"الفصل الثالث"

783 16 0
                                    

" الفصل الثالث"
ف

ـ إذ بي أُدرك.. أن الحياة تشتدّ قسوة و كأنها تنتقم مني لذنبٍ لم أقترفهُ.
______________________________________________
انفلتت شهقة منها كتمتها بكفها و قد شعرت بفؤادها يتواثب بين أضلعها ، بينما فرّت الدماء من أوردة " عمر" و هو يُحملق به ، ثارت ثائرة " فارس" و هو يردد بنبرة محتدمة :
- يعني ايه متطمنش ، أومال انتو بتعلبوا جوا ؟
تنغض جبين الطبيب و هو ينظر نحوه بضيق مرددًا باستنكار :
- لو سمحت مينفعش كده ، احنا مستشفى محترم و بنعمل اللي علينا ، لكن الباقى على ربنا ! ده عمره يا أستاذ
كور قبضتيه بعنفٍ حتى برزت عروقهما و هو يجأر بـ :
- هو ايه ده اللي عمره ، أنت هتقتله و تقول عمره ! أنا هنفذ حالًا اجراءات النقل لمستشفى تانية ! مش هسيبه في القرف ده !
قالها و هو يشير حوله مزدريًا حالة المشفى المتدنية ، فـ التوت شفتي الطبيب باستهجان و هو يردد :
- لو سمحت يا حضرت ، احنا مستشفى محترم ، و لو ..
نفذ صبره فقبض بعنفٍ على ياقته يجتذبه منها و هو يقاطعه بنبرة شرسة :
- بقولك ايه ، انت هتتناقش معايا ، لو يامن حصل له حاجة الخرابة اللي بتدافع عنها دي أنا هنسفها !
ارتبك " عمر" و هو يحاول الفصل بينهما مرددًا باضطراب :
- اهدي يا فارس مينفعش كده !
فدفعه بعنفٍ للخلف و نظر له بنظراتٍ قاتلة قائلًا باستنكار :
- مش شايف بيقول ايه !
فضبط الطبيب وضعية ياقته و هو يشمله بنظرات محتقرة متمتمًا بحنق :
- لولا اني مقدر حالتكم كنت هتصرف تصرف تاني ، عمومًا مينفعش يتم نقله دلوقتي العملية لسه منتهتش ، أصلًا مفيش مستشفى هتعمل اللي بنعمله ده !
ثم انتقل مبتعدًا عنهم ، فكاد " فارس" يتحرك نحوه فمنعه " عمر" و هو يقبض على ذراعه فتمتم بسخطٍ من بين شفتيه:
- سيبني عليه ..أنا مش هرتاح غير لما روحه تطلع في ايدي
فـ ردد الأخير بنفاذ صبر:
- بس بقى الله يخليك و اهدى شوية
تنغض جبين " فارس" و هو يتابع تغيير مسار الطبيب فردد بنبرة مرتفعة مستخفة :
- انت رايح فيـن ؟ ما العمليات أهي و لا انت اتعميت ؟
فالتفت الطبيب مقوسًا شفتيه بتأفف مرددًا :
- بنك الدم ! زي ما قولت المريض فقد كمية كبيرة من الدم ، و كمان فصيلته نادرة و ...
فقاطعه بنبرة جافة مستفسرًا :
- هو فصيلة دمه ايه ؟
سالب ! O -
ارتفع حاجبي " يارا" و هي تهمس مكررة :
سالب ! O-
استدار الطبيب و مضى عدة خطوات للأمام فاستوقفته بنبرة مرتفعة متهدجة :
 سالب !O - أنا..أنا فصيلتي
 .........................................................................
تبادلا نظراتٍ ذات مغزى لم يفهمها سوى هما .. و " سهير" .. " هدى" التي تُعرب بـ قسوتها و كلماتها اللاذعة و طريقتها الفظّة تقف الآن كـ من على رأسها الطير و هي تنظر نحو زوجها بنظراتٍ زائغة ، فرائصها مرتعدة ، تسرى قشعريرة متوجسة بـ جسدها حتى أجفل ، بينما لم يكن مثلها ، كان واثقًا من حالهِ بشكلٍ أثار أعصابها ، نظر لها بنظراتٍ مُطمئنة هادئة فـ ازدردت ريقها باضطراب جليّ ، حاد ببصرهِ عنها لينعقد حاجبيه و هو يرمق الخادمات اللاتي كنّ يُتابعن ما يحدث بفضولية شديدة ، فـ اكفهر وجههُ و هو يردد محتجًا بصوتٍ جلجل صداهُ في أنحاء القصر اثر الهدوء الذي كسى دهاليزه عقب تلك الأحادث المتوالية و الغير متوقعة إطلاقًا:
- انتو هتتفرجوا علينا كتير ، كل واحدة على شغلها !
انتفضت أجسادهن و بخلال دقيقتين كانت كل واحدة تتابع عملها بينما شملهنّ " كمال" بازدراء ثم دنا من " هدى" و اجتذب ساعدها بهدوء و هو يتمتم بنبرة شبه آمرة :
- تعالي معايا
استدار لـ يمضي بها نحو الخارج بخطوات واسعة ، ألقى خلال سيره نظرة على الدرجات ثم التفت و هو يتابع طريقه نحو غرفته ، حتى بلغ بابها فـ أدار مقبضه و سحبها للداخل ، ثم أغلق الباب بهدوء شديد عقب أن مشط الخارج بعينيهِ المقتنصتين ليضمن عدم متابعة أحدهم لهما ، و ما ان أغلق الباب حتى نطقت " هدى" بحنق جلّ على ملامحها:
- شايف المصيبة اللي احنا فيها ؟
وضع سبابتهِ على شفتيه و هو ينظر نحوها بنظراتٍ صارمة ثم ردد بنبرة حازمة:
- ششش، و طي صوتك ده !
رمشت بعينيها عدة مرات و هي تتمتم بذهول :
- انت .. انت ازاي بارد كده ، انت مش شايف الزفتة سهير ..دي مصيبة و حلّت علينا ، مكنش لازم نسيبها هنا أبدًا و احنا عارفين انها عارفة كل حاجة !
مضى نحو المقعد المهتز و اعتلاه ، أخذ يتحرك للأمام تارة و للخلف تارة بـ هدوء أثار استفزازها ، فـ تلوّنت وجنتيها بـحمرة الغضب و توهجت عياها وهي تقول بنبرة ساخطة :
- متستفزنيش بطريقتك دي يا كمال ، اللي حصل ده مصيبة و لازم تشوفلي حل فيها
أظلمت عيناه بدرجة كبيرة و هو يُثبت المقعد المهتز بساقهِ ، ثم رمقها بنظراتٍ قاتمة و هو يتمتم بصوتٍ حالك :
- مش هتنطق يا هدى .. شيلي الأوهام دي من دماغك ، عمرها ما هتنطق بحرف و هي عارفة مصيرها ايه لو نطقت ! اللي سكتت السنوات دي كلها تقدر تسكت لغاية ما ييجي ميعادها !
ازدردت ريقها بتخوف و هي تعبث بخصلاتها بارتباك ، ثم تمتمت بتردد :
- أيوة بـ.. بس .. بس لو نطقت احنا هنروح في داهية
استند بمرفقيهِ إلى مسندي المقعد ، و التوى ثغره بابتسامة شرسة و هو يقول :
- مش هيحصل ، متقدرش تقول و هي عارفة انها هتخسر ......
تغضن جبينه بدهشة ثم تمتم بنبرة جامدة و هو يرشقها بنظراته الثاقبة :
- أومال الباشا ابنك فين ؟
للحظة لم تنتبه إلى السبب الرئيسي الذي جعل الأمور تنحدر إلى ذلك الحد ، رفعت احدى حاجبيها استنكارًا و هي تردد :
- يامن ؟
ارتفع جانب ثغره بابتسامة ساخرة و هو ينتصب في وقفته متمتمًا باستخفاف :
- هو في باشا غيره ؟
توسطت خصرها باحدى كفيها و هي تتمتم بلا اكتراث:
- معرفش المجنونة بتقول مـ...
تجلّت الدهشة على ملامحها و قد شخصت أبصارها نحوه ، ارتخى ذراعها بجوارها و هي تتمتم بعدم استيعاب :
- مات !
............................................................
تأوهت بخفوتٍ وحين سحبت الممرضة الإبرة الطبية من ذراعها ، ثم وضعت عليهِ لاصقة طبية ، تابعت "يارا" بأعين زائغة ما تفتعلهُ ثم تمتمت بنبرة متشككة :
- هو .. هو مش هيحتاج دم أكتر ؟
فـ هزت الممرضة رأسها نفيًا و هي تتمتم بنبرة هادئة :
- منقدرش نسحب من جسمك دم أكتر ، احنا هنتصرف .
استقامت في جلستها و اعترضت على قولها بنبرة ضعيفة و قد شعرت بالرؤية تشوش أمامها :
- بس...
فـ ربتت برفقٍ على كتفها و حثتها على الاستلقاء هي تقول بهدوءٍ حذر:
- انتي هتحسي بدوخة الأفضل تفضلي هنا شوية لغاية ما تفوقي و يا ريت لو تشربي حاجة مسكرة ، لو في حد معاكي ممكن يجيب من الكافتريا تحت
زمّت شفتيها بضيقٍ ثم أرخت رأسها على الوسادة بينما مضت الممرضة للخارج تاركة إيّاها ، أطبقت جفنيها لبعض الوقت و قد شعرت بخمول يداهما و يُضعف تحركاتها ، كما أُصيبت بصداعٍ شعرت بهِ يفتك برأسها اثر الأحداث المتوالية ، سالت الدموع بشكلٍ عمودي من جفنيها المنطبقين لتصل إلى أذنيها ، حاولت أن تُنظم أنفاسها المضطربة و لكن لم تتمكن ، شعور الذنب ينهش من خلاياها بروية، ماذا إن وافتهُ المنيّة ؟ ماذا ان لم يعد ؟ مجرد التفكير بذلك جعل خفقات قلبها تزداد ، تلاحقت أنفاسها و هي تفتح عينيها ثم انتصبت بشكلٍ مُفاجئ في جلستها ، لم تكترث لذلك الدوار الذي أصاب رأسها ، أو لذلك التشوش الذي أصاب رؤيتها ، أخفضت ساقيها لتلامسا الأرضية ، و استندت بكفيها على الفراش لتتمكن من الاستقامة ، ثم خطت بـ تروٍ شيئًا فـ شيئًا ، غالبت بصعوبة ذلك الشعور الذي يحثها على الغياب عن الواقع المريب ، و بصعوبة وصلت إلى حيث غرفة العمليات التي يقبع بداخلها ، و ما ان خطت بقدميها مقتربة حتى انتبه إليها ذلك الصقر ذو النظراتٍ الثاقبة ، كز الأخير بعنفٍ على أسنانه و قد اشتعلت جذوة الغضب بداخله ، تركت أظافره علامات ببطن كفه اثر اطباق كلاهما ، خطى نحوها خطوتين حتى استوقفه " عمر" و هو يردد بتذمر:
- اهدى بقى يا فارس الله يكرمك ، أنا مش شايف قدامي و مش ناقص
ظلّ مرتكزًا بنظراته إليها ثم تمتم بنبرة قاتمة و هو يربت على كتفه بقوة:
- متخافش ، أنا لو سيبتها هنا مش هتطلع من هنا عايشة ، الأحسن اني أبعدها عن وشي
فـ غمغم الأخير بسئم :
- يكون أحسن برضو
- خليك هنا
بالفعل ظلّ متسمرًا محله بل أنه مضى نحو المقعد ليعتليه دافنًا رأسه بين كفيه و قد سئم ما يحدث برمته و مسترسلًا دعواتهُ لأجلِ أن يعود اليهم سالمًا ، بينما أوفض الأخير نحوها بينما شملته بنظراتٍ غير مبالية و كادت تمرق من جواره مستكملة طريقها ، فـ قبض بعنفٍ على عضدها و اجتذبها إليه مستوقفًا إياها ، شيّعها بنظراتٍ تكاد تلتهمها حية و هو يهدر من بين أسنانه لمطبقة:
- رايحة فين ؟
لقد واجهت ما هو أكثر منه شراسة ، شراسته لا تُقارن بـ شراسة زوجها ، حدجتهُ بنظراتٍ قوية قبل أن تحاول التملص من قبضتهِ و هي تردد باحتجاج قوي :
- انت اتجننت يا بني دم ، سيب ايدي ؟
- مش هتخطي خطوة زيادة ، انتي فاهمة
ضيقت عينيها و هي ترمقه بنظراتٍ مستشاطة ثم قالت بتحد :
- هخطي .. هخطي و غصب عنك كمان ، انت ملكش دخل و ..
تضاعفت شراسته و قد شعرت بأصابعه تنطبق على عظامها أكثر فـ أكثر فتآوهت بخفوت بينما دفعها بعنفٍ و مازال قابضًا على ذراعها ثم أجبرها على الاستدارة ليبتعد بها عن ذلك المحيط و هو يردد بـنبرة حالكة :
- امشي قدامي .. امشي
فـ هدرت بنبرة ساخطة :
- سيب ايدي.. مش همشي انت سامع ، مش بمزاجك
لم يستمع إليها .. و كأنها ذرة غبار عبرت من أمامه و مضت ، لم يكترث لمحاولاتها بالتملص من قبضتهِ المحكمة ، حتى بلغ الباب الداخلي للمشفي فـ انتقل بخطواتهِ الواسعة للباب الحديدي الرئيسي ، ضاق بها ذرعًا و هي ترى ذاتها تُقتاد للخارج و قد شعرت بأن الأرض تضيق عليها بما رحبت ، فـ صاحت بهِ بتشنجٍ و بنبرة أعلى :
- سيبني بقى ، سيبني
توقف اثر صراخها الهادر ثم التفت و هو يهدر ساخطًا :
- قسمًا بالله أنا على تكة ، لو فضلتي هنا روحك هتطلع في ايدي
اجتذبت ذراعه بعنفٍ من قبضته و قد فقدت السيطرة على أعصابها حرفيًا ، فـ استرسلت صراخها :
- حرام عليكم حرام.. سيبوني في حالي بقى .. سيبوني !
تغضن جبينه و هو يغمغم بنبرة قاسية مستنكرًا:
- نعم! أسيبك ! عايزاني أسيبك بعد ما قتلتي ابن عمي
تجمعت الدموع في مقلتيها و سريعًا ما انسالت على وجنتيها و قد شعرت و گأن الجمرات تسري في أوردتها ، نيران حارقة اندلعت بـ فؤادها فـ هدرت بـ مرارة و هي تسد أذنيها بكفيها :
- بــس ... بس متقولش قتلته ، بس !
لم يكترث لما أصابها بل أشار للخلف و هو يزأر باستهجان :
- بعد ما أنقذ حياتك تقتليه ؟ بعد ما لحقك من اللي كان هيحصل لك تقتليه بدم بارد ؟
تنغض جبينها و هي تبعد كفيها عن أذنها ثم رددت باحتجاج من بين شهقاتها :
- أنقذني ؟ أنقذني من ايه ؟ قصدك قتلني بالبطئ مش أنقذني ؟
تقوست شفتيه بتهكم و هو يردد :
- أه بأمارة الـ××× قريبك !
سرت رجفة في جسدها و قد أصابته كلماتها في مقتل ، عادت المشاهد التي كادت تُغتال روحها بها تتجسد أمام عينيها ، شحب لون وجهها و شعرت و كأن أطرافها تتثلج ، لم تتوقف الدموع عن الانسدال من عينيها و هي تحني بصرها بعيدًا عنه ، ثم تمتمت بـصعوبة :
- و هو .. هو كان السبب ، هو اللي كان عايز يـ....
- انتي غبية ؟ متخلفة مبتعرفيش تميزي ، انتي مراته !
رفعت نظراتها اليه لتردد بنبرة ساخطة و هي تلوح بذراعيها رافضة تلك الحقيقة:
- مش مراته ، مش مراته ، بطلو بقى ، كفاية ، كفايــــة !
زفر بـ نفاذ صبر و هو يشيح بوجهه بعيدًا عنها بينما دنت خطوة منه لتردد بنبرة قوية :
- كون أنا مرات واحد قاتل و مقرف زي ده كفيل يخليني أكره نفسي و حياتي و كل حاجة
رفع حاجبه الأيسر استنكارًا ثم كشر عن أسنانه و قد غلت الدماء في أوردتهِ زائرًا باحتدام :
- و هو لو كان قاتل كان ساب أبوكي يتنفس لغاية دلوقتي ؟
اضطربت أنفاسها اثر انفعالها المبرر و تهدجت أنفاسها قبل أن تحاول التبرير :
- هو كان...
فقاطعها بـ نبرة أشد بأسًا :
- لو كان قاتل كان سابك تموتي على ايد أبوكي و يبقى كده خد انتقامه منه ! لو كان قاتل كان طلعه براءة بعد خطوة واحدة !
ثم أشار بالسبابة في وجهها مردفًا:
- خطوة واحدة كانت تفصله عن انتقامه ، خطوة واحدة كانت هتريحه ، خطوة واحدة كان بعدها خد حق أبوه اللي اتقتل من غير ما يرتكب أي ذنب !
فـ أشاحت بذراعيها و هي تهدر باهتياج :
- مش بابا مش بابا ارحموني بقى ، بابا عمره ما يعمل كده !
فكان رده معبرًا عن حالتها :
- زي ما انتي بالظبط كنتي فاكرة ان عمرك ما هتعملي كده !
لُجم لسانها و قد شعرت بعضلاتهِ تُشل ، نقلت نظراتها بين عينيه و قد بدى تأثير الصدمة عليها ، اتخذ ذهنها مسارًا آخر لتحليل كلماتهِ ، ماذا إن كان والدها قد ارتكب تلك الجريمة وسط غضبهِ ، ماذا ان حدث معها ما حدث معه من قبل ، و أن يكون قد فقد صوابه مثلما حدث معها فـ قام بقتلهِ ، العديد من السناريوهات اقتحمت ذهنها في تلك اللحظة ، ظلت متجمدة بمحلها لم تقوَ على التعليق على كلماتهِ ، بينما تابع باستنكار هو و قد لاحظ ما ألم بها:
- عرفتي منين انه ميقتلش و انه مش ابوكي ؟ جبتي التأكد ده منين ؟ معاكي دليل ؟ انتي عيشتي معاه أصلًا ؟
شعرت بصعوبة التنفس و هي تتمتم محاولة استجماع شتات نفسها :
- مش ...
فقاطعها بصرامة :
- عشان انتي مش عايزة تصدقي غير اللي انتي عايزاه يكون و بس ، مش بتصدقي غير اللي على مزاجك مش كده ؟
- أنا ...
أشار للخلف و كأنه يشير اليهِ قائلًا :
- بصي تاني للي بتقولي عليه قاتل ، القاتل ده كان بيدور عليكي زي المجنون ، اللي انتي اتهمتيه بحاجة عمره ما يفكر مجرد التفكير انه ينفذها !
هزت رأسها نفيًا و هي تردد باهتياج :
- انت مشوفتش حاجة من اللي شوفتها عشان تحكم عليا ، انت معيشتش حاجة من اللي عيشتها ، جربت تعيش مع انسان بتكرهه ، انسان قتل فيك كل حاجة ، جربت انك تُجبر على حاجة و ميبقاش عندك خيار ، جربت انك تشوف كل حاجة بتروح منك بس ميبقاش في ايديك حاجة تعملها ، جربت حاجة من دي ؟
تقوست شفتيهِ بازدراء قبل أن يقول:
- انتي متعرفيش اللي قدامك ده شاف ايه عشان تتكلمي ، كل واحد بعيش الحلو و الوحش ، مفيش حاجة اسمها انك تعيشي طول عمرك سعيدة ، كل دي أوهام ، فوقي يا .. يارا هانم ، احنا مش في الجنة .. احنا على الأرض
التوى ثغرها بابتسامة مريرة قبل أن تردد بنبرة متهكمة :
- الكلام مفيش أسهل منه ، محدش حصل له أسوأ من اللي حصل لي !
ارتفع جانب ثغره بابتسامة ساخرة قبل أن يردد بنبرة قاتمة :
- اللي حصل لك ميجيش رُبع اللي حصل له !
عقدت حجبيها متمتمة باحتدام :
- كذب .. كذب ، محصلوش حاجـ...
- جربتي تشوفي شخص عزيز ليكي بيتقتل قدام عينيكي ؟
شُدهت من كلماتهِ و كأنها للمرة الأولى تتعرف على تلك المعلومة ، و لكنها لم تُعرب عن مكنوناتها و تظاهرت بالصلابة و هي تتمتم بقسوة :
- عادي .. ناس كتيرة يتيمة مفيش حد فيهم عمل اللي عملـ...
قاطعها بنبرة صلبة :
- جربتي الشعور ده ؟ انك تخسري أقرب شخص ليكي قدام عينيكي و انتي عاجزة عن انك تعملي حاجة ، جربتي تحسي بنبضه قبل ما يتقطع ، جربتي تشوفي اللي بتحبيه جثة ! مجرد جثة مفيهاش روح ، جربتي احساس انك يبقى سنك عشر سنين .. عشر سنين و تتحرمي من الشخص اللي عايشة عشانه ؟
و بالرغم من تلك الصلابة التي أظهرتها إلى أن كلماتهِ قد صنعت في نفسها تأثيرًا ملموسًا ، لم تُظهر و لكنها تأثرت اثر بضع كلمات و هي تتخيل خسارتها لأحد أفراد عائلتها ، أشاحت بوجهها بعيدًا عنه متمسكة بجفائها بالرغم من عدم انقطاع سيل دموعها ، و لكنه استرسل :
- صعب .. صعب أوي ، بس هو مشافش ده بس .. هو شاف الأصعب ، عمره ما عرف يعني ايه حياة غير في وجود عمي ، عاش طول عمره يتيم الأم ، و بعد موت عمي بقىى يتيم الأم و الأب
و احتدت نبرة "فارس" أكثر و هو يستطرد:
- هدى مش أم .. و لا عمرها هتكون ، هدى أكبر عدوة لـ يامن
و ضاقت عيناهُ في استنكارٍ و هو يتابع بازدراء:
- جربتي الشعور ده؟ انك تشوفي أمك قدامك بس هي مش شايفاكي ، انك تبقى عايزة تقوليلها ماما بس هي أقسى من انها تستحق اللقب ده ! أول حد بتعوزي تلجئي له في محنة مين ؟ أمك، طب جربتي تخسري الأم دي و هي على وش الدنيا ؟
تقوست شفتيها في احتقارٍ قائلة باتّهام لشخص "يامن":
- هو اللي عمل كده في نفسه، هو اللي خلى الكل أعدائه
التوى ثغره بابتسامة مريرة و هو يتابع و كأنه لا يستمع اليها:
- أمه.. ما صدقت تخلص من أبوه و اتجوزت توأمه، عايزاه يعمل إيه!
حدقت بهِ بنظراتٍ مندهشة اثر كلماتهِ المريبة ، و لكنها لم تتخلَ للحظة عن موقفها المُعادي عقدت ساعديها أمام صدرها و هي تردد بتعند :
- و الله ! اللي زي ده عمره ما يحصل له حاجة تكسره أو تعيشه تعيس ، اللي زي ده مبيحبش الا نفسه و نفسه و بس !
تابع مشيرًا خلفها بنبرة قوية :
- الانسان اللي انتي شايفاه ده مبقاش كده من مفيش ، الانسان ده شاف صعوبات صعب حد يتحملها ، كلنا جينا عليه ، حتى أنا ! سيبته في أكتر وقت احتاجني فيه و مقدرتش أساعده ، و بالرغم من كده مكرهنيش ، عمر .. عمر اللي انتي شايفه أنه احسن شخص فينا يامن هو اللي مربيه من صغره ، يامن هو اللي صنع الشخصية اللي انتي شايفاها ، تقدري تقوليلي هيغرس فيه شخصية زي دي ازاي لو كان قاتل و عديم الاحساس و مبيحبش إلا نفسه زي ما بتقولي ؟
أطبقت جفنيها لتنسال الدموع من بينهما بلا ارادة منها فـ تمتم بنبرة متهمة :
- تعرفي ان اللي بتقولي عليه مبيحبش إلا نفسه حذرني من ان يطولك أذي بعد اللي هببتيه ؟ و انك آخر حد أمني عليه ؟ سابك أمانة عندي بعد اللي عملتيه فيه ؟
فتحت عينيها لتحدق به بذهولٍ و قد فغرت شفتيها اثر صدمتها فـ تابع مستهزئًا :
- حتى انتي جيتي عليه ، كنت فاكرك أحسن من كده ، كنت فاكر انك مش هتبصيله بعينيكي لكن بقلبك ، بس للأسف .. كنتي الشخص الغلط !
تنغض جبينها و قد توهجت بشرتها ثم أشارت لنفسها و هي تقول باستنكار :
- أنا .. أنا اللي جيت عليه و لا هو اللي جه عليا !
هز رأسه استنكارًا لتفكيرها المتحجر :
- عمرك ما هتفهمي حاجة ، مستحيل تفهمي
عقد ساعديهِ أمام صدره و هو يردد باحتجاج :
- تقدري تقوليلي طالما كارهاه أوي كده عايزة تفضلي هنا تعمل ايه ؟ و لا تكوني خايفة ميموتش بتفكري في طريقة تانية تقتليه بيها ؟
طردت زفيرًا حارًا من بين شفتيها ، ثم أحنت بصرها عنه و هي تنزح دموعها محاولة الدفاع عن نفسها:
- انت غلطان ، اللي .. اللي حصل أنا .. أنا .. ده .. ده بسببه !
ارتفع جانب ثغرها بابتسامة مريرة و قد تسابقت الدموع لتنهمر على وجنتيها مجددًا :
- قال يدور على أكتر طريقة ممكن تدمرني و يخلي الضربة تيجي من قريبي و ...
توهجت بشرته بحمرة الغضب و قد أثارت كلماته استفزازها بعد محاولاتهِ الجمّة لجعلها تدرك معاناة صديقه ، فـ اذ به يقبض بعنفٍ على ضدها و هو يردد بنبرة ساخطة :
- انتي مبتفهميش ، بقولك كان بيدور عليكي زي المجنون ، كل ده كان من تدبير ابن خالك الـواطي
استشعرت شيئًا يجثو فوق صدرها فـ تنطبق أنفاسها ، فاضت عيناها بالدموع و هي تهز رأسها استنكارًا متمتمة بتوسل :
- بـس بقى بس .. هو استحلة يعمل كده ، مستحيل يعمل كده من نفسه ، هو السبب... هو ، متقولش كده !
فـ كشر عن أسنانه و هو يردد بشراسة :
- تخيلي كان ممكن يحصل لك ايه لو ملحقكيش ؟  و في الآخر عملتي فيه ايه ؟ قتلتيه ؟ هو ده جزائه ؟
ثم تابع قاصدًا غرس شعور الذنب بها أكثر و أكثر :
- كان شعورك ايه و هو بيموت قدامك ؟ ها ؟ كان شعورك ايه و انتي بتسمعي صوته للمرة الأخيرة ، فرحتي ؟ كنتي حاسة ان الدنيا ضحكتلك و أخيرًا هتخلصي منه ؟
شعرت و كأنها قد جنت تمامًا و كلماته كـ سوط يجلد روحها المعذبة ، حاولت التملص من قبضتهِ التي شعرت بها تطبق على روحها و ليس ذراعها و هي تقول آمرة باحتداد:
- كلامك بقتلني .. كفاية كفاية !
هز رأسه نفيًا و هو يردد بعناد:
- لأ.. مش كفاية !
ثم حرر ذراعها ليلتقط معصميها و بسط كفيها أمام وجهها و هو يردد بصوتٍ حالك :
- شعورك ايه و دمه مطبوع على ايديكي ؟
تسلطتت عيناها على كفيها المخضبين بدمائهِ ، تمكن منها شعور الذعر و هي تتذكر جريمتها الشنعاء بتفاصيلها الدقيقة ، تلوت بكفيها محاولة جعله يفلتها و هي تهدر باهتياج :
- انت عايز مني ايه ارحمني بقى ، ارحمني يا أخي انت بتعمل فيا كده ليه ؟ أنا تعبت .. تعبت من كل حاجة ، مش عارفة عايزاه يعيش و لا يموت ، مش عارفة المفروض أعمل ايه ، مش عارفة ازاي ارتكبت جريمة زي دي بإيدي !
ترك أخيرًا معصميها بإرادتهِ و هو يحدجها بنظراتٍ لا حياة فيها بينما تابعت و هي تبسط كفيها بوجهه :
- انت عارف ده معناه ايه ؟ أنا .. انا عمر ما اتخيلت اني هرتكب في حياتي جريمة بالبشاعة دي ، عمري ما فكرت أقتل نملة مش روح ! أنا .. أنا ضحيت بحياتي عشان يعيش قبل كده ، ضحيت بحياتي عشانه مش قتلته! عارف ده معناه ايه ؟ عارف شعوري ؟ حاسس باللي فيا أو بالدوامة اللي أنا فيها ، أنا لسه .. لسه لدلوقتي مش قادرة أصدق ان أنا .. أنا اللي قتلته بإيدي !
شعرت بأن ساقيها صارتا رخوتين ، حتى أنها بالفعل تركت العنان لجسدها لـ يهوي أرضًا و قد خرّت على ركبتيها ، و دقنت وجهها بين كفيها و هي تردد باختناق :
- أنا ليه بيحصل لي كل ده ؟ أنا عمري ما فكرت أذي حد ، ليه الأذي يجيلي من أقرب الناس ليا ؟
شعرت بأن هنالك أنامل شرسة تُطبق على قلبها و تعتصره بقبضتها ، تابعت متمتمة من بين نشيبجها :
- حاسة اني في كابوس ، أكيد ده كابوس ، أنا مش مصدقة ان كل ده حصل ، طب .. طب ليه ؟
ارتفع صوت شهقاتها و هي تتمتم بمرارة :
- ليه عمل كده فيا ؟ ليه ؟ أنا أذيته في إيه ؟ كنت مجرد وسيلة يوصل بيها لانتقامه و بس ، مفكرش اني روح مش حيوانة يدوس عليها في الوقت اللي يعوزه !
كان متجمدًا بمحلهِ و لكن كلماتها بالرغم من كل شئ أثرت به ، هو يعلم شعور القهر جيدًا ، و صرخاتها تلك لم تكن تمثيلًا افتعلتهُ، إنها صرخات حقيقة و ليست مجرد زيف ، و بالرغم من تأثرهِ إلا أنه أشاح بوجههِ عنها و هو يعقد كفيهِ خلف ظهره متظاهرًا بالصلابة ، بينما كانت تهذي :
- مش هو ده اللي كنت عايزاه ، خد مني كل حاجة ، حتى حلمي اني أعيش خده مني ! حلمي إني أحب سرقه من بين ايدي ، حلم إني أتجوز الشخص اللي قلبي يختاره داس عليه!
و شهقت شهقة تمزق نياط القلوب أعقبتها بقولها المرير:
 حياتي بقت عبارة عن رعب من كل حاجة ، يا تري هيقتلني؟ هيقتل بابا ؟ و لا ممكن ينتقم مننا احنا الاتنين و يقتل ماما ؟ يا ترى لو نمت هصحى تاني ؟
سحب شهيقًا عميقًا لصدرهِ زفره دفعة واجدة ، ثم فرك وجهه المتوهج باحدى كفيه متمتمًا بنبرة ضائقة :
- استغفر الله العظيم
لم يتمكن من أن يتظاهر بالقسوة أكثر ، فـ انحنى ليجثو على ركبتيه أمامها و هو يردد بنبرة قوية:
- خلاص اهدي
حاول أن ينزع كفيها عن وجهها لتتبين له ملامحها ، أنف محمرة ، و عيان حمراوان و جفنين منتفخين ، علامات الارهاق و الذبول قد سلبت شيئًا من جمال ملامحها الهادئة ، طرد زفيرًا حارًا ألهب صدره قبل أن يردد بنبرة صلبة :
- تعالى معايا
دفعت كفيهِ بعيدًا عنها باهتياج و أومأت برأسها عدة مرات و هي تقول باحتدام:
 بس أنا عارفة .. أنا عارفة هو عمل كده ليه ، خلاني أقتله عشان يقضي على اللي اتبقى مني ، عشان يخليني أعيش طول عمري بذنبه و .. آآآه
التقط مرفقيها و انتصب واقفًا و هو يجتذبها لتقف على قدميها:
- قومي !
فقالت بصوتها الممشوج باستهجان:
- دمي بيجري في دمه دلوقتي ! تخيـل ان دمي بيجري في دم أكتر واحد بكرهه في حياتي بسبب اللي أنا عملته ، أنا بدفع تمن ذنب ايه ؟ أنا عملت ذنب ايه في حياتي عشان  أدفع تمنه بالشكل ده ؟
أجبرها أن تقف على قدميها و هو يقول بنبرة شبه هادئة:
- تعالي معايا
و ازدجاها "فارس" للداخل، حينما كانت هي تتابع هذيانها و تفوهها بكلماتٍ لم يفهم مُعظمها.
ساخطـًا على فعلتها، و لكن من وجهة نظر أخرى، لقد جار عليها "يامن" كثيرًا، و وضعها جبرًا في منتصف الأحداث، على الرغم من كوْنها لا ذنب لها، إذ أنهُ إن فكّر بتروٍ، سيجد أنها ليست تلك الجانية، و أنا ما فعلته ليس من فراغ.
..............................................................
اكتظ القصر برجال الشرطة و المباحث الجنائية و كذلك وكيل النيابة لمعاينة مكان الجريمة ، حمل أحدهم أداة الجريمة بحرصٍ و دسها في حافظ شفاف ، التفت أحدهم نحو " كمال" متسائلًا بصوتٍ صارم:
- كنت موجود وقت وقوع الجريمة؟
فـ أكّد "كمال" مُشددًا على ذلك:
- أيـوة يا حضرت الظابط، كنت موجود
ارتفع حاجبي الأخير و هو يردد متشككًا:
- يعني عرفت مين اللي قتله؟
فقال "كمال" من فورهِ و قد تجهّم وجهه:
- طبعًا يا حضرت الظابط، مراته.. أنا شوفتها بعينه و هي بتقتلته بالسكينة دي!
ضاقت عينا الضابط، ثُم سأل في صلابة:
- و ايه السبب ورا ده
أنغض "كمال" رأسه في استنكار، محررًا زفيرًا عميقًا من صدره، ثم قال ليدس الشكوك حولها:
- للأسف أنا موصلتش غير في اللحظة الأخيرة يا حضرت الظابط، لكن أكيد حصلت مشكلة بينهم تاني!
فالتقط الشرطي الكلمة و سأل:
- تاني! وضح قصدك
- قصدي إنهم مبيبطلوش شكل ليل و نهار يا حضرت الظابط، معرفش إيه اللي بيحصل بينهم يخليهم مش طايقين بعض للدرجة دي
و شعّت نظراتهِ حقدًا زائفًا و هو يتابع في اشتياط:
- البت دي من ساعة ما اتجوزها و هي مخلية حياته جحيم، أكيد كانت عايزة تخلص عليه عشان تورث من بعده!
و أضحت نظراتهِ أكثر خُبثًا و هو يقول بجدية:
- أو يمكن عرف عنها حاجة كده و لا كده، و قبل ما يفضحها قتلته!
مطّ الضابط شفتيه في عدم اقتناع، و قد اضمحلّت المسافة بين حاجبيه الكثيفين، ثُم قال:
- قصدك كانت بتخونه!
زمّ "كمال" شفتيه و هو يحنى بصرهُ، ثم قال بحزمٍ متصنّعًا البراءة:
- أنا مش عايز أقول حاجة مش متأكد منها يا حضرت الظابط، يمكن أنا غلطان، اللهُ أعلم!
أومأ الضابط في شئ من التشكك، لم يروق لهُ طريقة "كمال" مُطلقًا، ثُم سأل و هو يحيد عنهُ:
- في حد تاني كان موجود في موقع الجريمة؟
أومأ "كمال" و هو يردد مجيبًا:
- عمر.. أخو يامن يا حضرت الظابط
فنظر الضابط نحوهُ، ثم سأل في نفاذ صبر لمماطلتهِ:
- و فين عمر ده؟
- مع "يامن" في المستشفى
فقال الضابط و هو يُومئ بحركة لا تكاد تُلحظ و قد حادت عيناهُ ليقتنص محلّ الجريمة:
- هناخد أقواله
 و تم وضع شريط أصفر يمنع اقتراب أحدهم من موقع الجريمة، ظلّ "كمال" متصلبًا بمحله، حتى بعد رحيلهم، و أعينه مسلطة على دمائه المطبوعة على الأرضيّة، التوت شفتيه بابتسامة شامتة و هو يتذكر عنفه معه حتى الصباح ، و الآن هو على فراش الموت كـ سائر البشر لا حول له و لا قوة و قد اعتقد أنها سُلبت منه اثر ما حدث له ، انتبه الى رنين هاتفه فأخرجه و حدق بشاشته ليتنغض جبينه بدرجةٍ كبيرة ، و لكن ازدادت ابتسامته المتسلية و هو يرفع الهاتف ليجيب بتهكم :
- انت لسه عايش !
........................................................
...................
..................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now