الفصل الخامس والسبعون - الجزء الثاني

47.4K 2.1K 143
                                    


الفصل الخامس والسبعون (الجزء الثاني):

اشرأبت بعنقها محاولة رؤيته لكن غطى حضوره المهيب أجساد الرجال المحاوطين له، فبات الأمر عسيرًا عليها، أخرجت تنهيدة مطولة من صدرها، ونكست رأسها بإحباط واضح، للحظة شردت في لمحات سريعة من ذكريات جمعتهما سوى، لم تكن البدايات مبشرة، لكن حتمًا النهايات طيبة، هو عرف الطريق الصحيح لدربها، وسار بتمهل عليه حتى وصل إلى قلبها فاتخذ مكانه فيه، ابتسمت بخفوت ممررة أنظارها على الجميع.

مالت عليها بسمة مداعبة:

-هيكتبوا كتابك يا قمر!

رفعت أسيف رأسها نحوها محدقة فيها بأعين لامعة، واكتفت بابتسامة خجلة على محياها، بالطبع لم تفارقها نظرات نيرمين المحتقنة غيظًا، شعرت بدمائها الفائرة تحرق خلايا عقلها، بل إنه كاد ينفجر من كثرة ما تكتمه في نفسها مجبرة، وخزات حادة ألمتها في رأسها، فكزت على أسنانها بقوة غير قادرة على إخفاء حزنها الممزوج بوجعها.

-قول ورايا يا أستاذ منذر، إني استخرت الله!

انتبه الجميع إلى صوت المأذون الجهوري الذي صدح في السرادق لتنخفض الأصوات العالية تدريجيًا، ويخفق مع نبرته قلبها أكثر، إنها الآن تزوج إليه ووكيلها قريبها الذي أنكرها يومًا، الآن ترفع رأسها عاليًا وترد كرامتها بين الأشهاد، كذلك سيجمع القدر بينها وبين أكثر الرجال احترامًا ومهابة في رابط له قدسيته، اعتلى خلجاتها فرحة خافية رغم وضوحها في نظراتها، لكنها أيقنت أنها مستعدة كليًا إلى تلك الخطوة الحاسمة في حياتها، ستصنع مما تمر به ذكريات أخرى خاصة بها تحمل السعادة والبهجة، وستمحو أثار ما خلفه الزمن من أحداث مؤلمة، نعم عقدت العزم بشدة على نسيان ما يؤلمها، والتشبث أكثر بحاضرها ومستقبلها.

...............................................

انتهت الإجراءات الخاصة بعقد القران، ووقعت بأنامل ثابتة على ورقة زيجتها لتعلو بعدها أصوات الزغاريد والتهليلات الفرحة، تهدجت أنفاسها أكثر وهي تبتسم لمن حولها، لكن سريعًا اكتسى وجهها حمرة قوية حينما سمعت صوت المأذون يردد:

-كلنا يا أحباب الله ندعلهم ونقول "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"!

ترددت العبارات بقوة بداخل السرادق ليزداد مع أصواتهم خفقات قلبها المتحمس، زاد توترها حينما التقطت أذنيها نبرته وهو يقول بانزعاج زائف:

-ممكن أعدي بعد اذنكم!

أفسحت النساء والفتيات المجال له ليمر، فوقعت أنظاره عليها سريعًا، تجنبت النظر إليه متحرجة بشدة من كم الأعين المراقبة لهما، بينما دنا منذر منها هاتفًا:

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن