الفصل الرابع والسبعون - الجزء الأول

47.6K 2K 163
                                    


الفصل الرابع والسبعون ( الجزء الأول):

شهقت مصدومة من اندفاعها المباغت نحوه، واستندت بكفيها على صدره محدقة فيه بنظرات مشدوهة ممزوجة بالخجل، تحول لون بشرتها إلى حمرة صريحة، بادلها نظرة شغوفة متلهفة لاقترابها الساحر، نجحت خطته، وباتت معه حتى وإن كان الأمر مفتعلاً لكنه حاز على مراده في الأخير، عمق نظراته المتقدة حبًا نحوها، استشعرت بأصابعها دقات قلبه العنيفة، فأحست بتأثيرها عليه، وبارتباك يسيطر عليها من تغلغل ذلك الشعور فيها، لم يتحرك من مكانه، وبقى كالصنم مسلطًا فقط أعينه عليها، وبحذر واضح انسلت مبتعدة عنه مبدية انزعاجها من تصرفات الصغيرين الطفولية التي وضعتها في موقف محرج كهذا.

أرخى الاثنان أذرعيهما عنها لتحرر منهم، تراجعت مبتعدة للخلف قائلة بتلعثم:

-أنا.. أسفة، مقصدش!

أخفضت عينيها بحرج أكبر شاعرة بتلك السخونة المربكة المنبعثة من وجهها، لم ترغب في حدوث ذلك، ولكنه القدر.

رد عليها دياب بهدوء واضعًا يده على مؤخرة رأسه:

-ولا يهمك، حصل خير!

انسحبت من أمامه دون إضافة المزيد مسرعة في خطواتها رغم عرجها الملحوظ، وبقيت أنظاره متعلقة بها حتى اختفت من أمامه، فأخر تنهيدة ملتهبة من صدره الملتاع بحبها، استدار للخلف ليحدق في الصغيرين بنظرات ممتنة، ثم فتح ذراعيه لهما ليندفعا في أحضانه، ضمهما قائلاً:

-حبايب قلبي!

سأله يحيى ببراءة:

-أنا شاطر يا بابي؟

أجابه وهو يقبله من وجنته:

-انت أستاذ زي أبوك!

..........................................

رغم انتهاء الموقف إلا أن وجنتيها احتفظتا بتلك الحمرة البائنة حتى شعرت أن أمرها سيفضح بمجرد تطلع أحد ما لوجهها وتفرس في تعابيره المرتبكة، استغرقها الأمر بعد الوقت لتتلاشى تدريجيًا منها وتعود بشرتها إلى طبيعتها العادية، انزوت في أحد الأركان بالغرفة المعدة للاحتفال بليلة الحناء محدقة فيمن حولها بنظرات شاردة.

تراجعت لتقف بالشرفة الخارجية مستنشقة نسمات الهواء العليلة، ومستعيدة في ذاكرتها لمحات خاطفة من ذلك الموقف المخجل، أطرقت رأسها حرجًا، وشبكت أصابعها معًا تفركهم بارتباك.

لامت نفسها عشرات المرات لأنها لم تتخذ حذرها، فأعطته فرص ثمينة للتقارب الحسي بينهما، جمدت أنظارها على يديها متذكرة تلك الدقات العنيفة لقلبه، أغمضت عينيها بقوة نافضة عن عقلها تسلله إليها، وكأنه يتعمد اختراقها بمشاهده التي لا تفارق مخيلتها.

الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅Where stories live. Discover now