"الفصـل الرابع عشـر"

1.1K 36 0
                                    

" الفصل الرابـع عشــر "

أحيـانًـا تُجبرنـا الحيـاة على فـعل ما لا نُحبذ مُطلقًا و تختلس منا خياراتنا تاركـة لنـا لـ نواجـه مصيـرنــا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خفق قلبها بـ عنف و أطبقت جفنيها لتمحى تلك الخيالات التى داهمتها ، و أطبقت أكثـر على القلـم بـ كفها المرتعش ، فى نهـايـة المطاف حَسِمت رأيها بالموافقة على أن تكون أسيرته ..و هـل ترك لها خيارًا آخـر ؟ خطت بـه على وثيقـة أسـرهـا لديـه ، ثم تركت القلم فوق الأوراق ، و ضمت نفسها بـ ذراعيها ، جمع الشيخ متعلقاته و هـو يردد جملته المعتادة :
_ زواج مبارك ان شاء الله
ثم هـم بالخروج من المنزل و لحق به محامى الشركات و الموظفيـن الآخـريـن ، لم تتمكن من منع دمـوعها من الانهمـار على وجنتيها و هي تتخيـل كيف سيكون والداهـا حين يصلهما ما حدث ، انتصب "يامن" في وقفته فـ نظرت له بـ ذعـر من طرف عيـن  حاولت التظـاهـر بالثبات و لكنها لم تتمكن ، لتتفاجأ به يخرج سلاحـه من ملابسـه و يلقيـه أمامها على الطاولة ، و كأنه يتعمـد تذكيرهـا بما حاولت أن تفعل مسبقًا ، ثبتت نظراتها على سلاحه ، ثم رفعتها اليه حين ردد بنبرة قاتـمة :
_ هـيدفع تمــن اللى عملـه غالي أوى !
فـ رفعت حاجبيها متمتمة بـ ذهـول :
_ نعـم
فـ ردد بنبرة جـافة و هـو يشملها بنظراته :
_ الانتقـام الحقيقي لسـه مبدأش !
فـ استقامت فى وقفتها مرددة بـ هلع :
_ انت .. انت هتعمله ايه ؟ متجيش جمبـه !
التوى ثغره باستخفاف ، ثم استدار بـ جسده موليًا ظهـره لها ، و تحرك ناحيـة إحدى الغرف ،  فـ تمتمت بـ نبرة مرتجفة :
_ أنا عايزة موبايلى
فـ تسمر بـ مكانه و دس كفيه بـ جيبيه متمتمًا بنبرة جافة بدون أن يلتفت لها :
_ لأ
اتسعت عيناها مرددة بـ ارتباك :
_ عايزة أطمنهم عليـا ! هيعملوا ايـه لما مردش عليهـم !
لم يعلق على كلماتها فـ تمتمت بنبرة شبه ثابتة محاولة تهديده :
_ هـيعرفوا ..هيعرفوا انك خطفتنى تانى و .. و مش بعيـد المرة دى بابا يبلغ عنك !
فـ التوى ثغره بابتسامة شيطانية و التفت لها ليردد بنبرة ذات مغزى :
_ و هـو فى واحـد يخطف مراته !
شخصت أبصارهـا نحوه و قد خفق قلبها بـ عنف في صدرهـا ، و كأنها لم تكن لتنتبه الى تلك الحقيقـة ، للحظة انتابها النفـور من نفسها حين أدركت الواقع ، صارت زوجتـه منذ دقائق فقط ، بينما تمعن النظر في تعبيراتها ليتمكن بسهـولة من فهم ما يجول بـ خاطرهـا ، ثم التفت برأسـه لينظر أمامه و عاد يستكمل طريقه تاركًا لها بـ حالة يُرثى لها صافقًا باب الغرفـة بـ عنف ، فـ انتفض جسدهـا من صوته ، و انهار جسدهـا على الأريكـة متمتمة بـ غل و هى تنظر لـ باب الحجرة بـ حقد :
_ ربنا ياخدك و يريحنا منك
ثم دفنت وجهها بين كفيها و أجهشـت بالبكاء المرير و قد تعالى صوت شهقاتها التى حاولت كتمها بـ كفها
……………………………………………………………………………….
خلع عنه سترته و ألقاهـا على طرف الأريكة المتواجـدة بتلك الغرفـة ، ثم دس كفه بـ جيبه ليخرج منه سلسلة مفاتيحه و هاتفه و ألقاهم بلا اكتراث على الكومود ، ثم أخرج هاتفها من جيبه ، و جلس على طرف الفراش ، ثم أزال غطائه الخارجي ، و أخرج الخط منه ، ثم أعاد تركيبه هـو يضغط على الزر الجانبي له ، فتح أولًا الصور ليتجول بينها ، كانت صورهـا جميعًا تبتسـم بها ابتسامة مشرقـة تقريبًا لم يرهـا على وجهها منذ أن قابلها ، صور التقطتها مع أختها في أماكـن شتى ، قلب بينهم و هـو يتأمل ملامحها المبتهجـة على عكس ما هي عليه الآن ، توقف عن احـدى الفيديوهـات و التى كانت تقريبًا بـ منزلها ، كانت تقف بالمطبـخ و بـ حالة يرثى لها ، نظرت الى الهاتف الذي بيد شقيقتها و التى لا تظهـر صورتها فقط صوتها ، و رددت باحتجاج و هى تنزح ذرات الدقيق عن وجهها :
_ بطلى بقى يا ولاء ، متصوريــش !
فـ استمع الى صوت ضحكات شقيقتها و هى تردد بـ مزاح :
_ ليه بس ده الشيـف يارا هتعمل لنا أحلى كيكة النهاردة ، لازم نصور اللحظة التاريخيـة دى و نحتفظ بيها
فـ التوى ثغرهـا بابتسامة عريضة متمتمة و هى تبسط كفيها المغطى بالدقيق أمام وجهها :
_ لا هـو من ناحيـة شيف فـ شيف فعلًا ، شـايفة المنظر بس !
فـ أصدرت شقيقتها قهقهات مشيرة بـ كفها :
_ كملى كملى و انتى ساكتة !
فـ عادت تنظر الى الصحـن امامها ، و عبست ملامحها متمتمة بـ فتور :
_ و بعديـن ، اعمل ايـه ؟
_ اكسري البيض و حطيه و بعدين اخلطيهم
فـ ظهر الاشمئزاز عل وجهها متمتمة بـ تأفف :
_ يععععع ، ايه القرف ده !
_ قرف ! البيض قرف ، و الله لأقول لماما
فـ استوقفتها مرددة بـ فتور :
_ خلاص بقي ، يبــاي كل ده عشان كسبتينى فى الكوتشينة !
فـ أصدرت "ولاء" قهقهات أخرى مرددة بـ مزاح :
_ ما هـو ده أحسـن حكم يتحكم عليكى بيه ! الطبــخ
فـ رفعت احـدى حاجبيها استنكارًا ، و توسطت خصرهـا بـ كفها متمتمة بـ احتجاج :
_ أقولك على حاجة ، مش طابخة !
فـ رددت الأخيـرة ببرود :
_ مينفعش ، الحكم حكم ، لازم يتنفذ
فـ رددت بـ عبوس :
_ هـو اعـدام ؟
فـ ابتسمت "ولاء" مشاكسـة :
_ ما هـو اعدام بالنسبة لك
فـ ضيقت "يارا" عينيها ، ثم أمسكت بـ علبة الدقيق ، و تحركت نحوهـا مرددة بـ مزاح :
_ طب والله ما سايباكى يا ولاء ، خـدى هنا
فـ رددت الأخيرة بـ فزع :
_ لأ لأ ، يارا ، حاسبى و الله ماما هتقتلنا لو الدقيق اتكب !
فـ أصدرت قهقهات عالية و هى تردد :
_ تخيلى ترجع البيت تلاقيه كله عايم في الدقيق بعد ما قالتلنا أرجع ملاقيش ذرة تراب !
ثم انفجرت كلتاهما ضاحكتان ، دفعت "يارا" الهاتف بيدهـا لتهتز الصورة و هي تردد من وسط قهقاتها :
_ بطلى تصويـر بقى
و توقف الفيديـو هنا ، التوى ثغره باستخفاف و هـو يشـاهـد تلك التفاهـات ، و هـز رأسـه بـ حركة بسيطة استنكارًا لها ، عاد يفتش بهاتفها لـ يتمكن من تحليل شخصيتها بالكامل ، فتاة مرحـة لا تعلم شيئًا عن متاعب الحيـاة ، تبحـث عن الحب في العديـد من الأشياء ، فـ هاتفها ملئ بالروايات الرومانسية الالكترونية ، غير الصور التى كانت لـ ثنائيات مختلفة خمن كونهم ممثلين ، و أخيـرًا ، ضغط على الزر الجانبي له لـ يغلقـه ، و ألقاه بلا اكترث على الكومود ، ثم تمدد على الفراش و شبك كفيه خلف رأسـه ، ثم ثبت نظراته الجامدة على سقفيـة الحجرة ، و أخـذ يطلق صفيرًا خافتًا من بين شفتيه مستمتعًا بانتصـار جـديد أحرزه ، و لكن بالنسبـة اليه ، لم يبدأ الانتقـام بـعد ، فمـا كان كل ما حـدث إلا تمهـيـد بسيط لما سيتبعه ، فـ هـو يخطط جيـدًا لما سيحـدث بعد ذلك .
………………………………………………………………………………….
_ اهـدى يا حسيــن ، تلاقى بس الموبايـل فصل و …
قالتها "حبيبة" بارتبـاك جلي على ملامحهـا و نبرتها ، فـ قاطعها "حسيـن" مشيحًا بـ كفه باستهجـان :
_ أهــدى ! أهـدى ازاي ؟ البنت فيـــــن ؟
ازدردت ريقها متمتمة بنبرة مرتجفـة :
_ ما انا قولتلك يا حسيـن ممكن أهلها مرجعـوش و هتبات عندهـا النهاردة
فـ امتعض وجهه و :
_ كده من نفسها ؟ من غير ما تعرفنـا !
فـ اضطرت لـ خلق تلك الكذبة و :
_ لأ ، هي ..هي فعلًا قالتلى ان .. ان ممكن تبات مع صاحبتها و ..
قاطعها و هـو يرفع حاجبيه استنكارًا :
_ و ازاي متقوليليش يا هـانم ! هــا ؟
فـ تنغض جبينها و هي تردد بتوتر :
_ هي مأكدتش عليا ، و بعدين..
فـ قاطعها ثانية و هـو يشيعها بنظرات ساخطة :
_ فيــن بيت البنت دى ؟
رمشت بـ عينيها عدة مرات و :
_ هـاه ! بيتها !
زفر "حسيـن" بـ حنق متمتمًا بـ استهجـان :
_ طبعًا متعرفيـش ! تصدقى أنا غلطان انى وافقت على الخروجة دى أصلًا !
عقدت ساعديها أمام صدرها و احتدمت نبرتها و هي تردد :
_ انت مش شايف حالة بنتك و الخنقـة اللى كانت فيها ! انت عايـز تفضل حابسها في البيت طول العمـر ؟
فـ أشـاح بـ كفه مرددًا بـ حنق :
_ بردو لسه مش عارفـة احنا بنتعامل مع ميـن ، ده شيطـان يا حبيبة ، شيطـان !
زفرت بـ حنق متمتمة بـ سخـط :
_ يــوه ، شيطان شيطان ، انت السبب يا حسيــن ! انت اللى هـربت و ثبتت التهمـة عليك أكتـر !
فـ غلت الدمـاء بـ عروقه ، و احتقن وجهه بالدمـاء الغاضبـة مرددًا بـ استهجـان :
_ دلوقتى أنا الغلطـان ! كنتى عايزانى أعمل ايـه ؟
فـ حلت ساعديها مشيحة بأحدهمـا مرددة بـ استنكار :
_ ليــه هربت و هما أفرجـوا عنك ! ليــه و انت برئ  و معملتـش حاجة ، هــا ؟ ليـــه ؟
فـ ردد بتشنج و هو مقطب لـ جبينه :
_ انتى مش شايفة يعنى انهم فعلًا كانوا ورايا ، و لولا انى هربت كان الله أعلـم عملـوا ايه فيا ساعتها
أشـاحت بوجهها و هي تزفر بـ حنق ، فـ شيعها بنظرات ساخطة ، قبل أن يهـدر بـ صوته عاليًا :
_ ولاء ، يا ولاء
استمعت هي الى نداء والدهـا ، فـ خرجت من غرفتها و هي توصد الباب خلفها متمتمة بـ دهشـة من صراخـه :
_ ايوة يا بابا
فـ التفت اليها مرددًا بتشنج  :
_ فيــن بيت صاحبة أختك دى ؟
رفعت كتفيها لتعبر عن عدم معرفتها و :
_ مش عارفة
فـ غلت الدمـاء أكثـر في عروقـه ، و ردد بلهـجة ساخـطة :
_ يعنى ايـــه متعرفيـــش ، يعنى ايــــــه ؟
انتفض جسد كلتاهما من صراخه ، و شحب لون وجهها و هى تردد بـ تلعثم :
_ مـ..مـعـ.. معرفش يـ..يا بابا هي صاحبتها هي مش .. مش صاحبتى أنـا
فـ مسح على وجهه بـ كفيـه متمتمًا بـ خفوت ممتعض :
_ استغفـر الله العظيـم يا رب
فـ علقّت " حبيبة" و هي تمسـح على ذراعـه بـ رجـاء :
_ يا حسيــن انت خوفك من العيلة دى هـو اللى موترك ، صدقنى ممكن البنت تعبانة أوى و انت عارف يارا مش هترضى تسيبها
فـ أزال كفيه متمتمًا باقتضاب :
_ و الموبايل ؟
فـ رددت و هي ترفع كتفيها باستنكـار :
_ يعني البنت تعبانة و حالتها صعبة و هي هيكون فيها دمـاغ تشحن موبايلها يا حسيــن !
فـ رفع سبابته محـذرًا :
_ لو كان كلامك غلط يا حبيبة اعرفى انى مش هعديهالك ! دى تانى مرة يحصل كده بسببك !
ثم شملها بنظرات مزدريـة و استدار بـ جسده دافعًا ابنته من كتفها و اتجه الى غرفته صافقًا الباب خلفه بـ عنف ، فـ تابعته "حبيبة" بنظرات قانطة ، و تهالك جسدهـا على الأريكـة و قد تجمعت الدمـوع في مقلتيها ، فـ تألم قلب "ولاء" من أجلها ، و أوفضت نحوهـا و جلست بـ جوارها ، ثم أمسكت بـ كفيها متمتمة بـ استيـاء :
_ متزعليش نفسك يا ماما
فـ نظرت لها من زاوية عينها مرددة بـ يأس :
_ أي حاجة تحصل أكون انا السبب فيها ! ده ذنبي انها صعبت عليا من خنقتها من كتر القعدة في البيت و ..
اختنقت نبرتها فلم تتمكن من اكمال ما بدأته ، فـ أجهشت بالبكاء و هي تتمتم بنبرة مرتجفـة باستنكار :
_ يعني هـو هيخاف عليها أكتر منى ! ده أنا امها !
فـ قوست "ولاء" شفتيها بـ حزن ، و اقتربت منها لـ ترتمى فى احضانها ، و أسندت رأسها على صدرها متمتمة بـ حـزن :
_ طب عشان خاطى مش تعيطى ، انتي عارفـة بابا لما بيتعصب مش بيشوف قدامه ، متزعليش
فـ هزت "حبيبة" رأسها استنكارًا و هي تربت على ظهر ابنتها ، و تمالكت نفسها بـصعوبة حتى لا تنهـار أمامها ، فـ التقطت "ولاء" هاتفها ، و أتت بـ رقـم شقيقتها و رفعت الهاتف الى أذنها لتستمع للرسالة الصوتية المسجلة ، فـ أغلقت المكالمة بـ ضجر متمتمة بـ خفوت :
_ يا ترى انتي فيـن يا يارا ؟
………………………………………………………………………………….
بـزغ قـرص الشمـس معلنًا بـدايـة يـوم جـديـد ..
جـذب ستائر الشرفـة ليتخلل الضوء غرفة المعيشة من بابها الزجاجي ، استدار بـ جسده للخلف لـ يتأمل تلك النائمة على الأريكة ، تململت "يارا" فى نومتها الغير مريحة ، و أصدرت انينًا خافتًا حين داهمت الآلام ظهرهـا و عنقها ، و مع ذلك ظلت مغلقـة جفنيها فـ أصابه الضجر من نومها العميق و الذى صارت تلجأ اليه للهروب عن عالمها منذ أن اقتحـم هـو حياتها ، تحرك نحوهـا و وقف أمامها بـ وجه جامد التعبيرات ، ثم دس كفه بـ جيبه و أخرج هاتفها منه ، ثم نقر على شاشته عدة مرات ، و انحنى قليلًا عليها بـ جذعه للأمام ، و قرب الهاتف من اذنها ثوانٍ و اصـدر المنبـه صوتًا مزعجًا جعلها تنتفض فزعًا من نومتها ، نهج صدرها علوًا وهبوطًا و هى تستقيم بـ جلستها ، و التفتت لتجده على مقربـة منها ، فـ انتصب في وقفته و هـو ينقر على شاشـة هاتفها ليغلقه فـ التقطت أنفاسها المتوترة مرددة بـ استنكار بنبرة متلعثمة :
_ في حـد يصحي حـد كـده ؟
أشار بـ عينيه الى هاتفها متمتمًا بـ جمـود :
_ مـوبايلك
فـ تهللت أساريرها و التعمت عيناها و هى تنظر له متمتمة بـعدم تصديق التقطته منه على الفور ، و فتحته متمتمة بتلقائيـة و هي تنقـر على الشاشـة :
_ أكيد ماما اتصلت بيا كتيـر و هي قلقانـ ..
تنغض جبينها و خبى بريق عينيها و انطفأت ملامحها و هي تردد باستنكار :
_ ايـه ده ؟
رفعت عيناها اليه فـ عقد ساعديه أمام صدره فـ رددت بـ حنق و هي تشير الى الهاتف :
_ فيـن الخط ؟
فـ ردد بنبرة جامدة و هـو ينظر لها بـ جفاء :
_ معايا
فـ احتدمت نبرتها و هي تستقيـم بوقفتها :
_ يعني ايـه معاك ؟ بقولك هـيموتوا من القلق ، المفروض انى أرجع من بليل و بابا …..
فقاطعها بنبرة صارمة :
_ شششششش
تنغض جبنيها و هي تنظر له باستنكار فـ عاد يردد بنبرة جافة:
_ صوتك ميعلاش !
اتسعت عيناها بـ عدم تصديق ، فـ استدار بـ جسده ليلتقط سترته من فوق الأريكـة المجاورة ، فـتمتمت بـ سخط :
_ يا رب صبرنــى !
ثم رفعت نبرتها لتردد بـ حنق :
_ انت يا بنى آدم
تحرك ناحيـة الباب متجاهلًا ندائاتها و هـو يرتدى سترته ، فـ أوفضت نحوه و سدت الطريق عليه متمتمة بـ احتـدام :
_ انا بكلمك
عقد ساعديـه أمام صدره و هـو ينظر لها بنظرات جـامدة ، فـ عادت ترفع الهاتف امام عينيه متمتمة بنبرة شبه متوسلة :
_ بص ، انا .. انا هكلمهم أطمنهم عليا مش أكتر عشـان…
فـ احتقن وجهه فجأة بالدمـاء ، و غلت الدماء بعروقـه ، حل ساعديـه لـ يزأر بـ شراسـة :
_ قــولت لأ
انتفض جسدهـا من انفعاله المفاجئ ، و لكنها تحلت بالشجاعـة و هي تردد بـ تشنج :
_ انت واحـد ميعرفش معنى للانسانية ، اللى عملته معايا مش كفايـة !
فـ استعاد جزءًا من هـدوءه ليردد بـ جمود :
_ عملت ايـه ؟ انتى بتسمى اللى عملته حاجة ؟
اتسعت عيناها بـ غيظ مرددة بـ سخط و هي تشيح بـ كفها :
_ عملت ايـــه ! بسيــطة .. خليتنى اتجوزك غصب و ..
فـ قاطعها ببرود و هـو يميل برأسه للجانب قليلًا :
_ تــؤ تــؤ قضيت على أحلامـك !
تنغض جبينها و هي تنظر له باشتعال ، فـ تابع بنبرة مستخفـة و كأنـه يحلل شخصيتهـا :
_ واحـدة مش عايشة في الدنيا معانا ، بتدور على واحـد تافه يعيش معاها قصـة حب و تكتمل قصـة الحب الأسطـوريـة دى بالجـواز و تعيشوا حياة سعيـدة و الهبـل ده !
اتسعت عيناها بـ غيظ من استخفافه بأحلامها ، فـ تابع غير مباليًا بـ حالتها :
_ واحـدة بتدور على الحب في أى حاجة ، مؤمنـة بـ حاجة تافهة اسمها حب !
فـ رفعت كفها منتويـة دفعه من صدره مرددة بتشنج :
_ ازاى تتجـــرأ !
قبض على معصمها قبـل أن يصل اليه ، و احتقن وجهه و عيناه بالدماء و تصلبت ملامحه و هـو يحدجهـا بنظرات ناريـة ، فتحلت بالشجاعة و هي تنقل بصرهـا بين عينيه التى باتت و كأنها غابات خضراء اشتعلت بها النيران  و هي تتلوى بـ معصمها محاولة افلاته ، رددت بنبرة مزدريـة :
_ واحـد زيـك استحالة يعرف معنى الحب أو العواطـف ، انت واحـد قلبك حجر أصلًا ، أنا بقرف منك و من نفسى عشـان بقيت مرات واحـد زيـك !
فـ لوى ذراعها خلف ظهرها مقربًا جسدهـا أكثـر اليه ليلتصق صدرها بـ صدره مرددًا ببرة قاتمـة :
_ و ده اللى عايـزه خليكى كده مش طايقة نفسـك و انتى معايا
حاولت الابتعاد عنه و تلوت بـ ذراعها أكثر  وقد تجمعت الدموع فى مقلتيها متمتمة بـ اختناق :
_ ابعــد عنى أنـــا بأكرهــك
فـ ردد بجفاء و هـو مسلط لـ نظراته الناريـة عليها :
- و أنا قولتلك قبل كده مطلبتش تحبيـــنى !
انهارت مقاومتها و قد تألم ذراعها أكثر من محاولاتها التى تبوء بالفشـل في كل مرة ، فـ تمتمت و هى تنظر له بـ حقـد :
_ انت واحــد مغرور و وقـ...
فقاطعها بـ صرامـة واضحـة :
_ ششششش
أطبقت جفنيها بنفور و قد أُرغمت على ابتلاع كلماتها ، فـ تابع بنبرة قاتمة :
_ جربى بس تغلطى و أنا هوريكى جهـنم عاملـة ازاى على الأرض !
لم تتمكن من كبح دموعها أكثـر  فـ سالت على وجنتيها كـ الشلال  و هي تشيح بوجهها بعيدًا عنه ، فـ  ردد بنبرة جافـة و هـو يحرر ممعصمها دافعًا لها بعيدًا :
_ أهلك تنسيــــهم و إلا متلوميــش إلا نفســك
فـ دفنت وجهها بين كفيها و بكت بحرقة و قد شعرت بـ روحهـا تحترق من كلماته ، فـ عاد يردد بنبرة ذات مغـزى :
_ كفايـة انك عارفـة انهم عايشيــن !
شعرت بـ ساقيها صارتا رخوتيـن ، فـ خرت على ركبتيها و قد تعالى صوت شهقاتها ، فـ ضبط "يامن" من سترته و هـو ينظر لها بنظرات خاليـة من الحياة ، استدار بـ جسده متحركًا ناحيـة الباب ، و خرج منه صافقًا له خلفه ، فـ استمعت هي الى صوت الباب يوصد عليها من الخارج بالمفتــاح ، فـ استندت بـ كفيها على الأرضيـة و حاولت الاعتدال في وقفتها مهرولة نحوه بـ لهفة ، و طرقت عليه عدة مرات و هي تصرخ بـ هيــاج :
_افتــح الباب ده أنا مش مسجــونـة هنـــا ، افتـــح الباب
صرخت كثيرًا صرخت حتى بح صوتها و هي ترى أحلامها السابقة أمام عينيها و قد شهدت انهيارها بالكامل .
استدار بـ جسده للخلف متجهًا نحو المصعـد و لكنه تسمر في مكانه حيـن استمع الى صوت صرخاتها ، فـ تنغض جبينه و هـو يلتفت برأسـه لينظر للباب بينما أمسكت بـ مقبض الباب و خرت على ركبتيها مستندة بـ جبينها عليه و هي تبكى بحرقة ، ثم هـدرت من بين شهقـاتها بنبرة شبه مبحـوحـة بالرغـم من صلابتها :
_ عمـــــرى ما هسامحك أبــدًا ، ربنــــا ينتقم منك على اللى عملته ، سامعنى يا يامن ، مش مسامحــــــاك ، ربنـــــا هينتقم منك على كل حاجة عملتها ، أنــــا بأكرهــك ثم عادت تنتحب بأنيـن موجوع تاركـة لنفسها العنان لتخرج حرقـة قلبها .
نيران تأججت بـ صدره و هـو يستمع الى مرارة نبرتها ، لا تعلـم أنها ذكرته بنفسـه في مرحلـة مختلفة تمامًا ، حينها لم يكن يعلم أنه سيُصبح يومًا الجاني و أن قلبه سيصبح جامدًا بتلك الطريقـة ، عاد ينظر أمامه بنظرات قاتمة و كور قبضتيـه بـ قوة حتى ابيضت مفاصل أصابعـه ، و برزت عروق جبينه  متمتمًا بنبرة متشنجـة :
_ و لا أنـا هسامحهم ..أبـدًا !
ثم استكمل طريقه نحو المصعـد و تسمر أمامه و ضغط على زر استدعائه ليتلفت ناظرًا للباب نظرة اخيـرة قبل أن يصل المصعد الى الطابق و فُتح بابه تلقائيًا ، فـ تجمدت نظراته و هـو يعاود النظر أمامه و دلف للداخل ليبتعد عن صوت صراخها الذى رفـض أن يتركـه مُطقًا ، بل ظل يتردد على أذنيـه رافضًا تركه .
………………………………………………………………………………
تعدت الساعـة الثامنة مسـاءًا و لا زالت كما هي على حالتها تلك ، حتى أنها غفت لأكثـر من مـرة و استيقظـت من غفلتها مذعـورة ، و أخيـرًا كفكفت دمـوعها بـ ظهـر كفها و شهقـت بـ خفوت و هي تستند بكفيها على الارضيـة ، أصـدرت معدتها أصواتًا لـ خوائها ازعجتها ، فـ تحركت بـ خطى متثاقلة نحو المطبخ ، دلفت للداخل و فتحت الضوء ، ثم تحركت نحو المبرد و أخرجت منه ما تحتاج لـ تصنع شطيرة ، سحبت لها مقعدًا و جلست فوقه أمام الطاولة التى تنتصف المطبخ ، و شرعت تصنعها و همت بتناولها ، مررت نظرهـا على الطاولة حولهـا ، فتجسـد طيف عائلتهـا حولهـا ، فـ انبعج ثغرهتا بابتسامة بسيطة سريعًا ما تلاشت و قد تلاشـوا من أمامهـا كـ الرمـاد ، تلفتت حولهـا فـ إذ بهـا وحيـدة كما لم تكـن يومًا ، عادت الدمـوع تنسـاب من عينيها المنتفختيـن ، و سريعًا ما تعالت صوت شهقاتها و هي تنظر حولها ، عادت وحيـدة لن يأتى من ينقذهـا من أسـرهـا ، تردد صدى كلماته القاسيـة على أذنيها لـ يجرح روحهـا اكثر ، تكررت مشـاهد محاولاته لـ قتل والدهـا و عائلتها أمام عينيها ، فـ تركت الشطيرة جانبًا ، و استندت بـ جبينها على ساعدهـا و هي تنتحب بأنيـن موجـوع متمتمة بـ قهـر :
_ أنا عملت ايـه في دنيتى عشـان ربنا يبتلينى بواحـد زي ده !

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now