'الفصل الثالث و الثلاثون'

718 17 4
                                    

" الفصل الثالث و الثلاثـون"
" لا تُضرمي نيرانًا و لستِ بالإخماد ماهرة، فـ إن لمستِ الجمرة لن تحترق يداكِ.. بل ستحترق روحكِ بتلكؤٍ عسير"
- يعني إيه عرف؟.. انت مُتأكد من اللي بتقوله؟
أومأ و هو يجيبها بلهجة مغتاظة:
- عرف، عرف يا ولاء!.. و مش عارف أعمل إيه
تنهدت "ولاء" بضيق بيّن ثم غمغمت:
- أنا بس عايزة أفهم هو ليه مركز عليك كده! أنا مش فاهم ماله
تعجب "حسين" من هدوئها الظاهر في نبرتها، فسابقًا كانت تحتد، و تعدد بصفات "يامن" كونهُ ظالمًا لا يُحتمل، و لا تتقبل بأي شكلٍ من الأشكال أسلوبهِ، بينما الآن و كأنها تعاتبه برفق على ما يفعل، و لكنه لم يعطِ بالًا للأمر، حيث أردف بانزعاج:
- قوليلي، أمك عرفت إنك بتكلميني؟
هزت رأسها و هي تنفي نفيًا قاطعًا:
- لأ، كانت حاسة بس اتصرفت، متقلقش
غزا الانتصار ابتسامته و هو يقول مُتشفيًا:
- أحسن، سيبيها كده عشان تعرف قيمتي شوية!
تقوست شفتيها باستنكار قليلًا و هي تقول:
- بس يا بابا، أنا شايفة إنك زودتها أوي.. كنت هتسافر من غير حتى ما تعرفها!
بدا الحنق في نبرته و هو يجيبها:
- يعني شايفاني سافرت يا ولاء؟ ما هو على يدك، و لا هعرف أطلع من البلد
و استطرد و قد استمع إلى قرع الباب:
- بقولك إيه.. أنا هقفل و أكلمك تاني، سلام
.............................................................
- ليـه؟.. هتوديني فين؟
كان ذلك سؤالها المذهول عقب كلمته، بدا الارتياب في نبرتها و هي تستطرد:
- أنا.. أنا عايزة أفضل هنا، مش عايزة أرجع القصر تاني!
- مش القصر
أصابها الوجل و هي تسأل:
- أومال فين؟
 و لكنه بغموضهِ المعتاد أجاب:
- هتعرفي، سلام
و أنهى المكالمة تاركًا لها مبهوتة خلف قراره الغريب ذاك، حدقت بشاشة الهاتف، فتحدبت شفتيها بضيق، نهضت عن محلها و قد انحرفت أنظارها نحو باب المكتب و شيئًا ما يعبث بجنبات عقلها، فدلكت جبينها بانزعاج و هي تقول:
- ممكن نمشي على امتي؟.. بكرة؟ يبقى مفيش غير النهاردة
و حملقت عيناها بالباب المغلق قبل أن تهتف و هي تنهض عن جلستها لتمضي نحو غرفتها:
- النهاردة لازم أعمل ده!
.............................................................
كان متفاجأً بعض الشئ لدى وجوده هنا تحديدًا.. يقف أمام قبر والده، دنا منه بخطوات حثيثة فانتبه "فارس" إليه، و لكنه ظل على وقفته لم يتحرك قيد أنملة و هو يردد بغموض:
- كنت عارف.. إنك هتيجي!
انحنى "يامن" ليجلس على إحدى درجات القبر الرخاميّة و هو يتطلع نحو الواقف قبالته، خلع نظارته القاتمة ليمعن النظر لعينيه أثناء قوله الذي يحمل مغزى معين:
- هتنقل بيتك إمتى؟
تحدّبت شفتي "فارس" بابتسامة ساخرة و هو يقول بينما يحيد بأنظاره عنه:
- خلاص بلم حاجتي، النهاردة بكرة بالكتير
 و عاد يرتكز بأبصاره عليه بينما يقول متهكمًا:
- إنت عارف الموضوع ده من امتى؟
أجابه بلا اكتراث و هو يحدق بنقطة ما بالفراغ:
- متشغلش بالك
- ليه عملت كده؟
سؤال مباغت من "فارس" فأجابه "يامن" بنفس البرود:
- كده أحسن
فـ أشاح "فارس" و قد بدأ وجهه يحتقن بالدماء:
- و جاي لأبوك ليه بعد عملتك؟.. جاي لأبوك تقوله إيه؟ تقوله أنا رميت أخويا اللي انت سايبهولي
استقام "يامن" و قد اتقدت الدماء بعروقه و هو يدفعه من كتفه بغلظة قائلًا بصوته الرجوليّ المحذر:
- خد بالك من كلامك
ناظره بعينين عسليتين متأججتين و هو يقول باحتداد:
- أنا قولت حاجة غلط؟
دس "يامن" كفيه بجيبه و هو يرمقه بنظرات غير مفهومة لدى الأخير، بينما كان "فارس" يقول باستهجان:
- و إيه البرود اللي انت فيه ده؟..ده انت و لا كأنك خسرت أخوك
و أشار لخضراوتيه و هو يقول بلهجة مستنكرة مشتدة:
- يا أخي ده حتى عينيك مفيهاش ذرة ندم أو حزن على أخوك اللي حتى استكترت عليه تروح تودعه و تشوفه لآخر مرة!.. لأخر مرة يا يامن، تعرف إنه وقف يستناك.. تعرف كان منظره إيه و أنا بأكد له و أقوله هييجي يا عمر و هو يقولي لأ مش هييجي مع إنه هيموت و يشوفك بتخالف توقعاته!
و نقر "فارس" بعنف على كتفه بينما يستطرد بلهجة حالكة كتعبيراته:
- إنت.. إنت لا يمكن تكون يامن اللي أعرفه! يامن اللي بيخاف على أخوه من نسمة الهوا الطاير، يامن اللي أهم واحد كان في حياته أخوه!
كان باردًا للغاية و هو ينظر لعينيه مما أثار سخط الأخير أكثر، تحركت شفتيه لينطق:
- لأ هو.. هو يا فارس، لكن انت صعب عليك تفهم
فاستهجن "فارس" كلماته الباردة:
- صعب!.. لأ مش صعب، مش صعب أبدًا، انا فاهم كل حاجة، فاهمك أكتر من نفسك
و أشار بسبابتهِ و هو يقول من بين أسنانه المطبقة:
- البت دي غيرتك يا يامن، البت اللي خليتك تقتل عشانها و انت مقتلتلش عشان أبوك يبقى غيرتك يا يامن!
و ضاقت عيناه و هو يقول بلهجة ذات مغزى:
- و لا هتنكر؟ تنكر إنك قتلت الواد إياه؟ تنكر ده؟
باردًا كما لم يرهُ من قبل فشعر الأخير باندفاع الدماء في عروقه بينما يقول بتشنج واضح:
- مش هتنكر!.. مع إن كان نفسي تقول لأ، كان نفسي تدافع عن نفسك و تقول مقتلتش!
و أشار إلى قبر أبيه من خلفه و هو يقول بنفور:
- خيبت أمل أبوك فيك يا يامن و لوثت إيدك بالدم عشانها، خيبت أمله و ضيعت ابنه، خيبت أمله لما اتجوزت بنت اللي قتله! انت مش حاسس هي عملت إيه فيك؟
كم يود لو يكف.. كم يود ذلك أكثر من أي وقت مضى، كل كلمة تخرج من فمه گأسهم سامّة تنغرس فيه، و السم ينتشر ببطءٍ مريب في أوردته ليقف صريع الروح، صلدًا!.. صريعًا من الداخل و ثابتًا گالطود العظيم من الخارج، إنهُ يحترق داخليًا بنيرانهِ التي أُضطرمت منذ زمن بعيد حتى شملت أنسجتهِ بالكامل، و بات إطفائها عسير.. عسير للغاية، و لكن رفيقه لم يكف، بل راح يقول بفتور:
- يا خسارة يا يامن.. يا خسارة!
و ألقى نظرة أخيرة على القبر من خلفه و كأنهُ يعتذر لوالده عما صار عليه ابنه، ثم مضى مبتعدًا عنه، توقف في منتصف الطريق و دون أن يلتفت كان يقول:
- نسيت أقولك.. لو روحت الشركة هتلاقي ورقة استقالتي على مكتب، سلام يا.. يا صاحبي!
تعمد "يامن" أن يبدو باردًا للغاية بينما يقول و هو يحك بسبابته طرف أنفه:
- استني يا فارس.. كنت هنسى
التفت "فارس" نحوه و قد تغضن جبينه بعدم فهم و هو يرمقه باستفسار:
- إيـه؟
أخفض "يامن" كفه ليدس كلاهما بجيبيه و هو ينظر نحوه بنظرات صقيعيّة:
- كنت هنسى أعزمك على فرحي!.. تخيّل!
..................................................................
هاج و ماج و أقام الدنيا و لم يقعدها، بينما هو محتفظًا ببرودهِ المثير للأعصاب، لم يكترث كثيرًا لرد فعله الثائر و محاولاتهِ الجمّة لأن "يعيد إليه عقله" كما ادعى، و راح يتركه مُقتادًا سيارته، حتى توقف بها بذلك المكان المجهول النائي.. منزلًا مهجورًا أكثر جدرانه متهدمة، ترجل عن سيارته بثبات و هو يخطو نحو الباب، طرقهُ بطرف قدمه بينما كفيه مدسوسان بجيبه، حتى فتح لهُ أحد أفراد حراسته مهللًا بالترحاب، رمقه من زاوية عينه بلا اكتراث بينما الأخير يُفسح له الطريق ليعبر من جواره، دلف "يامن" للغرفة المنشودة و أعينه مسلطة على جسده المسجيّ على مرتبة مهترئة على الأرضيّة، و الطبيب الجالس بجواره يعيد لف وجهه -المُشوّه  و كأنه مسخ- بالشاش الطبيّ، تبخر شعور الاحتدام الذي يصاحب رؤيتهِ بانتشائه لرؤية وجهه الدميم، التفت الطبيب فور أن أدرك وجوده، و كاد ينهض من جواره فأمرهُ "يامن" مشيرًا بعينيه:
- كمل اللي بتعمله و بعدين اطلع
جلس مجددًا و هو يقول بخنوع:
- حاضر يا فندم
مرت بضع دقائق قبل أن يجمع الطبيب حاجياته و ينهض عن الأرضية، ثم انسحب بهدوء شديد موصدًا باب الغرفة من خلفه، دنا "يامن" من جسده ليجلس جواره على الأرضيّة و هو يلوى ثغره ببسمة صقيعيّة، بينما الأخير يراه بالكاد من عينيه الخاليتين من الرموش عقب احتراقها، استشعر "يامن" تلك الارتجافة التي أصابته و هو يحاول أن ينفي برأسه عدة مرات كـ دليل على رفضهِ لوجوده، فـ استنكر "يامن" ذلك تمامًا:
- تؤ..تؤ..تؤ، كدا بردو!.. مش عايز تشوفني؟
استمر الأخير في هز رأسه بصعوبة و قد أُخفي وجهه بالكامل بالشاش عدا عينيه و شفتيه،.. فانحرفت نظرات "يامن" لساقهِ المبتورة بالكامل مُظهرًا نظرات الظفر في عينيه، و من ثم مرر أنظاره على باقى جسده الهزيل، تبدلت تمامًا تعبيراته، و اعتلت الشراسة تعبيراته و هو يميل قليلًا بجذعه عليه قائلًا:
- عرفت مين الصياد و لا لسه؟
لم يكن بمقدوره الحديث، فراح "يامن" يغمغم بلهجة امتزجت فيها الشراسة بالسخرية و هو يبتعد قليلًا ليمرر أنظاره المحتدمة على جسده:
- عرفت إن اللي بيلعب بالنار بتحرقه؟
و راح يقبض على ساعدهِ المحترق.. ساعده الذي شهد بعينيه التهام النيران له، ليتعمد إيلامه و هو يسلط أنظاره على عينيه و قد شعر بجسده يتشنج قليلًا، بينما أحباله الصوتية تكاد تكون منقطعة، حيث لا يتمكن من إتمام حرف واحد و لا حتى إصدار صوتًا يعبر عن مدى تألمه، ابتسم "يامن" بشراسة بيّنة بينما يردد و هو يُطبق عليه أكثر:
- إيـه؟ بتوجع؟
تصلبت تعبيراته و تلاشت ابتسامته حين تحركت شفتيّ الأخير المحترقتين ليغمغم بخفوتٍ عسير:
- اقـ..ـتلـ..ـني!
- تـؤ.. هسيبك كده، متعلق بين الحياة و الموت
و تفاقم احتدامهِ و قد بدا التوهج في مقلتيه:
- الموت رحمة للي زيك، و أنا للأسف مبرحمش
و تجلى الاشمئزاز على ملامحه و هو يشمل جسده الذي تُخفي ملابسه الكثير من التشوهات خلفه حتى توقفت عيناه على ساقهِ التي بُترت إثر رصاصاتهِ، ثم رفع أنظاره إليه و بجفاء أردف:
- هسيبك تفضل تتمنى الموت عشان تترحم من عذابك!.. و بردو مش هتطوله
و نهض من جواره مستقيمًا في وقفته بينما يقول ببرود:
- الطمع وحش.. و الألعن انك طمعت في حاجة بتاعتي!
نفض عن ثيابه الأتربة العالقة بها ببرود مهيب، بينما ينطق:
- كل واحد هيدفع التمن غالي أوي، و أولهم كان انت!
توقف عما يفعل و هو يرتكز بأبصارهِ المحتدمة عليه، و انحنى قليلًا بجذعه مكشرًا عن أنيابهِ:
- لكن انت مش هتدفعه مرة واحدة!.. انت هتدفعه كل دقيقة و كل ثانية!، كل ثانية هتبص فيها لنفسك في المراية هتدفع فيها التمن، كل ثانية هتتوجع فيها هتدفع التمن، كل ثانية هتحس فيها بعجزك هتدفع التمن، كل ثانية هتحس إنك مسخ.. هتدفع فيها التمن!
و انتصب و هو يستطرد بجفاءٍ قاتم:
- و كمان مش هتوفيه!
و استدار لينصرف فتتبعتهُ أنظاره العاجزة النادمة و هو يستشعر تلك الآلام الطاحنة بجسده المُشوّه و جلده المحترق الذي لن يُعافى أبدًا، بالإضافة لساقه المبتورة، أطبق جفنيه بصعوبة لتنسدل تلك الدمعة العالقة بينهما عموديًّا، و قد خذلهُ صوته فلم يقوَ حتى على الصراخ، التأوه، الانتحاب، لم يقوَ على أي شئ، قبل أن يشعر بانسحابهِ التام عن وعيه.
خرج "يامن" من المنزل بأكمله.. كل خطوة يخطوها متقدمًا في سيره يتراجع بها ذهنهِ لأحداث ذلك اليوم، حيث أنه فور أن استقلّ سيارته منصرفًا من المكان بأسرهِ كانت تلك إشارتهِ لرجاله لانتشاله من النيران بناءً على الاتفاق المسبق، و لكنهُ تعمد الترقب حتى يتأكد من تشوههِ بالكامل، حتى نقلوهُ رجالهِ بذلك المنزل المهجور حيث كان الطبيب بانتظارهم، و الذي لم يبدأ بمداواتهِ سوى صباح اليوم الذي يليه كما أمرهُ تمامًا، كما أنهُ فقط.. مسؤول عن تركه قيد الحياة، و حرّم عليه استخدام و لو قرصًا مسكنًا لآلامهِ المتفاقمة، فقط يعيش ليتألم.. ليتعذب.. ليُدرك جيدًا أنه كان سينعم برحمة لا يستحقها، إن وافتهُ المنيّة آنذاك.
بينما الآخرون.. فكان قد أمر رجالهِ قبلًا بإخراجهم من المخزن قبل إشعال النيران، مكتفيًا بما أصابهم على يده، و قد ترك بجسد كل منهم ندبة.. لن تُمحى مطلقًا.
................................................................
دقّت الساعة الواحدة صباحًا حينما كانت تتسلل لغرفتهِ على أطراف أصابعها، حتى بلغت بابها، ففتحهُ بهدوء شديد، و دلفت، تعلقت أنظارها الحذرة بجسده و قد تفاقم ارتيابها من احتمالية كونه مستيقظًا، دنت منه برهبة حتى بلغت فراشه الوثير، و توقفت أمامه، تغضن جبينها و هي تتأمل تقاسيم وجهه الصلبة، بينما ينام مستندًا بساعده على جبينه، عاري الصدر فبدت عضلاته المشدودة بوضوح.. و قد خلع عنه قميصه و سترته فقط و تجاهل حتى تبديل بنطالهِ، جلست "يارا" إلى جوارهِ تمامًا، على مقربة منه للغاية، حررت زفيرًا حارًا من صدرها، و هي تتجول بنظراتها على وجههِ، أخفضت نظراتها نحو صدرهِ العاري أمامها، فازدردت ريقها و قد تسلطت عيناها على تلك الندبتين البارزتين من تقاسيم صدرهِ اللتين تركتهما لهُ، فشعرت بحجرٍ ثقيل يجثو على أضلعها، أطبقت جفونها، و لكنها عادت تفتحهما و هي تهمّ بالوقوف من جديد، و لكن تيبّس جسدها مع رؤيتها لتلك الندبة التي بزغت بعُسرٍ و كأنها ترفضُ التواري، ندبة أخرى في صدره، امتدت أناملها لتتلمسها بشرودٍ، مستعيدة كلمات والدتهِ الأخيرة له، أيعقل أنه كان يعاني إلى الحدّ الذي يجعله يفكر في سنٍ صغير بأن ينهي حياته؟.. أكان "يامن" يومًا بذلك الضعف، كما كانت هي أيضًا، أنتقى يومًا ذلك الطريق المختصر ليفرّ من حياة قاسية، كما انتقت هي قبلًا؟
تنهدت "يارا" بحرارة، ثم زمّت شفتيها مدركة تماديها، سحبت-بحذرٍ متفاقِم- أناملها إليها، و هي ترفع بصرها من جديد لتتطلع لوجههِ الذي لم تتغير تعبيراتهِ، ثم نهضت من جواره بهدوء، تنهدت بضيق و هي تغمغم بصوت خفيض:
- انت مبتبردش يعني؟ إيه ده!
و راحت تسحب بأطراف أناملها في حركة غير محسوبة منها الغطاء لتدثر جسده به، و قد تأكدت من انتظام أنفاسه، ثم استقامت و هي تبحث بعينيها يمينًا و يسارًا فلم تجد ذلك عسيرًا، امتدت أناملها لتلتقط سلسلة مفاتيحه بحذر شديد خوفًا من أن يُصدر صوتًا لدى اصطكاكهم ببعضهم البعض، ثم خرجت كما ولجت موصدة الباب بهدوء من خلفها، تنفست بارتياحٍ جلي و قد شعرت و كأن منتصف مخططها قد باء بالنجاح، يبقى فقط الجزء الأهم، مضت نحو غرفة المكتب، و انحنت قليلًا لتشرع بتجربة المفاتيح واحدًا تلو الآخر، ما يقارب الأربع دقائق حتى افترّ ثغرها عن ابتسامة ظافرة حين أدارت المفتاح لينفتح..
أخرجته و حفظت جيّدًا مظهره المختلف قليلًا عن الباقين، ثم دلفت بحذر و فضولها يكاد يقتلها لمعرفة ما قد تجد بالداخل، مبدئيًّا.. لا شئ يُثير الاهتمام، غرفة فخمة تحوى مكتبه الخشبي الراقي و بعض التحف و اللوحات هنا و هناك، و لكنها بدت مرتابة قليلًا حين التفتت لتجد ذلك الظل بجوارها، انتفضت و هي تكتم شهقتها بكفها محدقة به، حتى و أخيرًا انتظمت أنفاسها المتهدجة و هي تتنفس الصعداء، فما كان ذلك الظل سوى لانعكاس الضوء الباهت الذي قدمه القمر على أحد التماثيل، استدارت لتتأملهُ فكان لفارس مجهول، يرتدي أدرعًا و خوذة، بينما يمسك في يده سيفًا بدا بريقه لامعًا، تلمسته بأطراف أنامله لتستكشف ممَ صُنع، و لكنها سريعًا ما انتشلت نفسها من شرودها به لتسكب جمّ تركيزها على باقي أنحاء الغرفة، حتى وصلت لحاسوبهِ، جلست أعلى المقعد الجلدي الضخم و راحت تفتح الحاسوب بحذر، تدلى كتفيًا و هي تضرب بقبضتها برفق على سطح المكتب حين تأكدت مما دار بخلدها، الحاسوب مغلق بكلمة سريّة لا يعلمها إلا هو، كيف إذًا ستتمكن؟ زفرت بحنق شديد و هي تنقر بأناملها على لوحتهِ.. و أول ما أتى بذهنها اسم والده، و لكنه لم يفلح، أخيه.. والدته.. "فارس"..، لم يفلح و كانت تعلم ذلك جيّدًا، فهو ليس بتلك السذاجة ليجعل اسمًا كلمة سر، مرفقها أعلى سطح المكتب بينما جبينها مستندًا على كفها و هي تهز ساقها بتوتر جلي، محاولة التفكير:
- إيه أهم حاجة عنده؟ إيه أكتر حاجة مهمة؟
و زفرت و هي تقول بينما ترفع ناظريها:
- يوسف!.. أهم حاجة عند "يامن".. أكيد يوسف
و غمغمت بثبات شابه بعض الشرود و هي تضيق عينيها مستعينة بما أدركتهُ مؤخرًا عن "يامن":
- يامن يستحيل يخلي ميلاد والده كلمة سر، يامن ماهر في حرق نفسه بنفسه!
حاولت أن تتلاعب بذهنها لتتذكر تاريخ وفاته، السنة ليست بتلك الصعوبة كون والدها قد تركهم بها، و الشهر أيضًا إن كنا نتحدث عن إلقاء القبض على والدها و إجراء التحقيقات معه و عرضه على النيابة، و من ثم التدبير لسفره و سفره بالفعل فتفكيرها منحصر في شهرين فقط دونًا عن غيرهما، إذًا.. ليس عليها فقط سوى أن تجرب ما يقارب الستون تاريخًا، ثلاثون بشهر.. و ثلاثون بالشهر الذي يليه، الأمر سيتطلب وقتًا و لكنهُ ليس بتلك الصعوبة، و شرعت بتنفيذ مخططها بينما كل ثانية تقريبًا تنحرف أنظارها نحو الباب متوقعة أنه سيدلف منه في أي لحظة، حتى كادت تصفق تهليلًا بانتصارها حين فلحت في ما يُقارب التاريخ الثاني و الأربعون و بعدما كادت تيأس.
 و فورًا راحت تبحث في المجلدات عن المستند المنشود و البيانات التي تبغيها دونًا عن غيرها، حتى توصلت إليه، فأدخلت الذاكرة الالكترونية بمحلها به، ثم راحت تنقل من الحاسوب إليها، و بعدما أنهت مهمتها، نهضت عن المقعد الضخم الذي كانت تغوص فيه، ثم راحت تتجول مجددًا ريثما ينتهى التحميل، حتى لفت أنظارها ذلك الفارس المريب الذي بدا و كأنه يراقب ما تفعل.
 دنت منهُ لتحدق في بريق سيفه، ثم بدافع الفضول و العبث راحت تحاول سحبه من بين قبضته، حتى انتفض جسدها حين نجحت بذلك، و تلاحقت أنفاسها مع ذلك الصوت المريب الذي صدر من حيث لا تعلم، التفتت نحو مصدر الصوت و قد شحب لون وجهها هلعًا، و لكن سريعًا ما تبدل هلعها لصدمة شعرت بها تشل أطرافها، دقائق مرت و هي تحملق بذلك الجزء من الجدار الذي تحرك بحركة نصف دائريّة كاشفًا عن غرفة من خلفه، توسعت أنظارها و هي تخطو بتروٍ نحو الداخل و قد شعرت بالرهبة، ازدردت ريقها بارتباك جلي حينما مرّت من جوار الجدار، حتى حملقت عينيها بشدوه بيّن حالما دلفت لتلك الغرفة السريّة، إضاءتها خافتة و بدت و كأن ضوئها لا يُغلق، الأرضية من أسفلها مكتظة بالوريقات المترامية بلا اكتراث هنا و هناك، برودة لاسعة ضربت بأوصالها حين ارتفعت أنظارها عن الأرضية لتتسلط على الجدار المقابل الذي يحوى لوحة ضخمة..
دنت منها و هي ترمش عدة مرات، حتى توقفت أمامها مُباشرة، العديد من الصور عُلقت عليها بواسطة دبوس صغير بينما عينيها تتبعان ذلك الخيط الشريط الأحمر الرفيع الذي يصل كل منها بالآخر فيبدو المظهر و كأنهُ شبكة عنكبوتيّة، شعرت بأطرافها تتثلج و هي تسلط أنظارها على الصور، والده.. لا، قارنت بين سنه ها هنا و سن والده في حلمها فأدركت أنهُ توأمه، إنه عمه" كمال".. و بجواره "هدى" و صورة لامرأة أخرى متصلة بـ "كمال"، والدتها و والدها، أناسًا عديدون لم تتعرف على شخصهم، بيد المظهر مهيبًا لها، أوجس في نفسها خيفة.. بعضهم قد تُرك فوق صورته علامة خطأ و البعض الآخر لا، أعينها مازالت تتحرك على الصور حتى توقفت و قد شعرت بأنفاسها تتسارع لدى صورتهِ التي لم تزل بعد عن مخيلتها.
"خالد" و قد تُرك فوق صورتهِ نفس العلامة، تراجعت من فورها و قد شحب لون وجهها، و ارتعشت شفتيها و أعينها قيد تحديقها بالصورة، ارتجافة سرت بجسدها و هي تستدير لتفر من هنا قبل أن تفقد آخر ذرات اتزانها
 مضت نحو الفارس الذي تركت سيفه أرضًا، و انحنت لتلتقطه بأيدٍ مرتعشة، ثم راحت تغرس مقبض السيف في كف الفارس المُكوّر، و تركتهُ مبتعدة لتأوي للمقعد غاصت فيه محاولة استعادة بعض اتزانها، أنفاسها تتهدج، و الدموع قد ترقرقت في مقلتيها، و لكنها أطبقت جفنيها مطولًا و هي تسحب شهيقًا عميقًا لصدرها لتستعي تماسكها بالكامل آبية بذلك الانهيار، و للعجب فقد نجحت في ذلك، خاصة ريثما تذكرت المهمة التي كُلفت بها فأتت من أجلها.
 فتحت عينيها مجددًا لتسلط نظراتها على الحاسوب، ثم تنفست الصُعداء حين أتم التحميل، فراحت تحذف الملفات و البيانات التي نقلتها توًا من الحاسوب، و من ثم أغلقت المجلدات بحذر جليّ.
 و نهضت عن المقعد و هي تدور حول المكتب و كادت تسحب الذاكرة و لكنها لا تعلم كيف تمكن كفها من صفق الحاسوب و هي تلتفت و قد شعرت بالدماء تفرّ من أوردتها، أنفاسها تتلاحق و قد ارتعش كفيها.. بل و جسدها بأكمله و هي تواجهه بهيئتهِ الضخمة في الظلام..
 و مع كل خطوة مُتلكّئة هادئة هدوءً يسبق عاصفتهِ الهوجاء يخطوها نحوها كانت هلعها يتفاقم و قد شعرت به و كأنهُ يتدفق في أوردتها، أطبقت جفنيها بعنفٍ و كفها بتحرك أعلى سطح المكتب من خلفها محاولة الوصول للذاكرة لتسحبها، حتى لفحت أنفاسه الدافئة وجهها و عنقها فأصابتها بقشعريرة، جفّ حلقها بينما هو يقف محملقًا بها بأعينه المتوهجة، بينما وجهه محتفظًا ببروده، شعرت بأسنانها تصطك من فرط ارتعادها حين فحّ في أذنها:
- مش قولتلك فضولك الزايد عن حده دا مش كويس عشانك يا.. يا يارا!
حاولت لملمة شتات نفسها و قد شعرت و كأنهُ نوعًا ما لا يدري بسبب تواجدها هنا تحديدًا، فتسلحت بالقوة المستمدة من تلك الفكرة، فرّقت جفونها لتطل زرقاوتيها من خلفهما، و هي تطبق أسنانها لتوقف إصطكاكهم، تقابلت نظراتها المتحدية مع نظراته الغامضة فشمخت بذقنها و هي تقول بلا اكتراث ظاهريّ:
- كنت غلطان لما فكرت إني ضعيفة لمجرد إني مريت بظروف صعبة، لكن صدقني أنا أقوى بكتير مما تتخيل!
استنكر "يامن" ذلك و هو يميل برأسهِ للجانب قليلًا، مزيحًا بطرف إبهامهِ خصلة تمرّدت وسقطت على وجنتها، متعمّدًا أن يتلمّس بأنامله الخشنة بشرتها:
- و الله!.. و إيه كمان؟
رجفةً صاحبت فعلتهِ، و هي تستشعر مدى قربه و تأثير أناملهِ على بشرتها الناعمة، ارتعشت شِفاهها تأثرًا، و ارتجفت أهدابها أيضًا في حركة منفعلة، حاولت "يارا" ألا تحيد عن الموضوع الرئيسيّ، و ألا تنجرف لأن تجعله يدرك سبب تواجدها، فـ أومأت _دون أن تولّى ما يفعل  اهتمامًا_ و هي تقول مؤكدة بينما تغرس نظراتها القوية بين عينيهِ:
- أيوة!.. أو يمكن كنت ضعيفة، لكن الفضل ليك!
و تعمدت أن تضغط على أحرف كلماتها بينما تقول:
- كتر الألم بيقوى يا يامن!
راح يميل بجذعه عليها و قد تشنجت ملامحه منبئًا بتحولهِ من البرود للشدة، و بينما يستند بكفيه إلى جوارها محاصرًا إياها بين مقدمة مكتبه و جسده، التهبت خضراوتيه و هو يتفرس في ملامحها بينما يقول بلهجة محتدمة:
- من غير لف و دوران، بتعملي إيه هنا يا بنت حسين؟
أطبقت على أسنانها و هي تحيد بأبصارها عنه لتقول بلهجة ساخرة:
- أنا عارفة إنك أذكى من انك تعتقد إن وجودي هنا من مجرد فضول!
ثم عادت أنظارها تتجه نحوه لتقول بإصرار متحدٍ:
- لكن صدقني يا يامن لو عملت فيا إيه مش هتعرف!.. مش هتعرف دلوقتي تحديدًا أنا موجودة هنا ليه!
و أشاحت بأنظارها عنه لتقول بصوت خفيض محتفظًا بقوته:
- لكن أكيد هتعرف بعدين!
حاول قدر المستطاع أن يترفق بقبضتهِ التي أطبقت على فكها ليدير رأسها إليه بينما كفه الآخر يتجول على سطح المكتب من خلفها، متيقنًا أنها تخفي شيئًا ما، أثناء قوله المحتد:
-بنت حسيــن!.. متختبريش صبري
استشعرت حركة كفه من خلفها فشعرت بجفاف حلقها، رمشت عدة مرات و قد بدا الارتباك على صفحة وجهها، بينما كفها يتحرك هي الأخرى محاولة بلوغ تلك الذاكرة، و لكنهُ كان الأسرع حيث توصل لجهاز حاسوبه من خلفها، ثانية واحدة كانت الفاصلة ليتلمس الذاكرة و قد تراخى كفه عن ذقنها و هو يكاد يلتفت ليحدق فيما تحاول مواراتهِ عنه من خلفها، و لكنها منعتهُ بكفها الذي احتوى كفهِ و هي تدير وجهه إليها بكفها الآخر الذي تركتهُ أعلى وجنته، شبّت "يارا" على أطراف قدميها لتصل لشفتيه مُطبقة عليهما بينما كفها ينسل من كفه ليتحرك وصولًا للذاكرة فانتزعتها برفق، و فور أن فعلت كادت تنسحب غير مدركة ما فعلت، فقد سكبت بنزينًا فوق نيران رغبته المشتلعة فأججت ما بها و تكاد تتركه قبل أن تُطفأها، همّت بسحب شفتيها و الانسلال فارة عقب تلك الفعلة الهوجاء، و لكنها تفاجأت به يمرر ذراعه خلف ظهرها ليرفع جسدها فوق سطح المكتب، و قبل أن تنطق كان يبتلع اعتراضها داخل جوفه و هو ينهل من شفتيها بانفعال عاطفي أكثر من قبلة عميقة، و ما إن ترك شفتيها حتى انحنى ليمرر قبلاتهِ المُستعرّة على طول عنقها البض، انتفضت بين ذراعيه محاولة تخليص نفسها و هي تغمغم بخفوت معترض:
- لأ، سيبني!
أطبقت جفنيها بنفور و هي تستشعر قبلاته الحارقة تخترق روحها فتُدميها، راحت تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم تعاد أمام ناظريها مع فعلته، اضطربت أنفاسها أكثر و قد تسببت صورته التي رأتها حديثًا باسترجاع آلامها الحيّة، و فتق جرح لم يبرأ بعد، و نكئهِ ببساطة، أصغت إليه "يارا" و يهمهم بلهجة متحدية:
- انتي لعبتي بالنار!.. شوفي هتطفيها إزاي
أخذت تكور قبضتها الضعيفة لتلكم كتفه محاولة إبعاده و قد اغرورقت عيناها بالدموع و هي تغمغم بكلمات محتجة، حتى تمكنت بصعوبة من لملمة شتات نفسها و استجماع قِواها الخائرة لتهدر به:
- حاســب بقى، ابعد عني، كفاية، كفايـــة!
ابتعد عنها ليمرر نظراته المتوهجة على عينيها و بحركة خاطفة كان يدفعها عن المكتب لتقف على قدميها بصعوبة و هو يجأر بها:
- مرة تانية متلعبيش بالنار يا بنت حسين!
تشبثت بأطراف كنزتها لتضبطها و هي تنظر نحوهُ بأعين مشوشة من كثرة دموعها، تقوست شفتيها و هي تهدر بحُرقة بيّنة:
- كلكم شبه بعض، كلكم حيوانات مش بيهمكم غير شهواتكم، كلكم
و انفلتت منها شهقاتها فأوفضت للخارج مجبرة ساقيها على الحراك لتفر من أمامه، و هي تحاول كتم شهقاتها المريرة بكفها، تتابعها نظراته المحتقنة، كور قبضتيه و هو يلتفت ليضرب على سطح المكتب، زمجر غيظًا، ثم كز على أسنانه و صدره ينهج علوًا و هبوطًا، ارتكزت أبصاره الغامضة على حاسوبه أثناء قوله الساخط و هو يحك جلد عنقه بانفعال:
- ماشي يا بنت حسين، ماشي!
...........................................................
أوصدت الباب و هي تكتم شهقاتها بشق الأنفس، ثم استندت عليه بظهرها و هي تحدق أمامها بقهر، أطبقت جفنيها و هي تتلمس شفتيها فانهمرت الدموع من بينهما حتى توقفت على أعتاب شفتها العليا، ضمت شفتيها معًا و هي تسحب شهيقًا عميقًا لصدرها زفرته بتروٍ محاولة تهدئة روعها، دست كفها المرتعش في جيبها لتخرج تلك الذاكرة، توهجت أنظارها بغيظٍ مشتعل و هي تطبق على أسنانها لتغمغم من بينهما:
- انتي كلفتيني كتير أوي.. أوي!
و زفرت بحنق واضح و هي تمضى ولوجًا لغرفتها، حتى تدنو من خزانتها التي أفرغت معظم ما بها من ملابس، توقفت في طريقها و قد مرت بمرآة منضدة الزينة فتطلعت لحالتها بها، ازدردت ريقها و هي تضبط خصلاتها التي تشعثت، و تمرر أناملها برفقٍ على طول عنقها، فتفاقم ما به من غيظ، ارتفع ذقنها و هي تقول بلهجة متحدية:
- أنا عارفة إن الحرب معاك مش سهلة، لكن لازم تعرف إن الله حق!
و تابعت طريقها نحو خزانتها، دست كفها بين ثوبًا بعينه و أخرجت هاتفًا من بين طيّاته، و راحت تفتحه ثم مررت سبابتها على شاشته حتى أتت برقمه، رفعت الهاتف على أذنها منتظرة رده غير مبالية بتأخر الوقت حتى، فقد سيطرت عليها فكرة ما دون غيرها، و لن تتراجع عنها، هكذا تعهدت لنفسها محاولة استرجاع كرامتها المهدورة، فقد أعجبتها لعبة القط و الفأر تلك، لترى إذًا ما سيفعلهُ القط الشرس إزاء فعلة الفأر.
- يارا!.. مش مصدق نفسي، يارا بتكلمني و احنا وش الفجر!.. ده أنا من حقي أتغر في نفسي
تقوست شفتيها باستخفاف ثم قالت و هي تنظر للذاكرة بأعين مقتنصة:
- اللي انت عايزه معايا،.. و في أقرب وقت هيكون في إيدك!
ارتفع حاجبيه استنكارًا و هو يهتف مذهولًا:
- بتهزري!.. انتي لحقتي؟
فبدت شراستها و هي تقول:
- قولتلك متستخفش بيا!.. أنا عارفة كويس أنا بعمل إيه!
و كادت تنهى المكالمة لولا قولهِ المُحذر:
- يارا
زمت شفتيها قبل أن تقول بنفاذ صبر:
- نعم؟
فحذرها بجدية بالغة:
- خدي بالك من نفسك، جوزك مش سهل
أعادت خصلة خلف عنقها و هي تقول بلهجة شابها الغيظ:
- متخافش..مش هيعرف حاجة، سلام
و أنهت المكالمة و قد احتل الجفاء صفحة وجهها، عبرة أخرى توقفت على أعتاب جفنيها و هي تستأذنها للهبوط فلم تقاوم كثيرًا، راحت الكلمات تتردد على أطراف لسانها:
- كتر الألم بيقوي.. بيقتل الإحساس يا.. يامن!!
........................................................................
...............................................
.....................................................................
 

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now