"الفصل الثامن و العشرون"

1.2K 32 0
                                    


بـ ذلك المكـان الذي هـو أشبه بـ صحـراء مقسـمة الى نصفيـن يفصـل بينهما نهـر ذو لـون مياه فيـروزي ، كان يقف منتصبًا بـه يتلفت حوله يبحث بـ عينيه الثاقبتيـن عما يُبيـن له ماهيته و قـد تنغض جبينه ،حتـى تجسـد أمامه على الضفـة الأخرى كـانت نظراته اليه محملة بالعتاب.. عتاب لم يره بـ حدقتيه من قبل ، بادله نظـرات تجلى الشوق فيها و هـو يهمس بصوتٍ خافت :
_ بابا !
تقـدم للأمام خطـوة واحـدة فـ بسـط " يـوسف" كفه مستوقفًا بنبرة قاسيـة :
_ متقربــش !
تسمـر " يامـن" في مكانه و قطب حاجبيه و هـو يردد معاتبًا :
_ بابا !
هـزّ " يـوسف" رأسه استنكارًا و هـو يبتعـد عنه عدة خطوات للخلف بـ دون أن يوليـه ظهـره و مازال مسلطًا لـ نظراته عليه و كأنه خـذله ، اندفعـت الدمـاء بـ عروق " يامـن" و هـو يرى والده يبتعد رويدًا رويدًا فـ أوفـض نحـوه هادرًا بنبرة عنيفـة علّه يستوقفه :
_ بــابا ، استنـــى
كانت المسافـة و كأنها لا تنهـي ، وصـل أخيرًا بعـد أن قطـع أشواطًا في الركـض الى ذلك النهـر الذي يفصـل بينهما ، كـان طيفه قد تلاشى تمامًا مـن أمامه و بقـى وحيدًا بـ ذلك المكـان ، انحنى بـ جذعـه للأمام مستندًا بـ كفيه على ركبتيه يحاول التقاط أنفاسه اللاهثـة لـ يتنغض جبينه بدرجـة كبيرة حيـن رآها .. كـانت صـورتها تنعكـس على صفحـة المياه أمامه و كأنها تقف بـ جواره ، التفت لـ يتأكد من عـدم وجودها لـ يجد ذاته وحيدًا ، عاد ينظر اليها لـ يجـد نفـس النظرات المحملة بالعتاب في عينيها ، تمتمت " يارا" بـ شجـن و هـي تنقل بصرها بيـن عينيه :
_ ليـه ؟ أنا .. انا ذنبي ايـه ؟
خفق قلبه بـ عنفٍ في صـدره من نظراتها ، ازدرد ريقه و هـو مجمدًا لنظراته عليها فـ شعـر بـ نظراتها تخترق فؤاده فـ تُدميـه ، بسطـت " يارا" ذراعها لتتسع حدقتاه بذهول حيـن رآى ذراعها يخرج من صفحة المياه بالفعل و كأنها حقيقة و ليسـت مجـرد صـورة منعكسـة ، كانت تحمـل سكينًا بكفها اعتقـد أنها ستُنهي به حياته ، و لكنها على العكـس بسطت كفها مرددة بـ نبرة مبحـوحة :
_ اقتلني ، المـوت أهـون من اللي أنا بعيشـه ! أهـون من إنى أعيش معاك انت !
تلاحقت أنفاسه و ارتبكت ملامحه الى حـد كبير ، مـد كفه منتزعًا السكيـن منها خوفًا من أن تنجـرح به بشكلٍ ما ، و لكـن حيـن قبض عليه بـ كفه استمع الى شهقة ذعر منها و اختـرقت بقعـة من الدمـاء تلك المياه الفيروزيـة فوق صـورتها ، تجلى الألـم في عينيها و كأنه بالفعـل قـد طعنها بـه ، ارتخى كفه القابض علي السكيـن ، و جثى على ركبتيه و هـو يتلمـس المياه بأطراف أصابعه لـ يستشعـر ملمـس الدماء الدافئـة ، و فجأة اهتـزّت صورتها و قـد تلاشـت هكذا أمام عينيه ، ليحل محلها بركة من الدماء و تحـول النهـر بـ أكمله للون الدماء الأحمـر سـرت قشعريرة قـويـة بـ جسده ، ألـم عظيـم اجتاح فؤاده و هـو يرها تتلاشـى ، هـدر بها بنبرة عنيفـة آمـرة :
_ مــش من حقـك تسيبنيي ، ســامعـة ، ارجعـــي !
تلاشـى كـل شئ عـدا صـوت شهقاتها المتألمة الذى لا يعلـم مـن أيـن يأتى ، رفع كفيه أمام وجهه ليجدهما مخضبان بالدماء نظـر أمامه الى الضفـة الأخـرى لـ يُصعـق مما رآى ، كـانت مجاورة لـ والده و قـد كان يُحاول التخفيف عنها ، و هـو ينظر لها بـ حنوٍ ، تفاجأ بها ترفع نظراتها الدامعة اليه و تشيـر له بـ كفها و كأنها تشكيـه لوالده ، فـ حـول " يـوسف" بصره اليه لـ تقسـو نظراته ، تفاجأ به يقبض على كفها فـ انتصب " يامـن" بوقفته ، اتسعت عيناه بـ صدمةٍ و هـو يسحبها خلفه بينما مازلت نظراتها المعاتبة معلقـة به ، صـاح به يستوقفه :
_ بــــــابــا ، استنــى ، بابا !
انتفض في وقفته حيـن استمع الى صـوت والده يأتي من جواره مرددًا بـ جفاء غيـر مسبوق منه :
_ انت مـش يامن الي أعرفـه ، مــش هـــو
_بــابـــــــــــــا
زأر بها  " يامـن" و هـو ينتفض مستقيمًا بـ جلسته على الأريكـة بـ غرفـة مكتبه ، نهـج صـدره علوًا و هبـوطًا و تلقائيًا بـحث بعينيه عـن كلاهما ، أطبق جفنيه بـ قوةٍ و هـو يخفض ساقيه ليلامسا الأرضيـة ، استند بـ مرفقيه الى ركبتيه ، و تلاحقت أنفاسه اللاهثـة كما لـو أنه قطع أشواطًا مـن الركض ، رفع كفيه يبسطهما أمام وجهه ليتأكد من عدم وجود تلك الدماء دفـن وجهه بيـن كفيه و هـو يتمتم بنبرة مبحـوحـة :
_ كــان كـابـوس ، كـابوس مـش حقيقي !
بالرغـم من ابتعـاد ذلك الصـوت عـنه لـ درجة معقـولة الا أنه اخترق أذنيـه بـ قوةٍ ،  أقرب الى شهقتها التي استمـع اليها بكابـوسه ، تجمدت تعبيراته و هـو يستقيـم بوقفته  ثـم سـار نحـو الحائل الزجاجي الذي يفصـل بينه و بيـن الحديقـة ، و فتحه على الفـور موفضًا للخارج لـيبحث عنها بـ عينيه ، فلم يجـد صعـوبـة لـ يجدها ، تحفـزت حواسـه و هـو يراها تقف مجاورة للحائل الزجاجي و قـد تشكـل الذعـر بـ عينيها حيـن مرّت تلك الهـرة من جوارها ، كتمت شهقاتها بـكفيها و اتسعت عيناها ذُعرًا مـن أن يصل صوتها اليهم ، و لكـن فرّت الدمـاء من عروقها حيـن وجـدت تلك القبضة الحديدية تقبض على عضـدها ليديرها اليه مرددًا بـ قلق تجلى في عينيه :
_ انتي كويسـة ، حصـل ايـه ؟
هـوى قلبها في قدميها و هي تنقل نظراتها المذعـورة بيـن عينيه ، تلعثمت نبرتها و هي تردد محاولة التبرير :
_ أنا .. أنـ.. أنا كنت .. كـنت هرجع ، أنـ...
مرر نظراته على جسدها ليتأكـد من عـدم حدوث مكـروه لها ليجـد بعض سحجات أُصيبت بها في ذراعيها اثر سقوطها بالاضافة الى بقعتيـن من الدماء على ركبتيها اخترقتا بنطالها ، خفق قلبه بعنفٍ في صدره و قـد تذكر بركة الدماء التي رآها بكابوسه ، رفع نظراته اليها ليردد بنبرة جامدة :
_ انتي خرجتي ازاي ؟
ازدردت ريقها متمتمة بنبرة مرتجفة :
_ أنـ.. أنا ..
سار أمام عينيها لمحات من قسوته نحوها و سعيه للانتقام منها و من عائلتها ، شعرت بالصورة تهتز أمام عينيها و بالظلام يحيط كـل ما حولها بـ سرعة رهيبة و فجأة تلاشي كل شئ لـ يحل الظلام الدامس محله و قـد كان الضغط أكبر من قدرتها على التحمل  فـ لجأت لـذلك الحل المؤقت بأن تتغيب عـن واقعها خوفًا من مصيرها ، ارتخى جسدها بالكامل و كادت تفترش الأرضية به لولا ذراعيه اللذان طوقا خصرها ، خفق قلبه بـ عنفٍ في صـدره و هـو يمرر احـدى ذراعيه خلف ظهرها لـيتنغض جبينه حيـن استشعر ملمس الدماء الدافئة ، ازدرد ريقه بـ ارتباك غير معهـود منه و هـو يُحكـم قبضة ذراعه الآخـر عليها و رفع كفه يبسطه أمام عينيه لـ يحدق بـ الدماء التي لوثت كفه ، على الفور مرر ذراعه خلف ظهرها و الآخر خلف ركبتيها و حملها بيـن ذراعيه و هـو يستديـر بـ جسده و دلف للداخـل من خلال الحائل الزجاجي ثـم خرج من غرفة المكتب حاملًا لها بيـن ذراعيه و هـدر بنبرة عنيفـة :
_ سهيـــر
دقائق و كانت أمامه تردد بنبرة مرتبكة و هي تراها هكذا فاقدة لوعيها :
_ أيوة يا بيه ؟
فـ شـرع يصعـد الدرجات مرددًا بنبرة صارمة :
_ اتصلي بـدكتـور عـزّت حالًا
أومأت برأسها العديد من المرات و هي تتمتم بخنوع :
_ حاضر يا بيه
وصـل " يامن" حتى غرفته فـ اضطر أن ينزلها على ساقيها لـ يتمكن من فتحه و لكنه ظـل محاوطًا لها بـ ذراعه بـ إحكام ، دس كفه بـ جيبه و أخرج سلسلة مفاتيحه ثـم دسها بالباب و أداره لـ ينفتح ، عاد يمرر ذراعه خلف ركبتيها لـ يدلف بها للداخل ، ثـم أسند جسدها بـ حـذر فوق الفراش ، جلس أمامها عليه مسلطًا نظراته عليها ، عادت مشاهد كابوسه تتجسـد أمام عينيه فـ أطبق جفنيه بـ قوةٍ محاولًا محـوها و لكنها أبت أن تتركه ، طرد زفيرًا حارًا من صـدره و هـو يفتحهما ثانية لـ يمررهما على وجهها الشاحب ، ثـم فرك عنقه بـ كفه بقوة و هـو يلتفت في اتجاه الشرفـة ، انتصب في وقفته و سار نحوها و دلف للداخل لتتأكـد شكوكه حيـن رآى الغطاء متدليًا منها ، فـ كـور قبضته بـ قوة و ضـرب بها حافـة الشرفـة متنهدًا بـ حرارة ، رفع نظراته الى السماء و سحب شهيقًا عميقًا زفره دفعةً واحـدةً ، اختنق صـدره بدرجةٍ كبيرة و كأن هناك ما يُطبق عليه ، ظل محدقًا بها لـ برهـة ، ثـم استدار بجسده عائدًا للداخل ، ليجلس أمامها سمـح لنفسه ليتأمل ملامحها الهادئـة لبرهـة ، ثـم أشاح بوجهه عنها متنهدًا بـ عمقٍ و استند بـ مرفقيه الى ركبتيه ، و دفـن وجهه بين كفيه و قـد تناطحت الأفكار السوداوية برأسه شرع شعـور الإرتباك يتسلل اليه رويدًا رويدً .. انه أشبه بـ شعـور الخوف الذي لـم يشعـر به من قبل ، خـوف من فقدانها خاصـةً بعـد أن كادت ترحل مع والده ، عاد يهمس لـ نفسه آملًا من أن يكون ما يتفوه به صحيحًا :
_ كـان كـابوس .. كابوس مـش حقيقـة !
........................................................................................
خاصم النوم جفنيه گليالٍ حالكة مضت .. أيامه .. دقائقه .. حتى الثواني تمضي گأدهرٍ عليه.. كم تمنى لو أنه يفرّ الى عالم السبات فينعم ببعض الراحة .. و لكن حتى و ان غفى فتلاحقه الكوابيس لتنغص عليه ، يكاد يجزم بأنه لا يستوعب بعد ما حدث ، أطلق زفيرًا حارًا من صدره و هو ينزع الغطاء عنه ليسقيم في وقفته ثم انتقل بخطواتٍ واهنة نحو الخارج ، كان الهدوء يعم المنزل في ذلك التوقيت من الليل .. رغبةً حثته على رؤية ابنته عله يشفى شوقه لها ، غير وجهته حيث غرفتها .. فتح الباب بهدوءٍ حذر ثم دلف للداخل و هو يسير على أطراف أصابعه ، حتى دنا من الفراش ليرتفع حاجبيه حين رآها غافية في أحضان " حبيبة" ، انحنى عليها أولًا ليمسح على جبينها برفقٍ ثم انحنى ليطبع قبلةً حانية على جبينها ، رفع نظراته الملتاعة نحو " حبيبة" ، سار بعينيه على وجهها ليجد علامات الإرهاق جليةً عليه ، نغزة قوية آلمت فؤاده و هو يراها بتلك الحالة الواهنة ، تململت الأخيرة في نومتها فتوتر و هو يستقيم في وقفته و سريعًا ما انتقل بخطواتٍ حذرة للخارج موصدًا الباب خلفه فهو لا يقوَ حتى على مواجهتها .. انه أكثرًا جبنًا من أن يقوم بذلك .
.....................................................................
تلاحقت أنفاسها و تشنجت ملامحها ، تندى جبينها بالعرق كما لو أنها تفرّ من أحـدهم ، هـزت رأسها نفيًا فـ استشعرت ذلك الملمس الحاني على كتفها و نبرة صوتها الهادئة :
_ اهـدى يا مدام يارا ، متخافيـش
فتحت جفنيها ببطءٍ ثـم رمشت بهما عـدة مرات لتعتاد على الإضاءة ، كانت الصورة بالبداية مشوشة ، و لكنها أخذت تتضح أمامها ، انها نفس الفتاة التي كانت ممرضة لها ، تنغض جبينها و هـي تتمتم بنبرة متحشرجـة :
_ حـ..حصل ايـه ؟
انتهت " مريم" من زرع ابرة طبية بالمحلول المغذي لعروقها فنزعتها و هي تردد بنبرة رقيقة :
_ متخافيش يا مدام يارا ، الجرح أ....
قاطع صوتها صـوت فتح الباب ، دلف للداخل منتصبًا  لـ يسلط نظراته الجامدة عليها فـ دب الذعـر في قلبها و هـي تتذكـر أنه قـد أمسـك بها بالأمـس حين حاولت الفرار عقد " يامن" ساعديه أمام صـدره ، نظرت له " مريـم" من زاوية عيـن بارتباكٍ جلّ على ملامحها ، حـاد " يامن" ببصره عنها ليشيـر بـ عينيه الى " مريم" التى أومأت برأسها موافقـة و هـي توفض للخارج على الفور موصدة الباب خلفها ، ازدردت " يارا" ريقها بـ توجـسٍ و سرت رجفـة قوية بـ جسدها ، استقامت في جلستها و هـي تتمتم بـ توجـس :
_ انت .. انت عملت ايـه ؟
نظـر لها مُطولًا بنظرات أربكتها و جعلت رجفتها تزداد ، ثـم حرر ساعديه لـ يسيـر نحو الشرفـة ، جـذب الستائر القاتمة لـ يتخلل ضـوء الشمس الغرفـة ، ظـل واقفًا أمامها ينظـر للسماء من خلال بابها الزجاجي بـ عينين ثاقبتيـن ، عقـد كفيه خلف ظهرهِ و ملامحه الجامدة لا تعكـس ما بداخله مُطلقًا ، راقبته بـ عينين زائغتيـن متمتمة بـ نبرة مرتجفـة :
_ انت .. انت عملت حاجة في عيـ..عيلتي عشـان حاولت أهرب !
التفت اليها على حيـن غرة و تنغض جبينه مرددًا باستهجان :
_ حاولتي ايـه ؟
ازدردت ريقها مكررة بنبرة مبحوحـة :
_ أهـ..أهرب !
استدار بجسده بالكامل لها مرددًا بنبر جامدة و هو يمرر أصابعه بخصلاته :
_ امتى ده حصـل ؟
فغرت شفتيها و اتسعت عيناها مرددة بصدمة :
_ امـ.. امبارح آآ..
فـ تمتم بنبرة جافة و هـو يدس كفيه بجيبيه :
_ امبارح انتي مخرجتيش من الأوضة !
ارتفع حاجبيها بدهشةٍ و هي تنظر له بعدم تصديق متمتمة :
_ نعم  أومـ.. أومال حصل ايه ؟
فـ رفع كتفيه لـ يجيبها ببساطةٍ :
_ سهير كانت جايبالك الأكل بالليل لقيتك مغمى عليكي !
ارتفع جانب ثغره ببسمة ساخرة و هـو يردد بنبرة متهكمة :
_ شكلك بتحلمي انك تهربي من هنا ، ده أثر على عقلك الباطـن
فغرت شفتيها بصدمةٍ و نظرت له بـ ذهول متمتمة بـ استنكار :
_ انت .. انت غلطان .. أنا..
تلفتت حولها لـ تتسع عيناها حيـن رأت الأغطيـة مختلفـة تمامًا بالرغم من كونها سـوداء ، تنغض جبينها و هي تنظر له متمتمة بـ شـدوه :
_ مش معقـول يكون كـل ده حلم !
حولت بصرها نحـو ستائر الشرفة لترمش بعينيها عدة مرات بعدم تصديق حيـن رأتها هي الأخرى مختلفـة ، توترت ملامحها و هي تنزع الإبرة الطبية عـن كفها ، و أخفضت ساقيها ليلامسا الأرضيـة ، وقفت و دنت ببطءٍ من الشرفة بينما كان يتابعه بـ عينيه مستمتعًا بـ رد فعلها ، أدارت " يارا" مقبض الشرفـة و فتحت بابها الزجاجي الشفاف ، دلفت للداخل لـتكتمل صدمتها حيـن رأت المنضدة الصغيـرة التي تتوسط الشرفة مختلفـة ، كما كـان هناك مقعديـن حولها لـم ترَ كلاهما البارحـة ، التفتت برأسها اليه و دلفت للداخل تدنو منه ببطءٍ متمتمة بـ نبرة مرتبكة :
_ ازاي يعني ؟ مستحيـل أكون حلمت بكل ده !
فـ أشار بعينيه الى رأسها متمتمًا بنبرة جافة :
_ شيلي الفكـرة دي من عقلك عشـان متأثرش عليه !
تنغض جينها بدرجةٍ كبيرة متمتمة بـ غيظٍ :
_ قصدك تقول اني مجنونة ؟
فـ رفع كتفيه متمتمًا بفتور :
_ شوفي نفسـك !
كزت على أسنانها مرددة بـ سخطٍ :
_ أنا مش مجنونـة
اهتز هاتفه في جيبه فـ أخرجه و تنغض جبينه و هو ينظر لـ اسـم المتصل ، قست تعبيراته فجأة و تحولت نظراته للقتامـة ، رفع نظراته اليها لـ ينظر لها بنظرة قاسيـة ، ثـم استدار بـ جسده ليخرج موصدًا الباب خلفه ، فـ زفرت بـ حنقٍ و هـي تجلس على طرف الفراش ، حكت مقدمـة رأسها متمتمة بـ عدم تصديق :
_ طـب ازاي ؟ كـل حاجة كانت كأنها حقيقة !
...............................................................................................
كان يقف بجوارها متحمسًا لـمعرفـة المزيـد عنها .. سحب كوب الشاي بالحليب يرتشف منه بضع قطرات ثم وجه بصره ناحيتها و :
_ يعني هي طيبة ؟
رفعت " سهيـر" كتفيها و هـي تسنـد عـدة أطباق فـوق الحامل المعدني :
_ و الله يا عمـر بيه أنا ملحقتش أعرفها ، بس هي تدخـل القلب كده على طول
ثـم طردت زفيرًا حارًا من صـدرها متمتمة :
_ بس حظها وحـش
تفهـم مقصدها فـ عبست ملامحه نوعًا ما و هـو يتمتم بـ ضيقٍ :
_ معاكي حق ، ده حـظ إسـود ملقاش غير يامن يوقعها فيه !
فـ تلفتت " سهيـر" حولها خوفًا من أن يستمع أحـدهم اليه ، و نظرت له مرددة بـ توجـس :
_ وطي صـوتك يا عمـر بيه
فـ قاطعها و هـو يلتقط ابريـق الشاي ليضعـه فوق الحامل المعدني :
_ متخافيش يا سهيـر ، المهم قوليلي ، متعرفيش هـي عندها كام سنة مثلًا ؟
رفعت كتفيها متمتمة بلا اهتمام :
_ مـش عارفـة يا عمـر بيه ، بس شكلها مش كبيـرة يعني 22 سنة كده !
أومأ برأسه متنهدًا :
_ فعلًا ، أنا شوفتها امبارح بس مدققتش في شكلها ، دلوقتي أشوفها تاني
ثـم ابتسـم مستبشرًا مرددًا بـ حماس :
_ حاسس انها هتكـون أخت ليا و الله !
قبضت " سهيـر" على شفتيها بـ قوة ، و تابعت رص الصحـون فوق الحامل المعدني و هـي تنظـر له من طرف عيـن وقـد خشـت أن يحدث صدامًا بيـن كلاهما سيثبط حماسه .
...................................................................................
رفع الهاتف الى أذنه و هـو يسيـر نحو الدرجات مرددًا بـ صوتٍ قاتم :
_ هات اللي عنـدك
فـ ردد أحـد رجاله بنبرة جادة :
_ اسمـه خالد الدسـوقي يا يامـن بيه ، خالد عادل الدسوقي ، والده عادل الدسـوقي يبقى  أخو حبيبة الدسـوقي !
تنغض جبينه و هـو يهبط الدرجات هامسًا بنبرة جافة :
_ أخوها !
أزاح الهاتف عـن أذنه لـ يُغلق المكالمة و دسه في جيبه ، أطلق سبة خفتة من بيـن شفتيه و هـو يتمنى لو أنه أزهق روحه البارحـة ، سـدّت الطريق عليه والدته عاقدة لساعديها أمام صـدرها تنظـر له بنظرات حـادة فـ بادلها بنظرات قاسيـة مرددًا بنبرة جـامدة :
_ هــدى ، أنا مـش فايق لحـاجـة دلـ......
فـ قاطعته بنبرة حازمـة :
_ كان عقلك فيـن و انت بتتجوز بنت حبيبـة ؟ هـــا ، ملقتش غير دي تتجـوزها ؟
دس كفيه بـ جيبيه و سلط نظراته عليها فـ تابعت مشيحـة بـ كفها :
_ هـو ده اللي هتنتقـم لأبوك ، تتجوز بنت اللي قتله
فـ لـم يصرّح عـن أسباب زواجـه منها و ردد بنبرة جـامدة :
_ انا حــر ، أعمـل اللي عايـزه ، دي حياتي ملكيش الحق تتدخلى فيها !
تنغض جبينها مرددة باحتجاج :
_ أنا أمـك يا باشا متنسـاش نفسـك !
ارتفع جانب ثغره بـ تهكـم ، و حـك طرف أنفه بسبابته متمتمًا بنبرة باردة :
_ و ده من امتى يا هـدي هانم ؟
كـزت على أسنانها مرددة بـ تشنجٍ :
_ أنا فعلًا معرفتش أربيـك
التوى جانب ثغره بـ تهكـم و :
_ تـــــؤ تـــــؤ ، ليـه بس يا هــدى هانم
تصلبت تعبيراته فحأة و أظلمت عيناه بـ درجـة كبيرة و هـو يفتح ذراعيـه مرددًا بـ صوتٍ قاتم :
_ مــــش ده اللى كنتى عايـزاه ؟ مــش ده اللي كنتي هتمـوتي و تعمليـه ؟
عبست ملامحها متمتمة بـ استنكار :
_ بس مكنتش عايزاك تنكـر وجـود.....
دس كفيه بجيبيه مقاطعًا بـ شراسـة :
_ كنتي عايـزة تتحكمـي فيا زي ما انتي عايـزة
ثـم دنا منها خطوة مسلطًا لنظراته الجافة عليها ، و انحنى قليلًا برأسه عليها نظرًا فارق الطول بينهما يقرب شفتيها من أذنيها هامسًا لها بنبرة أشبه للفحيـح :
_ بس للأسـف فشلتي يا هـــدى هـانم ، مفيش حـد يتجرأ يعارضني أو يقف قصادي !
ثـم ابتعـد برأسه عننها لـ يرى تأثيـر كلماته التي انعكست على ارتباك ملامحها و تابع بنبرة جامدة :
_ حتـــــى انتي !
ازدردت ريقها بتوترٍ و هـي تنظر له بـ طرف عيـن ، فـ شملها بنظرات جافة و استدار بـ جسده لـ يمضي نحو الخارج ، بينما كـزّت " هـدى" بـ عنفٍ على أسنانها ، و رفعت نظراتها المشتعلة للأعلى لـ تتمتم بـ نبرة حاقـدة امتزجت بالوعيد :
_ و الله لأوريكي ، مـش هتقعـدي هنا ثانيـة واحـدة !
......................................................................................................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن