"الفصـل الثالث عشـر"

1.1K 30 0
                                    


الحـزن كـ سحـابة سـوداء تخيـم على قلبك فـ تحجـب  عنك ضـوء الشمـس المشرق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاولت الركض تجاه السيارة التى تحولت الى كتلة من النيران ، و لكـنه طوق خصرهـا بـ ذرعيه من الخلف ، و رفع جسدها عن الأرضيـة قليلًا لـ يجذبها مبتعدًا بـها عن محيـط السيارة ، أخذت تصرخ بشكل مريب و هي تـقاومه بـ شراسـة ، فـ شرعت تغرز أظافرها بـ ساعديـه كي يتركـهـا حتى أنها صنعت سجحات و خربشات ظفريـة بهما ، و لكـن كانت قوتها لا شئ أمام قوته و تجبـره ، و ما إن ابتعد عن محيـط السيارة المحترقـة ، حتى حرر ساعديه عنها فـ تراخى جسدهـا و خرت عل ركبتيها على الأرضيـة و هي تجهش بالبكـاء المرير و تصرخ مناديـة على والدهــا من وسط بكائها :
_ بـــــابــــــا ، متسيبنيـــــش ، بــــابــــا ، لأ !
لم يبد عليه أي تأثر ، كانت ملامحه متصلبة ، نظراته جامدة ،  عقد ساعديـه أمام صدره و نظر لها بـ جمود ، بينما دفنت وجهها بين كفيها و هي تصــرخ بمرارة كما لو أن فؤادهـا يحترق ، مالت بـ جذعها للأمام قليلًا و هي تستكمل نحيبها الموجـوع ، فـ وقف امامها شـامخًا مرددًا بـ قسـوة صارمـة :
_ متخلقش لسـه اللي يقولي لأ !
اخترق صوته مسامعها بـ قوة ، فازداد نحيبها و هي تُحمـل نفسها الذنب لـ موت والدهــا ، ليتها ضحت من أجلهِ ، ليتها وافقت و لم تُقاوم ، ما كانت ستكون هنـا الآن ، و ما كان والدهـا ميتًا ، لم تقوَ على رفع نظراتها اليـه ، صرخـت كثيرًا منادية عليه و كأنه سيستمع اليها ، و كأنه سيستجيب لها ، صرخت حتى بـح صوتها ، سحب شهيقًا عميقًا زفـره دفعة واحـدة و هـو يتابع بـ ضجر حالتها المنهارة ، ثم حرر ساعديـه و دس احدى كفيه بـ حيبه لـ يخرج هاتفه ، و نقر على شاشته ، ثم انحنى بـ جذعـه على الأرضية ، وأسند الهاتف  على الأرضيـة ، فـ أجبرها على رفع نظراتها اليه ، تأمل وجهها الذابل و عينيها الحمراوتان لوهة ، ثم انتصب فى وقفته تاركًا لهاتفه على الأرضية عاقدًا كفيه خلف ظهرهِ  ، سلطت بصرها على صورة والدهـا بالهاتف أمامها و هـو يبتسـم مجاملًا للسائق الذى شـرع يتحدث معه بـ ود ، تجمدت الدموع فى مقلتيها رمشت بـ عينيها عدة مرات غير مصدقـة ، و بلهفـة جلية .. التقطت الهاتف و همست لنفسها غير مصدقـة :
_ بـ..بابا !
سارت على صورته أمامها بأناملها و كأنها تستكشف ملامحه  ثم دست كفها بـ جيبها و نقرت على الشاشة عدة مرات حتى أتت باسمه ، فـ نقرت عليه على الفور  و رفعت الهاتف الى أذنها ، و ما هي الا ثـوانٍ و أتاها صوته الودود و :
_ أيوة يا يارا ؟ اطمنتى على صاحبتك ؟
فـ تركت لـ دموعها العنان و خرجت شهقات متتالية منها  و نظرت لـ صورته بالهاتف الآخـر و هي تردد بـ قهر :
_ بابا !
فـ غزا التوجس صفحة وجهه و صوته  هـو يردد بـ لهفـة  :
_ مالك يا يارا ؟ حصل لك حاجة ؟
رددت بلهفـة امتزجت مع نحيبها :
_ انت كويس ؟
فـ تنغض جبينه مرددًا :
_ أيـوة يا حبيبتى انتى اللى كويسة ؟
أومأت برأسها عدة مرات متمتمة بـ مرارة :
_ اها
فـأصر متمتمًا :
_ اومـال مالك ؟ بتعيطى ليه ؟ صاحبتك تعبانة للدرجـة دى ؟
فـ أطبقت جفونها بوهـن و :
_ اهـا
فـ ردد مواسيًا بنبرة ودودة :
_ متزعليش يا حبيبتى ، ان شاء الله تبقي كويسة ، ربنا يشفيـهـا !
فـ لمم تتمكن من الرد ، بل رفعت كفها لتكتم شهقاتها قبل أن تصل اليه ، فـ عاد يردد بـ نبرة حازمـة :
_ بس خلى بالك مش هتتأخرى ، شـوية كده و هفوت عليكى أجيبك ، تمـام ؟
فـتمتمت بتلعثـم :
_ حا..حاضر
_ يلا مع السلامة خدى بالك من نفسك
أغلقت المكالمة و عادت تدفـن وجهها بين كفيها ، لم تُنكـر أنها شعرت بـ روحها تُرد اليها عقب أن تأكدت من سلامته ، و أنه ما زال على قيـد الحياة ، و لكن ما عايشته في الدقائق الماضيـة  لم يكن بالقليل بـدًا ، سريعًا ما تـذكرت المتسبب بـ ذلك ، فـ اندفعـت الدمـاء فى عروقها ، و رفعت رأسها اليه لتنظر له بـ عينان اشتعلتا بالغضب ، ثم استندت بـ كفيها على الأرضيـة و اندفعت نحوه لـ تدفعه بـ كفيها من صدره و لكنه لم يتزحزح ، فـ هـدرت به بنبرة عنيفـة :
_ انت ايــــــه ؟ انت ..انت مش طبيعــى ، مش طبيعي أبـدًا !
قبض على معصميها بـ قوة و جمعمها بـ كف واحد قبل ان تعاود دفعه مجددًا فتلقى ما لا تُطيقـه منه ، و تحولت عيناه كـ جمرتيـن من النار و هـو يهتف بـ احتــدام :
_ كنتى فاكـرة انى هأسيبك بالسهـولة دى !
فـ تشنجــت نبرتها و هي تتلوى بـ معصميها هاتفـة :
_ مش عايــــزاك ، بأكرهـك بأكرهــك !
فـ ردد بـ قساوة و هـو ينظر لها بنظرات جـافة  :
_ و أنا عايزك كده ، كارهــانى !
ثم أفلت احدى معصميها ، و تحرك للامام بـ خطواته الواثقة جاذبًا لها خلفه و هى تعصف يمينًا و يسارًا ، حتى وصل لـ سيارته ، فـفتح باب المقعد الأمامى و ردد بلهجـة آمـرة :
_ اركبى
فـ انهمرت دموعها مرددة باختناق و هى تتلوى بمعصمها :
_مش عايـزة
كز على أسنانه بـ قوة ، و أطبق أكثـر على كفها ، ثم بـ كفه الآخر اعتصر فـكها فأطبقت جفنيها متأوهـة بتألم جلى ، فـ ردد بنبرة صارمـة و نظراته المميتة مسلطة عليها :
_ اسمعــــى ، أنا اديتك فرص كتيــر و انتى غبية و بتضيعيها !
ابتلعت غصـة عالقة فى حلقها ، فـ أدار رأسها لـلسيارة الأخــرة هاتفًا بلهجـة آمـرة :
_ افتحى عينك
فتحت جفنيها لتسيل الدموع من بينهما لتجد النيران متصاعدة امامها من السيارة المشتعلة ، فـ هتف بنبرة محتدمــة :
_ شايفة العربية دى ؟ دى كانت آخــر تحذيــر ، آخــر فرصة ليكى !
فلم تتمكن من كتم شهقاتها و هى تنتحب بأنيـن ، فـ أدار رأسها اليه ثانية لتنظر له بـ حقد من عينيها الحمراوتيـن ، فـ عاد يردد بلهـجة جافة :
_ هتتجــوزينى..دلوقتى.. و إلا متلوميـش حـد إلا نفســك !
نقلت بصرهـا بين عينيه و الدموع تسيل من عينيها ، فـ أظلمت عيناه أكثـر و هـو يردد بـ شراسـة :
_ و لـو فكرتى بس ترفضـى هتتمنى المـوت و مش هأتطـوليه من اللى هأعمله فيكى و في عيلتك ! هأتشـــوفي نــار جهنــــم على الأرض !
فـ صاحت باختناق :
_ ليــــــه ؟ أنا عمتلتك ايـــه ؟ حـــرام عليــك !
فـ أرخى كفه عن فكهــا ، و قبض على عضدهـا دافعًا لها للداخــل هـادرًا بنبرة عنيـفة :
_ اخلصـــى !
دفعها للداخل مجبرًا لها على الركوب ، ثم صفق الباب خلفها بـ قوة ، ثم دار حـول مقدمـة السيارة ، و استقلها خلف المقود صافقًا الباب خلفه ، فـ بكت بـ حرقة و هي تدفـن وجهها بين كفيها ، و التصقت بالباب المجاور لها تاركة بينهما أكبر قدر من المسـافة ، أدار المحرك و ضغط على دواسـة البنزيـن لينطلق بالسيارة مبتعدًا عن هنا ، بسط ذراعـه ليفتح الصندوق الصغيـر أمامها ، فـ انكمشت أكثـر على نفسـها ، التقط من داخلـه هاتفه الاحتياطي حيث  أنها تركت هاتفه على الأرضيـة ، ثم صفقه بـ عنف ، و نقر على شاشة هاتفه عدة مرات ثم وضعـه على أذنه لـ يردد بنبرة  آمـرة غامضـة عقب ثوانٍ :
_ نص ساعة بالكتيـر و تكونوا هنـاك !
ثم أغلق الهاتف بـ شكل مفاجئ و هـو يلقيـه على التابلو بلا اكتراث ، لم تتمكن من كتم شهقاتها ، فـتعالى صوت شهقاتها المقهور ، فـ كان بالنسبة اليه كـ البنزين الى سكب فوق النيران ، فـ احتقن وجهه بالدمـاء الغاضبة و صارت عيناه كـ جمرتيـن من النـار ، برزت عروف نحره و جانبي رأسـه بوضوح ، و ضرب بـ كفه على المقود هـادرًا بـ شراســة :
_ اخـرســــى مش عـــــايز أسمع صـوتك ، اخـــــرســـــــى !
فـ شهقت بـ هلع و هي تكتم شهقاتها بكفها محاولة قدر المستطاع ألا تصله صوتها ، و أطبقت جفنيها بـ قهرٍ ، بينما حدق بالطريق أمـامـه بـ نظرات ناريـة .
…………………………………………………………………………………..
كان يقف بطوله الفارع أمام الواجهـة الزجاجيـة ، عقد كفيه خلف ظهره  و حدق أمامه بـ شـرود انزوى بين عينيه العسليتين ، تنهـد بـ حرارة قبل أن يعـود الى واقعه على صـوت صديقـه الذى هتف باللغة الإنجليزيـة بنبرة هادئة شبـه معاتبة:
_ إذًا ألـن نراكَ مجددًا ؟
فـ استدار "فـارس" الى الجالس على الأريكـة المتواجدة بـغرفة مكتبه ، و عقد ساعديـه أمام صـدره و لوى ثغره بابتسامة صغيرة لم تصل لـ عينيه متمتمًا :
_ حـان وقت العودة الى موطنى يا مايكل !
فـ تنهـد "مايكل" بـ حرارة قبل أن يردف :
_ و الشركة هنا ؟ هـل..
فـ استند "فارس" بـ جسده الى مكتبه و سلط نظراته الهادئـة عليه مقاطعًا بنبرة شبه جادة :
_ أنت ستتمكن من تولي شئونها ، أنا واثقٌ بـك !
فـ ارتبكت ملامح الأخيـر مرددًا باحتجاج :
_ و لكن ..
فـ افتر ثغره بابتسامة مقاطعًا بنبرة هادئـة :
_ لا تقلق يا صديقى
فـ سلط "مايكل" نظراته الغامضـة عليه قبل أن يردد بنبرة متسائلة :
_ و "أسيليـا "؟
فـ امتقع وجـه "فـارس" على الفتور و زفـر بـ حنق فبل أن يردد بانزعـاج ملحوظ :
_ ما بها ؟
ردد "مايكل" بنبرة مترقبة :
_ ألـن تخبرهـا بـ رحيلك على الأقـل ؟
فـ ردد بنبرة جامدة :
_ لا
اعتدل "مايكل" في وقفته و تحرك نحوه ووقف أمامه قبل أن يضع كفيه على كتفيه مرددًا بنبرة ذات مغزى :
_ أنت تعلـم جيدًا لـن تتركك !
فـ تجمدت ملامحه و نظر له بنظرات حادة ثم أبعد كفيه عن كتفيه ، و انتصب في وقفته لـ يبدو أكثر طولًا من صديقه ، مرددًا باستهجان و هـو يدس كفيه بـ جيبيه :
_ و أنت تعلـم جيدًا أننى لا أكـن لها مشـاعرًا
زفـر "مايكل" بانزعـاج ، فـ تابع "فـارس" بنبرة جـافة :
_ لقد كانت زميلة لى لا أكثر و لا أقـل
استشعر "مايكل" ارتباك الوضع ، فـ قرر تغيير دفة الحديث ، فـ لانت ملامحه و هـو يربت على كتفه هاتفًا بنبرة ودودة :
_ سأفتقـدك يا صديقى !
لانت ملامح "فـارس" و التوى ثغره بابتسامة قبل أن يردد بنتهيـدة حارة :
_ و أنا يا مايكل ، سأفتقدك حقًا 
ردد "مايكل" بنبرة مرحـة :
_ لا تقلق ، من المحتمـل أن أزور مصـر قريبًا ، سنلتقى هناك حتمًا
فـ هز رأسـه بإيمـاءة بسيطة مردفًا بإيـجـاز :
_ بالتأكيـد !
……………………………………………………………………………..
ترجل من السيارة صافقًا الباب خلفه بـ عنف ، ثم دار حول مقدمتها ، و فتح الباب الأمامى هـادرًا بنبرة عنيـفة :
_ انـزلى !
فـ رفعت نظراتها المقهورة اليه لتردد باختناق :
_ مـش عايـزة
بسط كفه لـ يقبض على معصمها بـ قوة و جـذبها للخارج مرددًا بـ قساوة :
_ رأيـك ميفرقـش معايـا
ثم صفق باب السيارة بـ عنف ، و استدار بـ جسده ليدلف لداخل مدخل العمارة الفخمة ، هـب حارس العمـارة واقفًا حين رآه ، فـ شمله "يامن" بنظرات ناريـة من حدقتيه ، فـ شعر بـ قلبه يهـوي بـ قدميـه ، و رحب به بنبرة متلعثـمة :
_ ده ..ده العمـارة نور..نورت يا باشا
فـ وضع السبابة على فمه لـ يردد بنبرة صـارمـة :
_ شششششش
أوما برأسـه عدة مرات و هـو ينكس رأسـه ، فـ تابع "يامن" سيره و هـو يجرهـا خلفه و هي تعصف يمينًا و يسارًا ، و تتلوى بمعصمها محاولة افلاته و لكن كانت مقاوتها مقارنـة بـ قوته لا شئ ، تابع الحارس بـ نظراته تلك الفتاة متمتمًا بـ نبرة فضولية :
_ مش دى البت اللى جابها هنا قبل كده و كانت مفرفرة !
ثم ردد بنبرة متوجسة  :
_ و أنا مالى ! ربنـا يبعدنا عنه و خلاص ! ده انت تستاهل لقب فرعون ! هـو في كـده في الدنيـا !
توقف أمام المصعد ، و نقر على زر استدعائـه بـ عصبية جلية ، كان يسد بـ طوله الفارع مجال الرؤية أمامها ، نظرت لـ ظهـره العريض مزدرة ريقها بذعـر ، استطاعت أن تشعر بمدى ضئالتها مقارنـة به ، التفتت برأسهـا للجانب لـ ترى المدخـل و تنظر للطريق بالخارج ، و كأنها لن تراه مجددًا ، للحظـة استجمعت تفكيرها المشتت و شجاعتها الهاربـة التى حثتها على الهـرب من هنـا ، تلك فرصتها الأخيـرة قبل أن تصيـر أسيرة له ، و كأنه تمكن من قرائة أفـكـارهـا ، فـ التفت برأسه لها لـ يحدجهـا بنظرات قاتمة مردفًا بنبرة أشبـه للفحيح و هـو يُطبق أكثـر على كفهـا :
_ متفكريش حتى مجرد التفكير انك تهربى منى !
دب الذعر في قلبها من كلماته و التفتت لتنظر له بعينان حمراوتان ، فـ تابع بجفـاء :
_ لأن لو كنتى تحت الأرض هوصلك ، و ساعتها هبكيكى بدل الدمـوع دم !
سرت قشعريرة فى جسـدهـا من نظراته و نبرته القاتمة ، فـ أخفضت رأسها لتنظر عند موضع قدميها و قد شعرت بـ قلبها يُسحق بلا هـوادة ، انهمرت الدموع من عينيها بلا توقف ، هـا هـو قد قضى على آخـر أمـل لها بكلماته فقط ، وصـل المصعـد الى الطابق الارضى و فُتح بابه تلقائيًا ، فـ دلف للداخـل و هـو يسحبها خلفه .
………………………………………………………………………………….
دلف "حسيـن" لداخـل المنزل ، و أوصـد الباب خلفه بهدوء ، ثم ألقى بـ مفاتيحه على الطاولة ، و تحرك ناحية الأريكة ليرتمى بـ جسده عليها ، دس كفه فى جيبه ، و أخرج هاتفه و هـو يردد :
_ حبيبــة
فـ خرجت "حبيبة" من المطبخ مرددة بـ دهشـة :
_ حسيــن ؟ انت جيت امتى ؟
رفع نظراته اليها و ردد بنبرة جادة :
_ لسه واصل حالًا
فـ افتر ثغرهـا بابتسامة متمتمة بـ نبرة حانية :
_ طب أعمل لك حاجة تاكلها ؟
هـز رأسـه بالنفى و هـو ينقر على شاشة هاتفه :
_ لأ ، أنا هتصل بـ يارا عشـان أروح أجيبها
فـ هزت رأسهـا بإيماءة بسيطة متمتمة :
_ طيب
تسائل "حسيـن" باهتمام :
_ أومال ولاء فيـن ؟
تنهدت بـ حرارة و نظرت لـ باب غرفتها شزرًا ، فـ التوى ثغره بابتسامة متمتمًا :
_ خلاص مش محتاج تردى ، بايـن على وشك !
زفرت بانزعاج و هي تستديـر بـ جسدهـا دالفة للمطبخ ، بينما رفع "حسيـن" الهاتف الى أذنه و هـو ينتظر ردهـا عليه
…………………………………………………………………………………
شعرت باهتزاز الهاتف فى جيبها فى نفس التوقيت الذى توقف به المصعد عند الطابق المنشود ، فـ جذبها ثانية و هـو يتحرك للخارج ، دست كفها في جيبها ، و تهللت أساريرهـا حين رأت الشاشة مُضاءة باسـم والدهـا ، و لكن تلاشت ابتسامتها تمامًا حيـن اختطف الهاتف من كفها ، فـ رددت باحتجاج :
_ انت عايز ايـــه ، سيب الموبايل !
توقف أمام باب شقته ، و دس كفه في جيبه مستخرجًا مفاتيحه و دس أحـدهـم فى المكان المخصص له بالباب و أداره ففتح الباب ، فـ عاد يدسهم و الهاتف في جيبه ، فـ جحظت عينيها لتردد بـ ذهـول :
_ هات موبايلي ! بابا عايز يطمن عليا
فـ احتقن وجهه بالماء و هـو ينظر لها بنظرة مميتة  قبل أن يقبض على عضدهـا و يدفعها للداخل ، ثم دلف من خلفها و صفق الباب بـ عنفٍ خلفه ، فـ صاحت بـ احتـدام :
_ انت يا بني آدم عايزة موبايلى !
فـ استدار اليها لـ يحدجهـا بنظرات ناريـة فـ ازدردت ريقها بتوجس و أجفلت بصرهـا للأسفل ، استمع "يامن" لـ صوت جرس الباب ، فـ تحرك نحوه ليفتحه ، انكمشت على نفسها و انزوت بعيدًا عنهـم دلف الجميع للداخل ، فـ صفق "يامن" الباب خلفه ، ثم استـدار لها لينظر لها بنظرات جافة ، و تحرك نحوهـا ليقبض على معصمها و جذبها نحو الأريكة فـ تهالك جسدهـا عليها و هي تتلفت حولها بـ ذعـر بين مستكشفة أوجـه المحيطين بها ، لم تكن ملامح أحـدهـم مألوفـة لها ، و لكن ثبتت نظراتها على المأذون الذى جلس على الأريكة المجاورة لها ، جحظت عيناها بـ رعب و هى تنظر له ، هي على حافـة منعطف بـ حياتها ..منعطف سيؤدى بها للهاويـة حتمًا ، سار "يامن" باتجاه الشيخ الوقـور و بجواره محامي شركاته و موظفـيـن آخـريـن ، و جلس قبالتهم واضعًا احدى ساقيـه فوق الأخـرى و انتصب أكثر بـ كتفيه لـ يبدو أكثر مهابة ، ثم ردد بـ صوت جامد مشيرًا بـ كفه للمأذون :
_ ابـدأ!
ارتجف جسدهـا بـ قوة من كلمته ، و أخفضت رأسها للأسفل و هي تفرك كفيها بارتباك جلي ، نظر لها الشيخ بـ ريبة ، فـ ردد "يـامن" بـ خشونة :
_ في حــاجة ؟
ازدرد الأخيـر ريقه و نظر له مرددًا بـ ريبة :
_ هي العروسـة موافقة يا ابنى ؟
جمد "يامن" نظراته عليها ، و ردد بنبرة جـافة آمـرة :
_ اسألها بنفسـك !
فـ عاد الشيخ ينظر اليها مرددًا بـ توجس :
_ انتى موافقة يا بنتى ؟
رفعت نظراتها اليه و جمدت نظراتها على وجهه ، هي على وشك الزواج بدون علم عائلتها حتى ، ستصيـر زوجـة لمن كرهته منذ الوهلـة الأولى ، حولت نظراتها لتنظر له بـ حقد بين ، فـ قابل نظراتها بنظرات حاميـة ، قضى هـو على آخـر أحلامها البسيطة ، كانت تحلم بـ قصة حب تتوج بالزواج ممن أحبته بـ صدق ، و خفق قلبها من أجله ،  لكنها اليوم أُجبـرت على الزواج ممن لم ترَ منه منذ أن قابلته الا العنف و القسوة ، ممن تحجر قلبه و تربع فيه الحقـد ، ممن تلاشت الإنسانيـة منه و صار أقرب الى شيطـان ينوى تدميـر كل ما تقع عينـاه عليه  ، طـال صمتها و زادت ريبة المأذون من احتمالية اجبار ذلك المهيـب على زواجها منه ، فـ عاد يكرر سؤاله بنبرة أكثـر توجسًا ، فـ حولت نظراتها اليه ، هي تـذكـر جيدًا تهديداته لها ، مرَّ أمام عينيها تلك اللحظات العصيبة التى مرت بها ، فـ تجمعت الدموع فى مقلتيها رُغمًا عنها فـ صارت الرؤيـة مشوشـة ، و لكنها كبحتهم بـ صعبة ، و أخفضت نظراتها لـ تردد باختنـاق :
_ أه
لم يبد عليه التأثر بـ موافقتها ، فـقط الجمود و الصرامة محتل ملامحه ، نظر الى الشيخ و أشـار له بـ عينيه لـ يباشـر عمله  فـأومأ لأخيـر برأسـه و قد فهم إشـارته ، أمسـك بالأوراق التى أمامه ، ثم رفع نظراته اليها لـ يسألها بنبرة هادئـة :
_ ميـن وكيلك يا عـروسـة ؟
رفعت نظراتها اليه ، و رمشت بـ عينيها عدة مرات متمتمة بـ همسٍ لم يسمعه أحـد :
_ بابا !
هـا هـو حلـم آخـر يدهسـه ببساطة ، أن يزفها والدهـا الى من يختاره قلبها ، أطبقت جفنيها بـ مرارة ، فـ تنغض جبينه و كـاد يكرر سؤاله ، لولا المحامى الذى أخرج هويته من حافظـة نقوده و بسط كفه بها مرددًا بنبرة جادة :
_ أنا وكيلها
أومأ برأسـه و هـو يلتقطها منه ، و أسندهـا أمامه لـ يشرع بتجهيـز الأوراق ، و ما ان انتهى حتى رفع رأسـه اليها و ردد بنبرة جادة و هـو يُشير الى نقطة ما :
_ اتفضلى يا بنتى ، وقعى هنا
قرب الأوراق و القلم منها ، فـ سرت بـ جسدهـا قشعريرة و هى تحدق بها ، شعرت بـ روحهـا تُقتلع من جسـدهـا ، و بـ كف مرتعش أمسكت بالقلـم و استعدت لـ توقع على وثيقـة أسـرهـا للأبـد ، و لكن فجأة رفعت نظراتها اليه لتلقى نظرة على تعبيراته المتصلبة و نظراته الثاقبة ، ثم أخفضت رأسها لتنظر للقلم الذى بـ كفها ، استجمعت شجاعتها الهاربـة و حسمت رأيهـا أخيـرًا و هى تلتقط أنفاسها ، ثم ألقت القلـم على الطاولـة أمامها و رفعت رأسهـا اليه لـ تردد بإصرار عجيب:
_ لأ ، أنا مش موافقة !
التوى ثغره بابتسامة شيطانية و كأنه كان يتوقع ذلك منها بل و ينتظره ، ثم دس كفه فى جيبه و أخـرج هاتفه و هـو ينظر لها بنظرات واثقة ، ثم نقر على شاشة هاتفه عدة مرات و قام بتشغيـل مكبر الصوت مرددًا بنبرة آمـرة مقتضبـة :
_ نَفِـذ !
حبست أنفاسها في صدرهـا و تجمدت نظراتها عليه ، و ما هي إلا ثوانٍ و صـدح صوت طلقة ، فـ جحظت عيناها بـ هلع ، و خفق قلبها بـ قوة بين اضلعها ، و رددت بـ ذعـر بادي على وجهها :
_ بــابــا!

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now