المقدمة

137K 3.2K 182
                                    


لم يكن الأمر هيناً على الإطلاق ، لكنه كان مضطراً إلى فعل هذا ، ولما لا ؟ فهي فلذة كبده ، ولم ينجب سواها.

أراد أن يضمن لها مستقبلها ، فكتب لها جزءاً من ميراثه الغير معلوم. لكنه حقها الضائع ، وحقه المسلوب.

احتفظ " ريـــــاض " بذلك في وصية غير معروفة ، ولم يخبر بها أحداً حتى زوجته ، فإن نفذ أمره ووجبت ساعته ، استراح قلبه لوجود ما يعينها على متاعب الحياة.

جثت على ركبتيها أمام فراشه ، فقدميها لم تقوَ على حملها بعد ما أصابه وخارت قواه وأصبح عاجزاً. لمعت عيناها البنيتين بالعبرات ، ظلت تشهق محاولة السيطرة على تهدج أنفاسها. شحب وجهها القمحي اللون من رؤيته هكذا.

مسحت أنفها بطرف سبابتها ، وأبعدت خصلات شعرها المموجة - والملتصقة بجبينها المتعرق - للخلف ، ثم أمسكت بكف والدها المرتعش بين راحتيها ، وألصقت صدغها به. وبصوت منتحب همست :

-ماتسبناش يا بابا ، لينا مين غيرك

رد عليها بصوت خفيض متعب للغاية :

-ربنا موجود يا أسيف !

رفعت أعينها الباكية لتتطلع إلى وجهه الحاني ، رأت ما رفضت تصديقه في نظراته الخاوية ، هو على مشارف الموت.

انقبض قلبها بشدة ، وتوترت أعصابها أكثر ، نهج صدرها علواً وهبوطاً وهتفت متوسلة صوت متلعثم :

-أنا محتاجاك جمبي ، وماما .. مـ.. ماما آآ...

قاطعهاً قائلاً بهدوء رزين :

-متخافيش يا بنتي ،ربنا مابينساش حد ، وأنا عملت اللي أقدر عليه عشانك انتي وأمك !

انتفضت في مكانها فزعت حينما شعرت بيدٍ توضع على كتفها ، فاستدارت برأسها للخلف لتجد ابن خالة والدتها " الحاج فتحي " يقف ورائها ويردد بجدية :

-سبيه يرتاح يا أسيف وروحي شوفي أمك

نهضت عن مكانها ، وأرخت أحد كفيها عن أبيها ، ثم مسحت باليد الأخرى عبراتها ، وردت عليه معترضة :

-بس أنا عاوزة أفضل جمبه !

هتف الحاج فتحي قائلاً بصرامة :

-الدكتور قال خلوه يرتاح ، وانتي بكده بتتعبيه !روحي عند أمك دلوقتي ، وأنا هافضل جمبه

التفتت ناحية أبيها مجدداً ، ورمقته بنظرات حزينة ، ثم ردت باستسلام :

-شوية ورجعالك يا بابا !

ظلت أنظارها معلقة به وهي تتحرك بخطوات بطيئة إلى خــارج الغرفة.

راقبها الحاج فتحي حتى ابتعد تماماً ، فسحب المقعد وجلس إلى جوار " ريـــاض " ونظر له مطولاً قبل أن يستطرد حديثه قائلاً بجدية :

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅Where stories live. Discover now