"الفصل السبعون"

796 20 11
                                    

"الفصل السبعُـون"
 انطلقت الرصاصة المصوبة باحترافيّة لتسكُن جسدهِ و قد تهشّم الزجاج الأماميّ، فصرخت "يارا" صرخة مكبوتة باسمهِ.. و لكنه تفاداها و هو ينحني برأسهِ في الوقت المناسب تحديدًا.. فاخترقت الرصاصة المقعد من خلف رأسهُ تمامًا.. عاد يعتدل في جلسته و هو يطلق سبة خافتة من بين شفتيه.
 في حين التقطت "يارا" أنفاسها بصعوبة و هي تراهُ أمامها سالمًا على الرغم مما حدث، شعرت بما يجثم على صدرها من فرط الهلع المتجسّد في تلك المشاهد الدموية التي تراها،.. حتى صرخت مجددًا حين أُطلق وابلًا من الرصاص في حين كان هو يتحكم في المقود حينًا.. و يعيد ملئ الذخيرة حينًا، حتى تمكن.. فـ أخرج ذراعهُ و هو يضاعف من سرعة السيارة ليكن جوارهما تمامًا.. و برصاصتين منهُ كان قد أنهى أمر ذلك الجالس جوار السائق فتناثرت الدماء من رأسهِ و صدرهِ، و كاد يلتقط السائق برصاصة تقضى عليهِ..
 و لكن تلك الدراجة الناريّة التي مرت من المنتصف بينهما منحت ذلك الرجل الفرصة للفرار.. تتبعهُ "يامن" حتى صار الرجل على يمينهِ.. و تحديدًا جوار مقعد "يارا"، أخرج ذراعه و أطلق وابلًا من الرصاص في حين كان "يامن" يوجه ذراعه نحوه ليتمكن من التصويب على رأسهِ.. و فور أن أشهر سلاحهُ كانت تأتيهِ طلقة تمكنت من كتفهِ، أطبق على أسنانهِ متألمًا و قد فقد السيطرة قليلًا فلم يتمكن من التصويب جيدًا، فحاد ذراعهُ لتنطلق طلقته مصيبة المرآة الأمامية بدلًا من الرجل.. حينما كانت "يارا" تحملق به بأعين متوسعة و قد تحجرت ملامحها من فرط الصدمة و هي ترى الدماء تنسال من كتفهِ مخترقة ملابسهِ.. كان الباب المجاور لها قد تهشّم و انخلع من محله من فرط الرطمات و الدفعات العنيفة.
 حتى بلغا ذلك طريق الجبليّ..  فغيرت السيارة وجهتها لتكون على يسارهِ و جوار مقعد "يامن" عقب أن أطلقت رصاصة لإطار السيارة فلم يعد "يامن" قادرًا على صدّ الهجوم العنيف ..حيثُ تكفي منهُ بضعة رطمات عنيفة تجبر سيارة "يامن" على الحيود عن مسارها فتسقط عن ذلك الارتفاع الشاهق، و ذلك ما فعل.. حينما كانت "يارا" تنهض عن محلها غير مبالية بالارتطام العنيف الذي يصيب السيارة، جلست على المقعد غير مبالية ببابها المفتوح و راحت تتلمس كتفه و هي تصرخ في ارتعاد، حتى نالتهما الرطمة العنيفة تزامنًا مع إطلاق "يامن" للرصاصة الأخيرة التي حواها السلاح لتسكُن رأس ذلك السائق الذي تسبب في حادثتهِ تلك المرة، و لكن بيد أنهُ تأخر ثانية واحدة..
 حيث حادت السيارة تمامًا عن الطريق و سقط نصف جسمها فظلّت عالقة ما بين أن تهوى و أن تظل ثابتة.. مما جعل جسدها يترنح فارتد للخلف، توقعت أن تستند إلى الباب و لكنها تناست أنهُ لم يعد.. فسقط جسدها عبرهُ، و لكنه تدارك الأمر سريعًا.. فانتقل إلى مقعدها  ليتشبث بكفها في اللحظة الأخيرة عقب أن صار جسدها بأكمله معلقًا في الهواء، و صادف أن يكون ذراعهُ الذي يحمل ثقل جسدها.. هو نفسهُ المصاب، بسط "يامن" كفهُ الآخر لها و هو يردد من بين أسنانهِ التي تكاد تكون رتقًا من فرط إطباقه عليهما:
- هاتي إيدك
تشبثت بكفه و الدموع تهطل من عينيها مستشعرة ملمسهِ، اغتاظ من نظرتها المتخاذلة تلك و كأنها ستوشك على تركهِ فهدر بها آمرًا و هو يشير بكفه:
- هاتي إيـدك.. هاتيــها!
تهدجت أنفاسها و هي تحاول أن تشبع عيناها برؤيتهِ و كأنها المرة الأخيرة، في حين انسالت الدماء الغزيرة بشكلٍ عمودي على طول ذراعه المعضل حتى بلغت ساعدهُ و عبرت من كمّ قمصه وصولًا لكفهِ.. حتى استقرّت بعض قطرات على وجنتها فاستشعرت ذلك الملمس الدافئ الذي أصابها فجأة، فانحرفت نظراتها نحو ذراعهِ، عادت تنظر نحوهُ و كأنها تعتذره بنظراتهِ، فردد "يامن" محذرًا:
- إيّاكي.. سامعة إيّاكــي
و لكن بيد أنها عقدت العزم على ذلك.. حيث تلوت بجسدها في الهواء محاولة أن تنسل من قبضته المحكمة و لكنهُ أبى أن يتركها تنفذ ما يدور برأسها، مال بجسده قليلًا ليتمكن من سحب جسدها على الرغم من محاولاتها العدة للإفلات منهُ و في نفس الوقت محاولًا ألا يبالغ في ترك السيارة فيسقط كلاهما بدلًا من أن ينقذها من موتٍ محتم..
و لكنه في النهاية تمكن من أن يحيط ظهرها بذراعه الآخر مطبقًا على جسدها، و شدد من قبضته على فكيه و هو يسحب جسدها إليه حتى رفعها لتسكن بداخل السيارة.. استند بجبينهُ على جبينها و هو يضمّ جسدها بكلا ذراعيه ليضمن عدم إفلاتها منه و أنفاسهِ المهتاجة تلفح صفحة وجهها، فلم ينتبه إلى ارتخاء جسدها بين ذراعيه سوى بعد عدة ثوانٍ و قد تخلّت بالكامل عن وعيها عقب ما لاقتهُ.. في أحضانهِ.
..............................................................
و في النهاية كان يجوب الرواق ذهابًا و إيابًا عقب أن توصل إليه "فارس" ليسارع بقلّهم للمشفى عقب أن فشلت محاولاتهِ الجمّة في إفاقتها من غفلتها الإجبارية، لم يبالى بذراعه الذي ينسال منه الدماء بغزارة حتى أغرقت كامل ملابسهِ، و تجاهل ذلك التشوش الذي يصيب رؤيتهِ من الحين للآخر، حتى حاول "فارس" أن ينصحهُ مجددًا و:
- يا يامن حرام عليك.. انت دمك اتصفى، يا ابني خليهم يشيلوا الرصاصة و أنا هنا و مش هتحـ...
التفت نحوه و هو يجأر بهِ محتدمًا:
- مراتي بتموت جـوا و انت عايزني أسيبها عشان نفسي؟.. انت بتهــــزر!
انتفض جسدهِ حين استمع إلى صوت الباب ينفتح على مصراعيهِ، حتى دلفت منه الطبيبة.. دنا منها من فورها و سألها من بين أنفاسه المتهدجة المنفعلة:
- What happened? Is she Fine
- Thanks god.. your baby Is fine, we could saved his live
و كأنهُ لم يرتح و لو ذرة عقب كلمتها، و لم ترتخِ عضلة واحدة من عضلات وجهه المشدودة و هو يغمغم متسائلًا:
-What.. What about my wife?
- don’t worry.. she is fine, and she
تنفس الصعداء و هو يعود للخلف خطوتين عن محيطها، أطبق جفنيه و قد استشعر إنعدام الرؤية لديه، و نتيجة كمية الدم التي فقدها من جسدهِ انخفض ضغط دمهِ للغاية، فترك ساقيه يقتادانهِ لأقرب مقعد مرتكنًا برأسه للخلف و هو يصارع للاحتفاظ ببقايا وعيهِ، و لكنهُ لم يجد بُدًا من الانسحاب عقب أن اطمأن على كليهما، فكان آخر ما اخترق أذنيهِ صوت "فارس" المرتعـد:
- يامـــــن
...................................................................
و أيضًا لا إجابة.. تدور حول نفسها على الرغم من كونها لا تتحرك من مقعدها،  و كأنها تدور في حلقات مفرغة عقب أن كانا يقفين كلٌ في شرفته و يتحادثان وجدت اتصالًا مفاجئًا من "يامن" جعلهُ يترك الفندق من فورهِ و لم يُفسر لها أيًا مما حدث و جعلهُ بتلك الحالة العجيبة من الارتباك الذي تملكه، زفرت و هي تترك الهاتف جانبًا ثم غمغمت متوسلة:
- يارب احميه.. يا رب، أنا مش ناقصة يحصل له حاجة!
..........................................................
كانت متشبثة برأيها و قد رفضت تصديق أيّا مما يلقيه على مسامعها، و هدرت بهِ بشكل مفاجئ:
- أنا عايزة يامــن، عارفة إن حصل له حاجة و انت مش عايز تقولي، هاتولي يامن، و دوني عنــده
و همّت بأن تنزع "الكانيولا " عن كفها لتتمكن من أن تهبط عن الفراش و هي تهدر بأعلى صوتٍ لديها:
- يا يامــــن
فمنعها "فارس" من أن تفعل و هو يعيد جسدها للفراش محاولًا أن يتحكم في حركاتها المتشنجة، ثم نظر حولهُ و هو يهدر في الممرضات من حولهِ:
- " أستقفون هكذا دون حراك.. فليفعل أحدكم شيئًا"
فراحت الممرضة تنسحب من الغرفة من فورها لتحضر إبرة مهدئة فتحقنها بها، حاولت "يارا" أن تفلت منهُ و هي تردد باهتياج:
- ابعدوا عني.. سيبوني أروحله، يامــن، يا يامـــــــن!
-أنا هنا يا يارا
و كأنها لم تصدق ما رأتهُ.. تيبس جسدها و كفّ عن التشنج و الحراك، و كأن السكينة هبطت على قلبها برؤيتهِ يدنو من فراشها، شعرت و كأنها تتوهم ما تراهُ.. و لكنه حقيقة فعلية متجسدة أمامها، نظرت نحو "فارس" نظرة متسائلة فـ أزاح كفيه عنها عقب أن هدأت حركتها و هو يردد محاولًا التقاط أنفاسهِ:
- قولتلك شال الرصاصة و فاق.. انتي مصدقتنيش
و نزح حبات العرق المتفصد بها جبينه و هو يخطو نحوه، ثم سألهُ بضيق:
- انت مكملتش المحلول بتاعك، صح؟
فلم يجبه.. تحرك مارًا من جواره وصولًا إليها، حتى توقف جوارها تمامًا، انحنى عليها ليسحب كفها المثلج محتفظًا به في كفه و هو يغرس نظراته بين عينيها، ثم أردف بـ:
- أنا معاكي.. متخافيش
كانت تحملق بهِ فقط.. محاولة أن تتيقن من تواجده، أنا تتيقن من أنهُ ليس خيالًا نسجه عقلها المنقب عنه ببراعة، فراحت تتلمس وجنته بأطراف أصابعها و هي تسألهُ بتهدج:
- يامن انت.. هنا؟
أومأ برأسهِ و هو يؤكد لها لهجة قوية:
- أنا جمبك.. انتي كويسة؟
فتركت لشهقاتها العنان لتتصاعد و هي تنهض عن الفراش متعلقة برقبتهِ و هي غمغم من بين بكائها المنتحب:
- يامــن.. آآآه!
طبع قبلة حانية على جانب عنقها و هو يردد بصوتٍ أجشّ:
- شـشـش.. خلاص أنا معاكي.. اهدى
حضرت الممرضة و هي تحمل إبرة طبية تحوى مادة مهدئة حينما كان "فارس" يقف متابعًا المشهد بابتسامة صغيرة لاحت على ثغرهِ، تغضن جبين الممرضة و هي تخطو نحو "يامن".. ثم رددت:
- "أيمكن الابتعاد قليلًا لنتمكن من حنقها؟"
و قبل أن يجيبها "يامن" كان "فارس" يردد و هو يبسط ذراعه كحائلًا بينهما:
- إنها بخير الآن، رجاءً دعيهم و شأنهم
و انسحبت الممرضات واحدة تلو الأخرى من الغرفة، حتى ظلّ "فارس" و هو يراقبه بخوف غلف قلبه، حتى ابتعد "يامن" عنها قليلًا و سحب مقعدًا ليعتليهِ، فرآى بطرفهِ "فارس" فردد مستهجنًا:
- انت لسه هنا؟
- خايف أسيبك.. انت كويس؟
أومأ "يامن" برأسهِ و هو يردد بلهجة متصلبة:
- كويس.. ارجع الفندق
 فردد "فارس" قبل أن ينصرف:
- لأ.. أنا برا مستنيك، مش ضامن إيه اللي ممكن يحصل
و برح الغرفة موصدًا الباب من خلفهِ، نظر "يامن" نظرة نحو محلولها الذي يغذي وريدها، ثم مرر إبهامهِ على كفها و هو يسألها باهتمام:
- حاسة بإيه؟
تمددت "يارا" على الفراش، و عيناها موجّهة نحوه، و قد بدت تعبيراتها متغيّرة، بينما تُشدد على أصابعهِ:
- تعبانة
أطبق "يامن" جفونهِ، و هو يحرر زفيرًا عميقًا عن صدرهِ، أشاح بوجههِ مستثقلًا ما سيقول، ثم غمغم و هو يوجّه بصره نحوها:
- يارا، عارف إنك...
و لكنها ضمّت أصابعهِ، و أطبقت جفونها رافضة أن تستمع لما سيُقال، و دمدمت و قد اكتفت من الأحداث المتواليـة على رأسها:
- مش عايزة أسمع حاجة يا يامن
و فتحت عيونها و هي تستجديه بنظراتها:
- خليك جمبي بس.. ممكن؟
- ممكن
فلوت ثغرها ببسمة باهتة، و عادت تغمض جفونها، مكتفية بوجودهِ جوارها، سالمًا، في تلك اللحظة تحديدًا.. و فيما بعد سيتحادثان، مطوّلًا.
......................................................
و كأن الحُمم البركانية تنصب في أوردتهِ الآن، تبدلت ملامحه تمامًا و هو يخرج من غرفتها و كفهُ أعلى كتفهِ المصاب حديثًا.. و لكنه ليس بتلك الخطورة.
أقبل عليه "فارس" فور رؤيتهِ و سألهُ و نظراته عالقة على كتفهِ باهتمام رافقهُ التوجس:
- انت كويس؟
أجابهُ "يامن" باقتضاب موجز من بين أسنانهِ التي و كأنها صارت رتقًا:
- كويس
و تخطاهُ.. عبر من جواره ليعتلي أحد المقاعد المعدنية و هو يريح ذراعهُ الذي رفض أن يعلق برابط حل رقبتهِ، فراح "فارس" يجلس أمامه و هو يتأمل وجههُ الغالب عليه الحُمرة المتوهجة و عيناه التي اختزنتا قدرًا هائلًا من الحقد المشبوب بالنيران المتوقدة، ثم سأل عقب أن ترك العنان لزفيرًا مطولًا حبسهُ في صدره منذ قليل:
- طب و هي؟ عاملة إيه؟
تنهد بضيقٍ أطبق على صدره، ثم أجابهُ بإيجاز:
- نامت
استند "فارس" بمرفقيه لركبتيهِ، ثم ردد مستشعرًا حجم الخطر الذي يطوف حولهم:
- انت ناوي تعمل إيه؟
و كأنهُ لا يجد ردًا على سؤالهِ.. نظر نحوه نظرة مطولة ثم أردف يبُتّ في الأمر:
- لازم أرجع مصر
تغضن جبين "فارس" و هو يسأل متعجبًا:
- ترجع مصر؟.. نائف هنا و معاه أمنية، هترجع مصر تعمل إيه؟
فردد و هو يشير بعينيهِ بلهجة غامضة:
- نائف معتبش هنا.. نائف و أمنية في مصر، كل اللي عمله دا كان بيضللني، عشان معرفش هو فين بالظبط
فانكمشت المسافة ما بين حاجبيه و هو يردد بجدية حاسمة:
- ارجع.. لكن رجلي على رجلك
و قبل أن يهمّ "يامن" بالحديث كان "فارس" يقول:
- و جاسم موجود.. الموضوع سهل، نخلى الأختين في فندق واحد لغاية ما نرجع و....
فقاطعهُ حاسمًا أمرهِ:
- يارا هتيجي معايا يا فارس
ضاقت عينا "فارس" و هو يقول بشدوه مستنكر:
- هتيجي معاك؟.. مش خايف عليها
أشار "يامن" بجمرتيه المتقدتين و هو يردف بلهجة حازمة:
- الخوف لو سيبتها بعيدة عني.. لكن هبقى مطمن و هي جمبي
أومأ "فارس" و كأنه لم يغير موقفهِ أو قرارهُ و:
- تمام.. مفيش مشكلة، أنا معاكو!
فسألهُ "يامن" بلهجة ذات مغزى:
- و ولاء؟
أشاح "فارس" مواريًا تلك الومضة التي التمعت في عينيه فور ذكر اسمها، ثم قال:
- جاسم موجود.. انت سايب يارا في أمانته أكتر من أسبوعين، طالما وثقت فيه فأنا واثق فيه، مش مشكلة نسيب بنت عمنا معاه
تقوست شفتا "يامن" قليلًا.. ثم حكّ بظهر إبهامهِ ذقنه و هو يسأل بتلميح مبطن:
- بنت عمنا؟.. ولاء بالنسبة لك بنت عم؟
قطب "فارس" جبينه و هو ينظر نحوهُ ثم سأل و دقاتهِ تتردد في آذانهِ:
- قصدك إيه؟
فنهض "يامن" عن محله و هو يردد بنبرة صلدة:
- لا و لا حاجة، سواء هتيجي أو لأ.. مش هيفرق معايا، لأنك مش هتتدخل في أي حاجة
فنهض "فارس" و قد تشنجت عضلاته و هو يشجُب ذلك:
- يامن.. كفاية أوي اللي انت مريت بيه لوحدك و من غير ما تدخلني، لكن لحد هنا و كفاية
دنا "يامن" منهُ قليلًا، و ضرب على كتفهِ الصلب و هو يردد بلهجة حالكة.. و كأنها الدياجير:
- اللي جاي دم يا فارس.. أنا خلاص إيدي بقت دم، و مستحيل أسمحلك توسخها إنت كمان، كفاية أنا
و برح محله دون أن يمنحهُ نظرة أخيرة، في حين تعلقت نظرات "فارس" بهِ حين كان يوشك على الدلوف للحجرة، و لكن صادف ذلك الممرضة التي كانت تعبر على الغرف للاطمئنان على حالة مرضاها، و كادت تدلف فاستوقفها "يامن" و هو يسدّ الطريق بجسدهِ و سألها بصلابة:
- is my baby fine doctor?
- I’m so sorry to say that ..but your baby in danger!..your wife suffers from a nervous breakdown, and it’s dangerous to the child...the psychological factor is very important during pregnancy
و صمتت هنيهة، ثم تابعت محاولة نصحهِ:
- you should take care of your wife mr.yamen…if she get stressed again, I don’t wanna predict what happen in this case.. Can you let me cross please
أفسح لها الطريق و نظراتهِ معلقة بنقطة في الفراغ، انتبه إلى تلك التربيتة التي تركها "فارس" أعلى كتفه السليم و هو يقول:
- اهدى يا يامن.. ان شاء الله خير، اتفائل
أومأ دون اقتناع و ملامحهِ لا تقُص مشاعره، ثم برح محله و ترك الرواق بأكملهِ شارعًا باهتزاز رؤيتهِ  و قد أُطبق على صدره.
.............................................................
- أيوة يا ابني.. ما أنا في الأسانسير أهو،.. حكاية طويلة مش المفروض تعرفها، خرجت، مش عارف مالك يا مايكل كدا مش على بعضك ليـه
و خطى نحو باب الشقة، أخرج سلسلة مفاتيحهِ و همّ بفتح الباب و هو يسأله:
- لما انت مش جوا أومال انت فين
و التفت كالمسلوع إثر تلك التربيتة المفاجئة على كتفهِ قبل أن يفتح الباب، انتزع المفاتيح من الثقب مجددًا و هو يجعد جبينه، ثم أنهى المكالمة و هو يسأل متعجبًا:
- بتعمل إيه يا ابني؟
فنطق "مايكل" و هو يدس هاتفهِ في جيب بنطاله من بين أنفاسه المتهدجة:
- لا شئ.. و لكن ببساطة سننتقل هنا
ارتفع حاجبيّ "فارس" و قد حلت عقدة حاجبيه و هو يردد:
- نعـم!.. مش ده البيت بردو و لا أنا متهيألي
حاد "مايكل" ببصره قليلًا و هو يحكّ مؤخرة رأسهِ، ثم غمغم باقتضاب:
- شئ.. إنها.. إنها رفيقة يارا، تلك الفتاة التي صارت أرضها باسمي
فـ سألهُ "فارس" و عيناهُ تضيقان في تشكك:
- مالها؟
فت ألقى ما بجبعتهِ مباشرة عقب أن طرد أنفاسهِ:
- إنها.. تسكن هنا لظروف حدثت معها، و قبل أن تسأل لن أجيب
و راح يردد مشيرًا بعينيهِ بلهجة جادة مُتكسّرة ذات مغزى:
- حكاية طويلة مش المفروض تعرفها
- بقى كدا؟
- هكذا
و همّ بالحراك، فتبعهُ "فارس" و هو يردد بابتسامة باهتة:
- كل واحد بقى عنده أسرار عن التاني مش قادر يقولها
فأتاهُ صوته من أمامهِ:
- إنها الحياة على ما يبدو
................................................................
كانت تفرغ الحقائب من ثيابها لتضعهم بخزانتها.. فاستوقفها و هو يسحب الثياب من كفها ليلقيهم أرضًا و هو يردد بجأر و قد فرغ صبرهُ تمامًا:
- كفايـة سكوت يا يارا، ردي عليا
نظرت صوبهُ نظرة قاتمة و هي تسأله باحتداد:
- أفندم يا يامن.. عايز إيه؟
أشار بسبابته و هو يسألها و قد اشتدت نبرتهِ:
- مش كنا كويسين؟.. مش كنتي كويسة في المستشفى؟ إيه اللي حصل فجأة؟
فـ أجابتهُ و هي تقطب جبينها:
- دا لأني كنت منهارة وقتها، مكنتش قادرة أناقشك في حاجة.. دلوقتي خلاص، أنا وقفت على رجلي تاني، تمـام؟.. ممكن تسيبني بقى أرجع هدومي؟
و همّت بسحب قطعة من الحقيبة، فلم يشعر بنفسهِ سوى و هو يزيحها بطول ذراعهِ السليم لتسقط أرضًا و يتناثر ما بها من ثياب على الأرضية، فرددت مستهجنة و هي تتأمل الوسط المبعثر:
- انت اتجننت؟ إيه اللي عملته دا؟
و كادت تتخطاهُ لتعبر من جواره قاصدة ترتيب المحيط، و لكنهُ سحبها من عضدها إليه و هو يردد غارسًا نظراته المحتقنة بعينيها:
- انتي إيــه؟ كل ثانية بحال؟ انتي عايزة مني إيه بالظبط؟
نقلت نظراتها بين عينيهِ، ثم حادت عنه بسأم و هي تردد باختناق نضح من نبرتها:
- مش عايزة حاجة.. مش عايزة منك حاجة يا يامن
فـ أطبق أكثر على ساعدها و هو يردد باحتدام:
- انطقي.. عايزة إيه؟.. إيه همــك؟
أجبرها أن تنظر لعينيه مباشرة فهدرت به و هي تزيح خصلاتها المعيقة رؤيتها عن عينيها:
- انت.. انت همي
و نقرت بسبابتها على صدره و هي تردد بلهجة أشدُ بأسًا:
- انت.. و أنا همي إيه في الدنيا غيرك؟
زفر متأففًا و هو يشيح بوجهه عنها، ثم عاد بنظر نحوها و هو يردد بلهجة موجزة:
- متكلمينيش بالألغاز يا بنت حسين.. قولي إيه اللي قلبك كدا فجأة.. قولي خلينا نشوف همك.. قولي!
 ضمّت شفتيها بحنق بادي.. ثم فرقتهما لتردد بتريّث متعمدة أن يصلهُ الأمر بالشكل الذي تريد:
- هقولك.. أنا.. شوفت جوزي بيقتل قدام عيني، بيقتل ناس حاولوا يقتلوه عشانه عايز يقتل الرئيس بتاعهم، اللي عرفت بالصدفة من فارس إنه خاطف بنت أخت الخدامة بتاعتك!.. حلو كده؟ دا كفاية عشان يخليني أشيل هموم الدنيا فوق دماغي؟ و لا أنا ببالغ
و صمتت هنيهة.. ثم تابعت و هي تضيق عينيها باستنكار:
- أنا لسه.. لسه لامبارح بس مكنتش مصدقة إنك فعلًا قتلت.. الكلام اللي كان على لسانك حاجة، و إني شوفتك بعيني بتقتل حاجة تانية
و كأن وجههُ فاقم حلكة و إظلامًا و هو يناظرها بأعين محتدمة من فرط الغيظ، أشار بسبابتهِ و هو يضيق عينيه مرددًا باستهجان تام:
- دا السبب؟ دا اللي مخليكي قالبة عليا؟
و جأر و قد بزغت عروق جبينه:
- دا السبــــب؟ عشان شوفتيني بقتل؟
أومأت برأسها بحدة و هي تنطق متحدية إياه:
- أيــوة.. أيوة دا السبب، مش كافي؟
شعر بحرارة جسدهِ بأكمله تتضاعف و كأن الغيظ نيرانًا تولدت فوق نيرانهِ، تشنجت عضلات عنقهِ و هو يجأر بصوت جهوري مستهجن و الشرر يتطاير من عينيهِ:
- هــو دا السبب يا بنت حسيــن؟.. أومال كنت أعمل إيه؟ أسيبك تموتي انتي و ابني!
فهدرت بهِ دون أن تبالي بزئيره:
- يا ريتك سيبتنا نموت.. كان أهون عليا من إني أشوفك بتقتل!
تلك المرة حرر عضدها الذي ظل مطبقًا عليه و قد تركت أناملهِ الغليظة أثرًا به، ثم أطبق على فكها و هو يردد من بين أسنانه المطبقة:
- انتي شايفة دا؟.. انتي شايفـــة دا؟
و أشار بسبابتهِ و هو يردد مُطلعًا إياها على جرائم ذلك الوغد و:
- عمي اللي صعبان عليكي قتل أبويا و أمي.. قتل أبويا و أمي و مراته الأولانية و هي حامل في ابنه.. قتلهم كلهم و هدد الخدامة اللي كانت عارفة بجرايمهُ كلها ببنت أختها اللي لما عرف إني كشفت كل حاجة خطفها و لغاية دلوقتي مش عارف أرجعها
و بسط كفهُ أمام عينيها و هو يجأر بها بنفاذ صبر:
- كل دا و مش عايزاني أقتلــه؟ كل دا و صعبان عليكي موتــه يا بنت حسين؟
ثم أومأ برأسه و هو يردد باحتدام:
- أيوة.. أيوة قتلت و هقتل تاني و تالت و عاشر
و ارتفعت نبرتهِ مجددًا و هو يزأر متعهدًا بـ:
- هقتل لغاية ما أرجع البنت اللي أمانة في رقبتي و اللي كنت السبب في خطفها، هقتل لغاية ما أصفي حساباتي كلها، هقتل لغاية ما يكون نائف جثة قدامي.. ساعتها بس يمكن.. يمكن أبطل قتل
و دفعها للخلف محررًا فكها و هو يخيرها:
- عاجبك خير.. معجبكيش اخبطي راسك في الحيط، لأني لا هطلقك و لا هسيبك و ابني في بطنك، عظيم؟
و خرج صافعًا باب الغرفة من خلفه، تاركًا لها صدرها ينهج علوًا و هبوطًا و هي تنظر صوب الباب و كأنها تتابع طيفه الذي مضى، انسدلت العبرات رغمًا عنها من عينيها و هي تحيد بوجهه عنها، ثم تملست بطنها بأطراف أناملها المرتجفة و قد شعرت بجسدها بأكمله يرتعش، جلست متهالكة على طرف الفراش و هي تعيد خصلاتها للخلف مطبقة جفنيها، ثم رددت باستياء:
- أنا تعبت أوي.. امتى ترجع لي بقى؟ امتى؟
حينما كان هو يعبُر من الردهة المؤدية للمطبخ ليبرح منزله بأكمله، و لكنهُ توقف و قد استمع إلى صوت نشيجها المتصاعد منه، ألقى نظرة من الباب الموارب ليجدها تجلس على إحدى المقاعد حول الطاولة و هي تضمّ صورة ما إليها، و لم يكن من الصعب عليه أن يستنبطها، زفر تمنيًا أن يحرر قدرًا من اختناقهِ و لكنه فشل، فمضى نحو الصالة الخارجية، ذبذباتٍ من هاتفه لم توقفهُ عن السير. أخرجه من جيب بنطالهِ الخلفي و شرع يجيب الاتصال و قد تأهّبت حواسه أجمع:
- عظيم.. جاي حالًا
.................................................................
ربتت برفقٍ على كفها المغلف بالشاش و هي تردد متنهدة بضيق:
- معلش يا ماما.. أنا معاكي
فأردفت "حبيبة" معربة لها عن شعورها و إن كان كذبًا:
- جت ودعتني قبل ما تمشي يا ولاء.. لكن مش زعلانة يا حبيبتي، كفاية وجودك جمبي
التوى ثغرها ببسمة باهتة.. هي الأخرى عانت من قرار رحيلهِ المفاجئ، و وداعهِ البارد، و ملامحه الجافة، كلٌ أثار الضيق.. بل الشجن و اللوعة في نفسها، أحنت نظراتها عنها فرددت "حبيبة" بانزعاج:
- متجيش تاني يا بنتي.. مش عايزة كل شوية ألاقيكي في وشي، انتي قايلالي الدكتور محذرك تمشي على رجلك كتير، و فارس مش موجود يساعدك
فتنهدت "ولاء" و لوت شفتيها سئمًا و هي تردد:
- بتطرديني يني يا ماما؟
فرددت "حبيبة" بلهجة متراخية شابها الوهن:
- ابقى كلميني يا حبيبتي و بلاش تيجي.. أنا هبقى كويسة
فلم تعدها من فورها و أردفت بتشكك:
- هحاول
فسألتها باهتمام جلي:
- عكازك معاكي يا بنتي؟
نظرت نحوها نظرة متفاجئة.. نظرة عميقة للغاية و قد فسّرت كلماتها على نحو لم تقصدهُ والدتها، و كأن وجهها بهت و أصابتها الكلمة كسهامٍ متراشقة، أحنت نظراتها و قد اغرورقت عيناها بالدموع و هي تهمس بأنين كبتتهُ في صدرها بشق الأنفس:
 - لأ
فضاقت عينا "حبيبة" قليلًا و هي تسألها:
- بتقولي إيه يا ولاء مش سامعاكي.. اوعي تكوني نسيتيه؟
اغتصبت ابتسامة باهتة و هي ترفع وجهها، ثم هزت رأسها نفيًا و هي تردد بحنو:
- اطمني.. معايا
و نهضت عن جلستها و هي تقول:
- تقريبًا وقت الزيارة انتهى.. لازم أمشي
فودعتها "حبيبة" بدفء موصية إياها:
- مع السلامة يا حبيبتي، خدي بالك من نفسك و ابقى اطمني على أختك
أومأت برأسها و هي تحيبها:
- حاضر يا ماما
فشددت "حبيبة" على كلمتها المقصودة:
- أختك يا ولاء.. أختك خدي بالك منها، دي شايلة روح دلوقتي، انتو ملكوش إلا بعض يا بنتي
فمسحت برفقٍ على كفها المحاط بالشاش، ثم رددت و هي تسحب عكازها:
- حاضر يا ماما.. عن إذنك
و استدارت.. همّت بالرحيل أو الفرار و هي تتكأ على عكازها، و لكنها شعرت و كأنهُ هلام لا وجود له، لم تشعر بأنها تستند على شئ.. و كيف تشعر و قد رحل عنها عكازها البشريّ، تنهدت بحزن عميق تنهيدة ملتاعة خرجت من أعماقها و هي تخرج موصدة الباب من خلفها، فوجدت" جاسم" بانتظارها، ثم عرض عليها:
- أجيب لحضرتك كرسي يا هانم؟
هزت رأسها بالسلب و هي ترفض عرضهِ بامتنان زائف:
- شكرًا يا جاسم.. أنا كويسة
و راحت تخطو.. خطوة خلف خطوة مستشعرة ألمًا نفسيًا لا يطاق، كيف تصف ذل الشعور؟.
و كأن قلبها خاويًا.. و كأنهُ ثقب و خلى كل شئ منه مع رحيله، و كأن هنالك فجوة ابتلعتها بداخلها، و كأنها صارت وحيدة.. هشّة للغاية لا سند لها و لا ملجأ و لا حتى مُتكأ، استشعرت العالم باهتًا.. الألوان تلاشت تمامًا، و صار أكثر برودًا عن ذي قبل، صارت تشعر بالبرد يصيب أوصالها و كأنها ما شعرت ببردٍ قبلًا، و كأنهُ رحل مصطحبًا معهُ كل شئ، و كأنه رحل و اصطحب حياتها، و فور أن ولجت خارج المشفى، استمعت لرنين هاتفها فتوقفت محلها و هي تخرجهُ من حقيبتها، و كأن العصافير زقزقت في قلبها، و الورود تفتحت و أينعت في وجهها حين رأت الشاشة منبثقة باتصالهِ، فاضت عيناها بعبرات الشوق.. و لم تشعر بنفسها و هي تذرفها أثناء إجابتها المتلهفة:
- ألو.. فارس؟ انت كويس؟
- مش مهم أنا.. المهم انتي، طمنيني عليكي
تهدجت أنفاسها و هي تحني بصرها و قد شعرت بقلبها يرقُص طربًا و هي تجيبه:
- الحمد لله.. كويسة، أنا كويسة جدًا
فسألها باهتمام:
- بتعملي إيه؟
فراحت تقُص عليه أحداث يومها الجافّ أجمع و هي تستقل السيارة في المقعد الخلفي برفقة "جاسم" الذي احتل مقعد السائق، تفاصيل دقيقة للغاية لم تكن حتى تتذكرها قبل قليل أضحت أهم الأحداث التي تسردها عليه متمنية فقط أن تطول المحادثة و لو قليلًا فتشبع بها نيران الصبابة المُسعّرة في قلبها.
.......................................................
كان بانتظارهِ بتلك البقُعـة التي حملت الكثير من الذكريات..
مستندًا بجسده لمقدمة سيارتهِ، و هو يحدق في المشهد الذي لاح أمام عينيه و كأنهُ وليد اللحظة.. و الذي عاد أيضًا أمام عينيه و قد عايشهُ مجددًا مع زوجتهِ فقط البارحة، و كادت تنفلت من يديه و تذوب كالرمال من بين أناملهُ، و لكنه استعادها، و فقد "تاليـن"، كم كان خطأً تافهًا أودى بحياتها، و كم كان هو عاجزًا وقتها أيضًا، ليتهُ ما تركها برفقة زوجها المخبول، ليتهُ حتى ما تركها أبدًا.
انتبه إلى ذلك الصوت الذي أخرجهُ من أوج شرودهِ، صوت احتكاك إطارات ما بالأرضية، ترجل "نائف" ثم أقبل نحوهُ مرددًا إينذاك:
- بجــد؟ عرفت إني هاجي هنا إزاي؟
و راح يقف خلفهُ مباشرة و هو يبادر بإخراج سلاحهِ من ملابسهِ قائلًا بصوت حالك:
- لأ بس ليك وحشة يا مينو!
استدار إليه و هو ينتصب في وقفتهِ مشهرًا سلاحه في وجهه و هو يردد بلهجة قاتمة:
- و انت كمان يا نائف.. صدقني
فاتسعت ابتسامة "نائف" الشيطانية و هو يردد:
- مصدقك يا حبيبي، من غير حلفان بس!
- عظيم
خطى "يامن" نحوهُ مقتطعًا المسافة الفاصلة بينهما و سلاحهُ مازال مصوبًا نحوه و هو يسألهُ باشتداد:
- أمنية فين يا نائف؟.
قهقه الأخير مثيرًا أعصابهِ أكثر و من بين ضحكاته ردد:
- مش هتلاقيها.. لو عملت إيه مش هتلاقيها، هتفضل كدا يا مينو، تلف حولين نفسك و بردو مش هتلاقيها!
اجتزّ "يامن" أسنانه بعنف ثم ردد من بينهم بنفاذ صبر و بنبرة أكثر احتدادًا:
- أمنيـة فين يا نائف؟
فخبى صوت ضحكاتهِ.. و لكنهُ احتفظ بابتسامتهِ الجانبية الساخرة و هو يردد مشيرًا بعينيه:
- ما قولتلك يا مينو، مش هتعرف تلاقيها
سحب "يامن" صمام الأمان ثم قال باحتدام:
- انطـق يا نائف.. انطق قبل ما أخلص عليك، أمنية فيــن؟
نظر "نائف" صوب سلاحهِ مطولًا، ثم حاد ببصره و هو يردد بلهجة عميقة متلفتًا حولهُ:
- زمان وقفنا نفس الواقفة دي قصاد بعض.. و الضحية كانت تالين
فردد "يامن" بتمقّط من بين أسنانه و هو يقوس شفتيه:
- و المرة دي هتكون انت
هزّ "نائف" رأسهُ بالسلب و هو يعيد النظر إليه ثم قال بثقة تامّة:
- لأ.. مش هتقتلني، مش قبل ما تعرف مكانها
ضاقت عينا "يامن" فصارتا أكثر حدة و هو يسأله باستهجان:
- ما أنا قدامك أهو.. مبتقتلنيش إنت ليـه؟
دنا منهُ "نائف" و قد احتلّ الظلام تقاسيم وجهه، حتى توقف أمامه مباشرة فأردف بصوت شيطانيّ يحمل بحور من الشر في طيّاتهِ:
- لا يا يامن.. مش بالسهولة دي، مش قبل ما تتعذب بعذابي و تشوف كل واحد عزيز عليك بيتحرق قدام عينيك، مش قبل ما أقتلك و انت عايش مليون مرة، مش قبلها يا.. يا مينو
و التوى شدقيه بابتسامة مقيتة و هو يردد بنبرة ذات مقصد محدد:
- مبروك.. سمعت إن المدام حامل
و ضرب بكفهِ على كتفهِ المصاب عدة مرات بقوة فأطبق "يامن" أسنانه و هو يحدجهُ بنظرات قدحت شررًا و قد احتقنت الدماء في وجههِ، حينما كان الاخير يقول بتهكمٍ هازئ:
- يتربى في عزك يا حبيبي، خد بالك منه بقى!
و تهيّأ للانصراف تاركًا كلمتهِ الأخيرة و هو يتراجع بظهرهِ ملوحًا بكفه الآخر و سلاحه لم ينخفض بعد:
- سلام يا.. يا أب مع وقف التنفيذ!
حتى استقل سيارتهِ و رحل مخلفًا كومة من الغبار المتطايرة، اهتزّت عضلات وجههِ و هو يشدد أكثر من إطباقه على أسنانهِ، ثم ضرب بكعب مسدسهِ سقف سيارته عدة مرات و هو يسبّه لاعنًا إياه بأبشع الألفاظ.
..................................................................
- أهـــــدى؟ أهدى ازاي و ابن الـ***** دا بيهددني بمراتي و ابني؟ عايزني أهدى ازاي يا فارس؟
و بساقهِ ركل المنضدة و هو يزمجر غاضبًا، خرجت "سهير" من المطبخ مهرولة و هي تردد فور استماعها لصوتهِ:
- عرفت حاجة عنها يا ابني
تكوّرت أنامله و هو ينظر نحو "فارس" المتيبس أمامه على الأريكة، ثم ضرب بقبضته الجدار مستشعرًا عجزهِ عن التصرف و كأنه ضعيفًا.. و ذلك الشعور أبغض المشاعر لديه حقًا، ضرب مجددًا الجدار حينما استدار "فارس" برأسه لـ "سهير" و هو يزفر في ضيق، ثم حاول طمأنتها:
- اهدى يا سهير الله يخليكي.. يامن هيعرف يلاقيها
تهدل كتفيها قنوطًا و هي تنقل نظراتها المشوشة إثر الدموع المكتظة في عينيها بينهما، ثم غمغمت بوجل:
- يعني إيه؟ معرفتش حاجة عنها بردو؟
فردد "فارس" و قد أصابهُ شيئًا من السئم حين وجد "يامن" ينحرف بنظراته المحتقنة نحوه:
- لا يا سهير، خلاص قولتلك متقلقليش
نكست رأسها.. حينما كانت إحدى الخادمات تخرج من غرفة "يارا" حاملة الحامل المعدني، و عبرت من أمامهم في طريقها نحوه لتردد بنبرة خافتة مرتجفة:
- يـ..يامن بيه، الهانم مرضيتش تاكل بردو
أطاح بالحامل المعدنيّ بالكامل لتسقط الصحون متناثرٌ ما بداخلها ممتزجًا مع شظاياها، فهرعت الخادمة منسحبة من فورها قبل أن طالها أذى منهُ في تلك اللحظة تحديدًا حينما كان "يامن" يلتفت نحو "فارس" و هو يشير للطعام المتناثر:
- شايف الهانم؟ شايف اللي عملاه في نفسها عشان خاطر أبوك؟.. شايـــــف!
و جأر بكلمتهِ الأخيرة و قد تشنجت عضلات جسده بأكملهِ و بدت النيران مندلعة في عينيه، حتى أتاهُ صوتها من الداخل:
- و مش هاكـــل، و ان كان عاجبك
حكّ "يامن" عنقه بانفعال حتى احمرّ جلد عنقه، نظر "فارس" نحوه نظرة حانقة، ثم ردد مغتاظًا:
- هو أنا يعني مش عارفك.. انت في غضبك أعمى، البت حامل في ابنك بقى اعتقها!
فجأر به مستهجنًا:
- أعتق مين أنا جيت جمبها!
و أشار للباب و هو يردد مقوسًا شفتيه بازدراء:
- الهانم.. صعبان عليها كمال بيه و موته، صعبان عليها إني خدت حقي بإيدي.. و كانت عايزاني أعقد زي النسوان و أحط إيدي على خدي، و استنى ربنا ياخدلي حقي!
و اصطبغ وجههُ أكثر و أكثر بالحمرة القانية و هو يجأر و قد بزغت عروق جبينهُ:
- الهانم عايزاني أستنى ربنا ياخدلي حقي من اللي قتل أبويا و أمي و ....
- مـش أمــــك!
......................................................
................
.........................................................................
 أنا گتسنيم بتفاجئ بالأحداث زيي زيكم بالظبط😂
و حقيقي أنا عن نفسي استكفيت
- الناس كلها بتهرب من واقعها للروايات، إلا أنها بهرب من الرواية للواقع
الله يكون في عونكم و الله😂🙂
 

 

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now