"الفصل السادس و الثلاثون"

968 21 0
                                    


قرعت الباب لأكثر من مرة و هي تردد بقلق جلّ على ملامحها :
- يا ماما افتحي بس ، طب قوليلي ايه اللي حصل ؟
فخرجت عن صمتها أخيرًا لتردد بفتور :
- سيبيني لوحدي يا ولاء
عبست ملامح الأخيرة مرددة باحتجاج :
- ماما من امبارح و انتي بتقولي سيبيني لوحدي ، بابا من امبارح خرج و لسه مرجعش ، يا ريتني ما سمعت كلامك و سيبتكم
كانت تجلس خلف الباب مستندة بظهرها اليه ، تنهدت بحرارة متمتمة بنبرة خالية من المشاعر :
- سيبيه يا ولاء ، يمكن يدرك الكارثة اللي عملها و يندم عليها أو على ظنه في بنته
انكمشت المسافة ما بين حاجبيها و هي تردد بنبرة متوجسة :
-ماما بابا ممكن يعمل في نفسه حاجة و الله
فـ التوى ثغر " حبيبة" بتهكم متمتمة :
- هيعمل ايه يعني أكتر من اللي عمله ، أبوكي بيضيع و ضيع بنته و بيضيعنا كلنا معاه  !
سئمت من محاولة اقناعها بالخروج عن غرفتها منذ البارحة فتمتمت بـ قنوطٍ و قد تهدل كتفيها :
- أنا تعبت بقى و الله ، تعبت ، عايزة كل حاجة تنتهي و نرجع لحياتنا بقى
فـ استمعت لصوت والدتها تهمس بإحباط و هي تُطبق جفنيها بوهنٍ :
- جحيـم الماضي لما أبوابه بتتفتح مبتتقفلش بسهولة يا بنتي ، صعــب !
فما زاد ذلك الا من قنوطها ، نظرت مُطولًا لباب الغرفة بنظرات معاتبة و كأنها تعاتب والدتها ، ثم تمتمت بقهرٍ :
- لو بابا حصل له حاجة في وسط كل ده مش هسامحك يا ماما ، مش هسامح حد فيكم
ثم استدارت و الدموع تتسابق للهبوط من مقلتيها ، اتكأت على عكازها و سارت بخطوات متعرجة نحو غرفتها موصدة اللباب خلفها ، بينما طردت " حبيبة" زفيرًا حارًا من صدرها ، انهمرت الدموع من جفنيها المنغلقين كالأنهار ، عادت برأسها للخلف مستندة الى الباب و ضمت ركبتيها الى صدرها متمتمة بـ اختناق :
- يا ريتك ما رجعت يا حسيـن ، يا ريتك ما رجعت
.........................................................................................
لم ينتبه أحد الى انسحاب " عمر" من بينهم ، أجرى اتصالًا بـ " فارس" الذي كان يجوب الشوارع بسيارته بدون وجهه محددة ، انتبه لـ رنين هاتفه فـ التقطه من فوق تابلوه السيارة ، نقر زر الإجابة و :
- أيوة يا عمر ؟
فـ خرج صوته هامسًا :
- انت فيـن ؟
تنغض جبينه مستفسرًا :
- مالك يا ابني ، موطي صوتك ليه ؟
فـ تلفف حوله يضمن عدم متابعة أحدهم له ، ثم تمتمت بـ نبرة غامضة :
- في مصيبة بتحصل هنا ، انت فين كده ؟
تحفّزت خلاياه و هو يضغط بكفه على المقود مرددًا بتذمر :
- يا ابني ما تتكلم على طول ، في ايه ؟
فـ ردد " عمر" بنبرة حانقة :
- ماما عقد من بتوعها اختفوا ، طبعًا اتهمت ميـن ؟
فـ لم يكن من الصعب التكهن بـ :
- يارا
طرد زفيرًا من صدره متمتمًا بعبوس :
- بالظبط كده
فـ زفر " فارس" بانزعاج و قوس شفتيه متمتمًا بتبرم :
- هدى مش ناوية تجيبها البر أبدًا
فـتنهد بضيق متمتمًا :
- المهم ترجع بسرعة ، أنا مش عارف أتصرف ، لو يامن صدقها تبقى كارثة
- تمام تمام ، انا جاي
............................................................................................
سلط بصره لثوان على القلادة الباهظة التي وضعتها نصب عينيه ، ثم نقل بصره الجاف اليها و قد تصلبت تعبيرات وجهه ، رمشت " يارا" بعينيها عدة مرات و هي تتمتم بذهولٍ :
- انتي .. انتي لاقيتيها فين ؟
فـ نقلت بصرها اليها متمتمة بازدراء :
- في الدولاب فوق يا .. يا بريئة !
خفق قلبها بعنفٍ في صدرها و نقلت بصرها اليه مرددة بـ استهجان :
- أنا .. انا مخدتهاش ، انا أصلًا أول مرة أشوفها !
فالتفت لينظر اليها بنظرات غامضة ، نقلت بصرها بين خضراوتيه و قد بدت گغابات نشبت النيران فيها ، ازدردت ريقها و هزت رأسها نفيًا مشيرة لنفسها :
- أنا مخرجتش من الأوضة أصلًا ، أنا مسرقتش حاجة !
تشربت وجنتي " هدى" بحمرة الغضب ، و كزت على أسنانها بنعفٍ و هي تدنو منها منتوية الهجوم عليها و هي تهدر بسخطٍ :
- و كمان ليكي عيـن تنطقي ، أنا هوريكي يا بنت المجرمين انتي
شكل بـجسده گجدار فولاذي  حائلًا بينهما و هو يقبض على ذراعيها مانعًا لها من التقدم خطوة أخرى ، فـ تلوت " هدى" بذراعيها و هي تردد بشراسة :
- حاسب يا يامن ، انا عارفة الأشكال دي كويس
نظر لها من زاوية عين مشيرًا لها للصعود للأعلى متمتمًا بنبرة شرسة من بين أسنانه التي يكز بعنفٍ عليها :
- اطلعي على أوضتــــــــــــك
فـ تنغض جبينها محاولة الدفاع عن نفسها :
- أنا معملتش حاجة
فـ خرج عن ثباته تمامًا و گأن بركان صدره قد ثار و :
- قـــــولت على أوضتـــــــــــــــــــك ، يالا !
أجفل جسدها من صراخه الهادر و تجمد جسدها فلم تتمكن من التحرك قيد أنملة ، دنا " عمر" منها و هو يردد بنبرة منزعجة :
- تعالى معايا يا يارا
نظرت له بأعين تائهة و لم تُعقب ، فنفضت " هدى" ذراعيه فـ تركها بـ ملء ارادته و هو يحدجها بنظرات مشتعلة ، بينما رددت باحتجاج :
- مش هيحصل يا يامن ، مش هتتحرك من هنا بنت المجرمين دي ، شايف ايه أخرتها ؟ جايب واحدة من الشارع قصري ؟
ثم نظرت لها بازدراء متمتمة باستحقار و هي تُشهر القلادة في وجهها:
- طبعًا عمرك في حياتك ما شوفتي عقد زي ده ؟ هتشوفيه فين أصلًا ، ده حتى خيالك ميقدرش يتصوره !
و گأنها نزعت فتيل القنبلة ، هـدر بها بنبرة ساخطة :
- على أساس انك كنتي تحلمي تعيشي كده أصلًا ؟ ما انتي كنتي جاية من نفس المكان ؟ و لا ناسيـة ؟
رفعت ذراعها لتهوى به بعنفٍ على صدغه و هي تهـدر به بنبرة قاتمة :
- اخــــــــــــــــــــــــرس
- هــــــــــــــــــــــــدى
هدر بها " فارس" بأعين متسعة و هو يوفض نحوها ، بينما ردد " عمر" معاتبًا بـ جفاء :
- ماما !
لم تهتزّ عضلة واحدة من وجهه ، و لكن احتقن بالدماء و احمرت الشعيرات الدموية بعينيه فـ باتت گجمرتين محمومتين ، كزّ بعنفٍ على أسنانه و هو يحاول كظم نيرانه المحمومة ، كور قبضتيه بقوةٍ حتى برزت عروق ظهرهما الخضراء ، شعرت بنظراته تكاد تفترسها ، فـارتفعت نسبة التوتر لديها و لكنها لن تتراجع ، تصنعت العبوس و هي تردد بتجهمٍ :
- أنا فعلًا معرفتش أربيك
لمح بطرف عينه " فارس" على وشك التقدم و هو يردد بنبرة قاتمة :
- ايه اللي عملتيه ده ، انتي .......
أشار له بإصبعه متمتمًا بصوتٍ جهوري :
- محـــــدش يتدخل
فـ عبست ملامحه مستنكرًا :
- يامن آآ..
فـ لم يحيد ببصره عنها و هو يردد بنبرة أشد بأسًا :
- بقـــــــــــــول محدش يتدخـــــل ، كل واحد على أوضته
ثم نظر لأخيه من طرف عين مرددًا بنبرة تزرع الرعب في الأبدان :
- خــــدها على أوضتها
فـ استمع الى صوت همهماتها :
- أنا .. انا مش..
فـ صاح به بشراسةٍ و هو يراه متجمدًا گالصنم بمحله :
- سمعتنــــي ؟
عقد " عمر" حاجبيه و هو ينظر لوالدته بنظرات معاتبة ، فعقدت الأخيرة ساعديها أمام صدرها و هي ترفع ذقنها للأعلى بكبرياء ، دنا " عمر" من " يارا" متمتمًا بنبرة ضائقة :
- تعالي معايا من فضلك
فـ نظرت له من زاوية عينها مرددة بنبرة تائهة :
- بس ..
فـ أطبق جفنيه بنفاذ صبر :
- يالا يا يارا لو سمحتى
فـ قبضت على شفتيها بعنفٍ و هي تتمعن النظر لملامحه بينما لم يحيد ببصره لينظر لها حتى ، طردت زفيرًا حارًا من صدرها و هي تسير برفقته للأعلى فـ عاونها و هو يسير بخطوات بطيئة ليجاري خطواتها المتعرجة ، نقل بصره لـ " فارس" الذي كاد يلتهم " هدى" بنظراته الشرسة فـ ردد بنبرة قاتمة :
- فــــــــــــــــارس
حاد ببصره لينظر له فردد بنبرة صارمة :
- على فــــوق
تنهد بضيق و هو يكز على أسنانه بعنفٍ شملها بنظرات مزدرية قبل أن يتحرك ليتبعهم للأعلى ، بينما رمقها " يامن" بنظرات تطاير الشرر منها ، فـ رددت باحتجاج بنبرة صارمة :
- شكلك نسيـت أنا أبقى مين ، مش عشان سمحت للزبالة اللي جايبها من الشوارع تقعد معايا يومين يبقى خلاص
فـ ردد بنبرة ناقمة:
- انتي و لا حاجة بالنسبـة لي !
فـ أظلمت عيناها و هي تردد باصرار :
- أنا أمــك ، أمــــــــــك ، هتفضل تنكرني لغاية امتى ؟ كل ده عشان ايه ؟ عشـان حاولت أربيك ؟ عشان مكنتش عايزاك تطلع ضعيف و تافه زيه ؟
اسشتاط غضبًا و هو ينظر لها بنظرات ناقمة ، و كأن النيران تتقاذف من مقلتيه ، كزّ أكثر على أسنانه حتى ارتعش صدغيه ، و لكنه قرر ارتداء قناع البرود.. رفع جانب ثغره متهكمًا و انحنى قليلًا ليُقرب شفتيه من أذنها ليهمس بنبرة أشبه للفحيح :
- طب ما ترجعي بذاكرتك لورا شوية و تشوفي عملتي ايه بالظبط يخليني أنكر وجودك ؟
تخشب لسانها من فرط الصدمة ، حررت ساعديها ببطء و كأن الوهن أصابها فجأة ، اتسعت مقلتيها و هي تتراجع برأسها للخلف لتنظر له بأعين مذهولة ، فرّت الدماء من عروقها و هي تتمتم بتلعثمٍ :
- قـ..قصدك ايه ؟
فـ  فرك ذقنه النابتة قليلًا باصبعي السبابة و اللإبهام ، ثم دسّ كفه الآخر بجيبه و هو يردد بنبرة قاتمة :
- شوفي نفسك عملتي جريمة ايه ؟
تواثب قلبها  بين أضلعها ، ظلت محملقة به بصدمة و قد عجز لسانها عن التفوه بحرفٍ ، شعرت بفؤادها يهوي بين قدميها ، ازدردت ريقها و هي تتمتم بتلعثم :
- انت .. انت قصدك ايه بكلامك ده ، متكلمنيش بالألغاز ؟
فـ رمقها بنظراتٍ مُظلمة و هو يتمتم عائدًا للموضوع الرئيسي  فهو بدهائه عَمِد الى الانتقال لموضوع الآخر ثم العودة الى الموضوع الرئيسي الذي يتمحور الحدث حوله ليكشف كذبتها أمام نفسها من ارتباكها بالرغم من تيقنه من براءة الأخيرة من تلك التهمة التي وجهتها اليها من الأساس  فـ :
- و عشان بس تبقي عارفة أنا مصدقتش المسرحية اللي عملتيها
رمشت بعينيها عدة مرات و قد تاهت الكلمات على أطراف لسانها فلم تتفوه ببنت شفة،  فـ أردف و هو يدس كفيه بجيبيه مقوسًا شفتيه باستهجان :
- للأسف أدائك مصطنع !
حاولت استجماع رباطة جأشها فتمتمت باحتجاج :
- يعني ايه ؟ بتصدقها و بتكذبني ؟
فقست تعبيراته و هو ينظر لها بتوعد :
- يا ريت تبطلي ألاعيبك دي عشان أنا لو سمحت للبركان اللي جوايا يثور هتزعلي !
ازدادت نظراته شراسة و هو يتمتم :
- و أظن انتي عارفة ده !
استدار بجسده ليسير بشموخٍ مريب نحو الدرج ، و شرع يلتهم درجاته نحو الأعلى بينما تابعته " هدى" بنظراتٍ مرتاعة ، حكت عنقها بأظافرها و هي تتمتم بـ استنكار :
- لأ ، لأ ، أكيد ميعرفش حاجة ، ده .. ده بس قاصد يربكني !
.............................................................................................
بسط ذراعه يربت برفقٍ على كتفه مرددًا بنبرة هادئة :
- حسيـن ، حسيـن اصحى
انتفض " حسين" فزعًا من نومته مستقيمًا بجلسته و هو يردد بصوتٍ متحشرجٍ :
- في ايه ؟
التوى ثغر "موسى" بابتسامة صافية و هو يردد :
- مفيش حاجة اهدى
أطبق " حسين" جفنيه متنفسًا الصعداء ، فـ أشار " موسى" للحامل المعدنى أعلى الفراش المهترئ مرددًا بنبرة جادة :
- قولت أجيبلك تفطر فكرتك صحيت من بدري !
فـ حاد ببصره عنه ليتمتم بامتنان :
- مش عارف أقولك ايه يا موسى والله ، كفاية انـك ...
فـ قاطعه مربتًا برفق على كتفه و ابتسامة عذبة تأخذ محلها على شفتيه :
- يا حسين متقولش كده ، ده احنا بينا عيش و ملح
ثم ضاقت عيناه و هو يردد مستفسرًا :
- بس هتفضل سايب بيتكم لحد امتى يا حسين ؟
طرد زفيرًا حارًا من صدره و هو يردد بضيق :
- مش عارف يا موسى ، بس في كل الأحوال لازم أرجع
فـ وافقه الرأي متمتمًا :
- مينفعش تسيب بنتك و مراتك كده و هما محتاجينك
فـ بسط كفيه مرددًا بقلة حيلة :
- ما هو على يدك يا موسى ، مش عارف اتصرف ازاي !
فـ ردد بتنهيدة مُطولة :
- اللي أعرفه ان يامن الصياد محدش يقدر عليه يا حسيـن
فـ نظر له من زاوية عينه متمتمًا :
- اوعى تكون شاكك ان أنا اللى قتلت يوسف ؟
فنفى ذلك على الفور :
- لأ طبعًا ، أنا مقصدش ، بس طالما اتجوز بنتك مش هتعرف ترجعها !
تجهمت ملامحه و هو يردد بفتور :
- المفروض أتصرف ازاي دلوقتي ؟
سحب " موسى" شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ مرددًا بآسى :
- فوض أمرك لله يا حسيـن و ان شاء الله كل حاجة هتتحل
أطبق جفنيه بوهنٍ متمتمًا :
- معتقدش
ثم دفن وجهه بكفيه متمتمًا بنبرة ناقمة :
- كان يوم اسود ما قابلتك يا يوسف!
تنهد " موسى" بضيق و هو ينتصب في وقفته متمتمًا بصفو نية :
- لو احتجت حاجة أنا معاك يا حسين
فـ رفع نظراته اليه متمتمًا بامتنان :
- شكرًا يا موسى ، كفاية جمايلك عليا
فـ ردد بعتاب لطيف :
- يا ابني متقولش كده ، ده انت أخويا
- ربنا يخليك
- مع السلامة
برح مكانه و هو يوفض لخارج الغرفة الواحدة التي تقع أعلى سطح منزل " موسى" ، أوصد الباب خلفه فتابعه " حسين" بنظراته حتى اختفى فـ طرد زفيرًا حارًا من صدره ، نظر للطعام بعدم اشتهاء فـ بسط ذراعه يبعده ، خفض ساقيه مستندًا بمرفقيه الى ركبتيه ، و دفن وجهه بين كفيه و قد عادت الأفكار تنهش من رأسه ، لربما أنه أخطأ في الحكم على ابنته التي أقدمت على تضحية كُبرى من أجله و حفاظًا عليه ، و لكن شيطان رأسهِ يوسوس له بإمكانية كونها كانت مؤامرة من قِبله قد أسهمت بها ابنته هو يعلم أنها لا تفعلها مُطلقًا ، و لكن الشك مُصاحبًا له و قد استغله شيطانه ليُذلل له الأسباب التي تدفع ابنته لذلك ، يشعر أنه على حافة الجنون من فرط تفكيره ، همس لنفسه بنبرة تائهة :
- هتجنن ، مبقتش فاهم حاجة و لا  عارف ايه اللي بيحصل !
..........................................................................................
غلت الدماء في عروقها و هي تتجول بنظراتها في الغرفة التي صارت بحالة من الفوضى حيث كانت ثيابها مُلقاة بفوضوية على الأرضية ، ضلفة خزانتها مفتوحة عن آخرها ، كزّت على أسنانها بعنفٍ و هي تدنو منها باندفاع ، ثم انتزعت بهياج ما بقى من ثيابٍ لها و هي تهدر باهتياج واضح :
- أنا معملتش حاجة ، معملتش حاجة
تبادل " عمر" النظرات المضطربة مع " فارس" الذي سحب شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ ، دنا منها باسطًا كفه مرددًا بهدوءٍ حذر  :
- احنا عارفين ، ممكن تهدي
فـ نظرت له بأعين احمرت بها الشعيرات الدموية و هي تردد بـ حرَد :
- هو .. هو اللي عمل كده ، هو الوحيد اللي دخل الأوضة !
ارتفع حاجبي " عمر" و هو يتمتم مستنكرًا :
- انتي .. انتي بتقولي ايه ؟
فـ نظرت له متمتمة بنبرة ناقمة :
- أخوك هو اللي عمل كده ، دي لعبو كلكم عاملينها ، انتو عايزين تجننوني
هز " فارس" رأسه نفيًا متمتمًا باعتراض:
- ايه اللي بتقوليه ده ؟ يامن هيعمل كده ليه يعني ؟
فـ هدرت به باهتياج  و قد حَرِد صدرها :
- معرفش .. معرفش
حولت بصرها اليه حين دلف من الباب المفتوح ، تجول بنظراته القاتمة في الغرفة ثم رفع نظراته اليها ليجدها تندفع نحوه مرددة بـ نبرة ناقمة :
- انت عايز ايه أكتر من كده مني ؟ عايز تجنني ، صح ؟
عقد حاجبيه و هو ينظر لها باستهجان ، بينما كورت قبضتها لتلكم صدره بعنفٍ منتوية دفعه للخلف و لكنه كان الأسرع حيث قبض بقوةٍ على معصمها مستوقفًا محذرًا بصوت جاف :
- ايــاكي ! إياكي تفكري تعملي ده !
كزّت بعنفٍ على أسنانها و تلوت بمعصمها محاولة تخليصه و هي تتمتم بتشنجٍ :
- سيب ايدي
دنا " فارس" منه متمتمًا باستنكار :
- انت بتعمل ايه ؟ سيبها !
فازدجره بنظرة حامية من عينيه ، بينما انهمرت الدموع من عينيها و هي تردد بنبرة متشنجة :
- معملتش حاجة ، كفايـــــــة بقى ، كفـايـــــــة !
نظر لها مُطولًا بنظرات غير مفهومة ، ثم رفع نظراته القاتمة الى كليهما ، و أشار لهما بصرامة فاعترض " عمر" بنبرة متوترة :
- يامن ، انت .. هي مش في وعيها !
فـ ردد بلهجة قاطعة :
- يالا يا عمــــــــر
فـ وزع " فارس" النظرات بينهما و هو يردد بنبرة جادة :
- يامن ، انت عارف انها معملتش ده !
نظر له بنظراتٍ غامضة ، ثم أشار بعينيه مرددًا بلهجة جافة :
- برا يا فارس
تنغض جبينه و هو ينظر له بضيقٍ ،  بينما تمتمت بـ نبرة حاقدة :
- أنا متأكدة انك انت اللي عملتها
ثم مررت النظرات بين كليهما و :
- دي لعبة كلكم عاملينها ، أنا معملتش حاجــــــة
ظل كلاهما متخشبان في مكانهما  محدقان بها ما بين الصدمة و الاستنكار ، فـ هـدر بهما بشراسةٍ :
- سمعتــــــــوا اللي قلته ؟ يالا !
نظر له " فارس" مستنكرًا و تنهد بضيقٍ و هو يشير لـ " عمر" :
- يالا يا عمر
فـ تنغض جبينه مسلطًا لنظراته المنزعجة عليها متمتمًا باحتجاج :
- بس ...
فقاطعه "فارس" بنفاذ صبر :
- خلاص يا عمر ، امشي قدامي
فـ امتثل له أخيرًا و هو ينظر له بضيقٍ ثم انتقل لخارج الغرفة ، مرّ " فارس" من جواره و سلط بصره عليه و هو يردد بنبرة جادة :
- يامن ، مش محتاج أقولك ان ..
فـ عقد حاجبيه و هو يردد بنبرة جافة :
- اخرج و اقفل الباب وراك
نظر له معاتبًا لوهلة ثم التفت ليسير نحو الباب و خرج موصدًا له خلفه ، تابعته " يارا" بنظراتها المحتقنة حتى اختفى ، فـ نظرت له بحنق محاولة اجتذاب معصمها :
- سيبني بقى
ظلت نظراته نحوها غير مفهومة بالنسبة اليها ، لم تكن تُدرك أنه كان يراها في مشاهد مرّت أمام عينيه ، ما حدث تقريبًا قد فسّر له كابوس الأمس ، الذئاب التي تتربص بها بالرغم من عدم اقتناعه الا انها لربما ترمز لوالدته.. أرخى قبضته قليلًا عنها فجذبت ذراعها بعنفٍ من قبضته و هي تبتعد للخلف عدة خطوات ، فركت معصمها قليلًا محاولة التخفيف من حدة الألم ، اصطدمت قدمها بملابسها المُلقاة على الأرضية ، فـ ازداد تشنجها و هي تدفعهم بقدمها مرددة بعصبية :
- أنا مسرفتش حاجة ، مخرجتش من الأوضة أصلًا ، انتو عايزين تجننوني
فـردد بنبرة جامدة و هو يدس كفيه بجيبيه :
- و أنا مقولتش انك سرقتي !
....................................................................................................
مرر نظراته على وجه الجالس قبالته و قد كانت معالمه غير متبينة من كثرة الندوب التي ملأته فـ بدا أشبه بـ خريطة منه الى وجه .. افترّ ثغره بابتسامة تهكميّة سريعًا ما تلاشت ليحل الجمود محلها ، بينما رفع الأخير كوب الشاي الى شفتيه و تجرع ما بقى منه ثم تركه على الطاولة المُستديرة و نظر من خلال النافذة بنظرات حاقدة ، و قد تولدت لديه النزعة الإنتقامية ، ثم نقل بصره اليه لـ يُضيق عينيه متمتمًا بنبرة محتدة :
- و انت هتستفاد ايـه ؟ مش فاهم ؟
فـ عاد بظهره للخلف مستندًا لظهر المقعد مسترخيًا أكثر في جلسته ، و تمتم بنبرة قاسية  :
- مش لازم تعرف ، انت عليك تنفذ و بس 
فـ تغضن جبينه و هو يُحاول سبر أغوار عقلهِ :
- يعني عايز تفهمني انك مش هتستفاد من ورا اللي هيحصل ؟
فـ ارتفع جانب ثغره بابتسامة شيطانية و هو يرد :
- هستفاد .. و انت كمان هتستفيـد ، و لا ايه ؟
فـ تحفزّت خلاياه و هو يُفكر في ذلك العرض الذي قدمه له ، انه أشبه بـ معاهدة الشيطان و لكن لمَ لا يوافق ، بدا مُقتنعًا بعرضه الى حدٍ كبير ، و لكنه أبى أن يُظهر ، بل أظهر وجهها عابسًا و هو يردد بنبرة ذات مغزي :
- يعني عايز تقولي اني هعمل كده من غير ....
فـ عبست ملامح الأخير و هو يقاطعه بتأفف :
- أكيد لأ يعني ، كل حاجة هنتفق عليها
ثم غمز له بطرف عين مرددًا :
- و متقلقش ، في كل الأحوال انت اللي كسبان
فـ فرك عنقه و ارتسمت ابتسامة شيطانية على ثغره و هو يردد بنبرة أشبه للفحيح :
- حيث كده ماشي ، بس تفهمني واحدة واحدة احنا هنعمل ايه !
....................................................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن