة كلامك
ده انا كل لما افكر ان ابني ربط اسمه بإسم واحدة زيك و انه لمسك بيبقى نفسي امسكه من ايده و اوديه لأقرب مخبر اعمله تحاليل عشان اتأكد انه متعداش منك بأي مرض تقومي تفكري ممكن تجي تشتغلي عندي !
ولا انتي فاكرة عشان بتعرفي كام لغة بقيتي تستاهلي تشتغلي عندي ؟ فوقي يا هانم ده صاحب أصغر وظيفة عندي درس برا و عنده اكتر من شهادة.

كانت ردة فعله كما توقعتها مريم ، فالأخير لا يراها لائقة بهم أبدا سواء كزوجة لعمار أو موظفة في شركته.
لكن إهاناته إستطاعت جرح كبريائها و ضربها في مقتل ، هذا الأشيب عديم الإحترام يستهزئ بها و يخبرها بكل وقاحة أنها فتاة وسخة تحمل أمراضا نقلتها لإبنه ، يهين طبيعتها و بيئتها و يسخر من مؤهلاتها التعليمية.

لم تستغرب مريم ولم تتفاجأ بقوله ، فلقد عانت طوال حياتها من العنصرية خاصة عند دخولها للجامعة الخاصة بالقاهرة ، حين كان جميع الطلاب ينتمون إلى الطبقة الغنية أما هي فكانت من القلة القلائل الذين دخلوا بواسطة المنحة ...
لذلك رأت السخرية و الإستهزاء و الإستحقار ممن يصرفون في اليوم الواحد أكثر مما تحصل عليه هي في الشهر الواحد لقاء العمل في المطاعم و المكتبات لكي تستطيع تحمل مصاريف دراستها و إقامتها ، خاصة و ان أصولها تنتمي لقبائل الغجر البربر من وجهة نظرهم.

و رغم أن هالة لم تكن من الطالبات شديدات الثراء إلا أنها كانت ميسورة الحال و ذات مستوى مادي جيد ، فتعرضت هي بدورها إلى التنمر بسبب مرافقتها لفتاة غجرية حالفها الحظ بمخالطة الأغنياء.
لذلك توقعت مسبقا إستحقار السيد رأفت لها ، و لم يجرحها كلامه بقدر ما زاد شعور الحقد بداخلها إتجاهه هو و إبنه و عائلته و المجتمع بأكمله.
و هذا ما سيجعلها تعمل على أن تكون نِدًّا لهم في الأيام القادمة.

نـيـران الـغـجـريـةWhere stories live. Discover now