لم يكن الأمر هيناً على الإطلاق ، لكنه كان مضطراً إلى فعل هذا ، ولما لا ؟ فهي فلذة كبده ، ولم ينجب سواها.
أراد أن يضمن لها مستقبلها ، فكتب لها جزءاً من ميراثه الغير معلوم. لكنه حقها الضائع ، وحقه المسلوب.
احتفظ " ريـــــاض " بذلك في وصية غير معروفة ، ولم يخبر بها أحداً حتى زوجته ، فإن نفذ أمره ووجبت ساعته ، استراح قلبه لوجود ما يعينها على متاعب الحياة.
جثت على ركبتيها أمام فراشه ، فقدميها لم تقوَ على حملها بعد ما أصابه وخارت قواه وأصبح عاجزاً. لمعت عيناها البنيتين بالعبرات ، ظلت تشهق محاولة السيطرة على تهدج أنفاسها. شحب وجهها القمحي اللون من رؤيته هكذا.
مسحت أنفها بطرف سبابتها ، وأبعدت خصلات شعرها المموجة - والملتصقة بجبينها المتعرق - للخلف ، ثم أمسكت بكف والدها المرتعش بين راحتيها ، وألصقت صدغها به. وبصوت منتحب همست :
-ماتسبناش يا بابا ، لينا مين غيرك
رد عليها بصوت خفيض متعب للغاية :
-ربنا موجود يا أسيف !
رفعت أعينها الباكية لتتطلع إلى وجهه الحاني ، رأت ما رفضت تصديقه في نظراته الخاوية ، هو على مشارف الموت.
انقبض قلبها بشدة ، وتوترت أعصابها أكثر ، نهج صدرها علواً وهبوطاً وهتفت متوسلة صوت متلعثم :
-أنا محتاجاك جمبي ، وماما .. مـ.. ماما آآ...
قاطعهاً قائلاً بهدوء رزين :
-متخافيش يا بنتي ،ربنا مابينساش حد ، وأنا عملت اللي أقدر عليه عشانك انتي وأمك !
انتفضت في مكانها فزعت حينما شعرت بيدٍ توضع على كتفها ، فاستدارت برأسها للخلف لتجد ابن خالة والدتها " الحاج فتحي " يقف ورائها ويردد بجدية :
-سبيه يرتاح يا أسيف وروحي شوفي أمك
نهضت عن مكانها ، وأرخت أحد كفيها عن أبيها ، ثم مسحت باليد الأخرى عبراتها ، وردت عليه معترضة :
-بس أنا عاوزة أفضل جمبه !
هتف الحاج فتحي قائلاً بصرامة :
-الدكتور قال خلوه يرتاح ، وانتي بكده بتتعبيه !روحي عند أمك دلوقتي ، وأنا هافضل جمبه
التفتت ناحية أبيها مجدداً ، ورمقته بنظرات حزينة ، ثم ردت باستسلام :
-شوية ورجعالك يا بابا !
ظلت أنظارها معلقة به وهي تتحرك بخطوات بطيئة إلى خــارج الغرفة.
راقبها الحاج فتحي حتى ابتعد تماماً ، فسحب المقعد وجلس إلى جوار " ريـــاض " ونظر له مطولاً قبل أن يستطرد حديثه قائلاً بجدية :
YOU ARE READING
الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅
Romanceكتب والدها وصية سرية قبل وفاته، وحين كُشف النقاب عنها أدركت أنها تمتلك عائلة أخرى، لا تعرف عنهم شيئًا، انتقلت من بلدتها، إلى حيث تمكث العائلة، وكانت الصدمة التي غيرت من مسار حياتها كليًا .. رواية اجتماعية مستوحاة من الواقع .. تبث المشاعر الإنسانية ا...