" الفصل التاسع عشـر"

1.2K 35 0
                                    

نـزع الطبيب الكمـامـة الطبيـة عـن وجهه و هـو يلج للخـارج ، فـ انتبـه له "يامن"  الواقف مستندًا بـ ظهره للجدار ثانيًا احـدي ساقيه مستندًا بـ قدمه عليه ، عاقدًا لـ ساعديه أمام صـدره ، حـل ساعديه على الفـور حيـن رآه يخرج من الغرفـة ، و انتصب في وقفته متحركًا نحـوه و هـو مثبتًا لنظراته الثاقبـة على غـرفـة العمليـات ، ثم توقف أمامـه و هـو يحول بصره اليـه مرددًا بنبرة جـامـدة :
_ حصل ايـه ؟
فـ أطـرق رأسـه ليردد بنبرة آسفـة :
_ بـصراحـة هـي حالتهـا متطمنـش ، و بالإضافـة لـخسارتهـا د..
فـ قبض بـ كفيـه على تلابيـبـه وبدت عيناه و كأنها تُطلق شررًا و هـو يحـدجـه بنظرات نارية مميتة  هـادرًا بـشراسـة و قد تشنجـت تعبيراته:
_ يعنــى ايــه متطمنـش و انت لازمتـك ايـه ؟
انتفض جسده و تنغـض جبينـه لـ يردد بنبرة ضائقـة و هـو يحاول تخليص نفسـه من قبضتـه :
_  مينفعـش حضـرتك اللى بتعمـله ده ، احنـا مستشفـى محترم و بنعمـل اللى علينـا لكـن هـي جايـة و …
فـ أطبق بـ احدى كفيـه على عنقـه و قـد احتقنت عيناه و وجهه بالدمـاء الغاضبـة و قرب وجهه اليـه لـ يردد بنبرة جـافـة :
_ اسمـع أنـا عايزهـا تعيـــش ! فــــاهــــم ، لـو حصلهـا حاجـة هبعتك رحلـة للسمـاء !
جحظت عيناه و شحب لون وجهه و هـو ينظر له بـ ذعـر ، فـ عاد يهـدر بـه بنبرة صارمـة :
_ فهمـــــت
فـ أومــأ برأسـه عـدة مرات بـ هلعٍ ليتجنب مـوته المحتـوم ، أرخـى يامن" كفـه عنـه و مازال يحدجـه بنظرات جعلت الذعـر يدب بـ قلبهِ ، ثـم دفعـه بـ عنف للخلف هـدرًا بشراسـة :
_ تدخـل  لهـا و مشوفـش وشـك غيـر و حالتها مُستقرة ، لـو حصلهـا حاجـة مـش هرحمـك !
فـ فرك الطبيب عنقـه و هـو يومـئ برأسـه عدة مرات و حـاد ببصره عنـه و هـو يستديـر بـ جسده لـ يعـود للداخـل مرددًا لنفسـهِ بـ فـزع و هـو يلتقط أنفاسـهِ :
_ يخربيتك ! ده روحـى كانت هتطلع في ايدك !
ارتكـز "يامن" ببصره على باب الغرفـة ، و كـز على أسنانه و هـو يمسح على وجهه بعنفٍ لـ يتنغض جبينه ، بسط كلا كفيه أمام عينيه ليرى الدماء الحمراء مطبوعة على كفيه و قد جفّت ، كـز أكثر على أسنانه مشددًا على عضلات فكهِ و هـو يكـور قبضتيه حتى ابيضت مفاصل أصابعه ، برزت عروق نحره و جانبي رأسه و هـو يضـرب الجـدار باحدهمـا بـ عنف مرددًا بـإصرار عجيـب :
_ مش هسمح للمـوت ياخـدك منــى ! مش بالسهـولة دي !
……………………………………………………………………………….
أوقف "فارس" السيـارة بطريقـة فُجـائيـة ، و ترجـل منهـا بدون أن يـوصـد بابهـا ، دار حـول مُقدمـة السيـارة و فتح بابهـا ، ثـم انحنـى بـ جذعـه للأمام ليجذبهـا بـ حرصٍ ممرًا ذراعه خلف ظهرهـا ، ثـم ممر ذراعـه الآخـر خلف ركبتيهـا و حملهـا برفق بين ذراعيـه ، استدار بـ جسده موفضًا نحـو الداخـل هـادرًا بـ :
_ بسـرعـة حـد يسـاعدنـى !
على الفـور أحضرت الممرضـات سريرًا نقالًا فـ أسنـد جسدهـا بـ حرص فوقـه و هـو يمرر نظراتـه على وجههـا الشـاحـب ، دفعـت الممرضـات السريـر النقـال ليتحركـن به في اتجـاه غـرفـة الطوارئ ، فـ تحرك خلفهـم حتـى توقف أمام باب الغرفـة  يراقب اختفائهـم ، فـ زفر بتعب و هـو يمرر أصابعـه بـ خصلاته البنيـة ، و جلس فوق أحـد المقـاعد المعدنيـة ، ثم استند بـ مرفقيه على ركبتيه و دفـن وجهه بين كفيه ليتمتم بـنبرة متهكمـة :
_ أول يـوم ليا في مصـر مش هيتنسـي !
…………………………………………………………………………………...
سـادت حالـة من الهـرج و المرج البنـايـة بأكملهـا و قـد انتشـر خبـر قـتـل "حسيـن" لابنته كـ النـار في الهشيـم ، و تجمع الجيران بـ داخـل المنـزل و الفضـول يكاد يقتلهـم لمعرفـة ما حـدث ، و شـرعت الإشـاعـات الخاطئـة تنتشـر بـحقهـا ، كمـا كـان لـرؤيـة بعض الجارات رجـل تجلـى عليـه الثراء يحملهـا بين ذراعيـه و يهبط بهـا للأسفـل فـرصـة لـلتحـدث بـ السـوء عنها .
امتلأ المنـزل بالجارات اللاتـي شرعـن يواسيـن "حبيبـة" التي كانت تنظر لهـم بنظرات تائهـة غيـر مستوعبـة ما يجـرى ، بينما انتهـى الضباط من معـاينـة مكـان الجريمـة ، فـ نظر أحـدهـم الى "حسيـن" بازدراء ، و أشـار لآخـريـن قائلًا بنبرة آمـرة :
_ هـاتوه على البوكـس !
تلاحقـت أنفاسهـا المتوتـرة و هي تنظر له بـذعـر بيَّن ، بينمـا تحرك ضابطيـن باتجـاهه لتلبيـة أمـره و وضعـوا له الأصفـاد ، فـ نظر هـو باتجـاه "حبيبـة" بنظرات آسفـة ، بينما هـربت الدمـاء من عروقهـا و هـي تراهم يسحبـوه أمامهـا بتلك الطريقـة ، عـاد المشهـد يتجسـد أمام عينيهـا ، لقـد عـاشت تلك اللحظـات من قبل و قد كـان بريئًا و اليـوم هـو الجـانـي و قد ارتكب جريمتـه أمام عينيهـا ، و بالرغـم من ذلك الا أن فؤادها رفـض الاقتنـاع بـ فكـرة تركـهِ هـكـذا ، انهمـرت الدمـوع من عينيهـا قهـرًا ، و تعالت شهقاتهـا و هي تتحرك ناحيته هـادرة بـ هـلع :
_ لا حسيــن ، مـش هتسيبني تاني يا حسيـــن !
كـادت أن تصـل اليه ، فـ منعهـا أحـد الضبـاط ذو الملامـح القاسيـة من الاقتراب أكثـر ، فـ خفق قلبهـا بـ عنف و هـي تراه يكـاد يختفـى من أمامهـا ، حـاد هـو ببصـره عنهـا و هـو ينكـس رأسـهِ خـزيًا ،  فـ صـرخت صرخـة تمـزق نياط القلـوب تنـادي عليـه و لكـن هيهـات ، شعـرت بالرؤيـة تهـز أمام عينيهـا و تلاشـى كـل شـئ من أمامهـا ، بـحَّ صوتهـا و ارتخـى جسدهـا بالكـامل بين يدي الضابـط و هـي تهمـس بصوت لـن يسمعـه غيرهـا :
_ بنتـى ، حـ..حـسيــن !
………………………………………………………………………………
ولجـت احـدى الممرضـات للخارج فانتبـه لها "فارس" و انتصب بوقفته ، دنت منه ليردد بنبرة جـادة يشوبهـا القلق :
_ حصـل ايـه ؟ هـي كويسة ؟
هـزت كتفيها معبرة عـن عـدم معرفتهـا :
_ الدكتور معاها جوا
فـ تنغض جبينه لـ يردد ضجـر :
_ أومـال في ايـه ؟
فـ مدت كفهـا بأغراضهـا متمتمة بنبرة جـادة :
_ متعلقـات المريضـة ، اتفضـل
فـ أخفض نظراته و هـو يلتقط منهـا فـ استدارت بـ جسدهـا لتدلف للداخـل مرة أخـرى ، عاد يجلس فوق المقعـد و هـو ينظر لمـا بين يديـه بتمعـن  كانت عبارة عـن قلادة رقيقـة و هاتفًا مهشمًا كـان بجيبهـا ، رفع القلادة أمام عينيه ليراهـا بوضوح ، ثم أطبق عليها بـ كفـه و عاد ينظر للهاتف المهشـم الذي بـ كفه ، كـان يشعـر باستحالة عملـه عقب الحادث ، و لكنـه ضغط على الزر الجانبـي ضغطـة مطولة آملًا أن يعمـل فـ هـو لم يجـد لها هـويـة ليتمكـن من الوصول لـعائلتهـا ، تنفـس بارتيـاح عندمـا وجـد شاشـته مُضيئـة بصورتهـا برفقـة فتاة أخـرى كـ خلفيـة خارجيـة له و قد بـزغـت الشروخ العميقـة بشاشتهِ بوضوح ، فـ مرر اصبعه على شاشتـه ليفتحه ليتنغض جبينه حيـن لم يحدث ، عاد يكرر الكرة ليزفـر بـ ضيق و هـو يعيـد ظهـره للخلف مستندًا لظهـر المقعـد المعدني ، لم يكن يحتاج لأكثر من ذلك ليفهـم أن الهاتف لم يعـد يستقبـل الأوامـر ، فقط الزر الجانبي له يعمل ليس أكثر ، دس الهاتف في جيبه و هـو يزفـر بـضيق ، ثـم رفع القلادة أمام عينيه لـ يتفحصهـا عـن كثب ، و عـاد يدسهـا هـي الأخـرى بـ جيبـه و تنهـد بـ تعبٍ و هـو يفرك عينيه بـ كفيه ثـم استند بـ مرفقيه الى ركبتيه و دفـن رأسه بين كفيه و قـد تملكـت الحيـرة منه لا يعلـم ما ينبغي عليه فعلهِ .
………………………………………………………………………………...
ارتجف كفي الممرضـة و هـي تغرز الابـرة الطبية بالمحلول ، و سـرت بـ جسدها قشعريـرة حاولت جاهـدة ألا تُظهـرهـا و هـي تنظر له من طرف عيــن ، لـم يتمكـن أحـدهم من منعه من الدلوف لـ غرفتها بالعنايـة المركـزة ، بـل لم يتجـرأ و قـد كـان كـ الوحش الكاسـر على وشـك التهـام من أمـامه ، ازدردت ريقها بـ توجس و هـي تنزعهـا ، ثـم راقبت بـ عـدم تركيـز الأجهـزة الطبية ، فـ صـاح بهـا بنبرة قاتمـة :
_ مش خلصتـــــى ؟
انتفض جسدهـا و هـي تومـئ بـ رأسهـا عدة مرات ، فـ حدجهـا بنظرات جـافـة هادرًا :
_ بــــــــــــرا
و كأنها وجدت الفرصـة التي انتظرتها للفرار من هنـا كما لو أنها تفرّ من عـريـن اﻷسـد ، أوصـدت الباب خلفها و هـي تهـرول مبتعدة بينما ثبت " يـامن" نظراته عليها ، عقـد ساعديـه امام صـدره و هـو يتمعـن النظـر لـ ملامحها الذابلـة ، تلك الأنابيب التي تخرج من أنفها للتنفس الاصطناعي ، و اللاصقات الطبيـة للإبرة المـوصـولة بـ كفها ، لقـد بدت أقرب للموتـى بـ تلك الحالـة ، لـم يرهـا يومًا بـ حال سعيـد ، منذ أن قابلها و هـي ذات ملامح ذابلة ، لـم يعلـم كـم مـرّ من الوقت عليه و هـو ينظـر اليها فقط ، أخـرج زفيرًا من صـدره و نقـل بصره للأجهـزة الطبية لـ ثوانٍ ، ثـم عاد ينظر لها متمتمًا بنبرة جـافـة و هـو يكـز على أسنانه :
_ ازاي مخدتش بالي ؟ كـان لازم أمنعه يعمـل ده !
حرر ساعديه لـ يدس كفيه بـ جيبيه ، و مال بـ رأسه للجانب قليلًا لـ يتمعـن النظـر لـ ملامحهـا ، مـا يشغـل تفكيـره و لا يجـد إجابـة له هــو لـمَ ؟ انه متأكـد من أنهـا تكرهه ، تتمنـى المـوت له بأقـل تقديـر ، لقـد حـول حياتهـا جحيمًا استعـرت نيرانهـا ، كيـف اذًا تلقت الطعـنة بدلًا عنه ، كـز على أسنانه بـ قوة و قـد شعـر بالنيران تكـاد تصـل لـ عنقـه ، احتقـن وجهه بالدمـاء مردفًا بنبرة قاسيـة  :
_ اللي حصـل مكنتش مخطط له !
ارتفع جانب ثغـره ببسمة ساخـرة متمتمًا :
_ بــس كان في صفـي ! كان هـ يقتـــل بنته بإيده !
سريعًا ما تصلبــت تعبيراتـه و قسـت نظراته للغاية لـ يردد بنبرة شـرسـة :
_ بس هـدفعــه تمـن ده غــالى أوى ، حســابه زاد معايـا !
أخـرج زفيرًا حارًا من صـدره ، أخـرج كفيه من جيبيه ، و مـال بـ جذعـه للأمام قليلًا لـ ينظـر لهـا بـ تمعـن عـن كثب ، و قرّب شفتيه من أذنها لـ يهمـس بـ تصميـم :
_ مـــش هسيبك يا .. يا يارا ، مهمـا عملتى مش هسيبــك
ثـم ابتعـد عنهـا قليلًا لـ يمرر نظراته على وجههـا الشـاحب ، و تمتم بلهجـة جـامدة :
_ لـو عملتى كده عشـان تهربي منى فأنا بقـولك للمرة المليـون .. أنا قدرك !
ثـم انتصـب في وقفته مثبتًا لـ نظراته عليها ، راقب تنظـم أنفاسها متمتمًا بنبرة صـارمة :
_ محدش هيقـدر يـاخـدك منى ، انتى تخصينــى ! و اللى يقـرب من اللى يخصنـى بنسفـه !
………………………………………………………………………………...
ولـج الطبيب للخـارج فتحرك "فـارس" نحوه على الفـور مرددًا بنبرة قلقـة و هـو ينظر لباب الغرفـة :
_ هـي كـويسـة ؟
تنفـس الأخيـر بارتيـاح متمتمًا بنبرة شبه هادئـة :
_ الإشـاعـات وضحت ان دماغهـا سليمـة و اللى حصل لها مجرد كـدمـة بس ، السـاق اليسـرى حصـل فيـها كسـر و جبسنـاه ، باقـى الخـدوش و الكدمـات أمـرهـا سهـل و مع العلاج هتتحسـن ان شاء الله
تنفس "فـارس" الصعـداء ثـم ربت على كتفـه متمتمًا بامتنان :
_ شكرًا يا دكتور
فـ ردد الأخيـر موضحًا :
_ احنا قمنا بواجبنا مش أكتر ، الجبيـرة هتتفـك بـعد ١٤ يـوم
فـ أومـأ "فارس" برأسـه و هـو يدس كفيه بجيبيه :
_ تمـام
أشـار الطبيب بـكفـه متمتمًا بنبرة شبـه جادة :
_ دلوقتى هننقلهـا غرفـة عاديـة عشـان نطمـن أكتـر
فـ ردد بتنهيـدة مطولـة و هـو يثبت نظراتـه على باب الغرفـة :
_ okay
_ عـن اذنـك
فـ أشـار "فـارس" بـ كفـه متمتمًا بنبرة جادة :
_ اتفضـل
…………………………………………………………………………………..
خـرج " فـارس" من غرفـة الحسابات و عقلهِ شـاردًا يفكـر بـ أمـر تلك الفتاة التي صدمهـا ، فهـو لا يملك وسيلـة لـ معرفـة أهلها و اخبارهـم ، و بما أنه المسـؤل عما حـدث لها فـ عليه أن يصـل لأهلها ، تنهـد بـ ضيق متمتمًا مع نفسه و هـو يسيـر شاردًا :
_ أنـا عملت اللى عليا و جيبتها المستشفى مسيبتهاش يعنى !
ثـم زفـر بـ قنوط و :
_ كنت ناقص كل ده يحصـل ، ده أنا لسـه حتـ..
قطع شـروده اصطدامـه بـ جسد بشـري مقاربًا له في الطـول نوعًا ما ، فـ كلاهمـا ذو طـول فـارع ، و على عكسـه كـان على وشـك الاعتـذار لـ مـن اصطـدم بـه بدون قصـد لـ يتفاجأ بـ شراسـته و قـد احتقـن وجهه بالكـامـل بالدمـاء هادرًا :
_ انت أعمــــــى و لا …..
ذلك الصـوت الشَرِس الذي يحفظه عـن ظهـر قلب خفق قلبه لـه بـ عنفٍ في صدره ، تراجع للخلف مسلطًا بصره عليه لـ تتأكـد شكوكـه ، و كأن الدنيـا توقفت عـن الدوران بالنسبــة لـ كليهمـا ، تجلت الصدمـة على ملامحهمـا بينمـا فغـر " فـارس" شفتيـه ليتمتم بـ صدمـة :
_ يــامــن !
اتسعت عينا " يامن" الى حـدٍ ما ، و ظـل متخشبًا بـ مكانه و قـد تحولت تعبيرات الغضب و الشراسـة للدهشـة ، ارتفع احـدى حاجبيه بينمـا تمتم " فـارس" بـ حبـور و قـد تلاشت صدمته لـ يحـل السرور محلهـا :
_ يـــــامن !
ثـم جـذبه لأحضـانه متمتمًا باشتياق :
_ يـــــــا ، كنت لسه بفكـر فيك ، أخيرًا شـوفتك !
ربت " يـامـن" على كتفه بـ قوة و قـد تنغض جبينه مرددًا بـ نبرة جامدة :
_ فــارس ! انت بتعمـل ايه هنـا ؟
ثـم ابتعـد عنه رُغمًا عـن الأخيـر مرددًا بنبرة جافـة :
_ ازاي متقـوليش انك راجـع ؟
ارتفع حاجبي " فارس" مرددًا بـ عتاب :
_ ده بدل ما تقـولي حمدلله على السلامة تقولى جـاي ليـه ؟
مرر " يـامـن" أصابعه بـ خصلاته و أشـار بـ عينيه حـوله مردفًا بنبرة جـافـة و كأنه لم يستمع لـ عتابه :
_رجعت امتى ؟ و بتعمـل ايه هنا ؟
فـ خفق قلب " فارس" بـ عنفٍ و قـد أدرك أن كلاهمـا بـ ذات المشفى ، فـ ردد بـ قلق قابضًا على ذراعـه :
_ انت اللى بتعمـل ايه ، عمـر حصل له حاجة ؟
فـ اجتذب " يامـن" ذراعه مرددًا بإيجـاز مقتضـب :
_ لأ
تنغض جبينه و ردد باستفسـار :
_ أومـال في ايـه ؟ هـد..
فقاطعته بـ نبرة لا تحمـل النقاش و هـو يدس كفيه بجيبيه :
_ المهـم انت ، ايه اللى جابك هنـا ؟
فـ تنهـد بحرارة ممرًا أصابعـه بـ خصلاتـه :
_ دوســت بنت في الطريق !
ارتفع جانب ثغره بابتسامة ساخرة متمتمًا بتهكـم:
_ بسيـــطة !
زفـر " فـارس" و هـو ينظـر له من طرف عيـن ، فـ تصلبت ملامح وجهه بالكامل لـ يردد معنفًا باستهجـان :
_ انت بتستهبـل ، ايــــــه ؟ مبتعرفش تســوق !
عبست ملامح " فارس" مبررًا :
_ و الله  مش عارف ده حصل ازاى ، أنا فجأة لاقيتها قدامـى ، و لا كأنها قاصدة ترمى نفسها قدام عربيتى
مسـح " يامـن" على وجهه بـ عنف و أشاح بـوجهه عنه لـ يتنهـد بـ ضيق، ثـم التفت اليه لـ يردد بنبرة جامدة :
_ رجعـت مصر امتى ؟
فـ أجابه بـ خشـونة :
_ النهـاردة !
فـ تشنجت تعبيراته قليلًا لـ يردد بـ عتاب جاف :
_ و ازاي متقوليش انك راجـع ؟
تنهـد " فـارس" بـ حرارة و :
_ حبيت أعملها مفاجأة ، بس القدر كان مخبيلى مفاجآت تانيـة ، آخـر حاجة كنت أتوقعها أقابلك هنـا !
ثـم ارتفع حاجبيه لـ يردد بـ استفسـار :
_ قـولى انت بتعمل ايه هنا ؟
دس كفيه بـ جيبيه متمتمًا بـ خشــونة  :
_ بعديــن يا فارس
ضيق عينيه ينظر له بـ تمعـن :
_ بعديـن ايه ؟ قـولـ…
فـ قاطعــه بنبرة صـارمـة و قـد قســت تعبيراته :
_ فـــــارس ، أنا مش فايقلك
ارتفع احـدي حاجبيه استنكارًا متمتمًا :
_ كـل ده عشـان بسأل بتعمل ايه هنـا
فـ أشـار " يـامـن" بـ عينيه مرددًا بنبرة جافة مغيرًا دفـة الحديث :
_ و هـي حصل لها ايـه ؟
فـ نجح بالفعل ، سحب " فارس" شهيقًا عميقًا زفـره دفعة واحـدة ، و ردد بـ نبرة جـادة :
_ نقلوهـا غرفـة عاديـة ، عملـولها اشاعات و قالـ..
قاطعـه بـ نبرة صارمة مشيرًا بـ كفه :
_ خلاص يا فارس ، انت هتحكيلي قصـة حياتها !
فـ ابتلع " فارس" كلماته جبرًا و هـو يتمعـن النظـر لـ ملامحه ، كـان كمـن تتقدّ النيران في عـروقـه ، و قـد كـان ذلك جليًا على ملامحه ووجهه المحتقـن بالدمـاء ، بينمـا ردد " يـامـن" بنبرة قاسيـة :
_ عرفت توصل لأهلها ؟
فـ أخفض " فـارس" عينيه تلقائيًا يُخرج هاتفها من جيبيه زافرًا بـ قنوط :
_ لأ لسه ، مش معايا حاجـة أقدر أوصل ليهم بيها غير موبايلهـا
ثـم أشهـره و شاشته مغلقـة في وجهه مرددًا بتهكـم :
_ و زي ما انت شايف ، مبقاش ينفع أصلًا !
ثـم عاد يخفضه و هـو يضغط على الزر الجانبي لـه ليفتحه مرددًا بنبرة جادة :
_ مش عارف المفروض أعمل ايـه
أشـاح " يامـن" بوجهه بعيدًا و هـو يكـز بـ عنفٍ على أسنانه ، لا يتمكـن من طـرد صورته من تفكيره ، على الرغـم من أنه يعلـم أنه حاليًا تم ايداعه بالحجـز إلا أن النيران لا تُخمـد ، فكـرة أنه سـرق منه والده و محاولته سرقتها هي الأخـرى منه تزيـد النيران المستعـرة بـ صدره أكثر و أكثـر ، و لـكن تنغض جبينه و تشنجت تعبيراته فجأة و ..............................................................................
...........................
يتبـع ...

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now