"الفصل الثالث و العشرون"

1.2K 37 0
                                    


التفتت " هـدى" بـ رأسها نحـو مصـدر الصـوت الذي لـم يكـن غريبًا عليها مُطلقًا ، تلك العينان اللتان تختزنتان شرارات غاضبـة لا يمكنها أن تنساها ، استعرت النيران بـ صدرها و هـي تراه مقبلًا عليها ، فـ التوت شفتيها بتأفف و عقدت ساعديها أمام صـدرها ، رفعت رأسها بـ شمـوخٍ متمتمة بنبرة متعالية :
_ فارس ؟ انت رجعـت امتى ؟
تجاهلها تمامًا و كأنها سـراب لا وجـود له ، التفت برأسه لأحـد الحراس الذي نطق على الفـور :
_ حمدالله على السلامة يا فارس بيه
حررت ساعديها و غلت الدمـاء بـ عروقها من تجاهله لها بـتلك الطريقـة ، فـ ردد " فارس" متعمدًا عدم النظر اليها :
_ ايـــه اللى بيحصـل هنا ؟
فـ تمتم الحـارس الآخـر بنبرة جـامدة مشيًا بـ كفه :
_ الست دي اتهجمـت على هـدى هانم و احنا كنا هنطلعها برا القصـر
التفت " فارس" برأسه لتلك السيدة يضيق عينيه و كأنها ذكرته بـ شخص ما ، تمعـن النظـر في ملامحها المتشنجة بينما لـم تعره " حبيبة" اهتمامًا بـل أشاحت بـ كفها هـادرة بـ سخطٍ :
_ أنا مش همشــي من هنا غير لما تقـولي انتي و ابنك عملتوا ايـه في بناتى ؟
فـ نفخـت " هـدى" بـ ضجـر مرددة بـ نبرة آمـرة :
_ يـــــوه ، ارمــوا الست دي بره
استوقف " فارس" الجميع من التحرك بـ إشـارة من كفه ، سـار " فارس" نحوهـا و تمعـن النظر في ملامحها مرددًا بنبرة جــادة :
_ انتي .. انتي مـرات حسيــن ؟
فـ نظرت له من طرف عيـن متمتمة :
_ اه
رفع حاجبيه للأعلى بينما مرّت " حبيبة" من جواره متقدمة نحـو " هـدى" لـ تردد بنبرة حانقـة :
_ انطقــي يا هـدى ، عملتوا ايــه في بناتـــي ؟
التفت " فارس" لـ يتجـه نحوها قبل أن تثـور عليها " هـدى" ، و قبض على معصمها و استدار ساحبًا لها خلفه ، فـ حدجتها "  هـدى" بنظرات مشمئزة ، بينما تقـدم أحد الحراس منه مرددًا بنبرة ثابتة :
_ عنك يا باشا ، احنا هنتصرف
فـ أجابه بـ إيجـاز :
_لأ
أخـذت " حبيبة" تتلوى بـ معصمها محاولة افلاته و نظراتها الحامية مسلطة على " هـدى" أثناء ابتعادها و هـي تهـدر باصرار :
_ مش هسيبك يا هــدى ، هرجع تانى و هرجع بناتــى ، سمعــــانى يا هــدى ؟
سـار " فارس" نحـو سيارته الفارهـة التي ابتاعها حديثًا ، و وقف أمام المقعـد الأمامي و فتح بابه مرددًا بنبرة جـادة :
_ اتفضلى لو سمحـتـــى
فـ صاحت بـه بـ تشنجٍ :
_ و انت ميــن انت كمـان ؟
فـ سحب " فارس" شهيقًا عميقًا زرفه دفعة واحـدة قبل أن يردد بـ خشـونة :
_ أنا أعرف مكان بنتك !
رمشت بـ عينيها عـدة مرات مرددة بلهفةٍ :
_ يارا !
فـ نفى برأسه متمتمًا بنبرة ثابتـة :
_ تـــــؤ ، ولاء
…………………………………………………………………………………………
دفـع " كمـال" الباب دالفًا للداخـل ، فـ أوفضـت السكرتيرة "مـروة" خلفـه ،  ارتجف بدنها و تلاحقت أنفاسها و هـي تردد بـ توجـسٍ :
_ أنا آسفـة يا فـندم و الله حاولت أمنعه لكـن مقـدرتش
سلـط " يامن" نظراته الشرسـة عليها فـ شعرت بها تخترقها ، خفق قلبها بـ عنفٍ و أجفلت بصرها ، فـ صاح بها بـ صـرامة :
_ اطلعـــى بــــــرا
أومأت برأسها عـدة مرات و استدارت مستوفضة نحو الخارج فـ سلط " يامـن" نظراته الشرسة على " كمـال" ، و صفق الملف المحتل مكانه بين كفيه بـ عنفٍ فأصـدر صوتًا مزعجًا ، تركه " يامن" جانبًا ، و انتصب في وقفته دافعًا المقعـد الجلدي للخلف قليلًا مرددًا بـ نبرة جـافـة و هـو يدور حـول المكتب :
_ ايـــه يا كمــال ؟ انت نسيــت نفســك و لا إيــه ؟
فـ أشاح بـ كفه مرددًا بـ تشنج :
_ انت تعرف بقالنا قـد ايه بنحاول نوصل لك و انت و لا هنــا ؟
مال برأسه للجانب قليلًا لـ يردد بـ صرامة :
_ و عايز توصل لي ليـه ؟
فـ ردد بـ إيجاز بنبرة قاتمة :
_ حسيـــن ؟
تظـاهـر بالبـرود متمتمًا :
_ ماله ؟
فـ غلت الدماء بعروقه و هـو يردد بـ احتجاج :
_ فيــن انتقامك اللى خدته منه ؟ هــا ؟
استند " يامن" بـ جسده لـ مقدمـة مكتبه مرددًا بنبرة جـافـة :
_ كمــال ، متدخلـش في اللي ميخصكـش
مسـح على وجهه بـ عنفٍ مرددًا بنبرة ممتعضة :
_ لأ يخصنى يا ابن أخــويا ، لما يكـون الموضـوع يخص أخويا يبقى يخصنـى !
فـ حك "يامن" طرف أنفه بسبابته متمتمًا بنبرة مستخفـة :
_ أخــوك اللى روحت سرقت منه مراته بعد ما مات ؟
ثـم دس كفيه بجيبيه و رفع نظراته اليها و ابتسامة شـرسـة تعلو شفتيه :
_ و لا أقـول اللي سرقتها منه حتـى و هـو عايش ؟
رجفـة قوية سـرت بأوصاله ، ارتعدت فرائصـه من كلماته الموجهـة نحوه ، شعـر بـ شئ يُطبق على صـدره ، فرّت الدماء من عروقه و هـو محملق به بـ صدمةٍ واضحـة ، حاول التظاهر بـ عـدم الفهـم فـ ردد بتلعثـمٍ :
_ ايــه .. ايه الكلام الغريب اللي انت بتقوله ده ؟
تلاشـت ابتسامته لـ تحل الصرامة و القسـوة محلها ، قسـت نظراته و هـو يـزأر بـه بـ شراسـة :
_ متعملش فيها بــرئ و مش فـاهـم حاجـة ، عشـان أنا أكـتر واحـد فاهمـك يا .. يا كمـال !
زاد ارتجاف جسـده و تعالت دقات قلبه حتى كـادت تصـم اذنيـه ، لـم يكـن لـ يتخيـل مُطلقًا أنه كـان يعلـم طوال تلك السنـوات بـ علاقته المحـرمة مع زوجـة أخيه قبل أن تصيـر زوجته ، و مع ذلك حـاول ارتداء قناع الشجـاعة و هـو يردف بـ نبرة متأففة:
_ انت بقيــت بالبشـاعـة دي ازاي ؟
ارتفـع جانب ثغـره ببسمـة ساخـرة مرددًا بنبرة قاتمــة :
_ اسـأل نفسـك يا كمـال !
فـ عـاد يصيـح بـ فتـور :
_ أنا مــاشي ، الكلام معاك يفـور الدم !
ثـم استدار بـ جسده فـ ردد " يامن" ببرود زائف :
_ خـد الباب في ايـدك !
فـ صفق " كمـال" الباب خلفه لـ تظهـر تعابير وجهه المرتبكـة ، ماذا ان كـان يعلـم أسرارًا أخـرى يخفيها بداخل بئـره العميق الغامض ؟
فـور أن خـرج تجهمـت ملامحه ، غلت الدماء في عروقـه و بـرزت عـروق جبينه و نحـره ، شعـر بالبركـان الهائـج بداخله يثـور فجأة ، فـ انتصب في وقفته و استدار للخلف لـ يطيح بـ كفه كـل ما على سطح مكتبه من أوراق و ملفات و حاسـوب لـ يتناثر كـل شـئ على الأرضيـة محدثًا صوتًا مـزعجًا ، ثـم ضـرب بـ كفيه بـ قوة على سطحـه و شدد على عضلات فكـه هامسـًا بـ شـراسـةٍ مـن بيـن اسنانه :
_ عمــرى ما هسـامحها ، مـش هسـامحها أبـدًا !
……………………………………………………………………………………….
دلف " فارس" لغرفتها بالمشفـى فـ امتقع وجهها متمتمة بتأففٍ و هـي تعقـد ساعديها أمام صـدرها :
_ يا بني آدم انت افهـم بقى ، مش عايـزة أشـ..
ابتلعت كلماتها فجأة حيـن أشـار بـ كفه مرددًا بنبرة واثقة :
_ بيتهيألى لما تشـوفي أنا جيبتلك ايـه هـتفرحى !
ضيقت عينيها و هـي تحرك بؤبؤي عينيها نحو ما أشـار اليه ، لـ تتجلى الصدمة على ملامحها ، فغرت شفتيها متمتمة بـ عدم تصديق :
_ ماما !
خُلع قلبها و هـي ترى ابنتها ممدة على فـراش طبي بالمشفـى و الجبيرة محاوطـة لـ ساقها ، كتمت شهقاتها بـ كفها ، و انهمـرت الدمـوع على وجنتيها  و هـي تردد بـ هلعٍ :
_ ولاء ، بنتـــى !
أوفضت نحوها تجـذب جسدها لتضمها بـ عناق أمومي دافئ ، تعالى صـوت شهقات " حبيبة" و قـد أطبقت جفنيها مرددة بـ قهـرٍ بنبرة امتزجت مع نشيجها :
_ حصل لك ايه يا بنتى ؟ متزعليش منى يا ولاء ، انا السبب
فـ طوقت " ولاء"  ظهـرها بـ ذرعيها تستنشق رائحتها المميـزة ، تستشعـر دقات قلبها المرتفعة ، حقًا ان عنـاق الأم هـو الملاذ ، سالت الدموع من جفنيها و  نظرت لـ " فارس" الواقف أمامها عاقدًا لـ ساعديه أمام صـدره بامتنان ، فـ أومأ برأسه و ابتسامة صغيرة زينت ثغـره ، لقـد تلقى أمرًا مُسبقًا منه بأن يمنع تواصلها تمامًا مع عائلتها ، يعلـم ان " يامـن" لـن يمرر الأمر على خيـر ، و لكـن رغبـة خفية حثته على جلب والدتها لها ، أخرجه من شروده " ولاء"  و هي تتمتم بـ احتجاج :
_ متقوليش كده يا ماما ، انتى ملكيش ذنب في حاجة
ابتعدت عنها قليلًا و احتضنت وجهها بكفيها تردد بـندم :
_ انا اللى قولتلك تروحى وراها ، أنا السبب
فـ نفت برأسها لتردد بـ حرَد :
_ لأ يا ماما ، هـو السبب .. هـو السبب في كـل حاجة
تهالك جسدها على المقعـد المجاور للفراش ، و هـزت رأسها بالسلب متمتمة بـ تنهيـدة حارقـة :
_ أبوكي هو اللى اتجنن يا ولاء ، أبوكي كان هيقتله !
تنغض جبينها لـ تنظر لها بـ استنكار من تخاذلها و احتدت نبرتها :
_ و الله ، و هـو لما خطف أختى و اتجوزها غصـب مكنش يستحق القتل ! دلوقتى المفروض يمـوت مليـون مرة مـش مرة واحـدة ، دي كانت هتمـوت بسببه
فـ زفـر " فارس" بـ حنق محررًا ساعديه ليدس كلاهما بـ جيبيه  :
_ انتى عارفـة انها عايشـة ، خلصنا بقى
فـ نظرت له باستهجـان مرددة بـ احتـــدام :
_ لما هي عايشة مش بتقول ليه على مكانها ، أنا متأكدة انك عارف كـويس أوي هي فيـن بالظبط
رفعت " حبيبة" حاجبيها بـ شـدوه ، و نزحت دموعها و هـي تتجه نحوه مرددة بلهفـة :
_ انت .. انت تعرف مكانها ؟
نظر لها مُطولًا ثـم تنهـد بـ حرارة ينظـر لـ "ولاء" بـ غيظٍ من طرف عيـن ، فرددت " حبيبة" بأعيـن دامعة بتوسـلٍ :
_ الله يخليك يا ابنى لو تعرف مكانها قولي
فأطبق جفنيه لـ ثوانٍ ساحبًا شهيقًا عميقًا زفـره على مهـلٍ قبل أن فتحهما مرددًا بـ خشـونة :
_ آسـف مقدرش أقول !
شهقت " حبيبة" بـ قوةٍ و سريعًا ما تحولت لـ شهقات متتالية و قـد انهمرت الدموع على وجنتيها متمتمة بـ فـزع :
_ بنتى .. بنتى حصل لها حاجة ، صـح ؟
فـ قبض على شفتيه بـ قوةٍ متمتمًا بـ نبرة جـادة :
_ بصي يا مدام  ، اللي أعرفه انها عايشة و حالتها مستقـرة ، غيـر كده معرفش
فـ رددت محاولة استعطافه :
_ طـب .. طب قولي على مكانها ، أنا .. أنا أم خسرت كل حاجة في ثانية ، جـوزى في الحجز و بناتي الاتنيـن مكنتش أعرف حاجة عنهم و ..
فـ قاطعها " فارس" بنبرة جادة :
_ حسيـن طلع براءة يا مدام حبيبة !
اتسعت حدقتاها متمتمة بـ شـدوه :
_ بـراءة !
…………………………………………………………………………………
دلف لداخل منزله ليجـد به وحشـة غريبة لم يشعر بها مُطلقًا بـ ذلك المنزل الدافئ ، كـان السكـون المُميـت فقط هـو السائـد ، الظلام الدامـس يبتلع المنزل بأكمله ، ازدرد ريقه مناديًا بـ توجـسٍ :
_ حبيبــة ، حبيبـة ، يا ولاء !
كـرر النداء لـ مرات عديدة و هـو يفتح الأضـواء و يبحث عنهم بالمنزل بأكمله ،  لكنه كـان فارغًا تهالك جسـده على الأرضيـة و قـد تملك الوهـن منه ، سلط بصره على مكـان بـعينه ، تحديدًا نفـس المكان الذي طعـن به ابنته بلا هوادة ، اختنـق صـدره و هـو يتذكـر الدمـاء التي سالت من ذلك السكيـن ، دماء ابنته التي سفكها بنفسهِ ، و كأن هناك من يُطبق على عنقه فـ يسلب أنفاسه ، كـان ذلك شعـوره آنـذاك ، أحنـى بصره عـن تلك البقعـة متمتمًا بـ نبرة عميقة لا تعـود الى أيامٍ فقط ، بل الى زمـنٍ طويل :
_ سامحينـى يا يارا ، سامحينى يا بنتى
………………………………………………………………………………...
دفـع " فارس" المقعـد المتحـرك الذي تجـلس عليه "ولاء" لـ يقلها للأسفل حيث سيارته ، بينما سارت " حبيبة" بـ جوارها محتضنة كفها ، رفعت " ولاء" نظراتها اليه متمتمة بـ احتجاج :
_ على فكرة أنا أعرف امشي بيه لوحـدى ، ينفع تبعد بقى
فـ لـم يكترث لها ، بـل أصـدر صفيرًا خافتًا من بيـن شفتيه و هـو ينظـر أمامه، فـ غلت الدماء في عروقها و هـي تنظـر أمامها مرددة بـ حنق :
_ بـارد
بلغ " فارس" سيارته ، فـ فتح باب السيـارة الأمامي لتردد بـ احتجاج :
_ انت بتعمل ايـه ؟
فـ رددت " حبيبة" بـ اعتراض :
_ يا ابنى احنا هناخد تاكسي للبيت ، كفاية  ساعدتنا ننزل لتحت
فـ سحب " فارس" شهيقًا عميقًا زفره دفعـةً واحـدة مرددًا بنبرة جـادة :
_ أنا معملتش حاجة ، مينفعش أسيبكوا في الحالة دي
فـ أشارت "ولاء" بـ كفها محاولة الوقوف :
_ هاتي العكاز يا ماما خليا نوقف تاكسـي
زفـر " فارس" بـ ضيق مرددًا بـ استنكار :
_ تاكسـي ايه أنا مش فاهـم ، يالا يا مدام حبيبة لو سمحتي
هـزت " ولاء" رأسها نفيًا مرددة بـ عناد :
_ مـش هـركب معاك لو حصـل ايه
نظـر لها مُطولًا بـ ضيق ، فـ بسطت " ولاء" بكفها مرددة بـ اصرار :
_ العكـاز يا ماما لو سمحتى
فـ ردد " فارس" بـ خشـونة و هـو ينظـر لها شزرًا :
_ مـدام حبيبة ، أنا قـولت مش هسيبكـم في الحالة دي ، اتفضلي لو سمحتى
فـ نظرت له " ولاء" بـ حنق و عقدت ساعديها أمام صدرها مرددة بـ تهكـم :
_ اشمعنا دي منفذتش أوامره فيها ؟ أنا من يومها بتحايل عليك تخليني أكلمهم حتى موافقتش ، يبقى اشمعنا دلوقتى جبت ماما ، لأ و كمـان عايز توصلنا ، دي خطـة جديدة منكـم ، صـح ؟
كـز " فارس" على أسنانه و هـو ينظر لها شزرًا فـ بادلته نظرات متحديـة ، بينما تنغض جبيـن " حبيبة" و نظـرت له بـ شدوه مرددة بـ استفسار :
_ أوامر ميـن ؟
فـ لـم تنظر لها "ولاء" بل رددت بـ تحـدٍ :
_ هـو أنا مقولتلكيـش يا ماما اﻷستاذ يبقى ميـن ، ده ابـن عـم يامـن بيه اللى دمـر حياتنا كلنا !
اتسعت عينا " حبيبة" بـ ذهـول ، فـ نظرت لها "ولاء" و قوست شفتيها بـ سخـرية :
_ أومال عارف مكاني و مكان يارا ازاي ؟
مسـح " فارس" بكفه على وجهه بـ عنفٍ فـ رددت " حبيبة" بـ شـدوه و هي ترمش بعينيها عدة مرات :
_ انت .. انت ابن كمـال ؟
فـ احتقن وجهه بالدماء و نظر لها بـ حنق متمتمًا بـ تشنج :
_ بصي يا مدام حبيبة ، أنا المفروض مليش دعـوة بأي حاجة تخص عيلتكم ، لكـن أنا دليتك على بنت من بناتك بس عشـان كنت السبب من غير قصـد في اللي حصل لها ، يا ريت تنسي مؤقتًا اني من عيلة الصياد أصلًا و خلينى أوصلكوا عشـان مـش فاضي لـ تضييع الوقت ده ، عنـدي حجات أهـم
ثـم أشار بـ كفه للمقعـد اخلفي متمتمًا بلهجـة شبـه آمرة :
_ اتفضلي
تنهـدت " حبيبة" بـ حرارة ، و تجلى الوهـن على تعبيراتها ، انها لـم تتــذوق للراحة طعـم منذ لك اليـوم المشـؤوم ، كادت أن تمتثـل له لتـصل بأسـرع وقت لـ منزلها ، و لكـن اشاحت "ولاء" بكفها متمتمة بـ اصرار :
_ خلاص روح شوف حجاتك المهمة و سيبنا في حالنا ، احنا مش جبرناك على حاجة ، الله !
فـ تمتم بـ صوتٍ خافت زافرًا بـ حنق :
_ استغفر الله العظيـم
دار حولها لـ يقف بـ جوار الباب الخلفي و هـو ينظر لها بتحـدي ، ثـم فتحه مشيرًا لـ " حبيبة" مرددًا بنبرة آمـرة :
_ يالا يا مدام حبيبة ، بنتك شكلها تعبانة و عايـزة ترتاح
رفعت حاجبيها استنكارًا و عقـدت ساعديها أمام صـدرها لـ تردد بـاستنكار:
_ ليه ؟ شايفني مشلولة و لا حاجة ؟ ده مجـرد كسـر و قريب هشيـل الجبس و أقدر أمشـي تاني ، و كمـان أحسـن من الأول ، و مـش بـس كده ، أنا هـ...
فـ أشـار بـ كفه هادرًا بـ نفـاذ صبـر :
_ بـــــس ، ايه ؟ بالعـة راديـو ؟
نظـرت له شزرًا و هـي تصـر على أسنانها ، فـ ربتت " حبيبة" على كتفها متمتمة بنبرة واهنة :
_ معلش يا ولاء ، خلينا نمشـي من هنا بقى ، أنا تعبت من الواقفـة دي !
فـ رفعت نظراتها المحتقنة اليها مرددة باحتجاج :
_ يا ماما ده…
فتمتمت بـ نفاذ صبـر :
_ خلاص يا ولاء ، عشـانى أنا
سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهلٍ و هـي تردد على مضض :
_ طيب يا ماما
فـ ناولتها " حبيبة" العكـاز و اتكأت " ولاء" عليها حتى تمكـنت من الوقـوف ، فتح " فارس" الباب على مصراعيه لتتمكـن من الولوج ، اتكأت "ولاء" على عكازها و هـي تقفز للأمام ، فردد " فارس" قاطبًا جبينه :
- بالراحة ، هتقعي
نظرت له شزرًا و هي تخطو للأمام حتى وقفت بجواره، رفعت نظراتها للأعلى نظرًا لفارق الطول بينهما و نظرت لعينيه مباشرةً هامسة بسخطٍ :
- العيلة كلها هتفضل تقع طالما انت و عيلتك مش سايبينا في حالنا !
فنظر لها مُطولًا بنظرات ضائقة ، بينما شملته بنظرة مزدرية ثم حادت ببصرها عنه لتستقل المقعد الأمامي ، فـ طرد زفيرًا حارًا من صدره و هو يوصد الباب خلفها ، ثـم فتح الباب الخلفي لـ " حبيبة" فـ استقلت السيارة ، فـ ردد قبل أن يـوصـد بابها بنبرة جادة :
_ هـرجع الكرسي و آجـي
أومأت برأسها مرددة بتنهيـدة مُطولة :
_ اتفضـل
أومأ برأسه و هـو يوصـد الباب بـ رفق ، أراد أن يبعث لها رسالة بانتصاره و حدوث ما أراد فـ التوى ثغره ببسمة منتشية و غمز بـ طرف عينه هـو ينظـر لـ "ولاء" فـ كـزت على أسنانها تنظر له بـنظرات مشتعلة، ثــم زفرت بـ حنق و عقدت ساعديها أمام صدرها و حادت ببصرها عنه ، بينما دفع " فارس" المقعـد المتحـرك و عـاد به للداخـل .
………………………………………………………………………………..
كانت تجلـس بـ احـدى الطاولات بـ حديقـة النادي ، تنظـر لمـن حولها باستعلاء من طرف عيـن ، مستندة بـ ساعديها الى الطاولة ، أخفضت نظراتها تسلطها على هاتفها تنظـر له بترقّب منتظـرة وصـول مكالمتـه بعدما أرسلت له رسائل نصية عبر تطبيق " الواتساب" الشهير ، تحفـزت حواسها بالكامـل مع انبثاق شاشة اتصـال من زوجها " كمـال" فـ التقطته على الفور تنقر على زر الإجابـة ، ثـم رفعت الهاتف الى أذنها لـ تستمع لـ صوته :
_ يعنــي ايــه ؟ ابنك خطـف بناتها ؟
تنغض جبينها لتردد بـ فتور :
_ معـرفش ، بس لـو ده اللي "يامـن " فكـر يعمله عشـان ينتقـم يبقى كـل حاجة هتضيـع ، مش ده اللى احنا عايزينه
فـ غلت الدماء بعروقه متمتمًا بـ اهتيـاج :
_ و هـو من امتى بيعمل اللى عايـزيـنه يا هـدى ، ابنك ده طلع داهية و احنا مش عارفيـن ، محـدش يعرف دماغه دي فيها ايـه !
فـ عبـثت بأظافرها المطليـة باللون الفيروزي مرددة بـ استفسار :
_ ليـه بتقـول كده الوقتى يعنى ؟ ما هـو طـول عمره كده
أطبق جفنيه قائلًا بتأفف :
- ما انتى متعرفيش حاجة يا هـدى
فـ أجابته ببساطة :
- عـرّفنى
فتح جفنيه قائلًا بنبرةٍ حازمة :
_ مش وقته يا هدى ، خلينا في موضوعنا
فـ زفرت متمتمة بـ تأفف :
_ طب أعمل ايه ؟ أنا أصلًا مش عارفة أوصل له و مـ...
فـ قاطعها بـ تنهيـدة مطولة :
_ يامن في الشركة يا هـدى
ارتفع حاجباها و هي تردد بـ حـدة :
_ ايــه ؟ طـب و ليه مسألتوش لغايـة دلوقتى ؟
ارتفع جانب ثغره ببسمة ساخرة و هـو يردد بتهكـم :
_ أه و هـو أول ما هسأله هيقولي على كل اللي في دماغه من غير ما ينقص حرف !
ثم تبدلت نبرته للحدة :
_ هـــدى ، شكـل ظهـور " حبيبة" أثر على دماغـك
فرددت بتأفف :
- خلاص يا كمـال ، لو وصلت لحاجة ابقى عرفني ، سلام
فردد بـ سخرية بيّنة :
_ ان شاء الله
فـ كـزت على أسنانها بـ عنفٍ من نبرته التهكمية ، و أغلقت المكالمة و ألقت بالهاتف على الطاولة ، ثـم رفعت نظراتها الشمسيـة على خصلاتها لـ تنظر حولها بنظرات فاترة مرددة بـ استنكار :
_ و أنا ذنبي انك مبتعرفش تقف قصاده ؟ أوف
………………………………………………………………………………..
أطاحت بـ كفها الأقـراص المحتلة مكانها بيـن كفي الممرضـة و كـوب الميـاه مرددة بـ عنادٍ :
_ مــش عايزة زفـت ، حاسبي من وشــي
أخفضت ساقيها على الأرضية و تحاملت على آلام ظهـرها و هـي تستقيـم بوقفتها ، فـ داهمتها آلام شديدة فقد رفضت أن تتناول الأقراص المسكـنة ، تهالك جسدها على الفراش و هـي تصرخ بتآوه مُطبقة جفنيه ، فـ وضعت الممرضـة "مريـم" كفها على كتفها متمتمة بـ قلق :
_ يا مدام مينفعش اللى حضرتك بتعمليه د..
فـ فتحت عينيها لـ تنظر لها بـ نظرات ناريـة هادرة بـ تشنجٍ دافعة كفها بعيدًا :
_ عـايزة أمشـي من هنــا قبل ما يرجع ، حـاسبـــي
زفـرت " مريم" بـ ضيق متمتمة :
_ استحالة تعرفي تمشي من هنا يا مدام ، جرحك مش..
فـ لانت ملامحها و لجأت الى أسلوب الاستعطاف ، فـ التقطت كفها متمتمة بـ توسـلٍ :
_ الله يخليكي ساعديني أمشي من هنا ، أنا عايزة أشوف أهلي ، أهلي فاتهم هيموتوا من القلق عليا ، أرجـوكي
فـ تهدل كتفيها بـ قنوطٍ متمتمة :
_ مينفعش
تجمعت الدمـوع في مقلتيها و تركت كفها و هـي تنظـر لها بـ استياء ، دلفت " سهيـر" للغرفة حاملة لـحامل معدني مرددة بنبرة هادئة :
_ ميعاد الأكـل بتاعك يا هانم
فـ تحفزت حواسها و رددت بتلهف و هي تنظر لها برجاء :
_ أرجوكي انتي ساعدينى ، طب .. طب على الأقل أعمل مكالمة واحدة أطمنهم عليا ، ارجـوكي
أسندت " سهير" الحامل المعدني على منضدة الزينة ، و نظرت لها متمتمة بـ تخاذل :
_ بصي يا هانم ، اللى انتي بتعمليه ده غلط ، انتي كـده بـ…
انهمرت الدموع على وجنتيها وضعت كفها على جبينها تضغط عليه مقاطعة بـ قهـرٍ :
_ عايزة أمشي من هنـا ، عايزة عيلتى
فـ دنت " سهير" منها ، و وضعت كفها على كتفها متمتمة بـ آسى :
_ لو كان بإيدي حاجة كنت عملتها لكـن ..
فـ دفعت كفها بعيدًا و نظرت لكلتاهما بـ عينين محتقنتين مرددة بـ تشنـج :
_ انتو عمركـوا ما تكونوا بشـر ، حـاسبوا محدش يقرب منى ، أنا .. انا همشـي من هنــا ، ابعـدوا عنــي
فـ انتفضت أجسـاد ثلاثتهـن و فرّت الدماء من عروقهـن من ذلك الصـوت الجهـوري الشـرس :
_ مـــش هيحصــل !
……………………………………………………………………………………

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now