الفصل الثالث و العشرون : نيران الغجرية.

1.6K 92 9
                                    


إن مقولة :" أنظر للجزء المملوء من الكأس ، ولا تهتم بالجزء الفارغ ...
لم تكن مجرد عبارة ، هناك جزء فارغ فعلا ، و و شخص فارغ لا يستحقك !"

صدر صوت عال إثر صفقه لباب الشقة بعنف ، مناقض تماما لهدوئه وهو يلج إلى الداخل ممسكا بيدها ، ملامحه جامدة جمود الصقيع ، و عيناه ملبدتان بقتامة كغيوم تنذر بِهبوب عاصفة رعدية ...

و فجأة تغير كل شيء ، عندما دفعها إلى الحائط غارزا أظافره بكتفها فتأوهت بصمت و ناظرته بسوداوتيها الخائفتين وكأنها ترى وحشا أمامها ، أو هذا ما بدى له.

ثم أدهشها عندما إبتسم بريبة وهمس وهو يمرر أنامله على وجنتها هامسا بإسمها ببطء بعث الرجفة داخلها :
- مريم الحلوة.

لم تعلق بل اكتفت بمطالعته ليضحك بهوس و ينزل بيده إلى عنقها مكملا :
- بنت الغجر تعبت من الهرب .... و رجعت علشان ترتاح.

و هنا فقط ، إختفت إبتسامته و حلت محلها ملامح مرعبة و كأن هناك شياطين عاتمة إكتنفته و سيطرت على روحه.
ثم أطبق بحركة بسيطة على مجرى تنفسها ، و زادت حتى أصبحت قبضته تضغط عليها بعنف ، فإحتبست أنفاسها و جحظت عيناها بهلع شبيه بذلك اليوم حينما رآها مع إبن عمها فحاول خنقها ...

و كم جعله هذا ينتشي إلى درجة لا يستطيع أحد تصورها ، فهاهي الغجرية عادت باصمة على عقد عذابها ... عذابها الذي سيحرص على جعله درسا كافيا لها.

نفث أنفاسه في وجهها بغضب وهو يغمغم بسوداوية :
- كنتي فين طول المدة ديه ... ردي عليا !

صرخ في آخر جملة تزامنا مع إغماض عينيها و إرتخاء جسدها لتسقط مغشيا عليها بين يديه ، فشهق عمار عائدا إلى صوابه و خاف من أن يكون قد بالغ في تعنيفها لدرجة إغمائها هكذا.
فطرق بيده على وجنتها عدة مرات هاتفا بإسمها قبل أن يحملها و يتجه بها صوب السرير يضعها عليه بعناية.

ناداها مجددا فهمهمت مريم و إفترقت جفونها ببطئ شديد هامسة بصوت مبحوح :
- ع ... عمار.
ثم أغمضت عيناها من جديد.

أخذ عمار نفسا عميقا بعد تأكده من سلامتها ثم جلس مقابلا لها وهو يشد على شعره بجنون غير مصدق لما يحدث.
تذكر ما عايشه منذ ساعة عندما إتصل به أحد رجاله و أخبره أن المرأة التي كلفهم بالبحث عنها ها هي تجلس على ضفة نهر النيل فلم يدري كيف سيطر على صدمته و تمالك نفسه ليغادر القصر دون أن ينتبه أحد.

و حينما وصل حيث المكان المطلوب ظل دقائق يتأملها من بعيد غير مصدق إلى أنها أمامه ثم نهب الأرض نهبا وهو يتقدم نحوها حتى جذبها إليه يطالع صدمتها برؤيته ، فأمسك ذراعها و تحرك دون كلمة واحدة و على عكس ما توقع فلقد كانت صامتة ولم تتحدث قط حتى ظن أنها أصيبت بالبكم !

تأوه عمار بإختناق وهو يرخي ربطة عنقه ثم إلتقت عيناه بوجهها الساكن ، اللعنة كم إشتاق إلى هذه الملامح و هذا الشعر و الجسد.
بقدر غضبه إلا أنه لم ينكر فرحته المجنونة وهو يراها في بيته و على فراشه مجددا ، يكاد يظن أنه يعيش إحدى أحلام اليقظة و أنها غير موجودة.

نـيـران الـغـجـريـةWhere stories live. Discover now