"الفصل الثالث و الخمسون"1

711 17 0
                                    

"الفصل الثالث و الخمسون"
لا يعلم "يامن" كيف تمكّن من التماسك امام كلماتهِ المستفزة لأقصى درجة.. بينما كان "حسين" يضبط هندامه ثم قال ملوحًا:
ـ سلام بقى يا صياد
ضاقت عيناه فصارتا أكثر احتدادًا و هو يتابع رحيله بنظراته المتوهجة و عضلات فكيه ترتجف اثر إطباقهما، ثم سبّهُ من بين شفتيه:
ـ يلعن ****** يا *******
ـ يامن
التفت نحوه و هو يجأر بهِ:
ـ عايز ايـه؟
لوّح "مايكل" بتلك الذاكرة الصغيرة التي حصل عليها من المصوّر الذي التقط مشهد شجاره مع أخيه:
ـ You should be more carefully
زفر "يامن" أنفاسه الملتهبة و هو يتناولها منه، ثم قبض عليها بكفهِ حتى دمرها تمامًا و ألقاها بعيدًا..ضبط خصلاته و هو يلتفت نحوه مرددًا بلا اكتراث:
ـ سيبك منهم.. عمر فين؟
رفع "مايكل" كتفيه و هو يجيبه:
 ـ I think he leavedلم أره في طريقي إليك..
حكّ "مايكل" صدغه و هو يتبع كلماته بقوله:
ـ I remembered something.. on my way to you I met someone who said that he needs to meet you
" تذكرت أمرًا.. في طريقي إليك قابلت أحدهم، أخبرني أنه يودّ مقابلتك"
تأفف "يامن" معربًا عن ضجرهِ، ثم غمغم بنفاذ صبر و هو يشيح بوجههِ:
ـ طبعًا هتقولي راجل عجوز و أجنبي.. عارف
ـ yes mr yamen..that's me
........................................................
ـ انتي مجنونة!.. أكيد مش طبيعية! ازاي تعملي حاجة زي كدا!
تنهدت "يارا" بحرارة و هي تشبك كفيها معًا متهربة من نظراتها:
ـ كفاية بقى يا رهيف.. أنا محكتلكيش عشان تعاتبيني، لكن أنا مخنوقة أوي
فعادت تنهرها:
ـ نائف!.. ملقتيش غير نائف يا مجنونة، انتي أكيد حصل لعقلك حاجة
زفرت "يارا" خنقًا و هي تتلفت حولها، ثم تسلطت أنظارها عليها و هي تجيبها بامتعاض:
ـ انتي لو عايزة تفضحيني مش هتعملي كده يا رهيف
نظرت "رهيف" حولها ثم قالت بغير اهتمام:
ـ الناس قلوا أوي أصلًا.. مفيش حد هيسمع
و عادت تتسلط بناظريها عليها ثم قالت و هي تهز رأسها استنكارًا:
ـ مش عارفة انتي ازاي تعملي حاجة زي كدا
أحنت "يارا" بصرها عنها و هي تقول محمحمة:
ـ في حاجة تانية عايزة اقولك عليها
ـ حاجة إيـه؟
ـ سهيـــر
دوى صوته في ارجاء القصر فارتفع بصر "يارا" نحوه.. تعلقت أنظارها به و قد التمعت عيناها ببريق مضوي جعل "رهيف" تنتبه إلى شرودها، فاحتوت كفها و هي تكاد تنهض:
ـ تمام، بعدين.. هتصل بيكي
تنبهت "يارا" إليها فقالت بصوت خفيض:
ـ موبايلي.. سيبته هناك، هتصرف و أكلمك أنا
أومأت "رهيف" و هي تنهض عن جلستها:
ـ تمام.. ربنا معاكي
و ودعتها طابعة قبلتين على وجنتيها كما هو معتاد، ثم انصرفت.. تقابلت معه في طريقها فازدردت ريقها و هي تلقي نظرة عابرة على تقاسيمهِ القاتمة، بادرت و هي تهمّ بالمرور من جواره:
ـ البقاء لله يا أستاذ يامن
فاستوقفها و هو يسألها باهتمام على الرغم من احتداد نبرته:
ـ هتعملي يه؟
أومأت برأسها و هي تفضي القول بما لديها بتنهيدة مطولة:
ـ الحقيقة أنا عايزة أتكلم مع حضرتك في موضوع مهم قريب
و نظرت حولها ثم قالت:
ـ وقت تاني ان شاء الله.. أتمنى ماخدش كتير من وقتك
تنهد بضيق و هو يحيد ببصره عنها باحثًا عن أخرى بقلبه قبل عينيه:
ـ تمام
أومأت "رهيف" و هي تردد امتنانًا:
ـ متشكرة جدًا.. عن اذنك
و برحت محلها منصرفة، حينما التقطتها عيناهُ فكانت تتابعهما بشئ من الضيق و قد توهجت أنظارها، و فور ان نهضت عن جلستها و مضت نحوه كان يبادر بالرحيل، فتيبست بمحلها تتابعه أنظارها الغير مستوعبة فعلتهِ في حين كان يقف و يتحدث مع رفيقتها باهتمام واضح، كزت على أسنانها و هي تضرب الأرض بقدمها بعصبية، كان الجميع قد رحل تقريبًا.. لم يتبقَ سوى والدتها التي أقبلت عليها لتوديعها، فمنعتها من الصعود من خلفه، فظلت تتابعه انظارها حتى اختفى في أحد الأروقة.
..........................................................
رفعت ساقيها عن الأرضيّة إلى مقعدها لتضُمّ ركبتيها لصدرها و هي تطلق سراح زفيرًا ألهب أضلعها المتوقّدة، أطبقت جفونها فانسلّت تلك العبرة المتمردة من طرفها، و لكن.. سخطها كان أعتى من أن تذرف دموعًا، نزحتها بأطراف أناملها بعنفٍ ملحوظ و هي تُفرق جفونها، لتبزغ الشعيرات الدموية المحتقنة في كلتيهما.
 نظرت من خلال زجاج نافذتها الذي تجلس أمامهِ، بنظراتٍ خاوية لا معنى لها، انحرفت نظراتها للطاولة الدائريّة الصغيرة القريبة منها حين لاحظت تلك الومضة التي أعلنت وصول رسالة نصيّة، إذ قد فعّلت الوضع الصامت، فبسطت ذراعها لتتناولهُ، دون أن تخفض ساقيها، و تفحصتها لتجدها رسالة من والدتها تطمأن فيها على حالها، كونها تركتها بمفردها، لم تكترث للرد عليها.
أغلقت "ولاء" الدردشة الخاصة بوالدتها، و همّت بالخروج من التطبيق، و لكن استوقفها اسمها الذي لم تحذفه بعـد، بالرد الأخير بالدردشة الأخيرة التي جرت بينهما منذ أيام عِدة، و قبل أن تسمح لنفسها بأن تتفحص محادثتهما من جديد، كانت تقوم بحذف الدردشة بالكامل، أغلقت "ولاء" التطبيق، و همّت بأن تفتح تطبيق جهات الاتصال، و لكنها توقفت لدى خلفية الهاتف التي اعتادت رؤيتها منذ أن التقطت تلك الصورة مع رفيقتها المقربة، دون أن تنتبه إليها سوى الآن، أمعنت دون وعي النظر في ملامحهما المبتهجة حين كانتا تضحكان بإشراقٍ غير متكلف إطلاقًا، أو أنها ظنت أنها كذلك، فـ إذ بوجهها يغزوهُ الامتعاض، فتراءت لها ملامح تلك الفتاة و كأنها دميمة على الرغم من حُسنها.
 و لم تترقب بعد.. شرعت تمحو كل ما يتعلق بها، ليس فقط رقم هاتفها، و حظر حسابها من كافّة مواقع التواصل الاجتماعي و صور التقطتاها سويّا، بل كل ما شعرت أنهُ سيذكرها بها، من مقطوعة موسيقيّة استمعتا إليها، و أغنية رددتاها، من صورةٍ أبدت بهِ تلك اللعينة رأيها، من ألعابٍ هاتفيّة ترفيهيّة لعبتاها سويّا، كـل شئ.
تركت "ولاء" هاتفها جانبًا بشئ من العنف، و همت بأن تحيط ركبتيها بذراعيها و أعينها تتسلّط من جديد على الزجاج، و لكنها اضطرت أن تخفض ساقيها لتنهض عن جلستها، خطت بخطى خالية من الحياة لخارج غرفتها، حتى عاد قرع الجرس يصدح من جديد، فتقوست شفتيها و هي تردد بضجرٍ فاتر:
- طيب يا ماما، جاية.. أوف
و بلغت الباب، فأدارت المقبض و هي تردد بلهجة ناقمة:
- في حاجة اسمها مفتاح، ابقي افـ.. انــت!
رمشت مرتين تقريبًا و هي تجدهُ يشرف عليها بقامتهِ، فـ أحنت بصرها المتضايق عنه و هي تتابع بفتورٍ:
- إيه اللي جابك!؟
لم يكترث لفظاظة ردّها، بل أنه طرد زفيرًا حارًا عن صدره، ثم سألها باهتمامٍ:
- انتي كويسـة؟
فكان جوابها هازئًا من سؤالهِ:
- معتقدش يهمك
- يهمني
ارتفع بصرها نحوهُ تلقائيّا و قد انعقد حاجبيها، في حين تابع "فارس" و هو يضع كفيه بجيوبهِ:
- أكيد مش شايفاني شمتان فيكي يعني
فعقدت "ولاء" ساعديها مُكتّفة لهما، و رددت بتبرمٍ مُستخفّ لم تخفيهِ:
- هه.. ده انت الفرصة جتلك على الطبطاب عشان تشمت فيا
تجهّم وجههُ، فأشاح بناظريهِ عنها و هو يردد باحتجاج:
- يبقى انتي متعرفينيش كويس
فكان جوابها فجّا، بشكلٍ يتناسب مع طبيعة علاقتهما العدائيّة دون وجود مبرر مقنع لذلك:
- و مش عايزة أعرف
و حلّت ساعديها لتضع يمناها على المقبض مهددة إياه بإيصاد الباب:
- و متهيألي انت عارف ان ماما مش هنا، يعني الوقفة دي متنفعش، هقفـل
و قبل أن تصفع الباب في وجههِ، كان "فارس" يضع قدمهِ ليحول دون ذلك في رد فعلٍ سريع و هو يهتف آمرًا إياها بامتقاع:
- استني
زفرت "ولاء" بنفاذ صبر، ثم حررت كفها عن المقبض لتسلط ناظريها عليهِ و هي تسأل بانزعاجٍ شديد:
- إيه تاني؟
تطلّع "فارس" إليها مطوّلًا، بعينينِ عابستين في ظاهرهما، دارستين لتفاصيل وجهها في باطنها، زفر زفرة قويّة مشبّعة بالكثير، و همّ يدمدم ببضع كلماتٍ لربما تخفف عنها حِدة ما تعرّضت له من خيانة رفيقة تعلّقت بها و كانت ملتصقة بها، تضعها محلّ الأخت، و لكن تعسّر عليهِ ذلك، و قد جال في خاطرهِ كونها تطمعُ في ما تملكهُ أختها، و إن كان حتى زوجها، فـ ما فاقم ذلك سوى من امتقاعهِ المبرر، فمن تقف أمامهُ ليست سوى شخصية أنانيّة، و كأن ما حدث لها ما هو إلا مقابلًا لما تمنّتهُ من سوء نحو شقيقة شاطرتها حياتها.. و حينما همّت تتحدث معربة عن ضجرها الشديد، جعلها "فارس" تطبق شِفاهها من جديد حيثُ ردد باقتضابٍ:
- و لا حاجة
و سحب المقبض ليصفع الباب صفعة عنيفة، توقف هي لديها متيبسة و قد شُدهت مما فعل توّا، فبدلًا من أن تصفق الباب في وجههِ، صُفق في وجهها، و ما إن أدركت ذلك حتى احتلّ العبوس تقاسيمها، زمجرت حانقة و هي تفتح الباب من جديد منتوية تعنيفهِ و تلقيتهِ ردّا قاسيًا، بحثت يمينًا و يسارًا و هي تشبّ بقدميها قليلًا دون أن تضطر لتخطو عتبة الباب، و لكنها لم تعثر عليهِ، و لكن المكان أضحى خاليًا منهُ و قد انصرف، أضحى خاليـًا.. إلا منها.
......................................................................
انصرفت "حبيبة" من قصر آل الصيـاد، يتبعها أحد رجال "يامن" الذي كُلّف بمهمة إقلالها دون حتى أن يلتقيها  "يامن" أو يتلقى واجب العزاء منها، لم ترهُ سوى عن بُعد حين دلف القصر، و لحُسن ظنها أنه تجنّب حتى أن تلتقي أعينهما، و للحق لم تكن هي بتلك القوة لتقف أمامهِ من جديد، تتلقى منه ما هُو عسير وقعهِ على قلبها و روحها.
- اتفضلي يا هانم
تنبّهت "حبيبة" لإشارة الحارس لحثّها على استقلال السيارة، فانتشلها من أوجِ شرودها، تنهدت ببطءٍ لافظة ما علق من زفيرٍ  مستعرّ بين أضلعها، احتلت مكانها في المقعد الخلفيّ تاركة حقيبتها جانبًا، فـ أوصد الحارس الباب من خلفها، و شرع يستعدّ ليقتاد السيارة عقب ان اتخذّ محلهِ في مقعد السائق.
لم يكن هنالك ما هو غريب.. إلا أن عبر البوابة الالكترونية، و ابتعـد عن محيط القصر، شرع يقتاد السيارة حتى بلغ الطرق المتفرّعة، و ببراعةٍ وارى توترهِ.. حين لاحظ أن تلك السيارة قديمة الطراز تستهدفهُ، و لم تكن "حبيبة" واعية لما يحدث، لم تنتبه حتى إلى تلك المناورة التي تصير من حولها، حيثُ شرع الحارس يحاول تضليلهِ، إلا أن تمكن الأخير من قطع الطريق عليهِ و باءت محاولاته بالفشل، فـ اضطرّ الحارس أن يضغط على المكابح بشكلٍ مفاجئ، جعل جسد "حبيبة" يرتدّ للأمام، انعقد حاجبيها و قد بدأت تحسّ بالريبة، اعتدلت في جلستها و سألت حينئذ بتوجّس:
- هو في إيه يا ابني؟
و حاد بصرها، إلا أن سقطت أنظارها على تلك السيارة التي تعلم مالكها حقّ العلم، إنهُ "موسى".. إذًا بالتأكيد "حسين" من بداخلها في تلك اللحظة تحديدًا، و بالفعل.. أمعنت النظر.. فـ إذ بها ترى زودها خلف المقود، فهمست من بين شفتيها بتعجبٍ:
- حسين؟
انعطفت نظرات الحارس نحوها و قد التقط الاسم قبل أن يهمّ بالترجل، فسأل مستوضحًا:
- حضرتك تعرفيه يا هانم؟
أومأت "حبيبة" برأسها، ثم قالت أثناء ترجلها:
- أيوة.. ثانية واحدة لو سمحت
و تركت السيارة، و فور أن وطأت بقدميها خارجًا، كان "حسين" يهبط هو الآخر، ليشرع في الدنوّ منها، حتى التقيا في نقطة بالمنتصف تقريبًا، و قد أبرزت "حبيبة" ثباتًا و بأسًا، على عكس ما توقّع "حسين" تمامًا، انعقد حاجبيهِ و قد بزغت نظرة مستنكرة جمودها في زرقاويهِ، حينما كانت "حبيبة" تكتف ساعديها، التوى ثغرها ببسمة هازئة و هي تردد دون أن تحيد عن وجههِ:
- سُبحان الله.. آخر حاجة كنت أتوقعها إني أقابل أبو بناتي في الشارع صدفة
فكان جوابهِ حانق النبرة، موجز الشرح:
- مش صُدفة
تمسّكت "حبيبة" بلهجتها التهكميّة و هي تسأله:
- ده اللي هامك؟
أشاح حينها ببصرهِ عنها و هو يردد بجفاءٍ:
- انتي اللي وصلتينا لكده
فـ توسعت ابتسامتها.. ابتسامة حملت سخرية من نفسها قبل سخريتها منه، و لم تصمت.. بل غمغمت مُعقبة:
- كنت عارفة إن ده هيكون تبريرك.. انت كنت مستنى غلطة مني، مع إني مغلطتش.. إلا انك اعتبرته غلط
توهّج وجههُ و قد بدأت بشرتهِ تتشبع بالحمرة و هو يحوّل بصره إليها من جديد، ثم ردد باستهجانٍ تام و وجهه يتقلص في ازدراء:
- مـ..إيه؟ مغلطتيش؟
و كأن الضجر قد بدأ يعتريها، فحادت ببصرها عنه و هي تحرر زفيرًا حانقًا من صدرها عن عمدٍ، و قالت في أعقاب ذلك:
- متهيّألي مش ده الوقت اللي هنعيد فيه الحاسابات تاني
قطع "حسين" خطوة نحوها، مسلطًا لبصرهِ المضطرم على وجهها و هو يسأل باستنكار:
- و الله!.. و يا ترى امتى الوقت المناسب؟
انحرفت أنظار "حبيبة" المنبعثة من مقلتيها المحتقنين إليهِ، ثم رددت دون أن تحاول التخلي عن هدوئها:
- متهيألي المكان مش مناسب عشان نتكلم فيه عن حاجة، و أبسطها أولهم إنك سايب بيتك و بناتك، أو بمعنى أصحّ خلعـت!
فنطق "حسين" محذرًا من بين أسنانهِ التي أطبقها توّا:
- حبيبة
فتقلّص وجهها أخيرًا في انزعاجٍ، و قد فشلت في الحفاظ على وضعها الثابت، قطبت جبينها و هي تحل ساعديها لتقف في وضعٍ متحفز، ثم رددت مُشددة على كلماتها:
- انت فشلت يا حسين.. فشلت، لا كنت زوج عدل، و لا حتى كنت أب، عايزة أقولك إني مبقتش أعتبرك غير أب لبناتي.. لكن للأسف، حتى كلمة أب بقت صعبة على لساني و أنا بقولهالك
- عمرك ما شوفتي نفسك غلطانة، دايمًا انتي الملاك البرئ و أنا الشيطان يا حبيبة، مش كدا؟
رمقتهُ بنظرة ناريّة و قد تشربت وجنتيها بالحمرة، ضاقت عيناها نحوهُ فباتتا أكثر احتدامًا، ثم دمدمت لتنهى ذلك الحوار:
- تعرف؟.. الكلام معاك مفيش منه فايدة، عمرك ما قبلت تتناقش أو حتى تحسس نفسك إن غلطان، و لو انت متأكد إنك المذنب الوحيد برضو مش هتحمل نفسك الذنب
و ارتفع ذقنها في كبرياءٍ و هي تتابع:
- انت علمتني حاجة مهمة جدًا يا حسين.. إني كنت غلطانة لما رخصت نفسي و فضلت معاك على الحلوة و المرة، لما استحملت شخصيتك الأنانية دي حتى و انت برا البلد، إني اتغاضيت عن كل حاجة عشان بس حبيتك، إحنا مكناش لبعض يا حسين، إحنا من الخطوبة و احنا حتى مش متفقين
أشاح "حسين" ببصرهِ عنها و هو يردد ببرودٍ غير مكترث:
- عارف، اللي خلانا نفضل مع بعض سفري.. البعد هو اللي كان بيقربنا، لولا كده كان فاتنا متفرقين من زمان
فتضاحكت بسخريّة تامة من قولهِ، ثم صمتت عن الضحك و قد تحولت انحناءة شفتيها من الابتسام للأسى و هي تسأل بعينينِ برقت فيهما العبرات:
- راح فين الحب يا حسين؟
- الحب ده وهم يا حبيبة، كنا شباب مش عارفين إنه وهم، الجواز اللي بيتبني على حب مبيكملش، كان لازم نفهم ده كويس!
ابتعلت غِصة عالقة في حلقها و هي تحملق في وجههِ دون تصديق، ثم همست بتهكمٍ مرير:
- بالنسبة لك.. الوهم ده بالنسبة لك انت، لكن أنا حبيتك، و حبي كان صادق لدرجة إني مش قادرة أشيلك من قلبي يا حسين
حاد "حسين" عنها من جديد، بعينيهِ التي اكتظّت فيهما الدموع، أسفًا على ذلك الحال الذي آلا إليهِ، و ما انتهى بهِ المطاف بشأنهما، احتقنت الدماء في عينيهِ و هو يدمدم محاولًا ألا تلتقي نظراتهِ بنظراتها:
- يبقى هتتعذبي، أنا شيلتك من زمان، لازم انتي كمان تشيليني
قطبت جبينها و قد تجعّدت بشرتها ما جوار عينيها في استنكارٍ، ثم رددت:
- شيلتني!.. يـــا، للدرجة دي كان حبك ليا سطحي يا حسين، للدرجة دي مكنتش حاجة بالنسبة لك
فكان جوابهِ باردًا أيضًا، دون أن يقوى على النظر داخل عينيها:
- الحياة أسهل من التعقيدات اللي بيطلعوها ناس فاكرة نفسها فلاسفة يا حبيبة، أسهل بكتير
فافترّ ثغرها عن ابتسامة هازئة و هي تقول:
- يا ريت حياتي كانت بنفس السهولة أو حتى قلبي بنفس برود قلبك، يا ريت
و تهيّأت للانصراف، محاولة أن تنهى ذلك الجدال الذي استنزف روحها، و قد شعرت و كأن كل ثانية تمضي برفقتهِ تعادل خنجرًا مسمومًا يطعن قلبها، و قبل أن تفعل كانت تلقي كلمتها الأخيرة في وجههِ:
- آه.. ابقى اسأل عن بنتك، اللي حاسة إنك سايبلي منك نسخة فيها، اسأل عنها، يمكن تعرف مالها و لا تفهمها، لأن مبقاش في إيدي حاجة أقدمهالها، ده لو افتكرت إن عندك بنت اسمها ولاء
و استدارت.. خطوة تليها أخرى تبتعد و العبرات تنسكبُ انسكاب الشلالات بانحدارٍ حتى عنقها المغطى بالحجاب الأسود، و قد تركت لهم العنان أخيرًا عقب احتباسهم في أقداح المقلتين، تتابعها نظراتهِ القانطة، يشوبها بضع الترقّب، ستلتفت.. ستلفت حتمًا، إنها "حبيبة" رغم أي شئ، و لكنهُ لم يقوَ حتى على الانتظار، بل شرع يحثّ خطاه نحوها و هو يهدر بانفعال:
- حبيبـة!
و اجتذبها من مرفقها ليدير جسدها إليهِ قبل أن تهمّ باستقلال السيارة، و عانقها عناقًا ليتهُ حمل إليها أشواقهِ، مُتشممًا فيه عبقها، و قد انخرطت هي في نوبة من البكاء أبزغت فيهِ شهقاتها الممشوجة بقولها و هي تطبق على عنقهِ:
- ليه يا حسين؟ ليه عملت كده فينا يا حسين؟.. ليـه؟
فابتعد قليلًا، ليتنسى لهُ دراسة تفاصيل وجهها بإمعانٍ، نزح عبراتها الملتهبة بإبهامهِ، قبل ان يلصق شِفاهه في جبينها، طابعًا قبلة مطولة عليهِ، ثم ردد و هو يسلط بصره على حدقتيها:
- سامحيني.. عارف إني المذنب الوحيد، عارف إني السبب في كل حاجة، سامحيني يا حبيبة
و لم يكتفِ.. سحب كفها، و انحنى بجذعهِ ليطبع عليهِ قبلة حانية عقب أن تلمسه بأناملهِ، و عاد يستقيم في وقفتهِ و هو يناشدها العفو:
- هعمل لك أي حاجة عشان ترضي عني، لو عايزة عمري كله هديهولك يا حبيبـة
و لم تستفق "حبيبة" سوى مع عودة السيارة للخلف بضعة أمتار قبل أن يهمّ سائقها بالدوران كي يتمكن من الخروج عن الطريق، فكانت صورتهِ التي تبتعد عنها رويدًا رويدًا آخر ما علق في ذهنها، و قد أحسّت بفيض الدموع الذي أغرق وجهها تمامًا، بينما تراهُ عالقًا ببصرهِ عليها، يأبى الحراك خطوة واحدة، فـ أدركت أن ما رأته ما هو إلا نسجٌ من خيال، يأبى "حسين" حتى أن يبادر فيُعيـد إصلاح ما هُشِّم قبل أن يفوت الأوان، فيضحى غير قابلًا للاتحـام.
..............................................................
جالسًا على الأرضية، مستندًا بظهره للفراش من خلفه، يستمع لنحيبها و هي تجلس جواره و لكن أعلى فراشه تقص عليه ما رأتهُ.. كيف أنها عندما شقت طريقها لعرفتها و قد ودت الجلوس معها قليلًا لتشد من أزرها، لتعلمها الصبر، و لتعلمها أنهُ سيأتي حتمًا.. و لكن كان الأوان قد فات و قد وجدتها هكذا فلم تقوَ على المساس بها أو محاولة الاقتراب، و أتبعت سردها بقولها و هي تمسح انفها بمنديل ورقيّ و الدموع تفر من بين عينيها:
ـ اتغيرت.. لاحظت ده كتير، مكانتش هدى اللي أعرفها
و أحنت أهدابها المبللة و هي تهز رأسها بأسى:
ـ يا ريتني ما سيبتها ثانية واحدة.. يا ريتني يا ابني، أنا السبب في موتها
أرجع رأسه للخلف مطبقًا جفنيه بقوة فنفرت تلك العبرة المتمردة من إحداهما عموديّا أثناء غمغمتهِ الساخطة:
ـ كفاية يا سهير.. سيبني لوحدي
حاولت التحكم في نوبة بكائها، فنهضت بتثاقل عن جلستها، و لم تمنع نفسها من التربيت برفقٍ على كتفه فلم يتحرك قيد أنملة، تهدّل كتفيها قنوطًا و هي تمنحه نظرة أخيرة مترقّقة بحالهِ، ثم أجبرت ساقيها على السير و شهقاتها تنفلت منها من حين لآخر.. و فور أن فتحت الباب وجدتها امامها تهمّ بالدخول، فخرجت "سهير" مارة من أمامها و هي تحذرها بصوتٍ غلب عليهِ بحّة البكاء:
ـ الباشا مش عايز حد معاه
تغضن جبين "يارا" و هي تقول باقتضاب وقح:
ـ ممكن تمشي انتي تشوفي وراكي إيه
تنهدت "سهير" بحرارة و هي تخطو للخارج فتابعتها نظرات "يارا" المحتدة، ثم ولجت للداخل موصدة الباب خلفها، عبقها المُضوّع وصله أولًا.. و من ثم صوت خطواتها الذي يحفظه عن ظهر قلب، فقال بصرامة و مازال قيد جلستهِ:
ـ اطلعي برا.. مش عايز حد معايا
و كأنها مبرمجة على تنفيذ عكس أوامرهِ، مضت متابعة سيرها غير مكترثة لقوله فحذرها من التمادي و هو يستمع لخطواتها تدنو:
ـ اطلعي برا يا بنت حسيــن
وقفت أمامه و هي تتنهد بضيق أطبق على صدرها، ثم قالت محتجة:
ـ المفروض أنام فين؟
ـ حاجتك في اوضة تانية.. اسألي سهير
انعقد حاجبيها بانزعاج و هي تدمدم معترضة:
ـ أنا حابة الأوضة دي
ـ أنا مش فايق لعنادك.. اطلعي
فتعندت أكثر و هي تصرخ:
ـ لأ
فخرج عن طور ثباتهِ تمامًا أشاح بطول ذراعه مسقطًا المصباح الضوئي أعلى الكومود فسقط مصدرًا دوي مزعج، و تهشمت بعض أجزائه الزجاجيّة فتناثرت الشظايا أثناء زئيـره:
ـ قولت بـــرا.. بـــــرا
انتفض جسدها و ارتدّ للخلف في ردّ لفعلتهِ تلقائيّا و قد نهج صدرها علوًا و هبوطًا، ازدردت ريقها بارتباك و هي تتأمل الوسط، و مازاد من ارتيابها.. نظراته التي رفعها نحوها في وسط ظُلمة الغرفة الغارقة بها و التي لم تحاول جهدها لفتح الضوء و هي تعلم جيّدًا إنه يحب الظلام، و يكره الضوء المزعج لعينيه،.. و هما الآن أشبه بجذوتين متوقدتين تشعّ الشرارات منهما، و لكنها تغلّبت على خوفها اللحظيّ إثر انفعالهِ المفاجئ عقب سكون، لملمت شتاتها المبعثرة، فتصنعت الامتقاع، انعقد حاجبيها و التوت شفتيها بضيق، انبثقت من بين عينيها نظرة معاتبة جافة قذفتهُ بها، ثم رحلت.. تابعتها أنظارهِ حتى بلغت الباب، ثم عاد لوضعيتهِ الأولى و مازال عبقها عن أنفهِ.
 دقيقة.. اثنين.. ثلاث.. حتى تفاجأ بتلك اللمسة الحانية أعلى كتفهِ و قد خلعت خفيها لتمضى إليه دون ان يكتشف عودتها، زفر أنفاسه الملتهبة و قد تشنجت ملامحهِ و لكنه لم يتحرك تلك المرة، و قد بدا لها منهكًا، تُستهلك طاقتهِ رويدًا رويدًا، تأملته بأعين شجيّة.. ثم راحت تجلس على الأرضية بجواره، و لمّا لم تجد منه ردًا بادرت بـ:
ـ عايزني امشي صح؟ آسفة مقدرش اسيبك في الحالك دي
و راحت تعبث بخصلاته، أناملها تتسلسل من بينها ممشطة إياها، و كأنها أنغامًا موسيقية هادئة، استشعرت ارتخاء ملامحه و عضلات جسده المتشنجة، فانتهزت تلك الفرصة، سحبت رأسه بخفة و هو مستسلم لها، ثم راحت تُسكنها أعلى كتفها و هي تطوق ظهرهِ بذراعها الآخر محتوية لجسده بين ذراعيها، استكملت بكفها الآخر عبثها بخصلاته، حتى تفاجأت بهِ يدفن انفه في تجويف عنقها، سرت قشعريرة محببة في جسدها،.. دام الأمر لثوان.. أو ساعات او أشهر، لم تعلم، و لكنهُ كان مستكينًا عكس اهتياجه منذ دقائق، لم تجد شيئًا لتبادر بهِ سوى قولها و قد اغرورقت عيناها بالدموع:
ـ أنا آسفة، و عارفة ان أسفي مش هيعمل حاجة، و مش هيرجعها، لكن أنا آسفة أوي.. مش عارفة أعمل ايه عشان أصلح غلطي ده
فكان ردهُ فاترًا ممشوجًا بنبرة خافتة لا حياة فيها:
ـ مفيش حاجة بترجع اللي راح.. اللي راح مبيرجعش
تلك العبرة التي فرت من عينيه لتستوطن عنقها أجفلت جسدها، أطبقت جفنيها في حين كان هو يبتعد عنها ببطء منهك، ليستند بظهره للفراش و هو يضمّ إحدى ساقيه إليه ثانيًا ركبته و مستندً بذراعه عليه، ترك كفه مبسوطًا و هو يبتسم بسخرية مريرة:
ـ كأنه امبارح!.. كأني مخسرتوش غير امبارح
و ازدادت ابتسامته الساخرة تهكمًا و هو يقول مزدريًا حاله:
ـ وقتها كنت ضعيف، صغير، تافه.. و دلوقتي برضو زي ما أنا، مفيش حاجة اتغيرت!
و أطبق جفنيه و هو يُقرّ بتلك الحقيقة متنهدًا:
ـ انتي ملكيش ذنب في حاجة.. محدش قتلها غيري!
فصاحت به معترضة و هي تنزح دموعها، محاولة نزح تلك التهمة عنه:
ـ انت مقتلتش.. مقتلتهاش
فـ انحرفت نظراتهِ الحالكة نحوها و هو يهدر باهتياجٍ:
ـ قتلتها.. لو كنت غفرت لها مكنتش ماتت، لو كنت طلعتلها الـ**** جوزها مكنش ده حصل، لو كنت سيبت عمر معاها مكانش دا حصل
رفغع كفيها، و همّت تضمّ وجهه بين راحتيها و لكنه أشاح بوجهه و هو يصدها لاويًا ثغره و هو يردد هازئًا:
ـ أنا لعنة فعلًا.. لعنة على عيلتي كلها
و نظر نحوها مجددًا و هو يقذفها بنظرة قاتمة ثُم أردف بلهجة ساخطة:
ـ ابعدي يا بنت حسين.. متحاوليش تقربي عشان لعنتي بتطول اي شخص بيلمسني!
تلمست وجنتهِ الخشنة بأناملها الرقيقة و هي تحتويه بنظراتها ثم قالت بلهجة قوية، على الرغم من خفوتها:
ـ مش هبعد... قولتلك قبل كده فات الأوان
و كأنه أُنهك من عنادها الزائد، فعاد لوضعيه الأولى و هو يقول بصوت خفيض محتفظًا بالحزم:
ـ سيبيني يا بنت حسين.. سيبني لوحدي، شوفيلك مكان تحسي فيه بالأمان في اللحظة دي بعيد عني، لأني هحرق كل اللي حواليا، اللي جاي دمّ!
لم تنتبه لكلمتهِ الأخيرة إطلاقًا، فكان ردها مباشرًا.. حيث ألقت نفسها في أحضانهِ، و تمرغت برأسها في صدره، بينما أناملها تعبث في لحيته:
ـ حاضر!
انحرفت نظراته نحوها فرفعت بصرها تلقاء وجهه، عطفت نظراتها المكلومة بين عينيه، بينما تمرر ابهامها على وجنتهِ، انقضت دقائق، لا تزال تلك النظرة المبهمة العميقة متبادلة، حررت "يارا" عن ظهرهِ إحدى راحتيها، و بأطراف أناملها كانت تمسح برفقٍ على وجنتهِ، ثم قالت لتحثّهُ:
ـ متحبسش دموعك.. متكتمش في نفسك أكتر من كدا، كفاية اللي انت شايله جواك، كفاية الوجع اللي جواك يا يامن
فأشاح بوجهه عنها أخيرًا، مقتطعًا مجال التواصل البصري بينهما، و كأنه ينكر ما تقول، و لكنها لم تزح كفها و هي تتابع مؤكدة لهجة عذبة:
ـ قولتلك قبل كدا.. عينيك كتاب مفتوح قدامي، محدش هيشوف الدموع اللي فيها غيري!
حينها ترقرقت العبرات بغزارة في مقلتيهِ رغم أنفهِ، أطبقهما فسالت عبراته الدافئة على وجنتيهِ، تلمست "يارا" عبراته و قد اغرورقت عيناها بالدموع تأثرًا ثم رددت بصوت رخيم:
ـ البكا عمره ما كان ضعف، البكا قوة، ابكي.. عارفة انك مش قادر توصف أو تعبر، لكن دموعك لوحدها هتتكلم، حاول تخفف عن نفسك، انت انسان.. في النهاية انت انسان زينا، ابكي زي ما تحب
دفن وجهه في كتفها و عبراتهِ الحارة تغرق عنقها المكشوف و خصلاتها فسالت دموعها و هي تحيط عنقه، ماسحة على خصلاتهِ في حركة هادئة رقيقة، انتحب بأنين خافت و هو يغمغم بندم يُدمي فؤاده:
ـ عملت نفسي قاضي و حاكمتها، و أنا شيطان مستحقتش حتى حضنها، يا ريتني سامحتها، يا ريت!
استشعر الدماء تندفع بغزارة في عروقه و كأنها ستنفجر من فرط غليانها، حتى اختنقت في وجهه و عيناه، تشنج جسده بين ذراعيها و هو يُطبق أسنانه، حاول الفكاك من أحضانها مستندًا بقبضته على الأرضية لينهض و هو يزمجر غاضبًا و قد انتابتهُ رغبة مفاجأة في التدمير و التهشيم و حرق كل ما حولهِ، و لكنها احتوت اهتياجه المفاجئ و هي تطبع قبلة هادئة على جبينه متعمدة تهدئتهِ بطريقته:
ـ شـشــش، اهدى، كل حاجة هتتصلح، أنا معاك!
و كأنه سكن قليلًا و ارتخى تشنجهِ، تحت وطأة لمساتها الحانية لوجنته و خصلاته و لكن لم تخمد تلك النيران المتوهجة بعينيه و لو قليلًا.. حينما كان لسان حالهِ يردد بشراسة:
ـ و رحمة أبويا ليكون أول واحد اوسخ ايدي بدمه!
......................................................
انتبه إلى رفيقه الذي ترك مشروب القهوة السريع أمامه على المنضدة فارتفعت أنظارهِ نحوه، ضمّ "مايكل" قدحه بين كفيه و هو يجلس مجاورًا لهُ ثم سأله و هو يضيق عينيه:
- ما بك حقًا؟.. هالك لا يُؤجبني
ترك "فارس" الهاتف جانبًا عقب أن باءت محاولاتهِ في الوصول إليها بالفشل الذريع، و أعاد رأسه للخلف و هو يمسح بكفيه على وجههِ ثم أجاب:
- ما انت عارف.. من أول موت هدى الله يرحمها و الواحد دماغه مش فيه
اعترض "مايكل" على قولهِ الكاذب فنطق بـ:
Tell me.. What happened with - لا تهاول خداعي فارس.. أنا أكتر واهد فاهمك، you?
فنظر نحوه "فارس" بعينيه الحمراوين و هو يقول ممتعضًا:
- يعني مش شايف اللي احنا فيه يا مايكل.. كل حاجة قاعدة تتعقد لما الواحد اتخنق
ضاقت عينا "مايكل" و هو يدقق في ملامحهِ، ثم طفق يرتشف رشفة من قدحه و هو يقول بلهجة ذات مغزى:
- الأمر يتألق بك فقط فارس.. لا تهاول الإنكار
فحكّ "فارس" جلد رقبته و هو يقول بفتور:
- يا عم مايكل ما تكلمني أمريكي.. أنا زهقت من جو الأفلام العربي ده، لا تحاول و يتعلق، ارحمني أنا مش ناقص
فتضاحك "مايكل" بمرح.. ثم قال:
- و لمَ..كونها لغة لا أتمكن التهدث بها سوى هنا فأشعر بمتعة في ذلك
و عاد لجديتهِ و هو يتمتم:
Are you okay?.. - و الآن أيّها الخبيث لا تراوغ.. أخبرني ما الذي يهدث حقًا
سحب "فارس" قدح قهوتهِ الممزوجة باللبن و شرع يرتشف منها، ثم تقوست شفتيه نفورًا و هو يعرب عن رأيهِ بها:
- أين السكر يا عم مايكل؟ انت حاطط قد إيه؟
حكّ "مايكل" صدغهُ ثم قال غامزًا:
- اهرب زي ما تهب.. لازم آرف "أعرف" انت مخبي إيه
.................................................................
.........................
................................................................................
 

في مرفأ عينيكِ الأزرق Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang