"الفصل الخامس و الأربعون"

794 20 0
                                    

"الفصل الخامس و الأربعون"
گانت تعاني من تلك الحالة العسيرة.. حيثُ تشعر أنك عالقًا ما بين الحياة و الموت، بين الابيض و الاسود، و بين الظلمات و النور، الوعي و اللاوعي، القسوة و اللين.. الحُب و الكره
 كانت مستلقية على فراشها بالمشفى، مستشعرة حركة من حولها، و لكنها غير قادرة على تمييزها، و صوتًا ما و لكنها فشلت في تحديده، لربما حتى كانت لكنة غربية، لا تعلم،.. حتى سكنت الحركة فجأة، و سكن الصوت، و سكن كل شئ.
فتحت جفنيها بشكلٍ مفاجئ فاصطدمت عينيها بالإضاءة القوية فعادت تطبقهما، ثم رمشت عدة مرات لتتمكن من فتحهما، استشعرت آلامًا حادة تعصف بأسفل رأسها، فتأوهت و هي تحاول التحرك، لولا ذلك الصوت الغريب الذي استوقفها:
- wait.. wait, what are you doing?
انحرفت أنظارها نحوه لتجد شخصًا يقف على قدميه، حملقت بوجهه مطولًا من عينيها المشوشتين محاولة تحديد ملامحه و لكنها فشلت، فسألته بلهجة واهنة:
- أنا.. فـ..ـين؟، انت مين؟
راحت أنفاسها تتسارع في اضطراب واحد و قد توسعت عيناها، انتفضت مستقيمة في جلستها فألمتها رأسها أكثر، و لكنها لم تكترث، تلفتت حولها و هي تقول بهلع:
- خـ..خالي، لأ!
استقام "مايكل" في وقفته أمامها و هو يقول محاولًا تهدئتها مشيرًا بكفيه:
- Relax, just..just relax
و زم شفتيه ثم قال بلهجة هادئة:
- You are save
نظرت لعينيه مباشرة ، و قد تسارع معدل تنفسها، و تلاحقت نبضاتها، حملقت عيناها و هي تنظر نحوه، حتى بدأت تتعرف عليهِ و تستعيد صورته المختزنة في بواطن عقلها كونها رأتهُ حديثًا، فتغضن جبينها و هي تنطق و أناملها تتقلص على ملاءة الفراش باندهاشٍ شابه الاستنكار:
- انـت!
أومأ برأسه و هو يقول بتعجّل:
- please lısten and understand what I say
" اسمعي و افهمي ما أقول من فضلكِ"
قريبك هاول يخطفك، و هما في الهجز.. دلوقتي!
توسعت مقلتاها و قد دوى صوت نبضاتها في أذنيها، ثم غمغمت مستشعرة ذلك الثقل الذي جثى على صدرها:
- و.. راشد؟
ضيّق عينيه و هو يتأمل وجهها، ثم قال بلا اكتراث:
- راشد؟.. أظن أنه..
و تلكّأت كلماتهِ قليلًا، فتابع بالعاميّة الدارجة بدلًا عن الفصحي:
- الراجل اللي كان مع قريبك، هـو؟
و قبل أن تتفوه بحرف كان يبتلع كلماتها بقوله المتكسّر اللهجة:
- اسمعيني.. البوليس هيستجوبك، لازم تهكي اللي هصل
حادت بأنظارها عنه ، استشعر ذلك الثقل الذي جثي على أضلعها، و أُصيبت باختناقٍ و استثقلت حتى ذرات الهواء التي تعبر قصبتها الهوائيّة،  أطبقت "رهيف" جفونها لترمش مرة واحدة، و فرقتهما.. ثم نطقت بخفوتٍ و هي تعرض سؤالها:
- هو.. هيتسجن؟
 و عادت تنظر لعينيه و هي تسأله باضطراب:
- راشد.. هيتسجن؟
فـ رفع كتفيه قائلًا بسلاسة قبل أن يضع كفيهِ بجيوبه:
- الاتنين I thınk
هزت "رهيف" رأسها نفيًا عدة مرات و هي تقول رافضة ما يحدث:
- لأ.. مستحيل ده يحصل، لو تيتة عرفت ممكن تموت فيها!
و أحنت بصرها و هي تغمغم بتخاذل:
- أنا.. مقدرش أعمل حاجة زي دي
أومأ برأسه متفهمًا مقصدها ثم قال و ابتسامة خبيثة تلوح على ثغره:
-ما رأيك إذًا بتلقينهم درسًا؟
انحرفت نظراتها المستفهمة نحوه، و قد انعقد حاجبيها، ففسّر لها "مايكل" مقصدهِ ببساطة:
- هيتسجنوا.. أيام بس، يدفعوا التمن، و يخرجوا!
ابتلعت لعابها و هي تتطلع إليهِ بتحير، ثُمّ رددت بتيهٍ:
- و المفروض أقول إيه؟.. أكذّب اللي حصل؟
نفى بحركة من رأسه و هو يعقد ساعديه أمام صدره أثناء قوله الجاد:
- لا دائي "داعي" لذلك، ستقولين ما هدث.. يملك "يامن" نفوذًا واسآ، لا تقلقي
..........................................................
انتفضت فزعة إثر صوت المنبه الذي صدح في أذنيها فجأة، انبثقت النظرات المغلولة في عينيها و هي تجده واقفًا أمامها بملامحه الباردة، فكزت على أسنانها و هي تمسح على وجهها هادرة باستنكار:
- أوف.. انت مجنون يا بني آدم انت؟ في حد يصحي حد كده!
ترك المنبه عقب أن أغلقه، ثم مضى نحو خزانتها و فتحها على مصراعيها و هو يبحث بين ثيباها، فجحظت عيناها و هي تحملق بهِ، و لم تترقب ما سيفعل، بل وثبت عن الفراش، و بثانية كانت تقف أمامه لتسد الطريق عليه و هي تسألهُ باحتدامٍ:
- انت بتعمل إيه؟
"يامن" دهائهِ فاق قدرتها على التخيّل، فلم يكن ليفوّت ذلك التوتر الذب بزغ على وجهها، و الذي تحاول إخفائهِ خلف تجهمها ذاك، و لكنهُ سايرها -و هو على يقين أن هنالك ما تواريهِ عنه- فردد باقتضابٍ موجز:
- غيري هدومك
مسحت أولًا على عينيها.. ثم وجهها، ثم أعادت المتمردة خصلاتها خلف أذنيها و هي تزفر بنفاذ صبر، ثم سألتهُ مستوضحة:
- فيـن؟ هنروح فين؟
- صاحبتك!
انعقد حاجبيها باسترابةٍ لقولهِ الغامض، ثم سألتهُ بشئ من التوجس:
- رهيف!.. مالها؟
أشار بعينيه و هو يقول بجمود:
- خالها.. حاول يخطفها!
كلماتهِ التي ألقاها بلا اكتراثٍ و برود جامد، كان لها وقعًا عنيفًا عليها، توسعت عيناها و هي ترمقه بشدوه، ثم سألتهُ:
- إيـه؟ ده حصل بجد؟ امتى و ازاي؟
و قطعت خطوة نحوهُ، دون انتباهٍ لفعلتها، فقط لتغرس نظراتها التي ضاقت باستنكارٍ نحوهُ، ثم رددت باستهجانٍ:
- ازاي يعني حصل لها كل ده و أنا معرفش!
فقال "يامن" مستهزءً و ابتسامة ساخرة ترتسم على جانب شفتيه:
- ما انتي مكنتيش فايقة.. كنتي بتفكري مين اللي كانت في حُضني!
ارتفعت أنظارها المستشاطة نحوه و هي تهمس باغتياظ:
- ما انت لو مكنتش بصباص و عينك على اللي رايحة و اللي جاية مكنتش فضلت أفكر و الف حوالين نفسي!
و ضاقت أنظارها و هي تقول بحرد شديد:
- دي حتى أختى معتقتهاش.. و أنا شايفاك بعيني دول و انت عينك عليها!
و مسحت بكفيها على صدرهِ، بحركة واحدة، و هي تقول محاولة مواراة استهجانها خلف سخريتها الجافّة:
- مسيبتهاش ليه تمسحلك البيبسي يا بيبي! كنت سيبها
و كادت تمر من جوارهِ.. استوقفها و هو يسحب ساعدها إليه بينما عينيهِ تنظران مباشرة لعينيها و هو يسألها بوضوح مستنكرًا:
- مالك كده؟ مش على بعضك ليـه؟، و لاء مين دي اللي أبص لها
فحادت ببصرها متهربة من عينيهِ، و نطقت بلهجة خالية من أي مشاعر:
- أنا عايزة أشوف رهيف
و كادت تسحب ذراعها و لكنهُ أطبق عليه فأجبرها على النظر لعينيه مباشرة و هو يقول مشددًا لهجتهِ:
- خير يا بنت حسيـن؟
فهدرت بهِ مستفسرة:
- خيــر؟.. مش فاهماك؟
رمقها بنظرات مطولة مميتة و هو يطبق أكثر على ساعدها، قلّص المسافات بينهما و هو يقول بلهجة قاتمة:
- و لو حتى ببص لها؟، مالك؟ إيه اللي مضايقك؟
فاجتذب ذراعها بعنف من قبضته و هي تقول بانفعال:
- قولتلك مش متضايقة!
و رمقته باغتياظ و قد سئمت وجوده، فأردفت و هي تحيد بأنظارها عنه:
- عايزة أغير هدومي
تسلطت أنظاره على كفها.. ثم أخرج علبة مخملية صغيرة و بسط كفه بها:
- امسكي
تغضن جبينها و هي تخفض نظراتها إليها بحدة و:
- إيه ده؟
بسط كفها بنفسه و ترك العلبة به و هو يقول بجفاءٍ تام:
- مينفعش تمشي من غيره بعد كده.. البسيه
و كأنها تفهمت مقصده.. و لكنها ودت لو تتأكد، فتحت العلبة لتجد خاتم الزواج ذو الفصّ الماسي، فراحت تصفعها مجددًا و هي تعترض بحنق:
- مش عايزة حاجة، أنا كده كويسة
رمقها بنظراتهِ الآمرة، ثم ردد بنبرة حازمة لا تقبل النقاش:
- البسيـه
فهدرت حينئذ باختناق و هي تعيد خصلاتها خلف أذنها:
- قولت لأ، الله!
فسحبها منها، فتحها و راح يخرج الخاتم منها،.. اجتذب كفها و هو يزرع خاتمه في اصبعها بعنف و هو يقول بصوت صارم:
- أنا مش بخيّرك
- أوف
ابتعد قليلًا غير مباليًا باحتجاجها، ثم أردف:
- البسي و انزلي، مستنيكي
 و انصرف تاركًا لها.. بينما أعينها معلقة بالخاتم الذي يلتمع أمام عينيها و قد سقط ضوء الشمس عليهِ، زفرت أنفاسها المتحيرة، ثم قالت هامسة:
- أنا تعبت.. حاسة إني بعيش حالة من التناقضات، كل حاجة جوايا عكس التانية!
و تلمست الخاتم بأناملها برفق و هي تتنهد بقنوط:
- حتى أنا مش عارفة أنا عايزة إيـه!
.............................................................
كان مشهدًا غريبًا قليلًا.. للمرة الأولى ترتدي الأسود برفقتهِ، كانت دومًا تُفضّل الأبيض و الذي تطلبه دومًا عبر الانترنت، و لكنها اليوم فضّلت الأسود، حيث ترتدي ثوبًا يصل لما بعد ركبتيها ، مفصلًا لتفاصيل جسدها و لكن ليس للحد الزائد، ذو أكمام طويلة، و فتحة صدر مُثلثية ضيّقة إلى حد ما، و لكن ظهرهُ يحمل فتحة مثلثية واسعة، تمتد تقريبًا حتى منتصف ظهرها فتظهر عظمتي لوح الكتف، لذلك ارتدت من فوقهِ وشاحًا أسود اللون أيضًا.. و حذائًا ذو كعب مرتفع قليلًا حتى تتمكن من التقارب من طولهِ، فلا تبدو بجوارهِ قصيرة للغاية، و قد تعمدت أن يكون أسود اللون أيضًا، خصلاتها قد تركتها حرة منسدلة على الشال المطوق لظهرها، ترجلت من السيارة و وقفت جواره متوقعة أنها ستكون مقاربة من طولهِ الفارع، و لكنها بلغت بالكاد كتفهِ، فرمقته من زاوية عينها بقنوط هامسة:
- أوف.. يعني ألبسلك كعب أعلى من كده إيه!
 ثوبها الأسود ضايقه.. أثار بداخله مشاعرًا حانقة، و كأنهُ سحبها إلى ظلامهِ فاتشحت بالسواد،.. تركها "يامن" غير مباليًا بها، فلم يتوقف جوارها لثانية، و تابع طريقهِ للداخل، تغضن جبينها و هي تتبعه بخطواتها التي تقرع الأرضية من خلفها حتى دلفا، و حين كانت تخطو للداخل كان كفها قد اتخذ محلهُ أعلى ساعدهِ و هي تهمس بتمقّط لهُ بجوار أذنه:
- امشي.. بالراحة، راعي إني ماشية بكعب
و لم ينتبه كلاهما إلى الأعين المسلطة عليهما،.. التفت "يامن" ليهمس لها مستنكرًا:
- بتلبسيه ليه طالما مش عارفة تمشي فيه!
فأشارت إليه و:
- انت مش شايف طولك! عايزني أبان قزمة جمبك
أحسّ "يامن" بكفها الذي يحتوى كفه فانخفضت نظراتهِ إليهما، ازدرد ريقه و هو يسحب كفهِ منها متظاهرًا بالجمود و هو يشيح بأبصاره، تقدم بخطواته و هي برفقته بينما يسألها بسخطٍ و هو ينظر نحوها من زاوية عينهِ، خلف زجاج نظارتهِ:
- لابسة اسود ليـه؟
ارتفع حاجبيها و هي تخفض نظراتها فتتأمل ثوبها الأنيق الراقي، ثم ارتفعت أنظارها إليه و هي تسألهُ بانزعاجٍ:
- ليه؟ و حش عليا؟
انحرفت أنظارهِ المحتدمة نحو عينيها، ثم أشاح بهما عنها لينظر أمامهِ متابعًا طريقه حتى المصعد القريب:
- قصدك إيه؟
تغضن جبينها و هي تسأله بعدم فهم:
- مش فاهماك؟
نقر زر استدعاء المصعد، ثم التفت إليها و هو يسألها بحدة و أنظارهِ تمر على جسدها:
- قصدك إيه إنك تلبسي إسود؟
ضيقت عينيها و هي تتخصر بضيق قائلة:
-  هو حرام ألبسه؟.. و لا هو حلال عليك و حرام عليا!
زفر "يامن" أنفاسهِ الملتهبة، ثم استدار ليوجّه نظراته الحازمة إليها:
- آخر مرة تلبسيه!
انعقد حاجبيها في استنكارٍ لتسلّطه في تلك النقطة البسيطة بالنسبة إليها، ظنّت أنه يُفرط في فرض سيطرتهِ عليها، فجعل ذلك الشعور دمائها تغلي في أوردتها، خطت "يارا" خطوة نحوه و هي تحدجه بنظرة ناريّة، و اعترضت على قولهِ بانفعال:
- بأي حق!.. بأي حق أصلًا، أومال لو مكنتش بتلبس غيره
وصل المصعد، ففتح "يامن" بابهِ و دلف و هو يقول منهيًا الحوار الذي لن تفهمه:
- آخر مرة تلبسيه، مات الكلام!
ارتفع حاجبيها في استهجان شديد لما يلقيه على مسامعها و كأنها ارتكبت جرمًا توًا، و لكنها لم تتسرع باحتجاجها و إلقائها الكلمات في وجهه، دلفت و هي تتأمل نظراته العميقة بينما ينقر بعصبية على زر المصعد، أشاحت بوجهها عنه و هي تزفر في ضيق، محاولة استعادة هدوئها و اتزّانها، ثم عادت تنظر نحوه و هي تغمغم:
- أنا لبسته فضول مش أكتر، عمري ما جربت ألبس اسود في اسود، من غير ما أكسر اللون بلون تاني، و معتقدش أبدًا إن دي حاجة نتجادل فيها
و صمتت منتظرة أن ينعطف بنظراته إليها، و لكنه لم يفعل، ظل مسلطًا لنظراتهِ القاتمة على باب المصعد، فتابعت باستهجانٍ لم تواريه و قد ضاق بها ذرعًا:
- يامن.. انت عايز إيه بالظبط، عايز تتخانق و خلاص؟
خلع "يامن" نظارتهِ الشمسية، و التفت ليغرس نظراتهِ المشبعة بالنيران الملتبهة بين حدقتيها، و ما إن همّ بالحديث كان باب المصعد ينفتح تلقائيّا، فأوجز في قولهِ، ليجتثّ جذور ذلك الأمر و هو يحيد عنها ليخرج من المصعد:
- الموضوع منتهي!
فخرجت من خلفهِ، و قد بيّتت النية على عدم التزام الصمت، كون ما يتحدث فيه تعتبره تافهًا للحدّ الذي لا يسمح بتدخلهِ تحت أي ظرف كان، و لكنها ابتلعت كلماتها في جوفها و قد ابتعد للغاية، و هي لا تزال في منتصف الطريق، تعبر بالكاد المنعطف المؤذي لغرفتها من خلفهِ، دون ا، تتمكن من اللحاق بهِ، كونها ترتدي كعبًا متعبًا في الركض، أو حثّ الخطى لم تعتد على ارتدائهِ بعد، حتى زفرت بضيقٍ فور أن انتهى بها المطاف أمام إحدى الغرف، و قد توقف "يامن" أمام أحدهم، فانعقد حاجبيها و هي ترتكز ببصرها عليهِ.
" مايكل"..
ذلك الأشقر الذي يملك عينين خضراوين فاتحتين، تختلفان قليلًا في درجتهما عن عينيّ "يامن" و تختلفان كليًا في النظرات الموجهة من كلًا منهما.. يملك جسدًا رياضيًّا، و بنية قوية، هـو يعتبر الصديق الأقرب لـ "فارس"، حيث أنهما معًا منذ الصغر، بنفس المدرسة الداخلية و قد أودعتهُ عائلتهِ بها، و اشتركا بعد تخرجهما في تأسيس تلك الشركة التي يديرها الآن عقب أن تركها "فارس"، و لكن نصيبهِ من الأسهم و الذي يعتبر بالضبط منتصفها كان محفوظًا.
دنا من "يامن" و هو يقول بلهجة شبه متوترة:
- بيستجوبوها
أومأ "يامن" دون أن يجيب و هو يخفي عينيه خلف نظارتهِ القاتمة، انحرفت أنظار "مايكل" لمن خلفه، فلوى ثغره بابتسامة واسعة، و هو يتركه ليخطو نحوها، و توقف أمامها مباشرة و هو يقول بخشونة، كونهُ لم يتمكن من التعرف عليها البارحة أو حتى مباركة زيجتها، نظرًا لما مرّ به في سبيل انقاذ رفيقتها:
- مقولتش مبروك امباره  مدام..
 I’m sorry to that and congratulation
و كاد ينحني ساحبًا كفها ليطبع قبلة على ظهره، لولا ذراعهِ الذي دفعهُ بعنفٍ ليستقيم و هو يقول محذرًا:
 خف شوية يا مايكل.. خف، مش ناقصك!
رمش "مايكل" بعينيه متعجبًا و هو يحرف أنظاره فيما بينهما و سأل بعدم فهم:
- في إيه؟
هزت "يارا" رأسها تعجبًا و هي ترمقه بنظراتها المشدوهة:
- ميـن ده؟
 وجه "مايكل" أنظارهِ نحوها و هو يبسط كفه لمصافحتها بينما يقول بملامح بشوشة:
! My name is   - مايكل، مايكل..
فسحب "يامن" كفهُ في قبضته و هو ينفخ بغيظ شديد:
- اللهم طولك يا روح
انتقلت أنظار "يارا" فيما بينهما و هي تقول مستوضحة:
- و بتعمل إيه هنا؟ انت تعرف رهيف منين؟
تجلت الجدية على ملامحه و هو يردد باقتضابٍ:
- كنت موجود، شوفت اللي هصل
أومأت "يارا" ثم قالت موجهة بصرها لـ "يامن":
- عايزة أشوفها
حاد بأنظاره عنها و هو يقول بصوت أجشّ:
- الظابط جوا
عقدت حاجبيها و هي تسأله بقلق:
- ليـه؟
فتقوست شفتيه و هو يتأفف بضجر ثم قال:
- بقولك الظابط جوا؟ هيكون بيلعب معاها، ما أكيد بيستجوبها
ضبطت "يارا" وشاحها و قد أصابها الحنق:
- أوف.. طيب بالراحة، مش لازم تحسسني إني غبية
 غمغم "يامن" و هو يشيح بأنظارهِ عنها:
- ما انتي غبية فعلًا
ضيّقت عينيها و هي تراقب حركة شفتيه و سألته مستنكرة:
- بتقول حاجة؟
- تبدوان مناسبين للغاية.. هركة جيدة منكِ مدام يارا بارتدائك الأسود لتتناسبي مع زوجك!
و لكن أنظارهما لم تتجهِ إليهِ إثر قوله، تبدلت نظراتهما العميقة و قد شعرت "يارا" بأنها كُشفت، تقلّصت المسافة ما بين حاجبيّ "يامن" و هو يحرف النظرات بين عينيها، بينما كان "مايكل" يتابع:
- و لأنكِ تعلمين أن يامن لا يغيره، تغيرتِ أنت! لم أكن أتوقع أن يجد يامن أخيرًا تلك المرأة التي تتفهمه إلى تلك الدرجة، فهو شخصية صأبة للغاية، أُهييكِ!
بينما هي تناظره و العتاب جليّا له في عينيها.. لربما ذلك الغريب تفهمها أكثر منه، بينما هو ينظر للأمر من منظورهِ فقط، شمخت بذقنها و كأنها تبعث إليه برسالة ما، ثم سارت لتمر من جواره فتجلس على أحد المقاعد المعدنيّة منسحبة من تلك المواجهة العينية الحادة، و هي تضبط وشاحها حول كتفيها، و لكنهُ لم ينسحب فظلت أنظاره القاتمة معلقة بها، انبعجت شفتيّ "مايكل" كاشفة عن ابتسامة و قد فَطِن إلى شئ ما، فهو خبير في لغة الجسـد، اقتنص الرفض في نظراتهِ نحوها، فتعمد أن يُربت على كتف "يامن" و هو يقول:
- بيد أنك لم تكن مُرهبًا بفكرة الأسود لها، و لكنهُ يليق بها!
نيران تغلغلت لجسده فشعر به يبعث سخونة محتدمة، التهبت بشرتهِ، و اندلعت نيرانًا حامية في عينيه و هو يلتفت نحوه محذرًا بلهجة حالكة من بين أسنانهِ المطبقة:
- مايكــل!
رمش الأخير بعينيه متظاهرًا بالبراءة:
- What?
انفتح الباب على مصراعيهِ فالتفت "مايكل" و هو يقول متحفزًا:
- تقريبًا خلصوا
خرج الضابط الذي كان على معرفة مسبقة بـ "يامن"، ففور أن رآه انبعجت شفتيه بابتسامة واسعة و هو يقول:
- يامن بيه
دنا منه "يامن" و هو يومئ برأسه مرحبًا، بحركة  جافّة تكاد لا تُلحظ:
- أهلًا حازم بيه
و أشار بعينه للخلف وهو يسأله بلهجة جامدة:
- خيـر؟
أومأ "حازم" و هو يقول بلهجة جادة:
- خالها اللي عمل كده بالفعل، هي اعترفت بده
و أشار لكاتب المحضر و هو يقول بلهجة حاسمة:
- المحضر هيتحول للنيابة، و بعدها هيتحكاموا
أومأ "يامن" موافقًا بينما اضطرب "مايكل" قليلًا، لم تنتظر "يارا" أكثر و راحت تخطو للداخل لتستفسر من رفيقتها ما حدث معها تفصيليًّا، حتى استمر الحديث بينهما لدقائق، و من ثم رحل الضابط و كاتب المحضر في أعقابهِ، فـ بادر "مايكل":
- أسيتم مهاكمتهم بالفئل؟، ألن تتمكن من إخراجهم؟
التفت "يامن" نحوه و هو يسأل:
- أقدر.. الموضوع مش صعب،ليـه؟
أشار "مايكل" بعينيهِ للغرفة و:
- أظن.. مش هتوافق خالها يتسجن، الأهسن اسألها
فـ أردف "يامن" ساخرًا:
- لو سألتها.. فكرك هتوافق خالها يتسجن؟
فحاول "مايكل" أن يُليّن رأسه قليلًا:
- إنه قرارًا خاصًا بها يامن.. أعتقد أن من الأفضل أن تتخذهُ وهدها!
 زفر "يامن" أنفاسهِ الحانقة، ثم برح مكانه و مضى داخل الغرفة، فكانت تبكي بحرقة و هي تقص على رفيقتها، بينما الأخيرة تحاول مواساتها، حتى انتبهت إلى دلوفهِ، فنزحت دموعها و هي تنظر نحوه بامتنان مغمغمة بوهنٍ تام:
- متشكرة يا أستاذ يامن.. على كل حاجة عملتها معايا
حكّ "يامن" صدغهُ و هو يقول:
- أنا معملتش حاجة.. لكن لو عايزاني أعمل فـ...
و اقتطع كلماتهِ بنفسه متعمدًا خلق جوًا من الغموض، سحبت "رهيف" أنفاسها و قد تفهمت مقصدهِ، بينما "يارا" انعقد حاجبيها و هي تستقيم واقفة:
- فـ.. إيـه؟
دسّ "يامن" كفيه بجيبه دون أن يعيرها اهتمامًا.. ذلك الأمر الذي جعل دمائها تغلي في عروقها، بينما كان يقول موجهًا حديثه لـ "رهيف" رافعًا كتفيه:
- القرار في إيدك
تفاجأ بها تسألهُ و هي تلفظ أنفاسها:
- لو حضرتك كنت مكاني كنت عملت إيه؟
فكان ردهُ سلسلًا على الرغم مما يحملهُ من معاني:
- أنا مبسيبش حقي، مع إني عارف.. بل متأكد إنك هتسبيه
أخفضت "رهيف" رأسها و هي تعبث بأناملها بتوتر محاولة اتخاذ قرارًا، بينما كانت أنظاره القاتمة  تتجه نحو "يارا":
- الضعـف.. انك تسيبي حقك عشان غيرك، و لما تضعفي مرة
انحرفت أنظاره نحوها مجددًا و هو يقول بخشونة:
- هيبقى لزام عليكي تضعفي كل مرة، الدنيا مش محتاجة ضعفك.. الدنيا مش محتاجة غير إنك تعافري عشان تاخدي حقك من كل واحد اتسبب في أذيتك
نظرات مطولة منها نحوهُ بينما "يارا" تتابعهما بغيظٍ حطّ على قلبها و هي تراهما يتحادثان و كأنهما على معرفة وثيقة ببعضهما البعض، حتى أنها وضعت نفسها في مقارنة مع "رهيف"، فوجدت _ من منظورها_ أنه قط لم يحادثها أو ينصحها هكذا، أو حاول بضراوة أن ينال حقها المسلُوب متناسية أيًّا مما فعله، سحبت "رهيف" نفسًا عميقًا زفرته متمهلة و قد لاحت نظرة البأس في عينيها، و بينما "يامن" ينظر نحوها سابرًا أغوارها، حتى حكّ بطرف سبابتهِ أنفه و هو يشيح بأنظاره بعيدًا عنها قائلًا بلهجة متصلبة:
- أنا خدت جوابي
ازدردت "رهيف" ريقها و هي تقول رافعة ذقنها:
- أنا.. مقولتش أي حاجة
- بس أنا عارف جوابك.. كلامي مش هيغير رأيك، لأنك زي ناس.. بتفكر بقلبها بس!
نظرة منه نحو "يارا"، ثم برح محله تاركًا الغرفة، فقالت "يارا" و هي تنظر نحوها:
- انتي كنتي هتوافقي، إزاي يعني..
قاطعتها "رهيف" بتخاذل و هي تتحسس رأسها التي تؤلمها:
- مكنتش هوافق.. مكنتش هوافق يا يارا، مقدرش أعمل كده فيهم
استشاطت "يارا".. فأشاحت بكفها و هي تقول:
- و اللي هم عملوه فيكي يا رهيف؟، كان إيــه؟ ليه انتي تهوني عليهم و هم ميهونوش عليكي
زفرت "رهيف" أنفاسها المختنقة  و هي تحني بصرها في ضيق:
- مش هقدر يا يارا، تيتا مممكن تموت فيها، هيحصل لها إيه لو ابنها اتسجن و مفضلش جمبها في آخر أيامها
توسطت "يارا" خصرها بكفها و هي تقول مشيحة بكفها الآخر:
- جدتك مين يا رهيف؟، من امتى و انتي بتفكري فيها!
نظرت "رهيف" نحوها و هي تقول:
- تمام يا يارا، عمري ما فكرت فيها معاكي حق، لكن لو حصل لها حاجة ماما هتحس اني السبب، و أنا مفيش في حياتي أغلى منها
 و أحنت بصرها هامسة:
- حتى لو الموضوع مش متعلق بماما، أنا مقدرش أعيش بالذنب ده يا يارا!
و قبل أن تحتجّ "يارا" كانت "رهيف" تستوقفها و قد استشعرت الآلام تعيد مهاجمتها بضراوة عقب أن بدأ مفعول المسكن الذي تناولته منذ قليل يخبو:
- و لو سمحتي يا يارا كفاية بقى، دماغي مش قادرة منها، و مش عايزة أتكلم في الموضوع ده كتيـر
تسلطت أنظار "يارا" العميقة عليها، تنهدت بحرارة ثُمّ:
- تمام.. براحتك يا رهيف، في النهاية ده قرار يخصك إنتي.
...............................................................
عقدت كفيها معًا و هي تميل بجذعها قليلًا للأمام ثُم أردفت متخاذلة:
- مقدرتش أعمل ده، كانت هتبقى أول جرعة.. في اللحظة الأخيرة جه واحد كده بيقول إنه خطيبها، لكن حاساه إنه بيكذب
ضيق "كمال" عينيه، و هو يردد ملتقطًا كلمتها:
- واحد؟
أومأ "وداد" برأسها و هي تصفهُ له:
- أيوة.. جدع كده طول بعرض، و أبيض و عينين عسلي، و شكله كده يعني ابن ذوات يا باشا
توسعت عيناه و قد وجد الوصف مطابقًا لـ:
 - فارس
و كأن ذكرهِ للاسم نشّط ذاكرتها، و جعلها تردد من فورها متشبثة بهِ:
- أيوة يا بيه،.. أنا سمعتها بتقول الاسم ده لما كانت سكرانة في وسط الكلام
تكور كف "كمال" و هو يُطبق أسنانه بغيظ شديد هامسًا بكمد من بينهما:
- بقى انت اللي تقف قدام خططي يا فارس، ماشي!
تلكأت "وداد" في كلماتها و قد بدأ الاضطراب يعتريها:
-كان، في حاجة لازم تعرفها يا بيه
رمش "كمال" مرتين تقريبًا، و قد تلوّت شفتيهِ في سخطٍ و هو يسألها بحنقٍ:
- هاتي اللي عندك يا وداد متلعبيش في أعصابي، أنا مش ناقص
زمت شفتيها ثُم قالت بخفوتٍ:
- يامن الصياد
بعينين متوسعتين دون أن يرفّ لهُ جفن، سأل "كمال" و قد حازت كلمتها فقط على انتباههِ:
- ماله؟
أحنت بصرها قائلة:
- عمل حفلة امبارح عشان يعلن فيها جوازه!
و أردفت و هي تلوى شفتيها:
- مفيش موقع إلا و نشر الخبر ده، الدنيا من امبارح مقلوبة!
يُقسم أنه يكاد يطيح بما أمامهِ من فرط انفعاله، أسنانه المطبقة و عروق نحره البارزة، تلك الهالة البيضاء التي اشتعلت الشعيرات الدموية من خلفهما في عينيهِ، بدا و كأنهُ بركان ثائر على وشك الانفجار، حكّ "كمال" جلد عنقه بتشنج و قد شعر و كأن هنالك ما يُطبق على أنفاسه، ثم أردف من بين أسنانه بلهجة قاتمة:
- أنا كنت عايز أخلص من الكبيرة و اسيبك للآخر.. عشان نتحاسب على رواق و أخلص منك الجديد و القديم!
و تابع همسه الشرس:
- لكن انتي اللي بتعجلي في نهايتك
.........................................................
كان يتناول فطورهُ بشهيّة مفتوحة ذلك اليوم و هو يجلس مع عائلة "موسى"، و صغيرهُ الَمرِح يضيف جوًا مبهجًا، بسط "موسى" كفهُ ليقرأ جرنالهِ و هو يرتشف من قدح قهوته الصباحية عقب ان أنهى طعامهِ، و لكن أعينهُ توسعتا.. و بقيت محدقة في خبرٍ ما لفت أنظارهِ عنوانه البارز و تلك الصورة التي التُقطت للعروسين و هما يتبادلان النظرات العميقة على حين غفلة فبدت طبيعية و خالية من أي تصنّع، رفرف بعينيه و هو يرفع أنظاره لـ "حسين"، ثم ارتشف سريعًا تلك الجرعة التي احتجزها بفمه لفترة طويلة فاستشعر السخونة التي أصابت لِسانه، راح من فورهِ يضع الجريدة جانبًا و هو يطوي الصفحة طيًّا كي لا تقع أنظارهِ مصادفة عليه، أنهى "حسين" تناول طعامه هو الآخر فنفض كفيه و هو يقول:
- الحمد لله
و رفع أنظارهِ نحو تلك السيدة و هو يقول ببشاشة:
- تسلم إيدك يا مدام، الفول المدمس الواحد هاين عليه ياكل صابعه وراه
فلوت ثغرها بابتسامة مجاملة:
- ربنا يخليك يا رب ده من زوقك
 و انحرفت أنظارها نحو زوجها الذي لاحظت وجومهِ و ارتباكه الشديد المفاجئ، سحب "حسين" قدح قهوته و شرع يرتشف منها بينما ينظر لـ "موسى" و هو يقول مستوضحًا:
- انت مقرأتش الجرنال ليـه؟ ده انت لازم تخلصه كل يوم
حمحم "موسى" و هو ينهض عن جلستهِ:
- احم.. أيوة، أصلي اتأخرت على الشغل، هاخده معايا
 و بالفعل صحبه و هو يقول مبتسمًا بتزييف:
- هغسل إيدي و راجعلك
 و بينما يمر من خلفهِ ترك تربية على كتفه و هو يقول:
- خلص انت قهوتك
فمن فورها.. نهضت زوجته مستأذنة من "حسين" ثم برحت محلها تابعة زوجها و قد أصابها الفضول لتبدل حالته، اهتز هاتف "حسين" على سطح الطاولة و قد أصدر صوتًا قصيرًا معلنًا عن وصول رسالة ما، فترك "حسين" قدح قهوته جانبًا و هو يسحبه، تغضن جبينه و هو يفتح تلك الرسالة، انتظر قليلًا حتى اتضحت الصورة التي كانت مشوشة و اتضحت الملامح بها، نيران.. نيران التهمت أحشائهِ و هو يشدد على عضلات فكيه و قد احتقنت الدماء في وجههِ و عينيهِ الحمراوين، و ما جعل النيران تغلى أكثر في أوردته:
- الحفل كان نقصهُ وجودك يا حديدي، معلش تتعوض في عيد جوازنا بقى!
زمجر غاضبًا و هو ينهض عن جلسته ساحبًا هاتفه و متعلقاته بالكامل ليصعد للأعلى، غير قادرًا على التحكم في نوبة غضبه التي انتابته، و التي لا يعلم كيف يُخمدها.
.............................................................
ما يُقارب الأسبوع مرّ و لا جديـد..
إنها هي "يارا".. و هو "يامن"...
البعض لديه القدرة على التغير، و لديه الرغبة في التغيير، و هي.. تخشى، تخشى أن تحاول من جديد فتطالها نيرانهِ التي تكوي فؤادها، هي بالفعل تعيش حالة من التناقُض العجيب، فـ من ناحية.. ترغب في الانتقام لكرامتها المهدورة، و من ناحية ترغب في تغييره للأفضل، كلمات "مايكل" ظلّت عالقة بذهنها، كلماتهِ مقتضبة، و لكنها معبرة للغاية، و لكن أسـ تفعل حقًا؟، أبدلًا من أن تسحبه من ذلك الظلام الذي حشر نفسهُ في بؤرتهِ، ستهبط هي إليهِ في غيابة الجُب! أم لأنها أيقنت أنها لن تتمكن حقًا من تحقيق ما عقدت العزم عليهِ، هو شخصيّة صعبة للغايـة،.. ثُم تسأل نفسها، لمَ؟..
لم تحاول من الأساس؟ و لم ترغم نفسها على المحاولة؟ لمَ و قد أطاح بكبريائها الأنثويّ و ضرب به عرض الحائط، و لكن تلوحُ أمام عينيها تلك اللحظة.. حين جلب لها خالها الذي كانت ستمُوت شوقًا لرؤيته، بيد و كأنهُ اعتذارًا غير منطوق منه، و حينها تتذكر كلمات العجوز.. حين يُخطأ يعتذر بأفعالهِ، و لكنها تعود في قرارها.. أتتناسى كل ذلك حقًا؟..
كم عليها الصبر؟ و كم عليها التحمل، هو مجروح.. تعلم، و لكنها أيضًا لديها طاقة و شرعت بالنفاذ، و لا تعلم كم تبقى من الطريق الطويـل، و لا تدري حقًا هل ستكفي أشلاء طاقتها؟.. أم أنها ستنسحب.
 كانت قد استشعرت حركة غريبة، و بينما تجلس في شرفة غرفتها تفاجأت بسيارة ما تُترك أعلى الممر، نهضت عن محلها و هي تترك كوب الشاي الخاص بها أعلى الطاولة الدائريّة الصغيرة بغرفتها، دققت بصرها في هوية المترجل، و لكن المسافة لم تكن تُسعفها، فضيّقت عينيها و كأنها تشبههُ بـ..
و قطعت تفكيرها و هي تسحب هاتفها حين استمعت إلى ذلك الصوت القصير المُعلن عن رسالة جديدة:
- القصر نور بوجودي يا يارو!
ارتفع حاجبيها و قد شُدهت لما يفعل، حركة غبيّة منه، و لكنها فرصتها الوحيدة، راحت تخطو لداخل الغرفة، و هي تفكر فيما سـ تفعل، و تُرتّب أفكارها جيدًا، دون أن يكون للقلب السبق في التفكير، للمرة الأولى في حياتها.
................................................................
............................
...........................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن