" الفصل الثاني و الأربعون"

1K 17 0
                                    


أحيانًا لا تنفذ الطعنة الى الصدر.. بل تنفذ الى الفؤاد حين تُبصر هوية الطاعن
__________________________________________________
گمن حلت عليه صاعقة توًا ، تسلطت عيناه على زرقاوتيها و تنغض جبينه متمتمًا باستنكار :
- نعم ؟
و فجأة هدرت به بتشنجٍ و هي تنزع كفيه بقسوة عن وجهها :
- أيوة انت .. انت اللي عملت كده !
انتصب في وقفته و هو ينظر لها باستهجان هادرًا :
- انتي بتقـــــــولي ايه ؟
انكمشت على نفسها و ضمت ركبتيها الى صدرها و هي تنظر له بحرد مرددة بنبرة ساخطة :
- ازاي ؟ ازاي توصل بيك الحقارة للدرجة دي ؟
لم يكن يتوقع مُطلقًا أن تتهمه بمثل ذلك الاتهام ، كز بعنفٍ على أسنانه مشددًا على عضلات فكيه ، كور قبضتيه بقوةٍ حتى ابيضت مفاصل أصابعه و هو يحاول التحكم بلهيب سخطهِ كي لا يُفرغه بها ، بالنهاية يعلم أنها ليست بوعيها بعد ، من أكثر الأشياء صعوبةً بالنسبة اليه أن يتحكم ببركانهِ الثائر و مع ذلك حاول فعلها من أجلها ، بينما حدجته بنظراتٍ تعكس شعورها ناحيته و استقامت بوقفتها و هي تدنوَ منه  مرددة بتشنجٍ :
- أيوة انت .. أنا .. أنا متأكدة ، أيوة ، مفيش حد غيرك يقدر يعملها ، حتى .. حتى اتخطفت .. اتخطفت زي ما خطفتني قبل كده ، حتى هما كانوا .. كانوا لابسين نفس الهدوم .. كانوا .. كانوا نفس الشكل !
نظر لها مُطولًا ثم استدار موليًا ظهره لها و لكم بقبضته المكورة الجدار و هو يردد بنبرة قاتمة :
- أحب أقولك انك غلطانة ، أنا مش و×× للدرجة دي !
فاجتذبته مجبرة له على النظر اليها ، و كورت قبضتيها و هي تلكم صدره عدة مرات مرددة باهتياجٍ :
- ليـــــــــــــه ؟ ليـــــــه ؟ حرام عليك ، حرام عليك أنا عملتلك ايه ؟ أنا عملتلك ايه عشان تعمل كده فيا !
لا يعلم كيف و لكنه يكترث لتطاولها باليد عليه ، تركها تُخرج ما بجبعتها و قد انسالت الدموع من عينيها كشلالات منهمرة ، نظر لها مُطولًا و هو يردد بصوتٍ أجش :
- مش أنا .. افهمي بقى مش أنا
و گأنها لم تستمع اليه ، آلمتها قبضتاها فقبضت على تلابيبه بكفيها ، و نظرت له بعينين حمراوين دامعتين و هي تردد بمرارة :
- حرام عليك .. ليه بتعملوا كده فيا ، ليـــه ؟
شعرت بساقيها رخوتين غير قادرتين على حملها ، شعرت بالدوار يهجم على رأسها و الصداع ينهش منها بلا هوادةً ، ارتخت رأسها على صدره بلا وعي منها تاركة العنان لدموعها تُغرق قميصه ، كادت تبتعد عنه بصعوبة و قد تشوشت الرؤية أمامها و لكن كفه كان يتخذ موضعه عند مؤخرة رأسها ليدفن رأسها أكثر في صدره ، و هو يكز بعنفٍ على أسنانه ، فتشبثت أكثر بياقتهِ محاولة الحفاظ على توازنها و لكنها فشلت ، تراخى جسدها بالكامل بين ذراعيه و رأسها يُدفن أكثر في صدره كادت أن تفترش الأرضية بجسدها لولا أن تدارك الأمر فحاوطها من خصرها بذراعيه ثم قبض على مرفقيها بكفيه ليهبط بها أرضًا و رأسها مازالت عن صدره ،ثم جلس أمامها و هو يحاوطها محتويًا لها ، و ما هي إلا ثوانٍ و كان صوت شهقاتها يتصاعد و هي تترك العنان لنفسها و لو أمامه ، فهي حاليًا لا تتفهم حتى ما يحدث ، صرخة نابعة من شرخ فؤادها شرخت فؤاده هو ، تلتها بصرخاتٍ أشد قهرًا شعر بها تسحق روحه بلا هوادةٍ ، امتزجت شهقاتها و صرخاتها المقهورة مع صوتها و هي تردد :
- ليـه بتعملو كده فيا ؟ ليـــــــــه ؟ أنا عملتلكم ايه ؟ أنا معملتش حاجة ، معملتش حاجة !
فتسللت أصابعه بين خصلاتها و دفن أنفه فيها يشتم عبقها المميز و هو يردد بصوتهِ الصارم :
- شششششش ، اهدى ، أنا هنا
فدفعته بعيدًا عنها رُغمًا عنه لتنظر له بعينان حمراوان و هي تردد بتشنجٍ من بين نشيجها :
- بس أنا فاهمـــة ، أنا فاهمة .. انت .. انت كنت عايز تشوفني مذلولة و مكسورة ، كنت عايز تكسرني عن طريقه ، عملتوا لعبة عليا انتو الاتننين عشان تدبحوني ، انت كمان شريك معاه في جريمته ، أنا  بكرهه و بكرهك أكتر من أي وقت تاني .. ، بكرهم كلكم ، بكرهكم !
فاجتذبها قسرًا لتستند بجبينها على صدره ، راحت أصابعه كفه الآخر تمسد برفقٍ على شعرها ، لم يكترث لمقاومتها له و هي تحاول دفعه بكفيها و :
- ابعد عني بقى ، ابعـد عني أنا تعبت من كل حاجة ، تعبت ، انت ليه مش بتسيبني في حالي ، سيبني في حالي أو اقتلني و خلصني من حياتي
فلم تفلح محاولاتها بدفعه بعيدًا عنها فقد ظل مثبتًا لرأسها على صدره بكف و بالكف الآخر مسد على خصلاتها و هو يردد باصرار مريب :
- تـــــؤ ، مش هبعد ، مهما عملتي مش هبعد و مش هسيبك أو أسمحلك تسيبيني !
دفعته من صدره بكلتا كفيها لتبتعد برأسها عنه فتركها بإرادتهِ ، نظرت له بنظراتٍ حاقدة و هي تردد بنبرة ساخطة :
- عشان بتفرح لما تشوفني بتعذب صح ؟ عشاني جزء منه .. عشاني جزء منه فبتفرح .. بترتاح لما بتعذب قدامك .. صح ؟
نهش الألم من روحه بلا هوادة ، شعر بكلماتها تسحق فؤاده بلا رحمة ، نقل نظراته بين عينيها ، بينما ازداد سخطها من صمتهِ فـ قبضت على تلابيبه بكفيها و هي تهدر باهتياجٍ :
- رد عليــــا ، قول حاجة ، دافــــع عن نفسك !
فتمتم هامسًا بنبرة جافة :
- مش عايز
فـ ابتسمت بتهكمٍ لتردد بمرارة :
- يبقى صح
- غلط
فاهتاجت أكثر و هي تكور احدى قبضتيها لتلكم كتفه مرددة :
- لأ صح ، صح ، متنكرش .. متحاولش تنكر ، انت بتكرهني زي ما بتكرهه بالظبط  و ... آآآآآآآه
انخرطت في نوبة بكاء مجددًا امتزج فيها نحيبها مع شهقاتها ، كانت تلك المرة الأولى منذ أمد تكونت الدموع في مقلتيه تأثرًا لحالتها المنتهية ، و لكنه كبحها لتظل أسيرةً لعينيه ، كز على أسنانهِ بعنفٍ و هو يحاول التحكم بنفسهِ ، و نظر لها بإشفاق ، اجتذبها قسرًا لتسكن أحضانه و دفن رأسها في كتفهِ و أصابعه تتخلل لخصلاتها مرددًا بنبرة حالكة :
- هندمه على كل دمعة نزلت من عنيكي بسببه
و گأنها لم تستمع اليه .. اختنقت نبرتها و هي تردد بمرارة من بين شهقاتها :
- كان هيضيعني .. كنت هتضيع بسببه .. آآآآآه
فتابع و قد تضاعفت جذوة الشر الدفين بداخله :
- قسمًا بالله لأنسفه ، هندمــــه على اليوم اللي اتولد فيه ، مش هسيبه !
خبى صوت شهقاتها فجأة ، و ارتخى جسدها بالكامل بين ذراعيه ، أظلمت الدنيا أمام عينيها و تشوشت الرؤية لديها ، حتى أطبقت جفنيها بوهنٍ متمتمة بلا وعي منها :
- ليـه ؟
استشعر ارتخاء جسدها بين ذراعيه فـ أخفض نظراته ليجدها في حالة ما بين الوعي و اللا وعي ، عمق نظراته نحوها و امتدت أطراف أنامله لينزح دمعاتها  متمتمًا و كأنه يتعهد لها :
- محدش هيقدر يأذيكي طول ما انتي معايا ، مش هسمح لده انه يحصل
فكان صوته آخر الأصوات التي اخترقت أذنيها قبل أن تنسحب من عالمنا لتتخذ لنفسها عالمًا خاصًا بها .. عالمًا عساها تجد به راحةً لروحها المعذبة ، و لكن مع الأسف .. هيهات
مرر احدى ذراعيه خلف ظهرها و الآخر خلف ركبتيها و حملها بين ذراعيها و هو ينتصب في وقفته ، فاستندت برأسها على صدره ، ظل مسلطًا لنظراته العميقة على وجهها ممررًا نظراته عليه ، ضمها أكثر محكمًا قبضته الحديدية على جسدها كما لو أنه يود يطمرها هكذا بين أضلعه ، قرّب رأسها منه ليستند بذقنه عليها و نظر أمامه بنظراتٍ شرسة گ نمر مجروح على وشك الفتك بفريسته و هو يتمتم بنبرة شرسة غامضة :
- هيتحاسب على اللي عمله ، هيتحاسـب !
دنا من الفراش و انحنى بجذعهِ للأمام ليسند جسدها بحرصٍ فوقه ، ثم جلس بجوارها ، امتدت أنامله لتنزح خصلاتها عن وجهها ثم تلمس موضع تلك الكدمة الزرقاء التي برزت بوضوحٍ فشعر بجذوة حقدهِ و رغبتهِ الانتقامية تتضاعف ، طرد زفيرًا حارًا من صدرهِ متذكرًا كيف أشهرت اصبع الاتهام ناحيته ، تجولت نظراته على وجهها ثم انحنى نحوها لينظر لها عن كثب دارسًا تفاصيل وجهها التي زُرعت بصميمهِ و انتهى الأمر ، مسد برفقٍ على خصلاتها و هو يتمتم بنبرة صارمة :
- المرة دي كانت غلطة .. غلطة مني مش هتتكرر ، كان لازم أمنع ده من انه يحصل
تسلطت عيناه على جفنيها المنتفخين ليشعر بشئٍ يُطبق على صدرهِ حين رآى تلك الدمعة التي غزت صفحة وجهها  لتسقط عموديًا حتى أذنها فسارع بنزحها و هو يمسح بلطفٍ لم يكن يدري حتى أنه يمتلكه على بشرتها و هو يؤكد لها بنبرة جادة :
- حقك هيرجع ، صدقيني !
..............................................................................
رآى أنه من الصواب محادثتها للاعتذار عما بدر منه بلا وعي و قد تسلل بعض الارتياح اليه عقب عودته للمنزل ، تجاهل تفسير الأمر لـ " عمر" تمامًا و ترك تلك المهمة لأخيه ليخبره بما يُريد فقط .. نزع عنهُ سترته و هو يدلف لداخل غرفته ، ثم أوصد الباب خلفه ، تهالك جسدهُ على طرف الأريكة ثم استند بمرفقيه الى ركبتيه و فرك عينيه زافرًا بوهنٍ عقب تلك الأحداث المتلاحقة ، سحب شهيقًا عميقًا و هو يتراجع بظهرهِ للخلف مستندًا لظهر الأريكة و أخرج هاتفه من جيبه ، نقر على شاشتهِ و رفعه الى أذنه و هو يردد بتهكمٍ هامس :
- أما نشوف محطة الإذاعة المتنقلة دي كمان !
لم يكتمل الرنين حتى ، فقد أغلقت المكالمة في وجهه ، عقد حاجبيه و هو يُبعد الهاتف لينظر له مشدوهًا ثم أعاد الكرة ليتفاجأ بنفس الفعلة ، فـ كزّ على أسنانه و هو يتمتم مستنكرًا :
- بتقفلي في وشي ؟ أنا " فارس الصياد " يتقفل في وشي ؟ ماشي .. أنا أصلًا غلطان اني بكلمك
ثم ألقى الهاتف بجواره بلا اكتراث و قوس شفتيه بتأفف :
- قال بتقفل في وشي قال !
دس كفيه بجيبه و عاد برأسه للخلف مُطبقًا جفنيه و ما هي إلا ثوانٍ و عاد يلتقط الهاتف و أعاد الإتصال بها هامسًا بحنقٍ :
- أيوة يعني تقفل في وشي ازاي ؟
حتى أتاه الرد أخيرًا بصوتها الممتعض :
- عايز ايه ؟
فردد مستنكرًا :
- بتقفلي في وشي ؟
فـ أجابته مقوسة شفتيها بنفاذ صبر :
- أيوة ، عندك مانع ؟
فعاد بظهرهِ للخلف و رفع ساقًا فوق الأخرى مرددًا باستهجان :
- ايه الجرأة اللي انتي فيها دي ؟
توسطت خصرها بكفها و هي تردد باستهجانٍ :
- و انت ازاي تعلي صوتك عليا ؟ شايفني خدامة عندك و لا حاجة
فـ خلل أصابعه بخصلاته مُطلقًا زفيرًا حارًا من بين شفتيه و :
- ما أنا متصل عشان ...
فـ انفجرت به گبركانٍ ثائر :
- عشان ايه ؟ هـا ؟ قول ؟ فاكر نفسك مين عشان تعلي صوتك عليا ، أنا محدش يزعقلي بالشكل ده ، انت و ابن عملك أوحش من بعض ، قـــــول ، رد .. رد ، ساكت ليه !
- اديني فرصة أنطق !
توسطت خصرها بكفيها و هي تتمتم بامتعاض :
- و لا تكون فاكرني متصلة بيك عشان سواد عيونك ! أنا عايزة أطمن على أختي ، لكن لو دماغك راحت لبعيد فدي مشكلتك مش مشكلتي ، أنا اتصلت بيك بهدف مطلب انساني .. لكن الواضح ان انت و هو نفس الصنف ، لا تمتان للانسانية بصلة !
فتغضن جبينه و :
- لا ايه ؟
- تمتان !
- ايه تمتنان دي ؟
قوست شفتيها بتأفف و :
- تمتان .. تمتان ، مؤنث تمُت !
فالتوى ثغره بابتسامة ساخرة مردفًا بتهكم :
- لا و الله !
فرددت بنبرة ساخرة :
- أيوة ، و لا متعرفهاش.. كمان جاهل !
فرك عنقه بكفه مبادرًا بنبرة جامدة :
- لاحظي انك عمالة تغلطي في اللي جابوني و أنا بعديها !
فسخرت منه متمتمة باستخفاف :
- هه هه هه ، خوفتني ، هتعمل ايه يعني ؟
فقست تعبيراته و هو يردد بنبرة محتدة :
- بت انتي متخلينيش أتغابي عليكي !
فضيقت عينيها مرددة بحدة :
- نعم ! تتـ..ايه ، تتغابى ؟ ده...
فقاطعها قبل أن تثرثر بكلماتٍ لا تنتهي :
- بـــــــــــــــــــــــــــس ، أقولك حاجة تريحك ، أنا غلطان اني متصل أتأسفلك ، خلاص كده .. سلام
ثم أغلق المكالمة بوجهها ردًا على اهانتها ، و ألقاه بجواره بلا اكتراثٍ، بلوى شفتيه بضجرٍ و فرك بكفيه جانبي رأسه قائلًا باستنكار :
- يخربيتك ، كل ده و مش رغاية ، ده أنا صدعت ! هو في كده ؟
ثم قطب حاجبيه بضيق و حاول النطق المتلعثم بـ :
- تمـ..تمتـنـ.. تمتان ! بتجيبي الكلام ده منين ؟
استقام في وقفتهِ و مضى نحو باب الغرفة ، و لكنه تفاجأ بـ " يامن" يمرّ من أمامه بسرعة البرق متوجهًا صوب حجرة أخيه فـ ارتفع حاجبيه و نادى عليه محاولًا استياقفهِ :
- يـامن ، استنى ، يــــامن
......................................................................
ظلت فاغرة لشفتيها و هي مُحدقة بهاتفها ، ثم قضمت شفتيها بغيظٍ مرددة بسخطٍ :
- بتقفل في وشي كمان ، ده انت فعلًا واحد ميعرفش معنى للاحترام
ألقت الهاتف على الفراش بجوارها و ظلت ملامحها عابسة متجهمة و هي عاقدة لساعديها أمام صدرها ، تذكرت أنها لم تطمأن على شقيقتها فعبست ملامحها أكثر متمتمة بامتعاض :
- أوف بقى ، يعني كنت أعمل ايه ؟
التقطت هاتفها و شرعت تتفحص حسابها على موقع التواصل الإجتماعي بلا اكتراثٍ مُحاولة أن تُشغل عقلها ليجرفها تفكيرها بعيدًا و لكنها لم تلبث أن تعود الى نفس النقطة ، فزفرت بحنقٍ و هي تتمتم بانزعاج :
- هو أنا زودتها و لا إيه ؟
..............................................................................
صفعة قوية هوى بها على وجنته دوى صوتها في الأرجاء من قسوتها ، طأطأ " عمر" رأسهُ خزيًا محنيًا بصره بعيدًا عن نظراته التى كادت تفتك به ، ظل ثابتًا لم يحتج عقب ما بدر منه و لو كان غير قاصدًا لذلك ، و لكنه شعر بالاختناق يتمكن منه .. تلك المرة الأولى التى يتطاول فيها باليد عليه ، و گأنه لم يكتفِ .. قبض بقوةٍ على تلابيبه و اجتذبه اليه ليهدر بشراسة :
- قسمًا بالله لو كان حصل لها حاجة مكنش هيكفيني فيها روحك !
لم يتفهم ما حدث لها .. ما تفهمه فقط أنها اختُطِفت و لا يعلم السبب ، و لكنه استشعر الخطر الذي حام فوقها بسببهِ ، فـظل محنيًا بصره و هو يتمتم مبررًا :
- كنت .. كنت بحاول أساعدها
فجأر بـه و هو يهز جسده بعنفٍ :
- تساعدها و لا تضيعها يا غبـــي !
تلعثمت نبرته و هو يتمتم :
- أنـ.. انا..
دفع " فارس" الباب و دلف لتتسع عيناه شدوهًا و هو يوفض نحوه متمتمًا باستهجان :
- يامن انت بتعمل ايه ؟
ظل مسلطًا لنظراته المميتة عليه فرفع " عمر" نظراته التي امتلأت بالندم اليه  ، كزّ بعنفٍ على أسنانه حتى ارتعش صدغيه و دفعه بعنفٍ للخلف و هو يتمتم بنبرة قاتمة :
- لولا انك أخويا كان هيبقى ليا تصرف تاني معاك
ثم شمله بنظراتٍ مزدرية و  مضى نحو خارج الغرفة دافعًا " فارس" بعيدًا عن طريقهِ ، تابعه " فارس" بنظراتٍ قانطة و لم يحتج ، انتقل بنظراته نحو " عمر" و دنا منه مربتًا على كتفه محاولًا مواساته :
- متزعلش يا عمر
فنظر له بأعين شبه دامعة مرددًا بنبرة مهتزة و كأنه يحاول اخماد الندم بداخله :
- و الله كنت بحاول أساعدها ، مكنتش أعرف ان ممكن تتأذى بسببي
قبض على كتفه و هو يردد بصوتٍ أجشّ :
- متقولش كده انت ملكش ذنب في حاجة ، عارف انك طيب و هي صعبانة عليك
أومأ برأسهِ عدة مرات متمتمًا :
- فعلًا ، يعني هي ذنبها ايه في وسط كل ده ؟
- ملهاش ذنب ، بس للأسف نصيبها كده
رفع " عمر" أنامله يتلمس وجنته و التي تركت أصابع " يامن" أثرًا عليها و هو يردد :
- تعرف انه  أول مرة يمد ايده عليا !
سحب " فارس" شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ ثم التفت لينظر نحو باب الغرفة متمتمًا بنبرة حائرة :
- و تعرف ان يامن فيه حاجة مش طبيعية
- عارف
فعاد ينظر له مسلطًا نظراته على عينيه و ضيق عينيه و هو يردد :
- انت ملاحظ حاجة .. صح ؟
فطرد " عمر" زفيرًا أعقبه بـ :
- مش عارف ، بس كنت حاسس انه خايف عليها
افترّ ثغر " فارس" بابتسامة و هو يتمتم :
- مش مجرد احساس .. هو فعلًا كان هيموت من الخوف عليها
تنغض جبين " عمر" و تهالك جسده على طرف الفراش مرددًا بنبرة حائرة :
- تفتكر ممكن اللي بنفكر فيه ده يحصل ؟
حك " فارس" ذقنه الغير نابتة باصبعي السبابة و الإبهام مُفكرًا ، ثم تنهد و هو يدس كفيه بجيبيه  :
- مش عارف بصراحة ، تصرفاته متناقضة !
أومأ " عمر" برأسهِ مؤكدًا :
- معاك حق
ثم نكس رأسه مستندًا بمرفقيهِ الى ركبتيه و بدا و كأن الشرود يكاد يبتلعه بداخلهِ ، فنظر له " فارس" مطولًا ثم قال :
- قوم معايا نشوف حاجة لوشك ده
رفع " عمر" نظراتهُ اليه و تلمس تلقائيًا وجنته و :
- هي علّمت ؟
انبعجت شفتيه بابتسامة و هو يدنو منه ليجتذبه ليقف و اتجه به نحو منضدة الزينة :
- مالك اتخضيت كده ليه ؟ هي دي اللي هتأثر على معاكسة البنات ليك و لا ايه ؟
ضيق " عمر" عينيه و هو ينظر لانعكاس صورتهِ بالمرآة ، و زم شفتيه بضيقٍ ، فتمتم " فارس" قاصدًا استفزازه :
- هتتعاكس ازاي دلوقتي مش عارف !
نظر له شزرًا و هو يتمتم بحنق :
- خلاص بقى .. عرفت اني مش هتنيل
فاتسعت ابتسامته المتسلية ثم استدار ليدلف للمرحاض و عاد بعد بضع دقائق ، دنا منه و أشار للأنبوب بكفه :
- تعالى عشان أ..
فردد " عمر" باحتجاج و هو يبعد كفه :
- مش عايز حاجة ، أنا عايز أفضل كده
فدفع كفه و هو ينزع غطاء الأنبوب و شرع يدهن وجنته و هو يردد بنبرة حازمة :
- اسمع الكلام
فنظر " عمر" لعينيه مباشرة و تسائل بقلق غلف صفحة وجهه :
- انت متأكد انها كويسة ؟
عاد يُغلق الأنبوب و زم شفتيهِ قائلًا :
- مش عارف
تغضن جبينه و :
- انت مشوفتهاش ؟
-  لمحتها بس ..كان مغمى عليها ، دلوقتي مش عارف حالتها ايه !
تهدل كتفيهِ بقنوطٍ و هو ينظر له من طرف عين ، فربت " فارس" على كتفه قائلًا بتنهيدة مُطولة :
- متحسسش نفسك بالذنب ، انت نيتك كانت خير
بالرغم من عدم اقتناعه إلا أنه أومأ برأسهِ
.............................................................................
بالرغم من الألم الذي يسحق فؤادها بلا هوادةً إلا أنها شعرت نوعًا ما بارتياحٍ لا تعلم مصدره ، و گأنها بين أيدي أمينة ستحرسها و تكون لها خير حافظًا ، تلمست بأناملها موضع فؤادها ثم تركت تلك الدُمية جانبًا و استقامت في وقفتها لتفتح باب الغرفة لتتفاجأ به يستقيم بوقفته مستديرًا لها ، عقدت حاجبيها متمتمة بضيق :
- انت لسه هنا ؟
أومأ برأسه و عيناه تتجولان على ملامحها ، بينما قست نظراتها و هي تحاول المرور من جواره فـ قبض برفقٍ على عضديها يستوقفها مرددًا بنبرة متوسلة :
- استني يا حبيبة ، اسمعيني لو سمحتي
فنزعت كفيه عنها و هي  تردد بنبرة قاسية :
- لو سمحت تسيبني أنا مش عايزة أسمع حاجة
ثم تجاوزته لتمر باتجاه غرفة ابنتها ، فتحت الباب و دلفت للداخل فـ تنغض جبين "ولاء" و هي تنظر لها بدهشة متمتمة :
- ماما ؟
فأوصدت الباب خلفها و دنت منها لتردد بنبرة حاسمة :
- ولاء ، اتصلي بـ " فارس" عايزة أكلمه !
..........................................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق Où les histoires vivent. Découvrez maintenant