الفصل الثالث والثمانون

52.5K 2K 212
                                    


الفصل الثالث والثمانون:

انهارت باكية حزنًا على أختها بعد معرفتها بخبر مرضها الصادم، ولجت إليها لتحتضنها رافضة تركها بمفردها فهي بحاجة إلى دعم قوي ومستمر ممن حولها خاصة في تلك المرحلة الحرجة لتتجاوز الأزمة، لكنها لم ترغب في تلقي ذلك النوع من المشاركة الوجدانية، نبذت إحساسهم بالشفقة نحوها، فعمدت إلى استخدام أسلوب الشدة والقسوة مع الأقرب إليها، ورغم معاملتها الجافة معهم إلا أن الجميع تفهموا موقفها العدائي.

حرصت أسيف على المتابعة الهاتفية اليومية مع الطبيب المتابع لحالتها المرضية كي تتبع نصائحه خلال الرعاية المنزلية، وبسطت الأمور لعمتها ليسهل عليها الفهم، كانت أهم توصياته هي البدء الفوري في مرحلة "العلاج الكيماوي" كي يتم وقف انتشار المرض، خاصة أنه في مرحلة متقدمة تتطلب اهتمامًا كبيرًا، وأصرت نيرمين على عدم الإصغاء لأي منهم مدعية أنها بخير، ومرت الأيام على ذلك الوضع المتأزم دون حل جذري، الجميع مُتلف الأعصاب، وهي تزداد عنادًا بمرور الوقت.

أعدت عواطف صينية مليئة بالأطعمة الصحية، وأسندتها على طرف الفراش حيث تتمدد ابنتها، ابتسمت لها بود، ثم قدمت صحن الحساء لها، فمدت يدها نحوه لتمسك به، لكنه انزلق من بين أصابعها بسبب ارتجافتهم، أردفت عواطف قائلة بحذر:

-حصل خير يا بنتي، ولا يهمك.....

صرخت نيرمين بعصبية زائدة مقاطعة إياها:

-مش عاوزة حد يساعدني، أنا لسه بصحتي، مش عشان الطبق وقع مني أبقى خلاص بقيت عاجزة!

أشارت لها أمها قائلة بتريث محاولة امتصاص ثورتها المنفعلة:

-اهدي بس يا نيرمين، مالوش لازمة الزعيق!

وضعت كلتا قبضتيها على رأسها ضاغطة بقوة عليها في محاولة بائسة منها لمنع استمرار ذلك الصداع الذي يفتك بها، ثم صاحت بزمجرة متشنجة:

-سيبني لوحدي يا أمي

رأتها والدتها وهي تقاوم الألم الشديد، فزادت وخزات قلبها نحوها، أليست ابنتها البكرية؟ أليست قطعة من روحها؟ هي تلقي بنفسها في التهلكة مستخدمة سلاح العند، وهي لن تسمح لها بذلك، تحركت خلفها واضعة يدها على كتفها وهي تتوسلها بصوت شبه مختنق:

-يا بنتي، إنتي ليه بتعملي في نفسك كده؟

أزاحت يدها عنها لتبتعد عدة خطوات وهي ترد بإحباط:

-وأنا من امتى بقيت أفرق مع حد، كلكم بتكرهوني وعاوزين تخلصوا مني، وأهي جتلكم الفرصة، ارتاحوا!

لمعت مقلتاها بشدة تأثرًا بكلماتها الموجعة، وردت بنبرة أقرب للبكاء:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، والله إنتي غلطانة، كلنا بنحبك وزعلانين عشانك، بلاش تقولي كده!

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅Where stories live. Discover now