الفصل التاسع والستون

50.3K 2.1K 193
                                    


الفصل التاسع والستون:

تناولتها من بين يديه برفق لتضعها على كتفها، وقامت بهدهدتها كي تستيكن الرضيعة وتغفو بعد صراخها المتواصل، فنظر لها ذلك الشيطان البشري بأعين شبه نادمة على ضياع تلك الفرصة الثمينة هباءً، لكن إن تهور أكثر من هذا، لربما فُضح أمره، ونال ما يستحقه، تنفس الصعداء لتريثه، ثم عاد للصالة مجددًا ليتخذ من أقرب أريكة مقعدًا له.

ولجت لبنى بالرضيعة رنا إلى داخل غرفة نوم ابنها لتدثرها في فراشه، وتأكدت من إحاطتها بالوسادات كي تضمن سلامتها في حال وقوعها إن غفت عنها.

أحضرت شاهندة صينية تحمل القهوة مرددة بفتور:

-اتفضل يا أستاذ ناصر، حاتم زمانته على وصول

التفت ناحيتها برأسها مبتسمًا بهدوء مريب:

-براحته!

انحنت أمامه لتضعها على الطاولة، فجمد أنظاره على منحنيات جسدها بوقاحة جريئة، لكنها لم تنتبه لنظراته الخبيثة، واكتفت فقط بالابتسام مجاملة له، قبل أن تكمل تحركت مبتعدة عنه، فأخرج تنهيدة حارة من صدره دون أن يبعد نظراته عنها.

انتفض في مكانه مفزوعًا على إثر صوت فتح الباب، فجف حلقه، وارتبك بشدة، شعر بتلك السخونة المقلقة تنبعث منه حينما سأله حاتم باستغراب:

-ناصر! انت هنا من بدري؟

ازدرد ريقه قائلاً بتلعثم طفيف:

-اه يا سيدي، فينك من بدري... غلبت أطلب عليك وانت مش بترد!

أسند ما معه من أكياس بلاستيكية على الأريكة معللاً:

-معلش، كنت بأجيب طلبات للبت رنا

فرك ناصر ذقنه برفق متنحنحًا بخشونة:

-احم.. ربنا يخليهالك!

صمت للحظة ليجمد أنظاره عليه قبل أن يستأنف قائلاً:

-بس فاتك كتير!

حك حاتم مؤخرة رأسه متسائلاً:

-هو حصل ايه؟

........................................

تركت ذلك الكهل يصطحبهم إلى أرض قريبها الزراعية رغم معرفتها بمكانها، فهي لم ترغب في الذهاب إليه بمفردها، خشيت من تطاوله عليها، فاحتمت بوجودهم حولها، استمر عقلها في التفكير في جملته الغامضة، وطرح عقلها العشرات من الأسئلة التي جعلت أفكارها تتخبط أكثر وتزداد حيرة.

وصلوا إلى الحقل المملوك لفتحي، فأوقف منذر سيارته على الجانب، نزع زكريا خفيه، ووضعهما أسفل ذراعه متجهًا نحوه بعد تركه لدراجته القديمة، تبعه الأخرين سائرين بحذر، فرأوه يجلس كعادته أسفل تلك الشجرة العريضة يستظل بها، تباطأت أسيف في خطواتها بوضوح حينما وقعت عيناه عليها، وبدت علامات التوتر مسيطرة عليها، لم تنسَ المصادمة الحامية بينهما، ولا ما حدث مؤخرًا في المنطقة الشعبية، وكذلك كان الحال معه، لم يغب عن عقله لثانية تلك المذلة التي تلقاها بسببها.

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅Where stories live. Discover now