"الفصل الرابع و الثلاثون"

1K 23 0
                                    


الجحيم القابع بين أضلعي و نيرانهُ التي تنهش من صدري رويدًا رويدًا مستهدفة وجداني..تلك التفاصيل المعبرة عن عذاباتي من العسير أن تفقهيها
_____________________________________________
طرد زفيرًا حارًا ألهب صـدره و هو ينظر للفراغ أمامه بـ ذات المكان الذي يلجأ اليه دومًا ، ذلك التل مستندًا الى مقدمة سيارته ، عاقدًا ساعديه أمام صـدره ، كلماتها تتردد على أذنيه فـ تنهش منه رويدًا رويدًا ، تفاصيل كابوسه الدقيقة للغاية تسيـر أمام عينيه گ مشهد سنيمائي مُزعج ، نظراتها المعاتبة .. نظرات والده التي لم يرها قط في مناماته ، تنفس بعمقٍ محاولًا اخمـاد تلك الحروب الطاحنة الناشبة بـ داخله ، كان وجهه واجمًا يعكس ما بداخله ، و فجأة احتقـن وجهه بالدماء الغاضبة ، انتفخت أوداجه و برزت عروق جانبي رأسه و هـو ينتصب في وقفته ، استدار للخلف لـ يلكـم سطح سيارته بـبطن كفه هادرًا بـ تشنجٍ :
- عايـز ايه تاني ؟ مبترتحش ليه ؟
رفع نظراته للسماء مرددًا بـ نبرة مختنقة :
- ليـــه ؟ أنا بحاول أنتقملك ، برجعلك حقك ، أعمل ايـه عشــان ترتاح ؟ أنا مش فاهـم ، مــش فاهـــم انت عايـز ايه !
مسـح بكفه على وجهه بـ عنفٍ و طـرد زفيرًا من صـدره و هو يتمتم بلهجـة شاردة :
- كان قصدك ايه ؟ اني .. اني ظلمتها ؟
عاد يستند بجسـده الى مقدمة السيارة و هو يتمتم بحنق :
- لأ ، أنا مظلمتهاش ، كان لازم أقتله بس  مقلتلوش .. مقتلتوش بسببك ، كل ما أحاول أقتل انت تقف قصادي ، مش فاهم انت.. انت بتحاول تقول ايه
خلل أصابعه بخصلاته و أطبق جفنيه ساحبًا شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ و هو يعاود فتحهما ، استعاد جفائه فتمتم بنبرة قاسية :
- حتى الإعـدام اترحـم منه .. بس مش بسببك ، بسببها .. بسببها هي !
ثم رفع نظراته للسماء القاتمة متمتمًا بـ لهجـة ساخطة :
- و بعد كل ده ليه عايز تحسسني اني ظلمتها ، أنا .. أنا بنفسي طلعته براءة عشانها !
دس كفيه بجيبيه و أظلمت نظراته ، كـز على أسنانه بـ عنفٍ حتى ارتعش صدغيه مستشعرًا ذلك اللهيب بـ روحه و :
- سبعتاشـر سنة .. سبعتاشـر سنة بستنى اللحظة اللى هيوقع فيها .. اللى هيغلط فيها عشـان يتعلق على حبل المشنقـة
ثـم ارتفع جانب ثغره ببسمة ساخرة و هو يتمتم :
- و أول ما الفرصة تجيلي بدل ما أغتنمها رفضتها
زفر زفيرًا حارًا تمنى لـو أنه نفث به نيرانه و لكن هيهات .. تجلى الشرود على ملامحه و هو يتمتم بعد برهة من الصمت :
- بس أنا فاهم
كان يسترجع كلماتها بعقله ، توقف عند تلك النقطة التى أخبرته فيها بأنه لـن يفهـم ذلك الشعـور الذي وصفته له ، رفع كفه عنـد موضع صـدره ان فتح قميصه عند ذلك الموضع تحديدًا سيـبرز جُرحه ..حينما حاول التخلي عن حياته مخلفًا خلفه حياته الممزقة و روحه التي من كثرة شروخها لم تعد تصلح للرتق أو التجديد ، باتت مشوهة لا يحبذ الناظرين التطلع اليها ..ان ألمه تخطى ألمـها بـ مراحل و ليست قليلة .. بل بمراحل عديدة .. فـ الفقيد ليس والده انما جـزء منه .. قطعة من روحه .. أحيانًا يشعـر به يسـري بشرايينه من شدة عشقه له ، بالرغم من فراقه إلا أنه كان يشعر به مرافقًا له ، هو يُدرك جيدًا ذلك الألم ، و كيف لا يُدرك و قد عانى الأسـوء منه ، هـو أقسم منذ ذلك الحيـن .. أقسم أن يُذيقه من نفس الكأس و يقف متشفيًا به عقب التهامه روحه بسرقـة أعز ما يملكه ، و لكنه اعتقد أنها أعز ما يملك فقرر اختلاسها منه متناسيًا أنها روح.. انسان يملك مشاعـر فياضـة ، انها هشـة للغايـة ، روحها رقيقـة لا تحتمل التمزيـق.. بالفعل لن تُرتق بسهولة ، خشى أن يعـود نفس الشعور يتملك منه ، فـأطبق جفنيه لثوانٍ ثم فتحهما ثانية زافرًا بـ حنق ، قسـت تعبيراته ثانيـة ، ألقى نظرة أخيـرة شاملة للمكان ، ثـم استدار لـ يستقل السيارة خلف المقود أدار محركها و ضغط على دواسة البنزين و هو ينطلق بها
..................................................................................................
تخطت الساعة الثالثة و النصف صباحًا حينما گان يفتح باب الغرفة بحـذرٍ ، كانت الغرفة غارقة في الظلام ، دنا من فراش أخيه و تنفس بعمقٍ و هو يجلس على طرفه ، تعمق النظر نحـوه لـ تعبيراته الساكنة ، انه نسخـة طبق الأصل من والده .. ليس شكلًا ..انما في نقائه و صفاء قلبه و خلوه من الأحقاد ، يُذكره به دومًا تنهد بحرارة و هو يعبث بخصلاته السوداء ، سحب شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ ، انـه فاشل بالاعتذار لم يعرف لسانه كيفية النطق به ، و گأنها كلمة هيروغليفية لم يطلع عليها مُسبقًا ، اكتفى بالنظر اليه مُشبعًا عينيه منه ، ثم مسح برفقٍ على جبهته ، انتصب في وقفته و كاد يستدير لولا كف "عمـر" الذي امتد محتضنًا لكفه و هو يتمتم بنبرة شبه متحشرجة :
- يامن ؟
التفت له " يامن" لـينظر له بصمتٍ ، فـ استقام " عمر" بجلسته و بسط ذراعه ليفتح المصباح الكهربي أعلى الكومود فاركًا جفنيه متمتمًا بنبرة مبحوحة :
- هي الساعة كام دلوقتي ؟
كانت تعبيراته متصلبة و هو يرفع ساعده لينظر لساعة يده ثم تمتم بلهجة غليظة :
- أربعة إلا ربع
ارتفع حاجبي " عمر" متمتمًا بشدوه :
- يــــــــــــــــــــا ، انت لسه راجع ؟
فـ كانت نبرته فاترة و هو يتمتم :
- أه
عبست ملامح " عمر" من فتور نبرته ، و طأطأ رأسه ليتمتم معتذرًا منه :
- أنا آسـف يا يامن ، مقصدتش أقولك كدا
فـ لانت ملامحه نوعًا ما و هو يتنهد بحرارة ، ثم ردد بنبرة جامدة تحمل التهكم في طياتها :
- انت مغلطتش في حاجة من اللي قولتها !
فـ رفع " عمر" نظراته و قد انكمشت المسافة بين حاجبيه و :
- يـامن بس ..
فـ قاطعه مربتًا برفقٍ على كتفه مغيرًا دفـة الحديث :
- حاول تنام تاني ، مقصدتش أصحيك
فـ تزين ثغره بابتسامة مشرقة متمتمًا بتفاؤل :
- يعني خلاص مش زعلان مني
- تـــؤ
تنفس " عمر" بارتياح و لكن سريعًا ما عبست ملامحه و هو يتمتم بنبرة منزعجة :
- متعرفش فارس رجع و لا لأ ؟
تنغض جبينه مرددًا بنبرة جامدة :
- هـو خرج ؟
فـ طرد " عمر" زفيرًا حارًا و :
- اتخانقوا هو و ماما كـ العادة و ساب القصر
مرر " يامن" أنامله بخصلاته و هو يردد بـ نبرة قاسية و قد أظلمت عيناه :
- بخصوص ايـه ؟ ريم ؟
أومأ " عمر" مرددًا بتأفف :
- بالظبط كدا
فـ هز رأسه بإيماءة بسيطة مشيرًا له بعينيه متمتمًا بلهجة حازمة :
- نام انت و أنا هشـوفه
فـ جذب الغطاء فوقه و هو يتمدد بجسده و :
- تمام ، تصبح على خير
بسط " يامن" ذراعه ليُغلق ضوء المصباح الكهربي ، ثم انتقل الى غرفة " فارس" ، أدار المقبض و دلف ليتنغض جبينه حين رآى فراشه فارغًا ، التفت الى أقصى اليسار ليجد أبواب الشرفة مفتوحة و الستائر الرمادية اللون تتطاير بفعل الرياح ، فـ سحب شهيقًا عميقًا و هو يدلف ، شعر " فارس" بوجود حركة من خلفه فـ التفت ليتنغض جبينه و :
- يامن ؟
استند بكتفه الى اطار باب الشرفة و عقد ساعديه أمام صدره متمتمًا بصوتٍ أجشّ :
- لسه صاحي ليه ؟
دس كفيه بجيبيه و استدار بجسده بالكامل مستندًا الى حافة الشرفة مرددًا بتهكم :
- المفروض أنام بدري عشان ألحق باص المدرسـة بكرة مثلًا ؟
ارتفع حاجبه الأيسر استنكارًا و هو يرمقه بنظراتٍ ثاقبة ، فبسط كفه أمامه متمتمًا بـ فتور :
- خلاص خلاص ، مـش ..
فـ قاطعه بنبرة حاسمة لا تقبل النقاش:
- عايزك في الشركة !
انكمشت المسافة بين حاجبيه و هو يردد مستنكرًا :
- أنا !
أومأ " يامن" بحركة بسيطة من رأسه فـ ردد " فارس" مستوضحًا :
- اشمعنى ؟
فـ انتصب في وقفته يرمقه بنظرات حادة ، دس كفيه بجيبيه و هو يردد بـ استنكار :
- هتفضل كـده من غير شغل مثلًا ؟
رفع كتفيه موضحًا :
- أكيد لأ يعني ، بس ..بس كنت هشتغل في مجالي
_ تـــؤ ، أنا عايزك معايا
فـ تهكم " فارس" :
- طبعًا خدت القرار من نفسـك و أنا عليا التنفيذ ؟
و كأنه لم يستمع له ، ردد بنبرة جامدة و هو يرمقه بنظراتٍ قوية :
- عمومًا كل حاجة جاهـزة ، هتنزل تدريب الأول و معتقدش انك هتطول فيه ، الـ...
فـ قاطعه رافعًا حاجبيه بشـدوه :
- ده انت مخطط لكل حاجة !
فـ هز رأسه بإيماءة بسيطة مرددًا :
- بالظبط
تنهد "فارس" بعمق قبل أن يردف :
- مكنتش عامل حسابي على كده ، اديني فرصـة آآآ...
فـ كان جوابه حاسمًا :
- مفيش مجال للتفكير
دس " فارس" كفيه بجيبيه و هو ينظر له مُطولًا ، ثم سحب شهيقًا عميقًا زفره دفعة واحدة مرددًا بفتور :
- طيب ، أي أوامر تانيـة ؟
فـ أشار للداخل مرددًا بنبرة صارمة :
- ادخل نام ، الساعة داخلة في 5
ضيق " فارس" عينيه و هو ينظر له بنظراتٍ ضائقة ، ثم تمتم بنبرة حانقة :
- ماشي يا باشا
فلم يكترث له بـل أشار بكفه متمتمًا بنبرة حازمة :
- ادخـل يالا
_ كمـان !
قالها باستنكار و هو يمر من جواره دالفًا فـ تبعه " يامن" ، أوصد باب الشرفة و جذب الستائر الرمادية لتستقر فوقها ، حينها نظر " فارس" له مرددًا بتنهيدة مُطولة :
- مفكرتش هتعمل ايه مع مراتك ؟
فـ زفر و هو يلتفت اليه و قد قست تعبيراته مرددًا بنبرة جافة :
- فـارس ، قولتلك الموضوع منتهي ، الكلام فيه مش هيفيد
أطبق " فارس" جفنيه زافرًا بضيق ، فـ مرّ " يامن" من أمامه و هو يردد بتصميم :
- و يا ريت تفتحش الموضوع ده تاني ، يارا هتفضل هنا .. معايا !
ثم دلف للخارج صافقًا الباب بعنفٍ ، فـ تنغض جبين " فارس" و هو يتمتم ضاربًا كفًا بـ كف :
- الله أعلم انت في دماغك ايه
.................................................................................................
في نهاية المطاف و بعد تهرب .. عاد لغرفته ، أدار المقبض و دلف للداخل ، ثـم أوصد الباب خلفه بهدوء ، تنغض جبينه و قد كان الفراش فارغًا ، فـ التفت لـ يجدها مستلقية أعلى الأريكة ، تنفس بارتياحٍ بسيط ثـم خلع عنه سترته القاتمة و أسندها على طرف الفراش و دنا منها بـ حذرٍ ، جثى على احـدى ركبتيه أمامها ليوازيها ، سمح لنفسه بتأمل ملامحها الهادئة التي طغى الحـزن عليها ، غصة قوية داهمت فؤاده و هو يرى آثار الدموع عالقة بأهدابها ، بلا ترددٍ .. مد أنامله الخشنة لـ ينزح دموعها بعيدًا فـ تشنجت ملامحها قليلًا حين تلمس خدها الأملس بأنامله الخشنة ، سرت قشعريرة في جسدها و هـي تلتفت برأسها بيعدًا عنه و كأنها تختلس فرصة اختلاسه النظرات اليها ، فـ نظر لها بحنقٍ ، مرر ذراعه خلف ظهرها و الأخر خلف ركبتيها بـ حـذرٍ محاولًا ألا تستفيق ، انتصب في وقفته ليدنو من الفراش ، مال بجذعه للأمام قليلًا ليسند جسدها أعلاه برفق ، ثم انتصب في وقفته و دس كفيه بجيبيه مستكملًا دراسته لتفاصيل وجهها بلا وعي منه ، تنغض جبينه حين رآى أناملها تمتد لـ تحك عنقها بأظافرها مجددًا فـ سببت لنفسها سحجات ظفرية سطحية ، عبست ملامحه و هو يمسك بكفها لـ يوقف تلك الحركة التي أثارت استفزازه ، و تنهـد بـ حرارة و هو ينتصب في وقفته و انتقل نحو المرحاض، دقيقتيـن و كان قد عاد اليها حاملًا أنبوب دهـان ، نزع غطاؤه و شـرع يدهن بها موضع جرحها البسيط ، ثـم أغلقه و أسنده فوق الكومود ، ثم عاد ينظر اليها ، جلس على طرف الفراش لـ ينظر لها عن كثب ، تنهد بحرارة و هو ينظـر أمامه للجدار المقابل ، و استند بمرفقيه الى ركبتيه و شبك كفيه معًا ، لحظات مرّت و هو هكذا حتى تنهـد بـ عمقٍ مُطبقًا جفنيه و هو يلتفت لينظر نظرة أخيرة اليها ، كانت قد تكورت قليلًا على نفسها و كأنها تشعر ببرودة الجو ، فـ انتصب في وقفته و جذب الغطاء فوقها مدثرًا لها جيدًا به ، ثم استدار منتقلًا نحو الأريكة و تمدد بجسده عليها و هو مرتكزًا ببصره اليها ، استند بساعده الى جبهته و نقل بصره نحو سقفية الغرفـة لتحسبه دوامة الأفكار بداخلها فـ سلبته حتى حق الرحة في تلك الساعات القليلة .
...................................................................................................
خاصم النوم جفنيها تمامًا فـ ظلّت تتقلب على الفراش و نيرانها الناشبة بداخلها تكاد تحرقها ، في النهاية زفرت بـ حنقٍ و هي تستقيم بجلستها ، بسطت ذراعها نقر زر المصباح الكهربي أعلى الكومود ، ثم نظرت لزوجها الراقد بجوارها بازدراءٍ متمتمة بـ حنقٍ :
- ماشي يا كمال ، نايم و لا على بالك ؟
ثم أزاحت الغطاء عنها مُخفضة ساقيها ، و  سحبت هاتفها من أعلى الكومود و هي تتمتم بنبرة مشتعلة :
- أنا مش هفضل كده ، لازم أتصرف
ثم ارتفع جانب ثغرها بابتسامة خبيثة و هي تهمس بنبرة أشبه للفحيح :
- و خلاص عرفت أنا هعمل ايه !
..................................................................................................
صحـراء قاحلة لا أثر للحياة فيها و لا يوجد ما يدل عليها ، تلفت برأسه ينظر حوله بنظراتٍ ثاقبة محاولًا التعرف على ماهيته و لكن لم يتمكن ، خلل أصابعه بـ خصلاته و توسط بـ يسراه خصره و هـو يتجول بعينيه بذلك المكان حتى سقط بصره على ما جعل جبينه يتنغض بعدم فهم هناك أقصى اليسار ، مضى نحو باب غرفته الذي بزغ فجأة وسط الصحراء ، و أدار المقبض دافعًا الباب ليدلف للداخل ليرى ما جعل  داخله يشتط تجهمت ملامحه الى حد كبير و هو يقبض بكفه بقوةٍ على الحزام الجلدي ، فرفع " كمال" نظراته نحـوه و هو يبتسم ابتسامة شيطانية فـ كزّ " يامن" على أسنانه و هو يحدجه بنظراتٍ مميتة ، التفت برأسه قليلًا ليجدها تقف تعلب دور المشاهد و هي تبتسم باستمتاع و كأنه عرض سنيمائي تعشقه ، شملها بنظراتٍ مزدرية ثم  أخفض نظراته الى الصغير المُفترش الأرضية بجسده و هـدر به بشراسـة :
- قوم دافــــع عن نفسـك ، قـــوم !
فـ تكور الصغير على نفسه و هو يدفن رأسه في ركبتيه فـ نظر له " يامن" بنظرات حاقدة ، رفع نظراته الحامية نحو " كمال" الذي اتسعت ابتسامته الخبيثة و لوح له بكفه بنفس الطريقة التي تنجح دومًا بإثارة سخطه ، تمتم " كمال" بنفس النبرة الماكرة :
- باي باي يا يامن !
ثم تلاشى من أمامه گ الرماد المنثور ، التفت " يامن" لـ " هدى" التى قست تعبيراتها و هي تصيح باستهجان :
- مش عايزاه زي يوسـف ! لو زي يوسف مش عايزاه .. مش عايزاه !
ثوانٍ و كانت تتلاشى هي الأخرى من أمامه ، گاد يُهشم أسنانه و هو يكز عليها مشددًا على عضلات فكيه ، قبض بكفه بـ قوة على الحزام المتبقى منه ، ثـم رفع ذراعه ليُلقي به بعيدًا بانفعال ، أخفض نظراته نحو الصغير المتكور على نفسه و آثار الضرب جلية على جسـده و وجهه المتورم ، اسشتاط داخله غيظًا ، فـ انحنى قليلًا لـ يجذبه بقسوةٍ من عضده فـ أجبره على الوقوف ، نظر له الأير بأعين زائغة فـ بادله نظرات نارية و هو يهـدر به بنبرة ناقمة:
- انت متت ! سامعنــــى متت ، راجع تاني ليه ؟
ازدرد ريقه و قد تجمدت نظراته عليه و هز راسه بالسلب و هو يتمتم بنبرة مرتجفة :
- أنا عايش .. عايش جـواك !
فقبض أكثر على ذراعه مرددًا بنبرة هادرة :
- محصلش ، انت متت ، أنا قتلتك .. قتلتك من زمان !
فـ تجمدت تعبيرات الصغير مرددًا بنبرة ثابتة و هو يشير الى صدره :
- أنا انت و انت أنا .. احنا واحد
فـ هــدر به بـ شراسـة :
_ مش واحـــد  ، انا بنفسي قتلتك .. قتلتك من زمان !
مد الصغير كفيه لحل احـدى أزرار قميصه ثـم نقر باصبعه على موضع تحديدًا في صدره ، أخفض " يامن" نظراته ليرى ما يُشير اليه ، ذلك الجُرح الذى كاد يودى بحياته و الذي خلف خلفه ندبة لا تُمحى ، ثم أشار الصغير الى صدره العاري الملئ بالجـروح و نقر بإصبعه على موضع محدد .. نفس الموضع ، ثبت " يامن" نظراته على موضع جرحه في صدر الصغير فتمتم بنبرة ظافرة :
- شـوفت ؟عرفت أنا و انت واحـد ؟
فـ كـزّ " يامن" بعنفٍ على أسنانه و استعرّت النيران المتأججة بصدره بشكلٍ لا يطيقه بشر ، نظر له بعينان و كأنهما جذوتين من الجحيم تُطلقان شررًا هادرًا باستهجان :
- اليوم ده أنا قتلتك .. قتلتك فيه
فـ أشار الصغير بعينيه الى موضع الجرح الذي ظل تاركًا أثره به حتى الآن متمتمًا بنبرة ثابتة :
- لأ ، أنا عايش
برزت عروق جبينه و جانبي رأسه ، شدد أكثر على عضلات فكه و هو يحدجه بنظرات قاتمة ، و بثانية كان يُطبق بـ كفه على عنقه منتويًا اختلاس روحه ، و هو يردد متوعدًا بشراسة :
- يبقـى هقتلك .. هتمـــــوت على ايدي
جحظت عيني الصغير و شحب لون وجهه بدرجة كبيرة ، اختنق صدره و شعر بعنقه سيُهشم في قبضته ، كاد بالفعل أن يخسر حياته حيـن شحذ " يامن" كمية لا بأس بها من غضبه و سخطه المكبوت في القبض على عنقه ، و لكن لانت تعبيراته قليلًا و هو يُرخي كفه عنه رويدًا رويدًا حين استمع الى ذلك الصوت الذي يحفظه ظهر قلب مُحذرًا :
- اهــــرب يا يامن ، اهـــــــــــرب ده شيطان يا يامن ، شيطــــــان !
التفت كلاهما نحو مصدر الصوت ، برقت عينا " يامن" بالشوق و قد تبدلت نظراته كُليًا متمتمًا بـ نبرة ملتاعة :
- بابا
كـاد أن يخطو نحـوه و لكن تسمـر حين استوقفه باسطًا كفه ثـم أشار للصغير محذرًا مُجددًا :
- اهـــرب منه يا يامن ، تعالى .. أنا هحميك منه
تجلت الصدمة على ملامحه و هو يخفض نظراته للصغير الذي ظلّ محتفظًا بـ ثباته و كأنه لم يوشك على فُقدان حياته منذ ثوانٍ :
- ده أنا يا بابا .. أنا !
هـزّ " يوسف" رأسه بالسلب عـدة مرات ، و نظر لـ " يامن" بنظرات قاتمة لم يرها بعيني والده يومًا و هو يردد بنبرة جافة :
- لأ يا يامن ، ده شيطـان .. شيطان !
تنغض جبينه و هو ينظر له معاتبًا :
- بابا
فـ أشار " يوسف" بـ كفه مرددًا بصرامة :
- شششش ، أنا مش أبوك .. انت مش ابني .. انت مش يامن !
أدمت كلماته فؤاده ، التمعت الدموع في عينيه رُغمًا عنه و هو ينظر له و لكنه كبحها فـ ظلّت أسيرة عينيه ، ازدرد ريقه مُحاولًا التبرير و هو يردد معاتبًا :
- أنا .. أنا بحاول أرجعلك حقك !
فـ أشار" يوسف" لنقطة خلفه مرددًا بنبرة جافة :
- و هي ذنبها ايـــه ؟ هـا ؟
التفت " يامن" لـ يخفق قلبه بعنفٍ في صدره حيث كانت تقف واجمة تنظر له بـ كآبة امتزجت مع العتاب الذي لم يفشل يومًا في اعتصار فؤاده ألمًا ، التفت الصغير بدوره فـ ارتفع حاجبيه متمتمًا بـ شدوه و هو يتقدم نحوها :
- كـ..كبرتي !
أخفضت نظراته اليه لـ يتنغض جبينها ، فـ نقل بصره بين زرقاوتيها تلك العينان اللتان اجتذبتاه مسبقًا للنظر اليهما ، خفق قلبه بعنفٍ في صدره و هو يتمتم مشدوهًا :
- انتي .. انتي كنتي بتعيطي ليه ؟ في حد مزعلك ؟
فـ انهمرت الدموع من عينيها گ الشلال و هي ترفع نظراتها لتشيـر اليه فشعـر بـ شئ يُطبق على صدره ، نظر لها بنظرات شبه مستعطفة متمتمًا:
- يـ.. يارا !
فـ حادت ببصرها عنه و كأنها تعلن عن رفضها لـ إجابته ، بينما دنا الصغير منها ، ثم احتضن كفه بكفها متمتمًا بنبرة هادئة :
- متزعليش
فـ نظرت له بأعين دامعة و أجهشت بالبكاء الحار و قد تعالت صوت شهقاتها ، فـ دنا أكثر منها مطوقًا خصرها بـ ذراعيه مرددًا بنبرة جادة :
- متزعليش ، أنا هصلح كل حاجة
هزت رأسها نفيًا متمتمة بقهرٍ :
- كل حاجة ضاعت ، كل حاجة ، مفيش حاجة هتتصلح
فـ ابتعد الصغير عنها قليلًا لـ يرفع نظراته الى وجهها ، ثم تمتم بنبرة ثابتة :
- ايه رأيك تيجي معايا ؟
فـ تجمدت الدموع في عينيها و هي تردد بنبرة امتزجت مع شهقاتها :
- فيـن ؟
فـ التفت لينظر اليه مشيرًا اليه :
- هنروح عنده عشانه محتاجنا !
نظر له " يامن" بشدوه ثم رفع نظراته اليها ليحملق بها بترقب ، فـ عادت للخلف عدة خطوات و هزّت رأسها نفيًا و هي تردد برفضٍ قاطع :
- مستحيـــل
دنا منها الصغير متمتمًا باستعطاف :
- انتي مش فاهمة ، ده ..ده أنا ، انا عايز أساعده عشانه أنا !
استمرت بالتراجع للخلف بينما ظلت نظرات " يامن" متعلقة بها ، هنـا صـاح " يوسف" محـذرًا مشيرًا بكفه :
- حـاسبـــــي يا يارا ، خـــدي بالك
شخصت الأبصار نحو ما يُشير اليه فـ كانت مجموعة من الذئاب الضارية ، ينظرون اليها متربصون بها ، اتسعت عينا " يامن" و هو يخطو نحوها مرددًا :
- حاسبــــي
فـ بسطت كفها تستوقفه متمتمة بـ نبرة جافة :
- متقربش
تسمر في مكانه و بسط كفه مرددًا بنبرة متوترة :
- تمام تمام ، بس .. بس اثبتي ، متقربيش منهم
تجمدت نظراته على الصغير الذي شـرع يتلاشى فـ اتسعت عيناه و هو يستدير باحثًا عن والده ليجد لا أثـر له ، و فجأة انتقلا من تلك الصحـراء القاحلة إلى غابـة قاتمة ، عاد ينظر اليها و نظر خلفها ليجد أعداد الذئاب قد ازدادت ، ازدرد ريقه و هو يتوسّلها بنظراته متمتمًا :
- يارا .. تعالي ، ابعدي عنهم
رفعت رأسها بـ كبرياء و قست نظراتها و هي تردد بنبرة ثابتة :
- لو كنت مخيرة اني أعيش معاك في جنة أو في جحيـم مع غيرك .. هـختار الجحيم !
تصلبت ملامحه و هو ينظر لها بنظرات مشدوهة ، فـ إذ بها تستدير فجأة لـ تهـرع نحو تلك الذئاب فـ تحفزت خلاياه و هو يركض خلفها هادرًا بنبرة عنيفـة :
- يارا ، مـــش هتسيبيني انتي فاهمــــة ، مهما عملتي مش هتقدري ! يــــارا
واصلت ركضها نحوهم غير مكترثة لما يقول بينما تقريبًا وصل اليها مد كفه لـ يجتذبها من عضدها مستوقفًا لها فـ تشكل أمامه حاجزًا من الزجاج فصـل بين كلاهما ، اتسعت عيناه و هـو يرى الذئاب على مقربة شديدة منها ، كـزّ على أسنانه بعنفٍ و هو يستشعر عجزه عن حمايتها ، و كـور قبضتيه حتى برزت عروق ظهرهما الخضراء و هو يضرب الحاجـز الزجاجي بـ كفه بـ عنفٍ عسى أن يتمكن من هدمه للوصول اليها هادرًا بها :
- يــــــــــــــارا .. مش هسمحلك تسيبيني ، مــش هسمحلك !
تسمرت في مكانها تمرر نظراتها على الذئاب ثم التفتت لـ تنظر له بنظرة أخيرة لا حياة فيها بسط " يامن" كفه على الحاجـز الزجاجي و كأنه يتلمس وجهها الذي يفصل الحاجز بينها و بينه و هو يردد بنبرة عنيفة :
- مـش هسمحلــك تسيبيني كـده ، مـش هسمح لهم ياخدوكي مني !
نقلت نظراتها بين خضراوتيه و بسطت كفها على الحاجز الزجاجي .. عند موضع كفه تحديدًا فبدا الفارق في الحجم بينهما ، تنغض جبينه متعجبًا من فعلتها و أخفضت نظراته الي كفه ، اعتقد أنها اقتنعت أخيرًا و ستعـود اليه و لكنها سحبت كفها مخلفة آثار للدماء سالت منه بـ غزارة ملوثـة موضع كفها ، فـ اتسعت عيناه و هو مسلطًا نظراته على الدماء ،رفع نظراته اليها ليجد الذئاب قد ثارت فجأة و هي تدنو نحوها حتى هجـم الذئاب عليها بلحظة واحـدة  لـ ينهشوا لحمها ، اتسعت عيناه و كـور قبضته و هـو يضرب بعنفٍ على الجدار علّه يهشمه فـ يصل اليها و هـو يزأر بـ :
- يــــــــــارا
...............................................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now