"الفصل السابع و الستون"

700 16 0
                                    

"الفصل السابع و الستون"
أتكون تلك النهاية؟.. أن يُوأد حبي لهُ في مهدهِ؟
_____________________________________
تيبست.. و ارتخت تقاسيمها المتشنجة و هي تحملق بـ "جاسم" الذي أومأ و تراجع خطوة تليها خطوة للخلف حتى تلاشى طيفهُ فظلت هي محدقة في اللاشئ و قد شعرت و كأنها صماء، لا تستمع سوى لنبضاتها المتلاحقة التي تخترق أذنيها كالنواقيس المنذرة بالخطر الوشيك، في النهاية التفتت لتجدهُ خلفها بالضبط.. مُعذب روحها.. و مُزهرها.. سجّانها و محررها.. أسرها و روضتها، خلفها عقب غيابٍ طال.. متماسكًا.. صلدًا.. ثابتًا.. لم تلحظ تغييرًا غير وجههُ الذي صار أكثر إظلامًا، بياض عينيهِ اكتسب اللون الأحمر الفاقع مع بروز شعيراتهِ الدموية خلف هالته البيضاء، و تلك الندوب البارزة و الكدمات بوجههِ، انسحبت الدماء من عروقها و هي تدنو منهُ لتتلمس وجههُ هادرة بارتعاد:
- ايـه..ايه ده؟
أشاح بوجهه بعيدًا عن مرمي يدها و هو يغمغم بصوتٍ خالى من المشاعر:
- خلينا نطمن على حبيبة.. عشان نرجع و التمثيلية دي تخلص بقى!
فغرت شفتيها و قد شعرت بوقع كلماتهِ و كأنها شُهبًا ثاقبة، ارتد جسدها للخلف و قد توسعت عيناها استهجانًا و هي تردد على الرغم من كونها تعلم مقصدهِ حق العلم:
- قـ..قصدك إيه؟
نظر نحوها نظرة قاتمة و هو يردف بصلابة:
- نتطلق.. مش دا اللي كنتي عايزاه؟
و كأن عقلها رفض الاستيعاب و رفض التحمل.. رفض الثبات عقب ما واجهتهُ بغيابهِ و فكرة أن يغيب و تفترق عنهُ نهائيًا جعلت قلبها ينخلعُ من محلهِ، رفضت برأسها عدة مرات و قد شحب لون وجهها، بدت غير قادرة على جمع شتاتها في تلك اللحظة تحديدًا، قِواها التي شحذتها جميعًا لتلك اللحظة خارت في ثانية واحدة، و صلابتها التي أبدتها انهارت مع كلمة واحدة منهُ، انسحب عقلها.. فتشوشت رؤيتها و عمّ الظلام الدامس رؤياها، و لم تشعر بجسدها و هو يتراخى فكادت تقودانها ساقيها الهلاميتين للأرضية لولا ذراعيهِ الذي أحكمهما حولها و هو يجأر بصوتهِ:
- يـــارا!
...........................................................
الصمت فقط هو السائد.. و هو كما هو مُكفهرّ الوجه عابس الملامح متجهم التقاسيم، و كأنهُ يحمل هموم الدنيا فوق كاهليه و لكنه ما زال صامدًا على الرغم من ذلك، لم تعلم شيئًا.. و لم يخبرها شيئًا.. و لا تعلم حتى أن والدهُ قُتـل، و لكنها استشعرت بحدسها أن الخطب جلل، و أن وراء صمتهِ آلاف الكلمات التي تود أن تُلفظ من بين شفتيه و لكنه يحتفظ بها في جبعتهِ.
حتى تفاجأت به و كأنهُ اضطرب.. وجههُ ازداد عبوسًا و حاجبيه انعقدا بشكلٍ أثار ريبتها و دون أي سبب، رأت عينيهِ يتجهان باستمرار نحو المرآة الخارجية المجاورة لهُ فتغضن جبينها هي الأخرى، التفتت لتجد سيارة ما خلفهما بدا أنها تتبعهما، خفق قلبها بقوة و هي تلتفت نحوه لتتيقن مما شككت بهِ حين رأتهُ يناورها.. يمينًا فتتبعهُ و يسارًا تتبعهُ، كلما انعطف من طريق تنعطف من خلفهِ حتى سئم ذلك، لم تنحرف نظراته نحوها و هي تسأله بارتياب:
- العربية دي ورانا.. صح؟
 ضجر من تلك المناورات العديدة.. فراح يدير المقود ليقتطع الطريق على تلك السيارة و أوقف سيارتهِ في منتصف الطريق، ترجل عن مقعده و هو يسحب سلاحه من التابلوه فأصابها الهلع، راقبتهُ بأعين متوسعة و هي تحاول تحذيره:
- فارس.. اوعى
و لكنهُ رمقها من طرفه و هو يوصد صندوق السيارة الداخليّ و ترجل من السيارة .. ثُم أشهر السلاح في وجه السائق لتلك السيارة و هو يدنو منا بوجهٍ متجهم، و لكنهُ تيبس محله و قد انكمشت المسافة بين حاجبيه حين رآها تهبط عن السيارة و تخطو نحوه شامخة بذقنها، حملقت عيناهُ الضائقتين فيها و هو يهمهم:
-انتي؟
توقف أمامهُ و هي تعقد ساعديها أمام صدرها، راحت تسترق نظرة لتلك الفتاة التي ترافقهُ، ثم نظرت نحوه مجددًا، فأعاد "فارس" سلاحه لملابسه و هو يشيح بوجهه عنها متسائلًا بفتور:
- عرفتي مكاني منين يا أسيليا؟
تغضن جبينها بعدم فهم.. فراح يترجم لها غمغمتهِ بنفس النبرة المشتدة:
 - from Where are you know my location?
ارتفعت رأسها و هي تردد بنبرة واثقة:
- ıt wasn’t difficult baby
فزفر متأففًا متبعًا ذلك بقولهِ الناقم:
- Oh.. come on Asilia.. you know that I loved you as a friend, just a friend
اجتزّت "أسيليا" أسنانها بعنف و هي ترمقه باغتياظ واضح، ثم قالت و هي تشير بعينيها للسيارة:
- So.. You loved her? She Is your girlfriend?
لم يجبها سوى بنظرة حانقة من عينيهِ و هو يشيح بوجهه عنها، فشعرت و كأنها مُحقة، غلت الدماء في عروقها، فحلت ساعديها و قد تشبعت بشرتها البيضاء بالحمرة الفاقعة و هي تردد مستهجنة مشيرة لنفسها:
- What about me Faris?.. Didn’t you think about me one minute?
فحاول أن يبرر لها بنبرة حالكة:
- Asilia.. you didn’t understand any thıng
أشار للسيارة و هو يغمغم بنفاذ صبر:
-she is my cousin asilia.. just my cousin
انعقد حاجبيها باستنكار و هي تقول بتشكك:
- Your cousin?.. Faris did you thınk me stubied to believe that?
"فارس" في ساعة يدهِ و هو يلوى شفتيه بسخط، ثم نطق بضجر:
- Asilia.. really I’m late, I was to go
احتدت نظراتها نحوهُ و قد برزت شعيرات عينيها، فـ أطبقت أسنانها بعنفٍ.. كادت تمر من جواره و هي تتوعد تلك الفتاة التي سلبتهُ منها، و لكنهُ سد بجسده الطريق عليها و هو يجتذب ساعدها إليه بحركة عنيفة، حذّرها "فارس" بعينيهِ قبل كلماتهِ المهددة:
- Asilia.. go
أومأت برأسها بحركة متعصبة.. سحبت ذراعها من قبضته و هي تشبعهُ بنظراتها الحارقة، ثم رددت متوعدة:
- I will back Faris..I will back
و نقلت نظراتها بين عينيه و تردد بإصرار:
- I won’t let anyone take you from me.. you got it?.. any one
و تفاقم تصميمها و هي تردد مشددة على كلماتها:
- you belongs to me.. just to me!
و أعقبت كلماتها بحركة مباغتة منها.. و كأنها تحاول الإيقاع بينهما، حيثُ شبّت على أطراف قدميها لتلصق شفاهها بشفتيهِ، حملقت عينا "ولاء" و قد شعرت و كأن طعنة غادرة وجهت لمنتصف فؤادها، رمشت عدة مرات قبل أن تحيد بأبصارها المستهجنة عنهما و قد زمّت شفتيها بغيظ مكبوت، في حين ارتفع حاجبيه في استنكار و سريعًا ما دفعها عنهُ و هو ينزح آثار طلائها عن شفتيه بإبهامهِ معنفًا إياها:
- Are you crazy ..what are you doing?
فرفعت حاجبيها و قد التوى ثغرها بابتسامة ساخرة و هي تغمغم بلهجة ذات مغزى:
- What happened baby.. you pretends like it’s the first time!
انفعل أكثر و قد توهجت بشرتهِ، فـ أطبق على عضدها و هو يحدجها بنظراتهِ، تأوهت و هي تحتجّ على طريقته الجديدة معها و:
- What are you doing Faris?.. you hurt me!
أمرها و هو يجتذبها من خلفهِ:
- Go Asilia.. Right now
ألقى بها بعنفٍ في مقعدها و صفقهُ في وجهها، رمقها "فارس" بنظرة أخيرة حالكة قبل أن يستدير بارحًا محلهِ، فاهتاجت و هي تهدر بأعلى صوتٍ لديها:
- I will back Faries..I will back
راح يستقلّ مقعده خلف المقود و انطلق بالسيارة غير مباليًا بصراخها، و الأكثر استفزازًا لها أنهُ لم يبالى حتى بالتبرير لها، و تركها هكذا و كأن شيئًا لم يكُن، فنظرت نحوه من طرفها نظرة حانقة معاتبة ثم عادت تنظر من خلال نافذتها محاولة إقناع نفسها أن لا دخل لها بحياتهِ و خصوصيّاتهِ التي اتضح أنها لا تعلم عنها شيئًا.
..................................................................
ذرع الردهة ذهابًا و إيابًا بغير استكانة عقب تدهور حالتها و إغمائها المفاجئ ذاك، حتى انفتح الباب على مصراعيه لتدلف الطبيبة من خلالهِ و هي تنزع القناع الطبيّ عن وجهها، فخطى نحوها من فورهِ و هو يسألها بخشونة:
- ماذا هنالك؟ أهي بخيـر؟
التوى ثغرها ببسمة مطمئنة و هي تردد بعذوبة:
- لا تقلق.. زوجتك و الجنين بأحسن حال
و كأن كلمتها وقعت وقع الصاعقة عليهِ.. حملق بها و قد تقلصت المسافة ما بين حاجبيه متراجعًا خطة للخلف و هو يردد كلمتها باستهجان:
- جنيـن!
أومأت الطبيبة و هي تحذرهُ من سوء وضعها الصحيّ:
- نعم.. و لكن أرجو أن تحظى بالراحة، فـ الأشهُر الأولى من الحمل تكون أكثر صعوبة، عليك تهيئة الجو النفسي لزوجتك، فـ حياة الطفل قد تتعرض للخطر إذا عانت من سوء حالتها النفسية.
بدا و كأنهُ لم يستوعب بعد، أطبق جفنيه و هو يشيح بوجهها عنها ليفرك وجههُ بعنفٍ و قد اصطبغ بالحمرة، ثم عاد ينظر نحوها و هو يسألها:
- كم عمـره؟
فقالت بنبرة جادة:
- ستة أسابيع
كيف لم يخطر ببالهِ إمكانية حدوث الحمل؟.. بل لم يكُن في توقعاتهِ مُطلقًا، أطبق على أسنانهِ و قد شعر بالدماء تحتدم في عروقهِ، ثم سألها بلهجة قاتمة:
- أيمكنني رؤيتها؟
أومأت برأسها و هي تردد بنبرة هادئة:
- نعم.. يمكنك الاطمئنان عليها إن أردت، لقد تم تغذية جسدها بمحلول طبي و حالما ينتهى، يمكنك اصطحابها أو إبقائها هنا إن خشيت من تدهور حالتها مجددًا و...
و لكنهُ قاطعها و قد سئم حديثها المُطول بفظاظة:
- Okay.. I got it"حسنًا فهمت"
و تركها بارحًا محلهُ.. راح يخطو للداخل بوضعٍ متأهب، فتح الباب و دلف للداخل حينما كانت هي تحملق في الزجاج الذي يتبين لها من خلفهِ أغصان عديدة و مظهرًا بديع و قد شردت بذهنها، فلم تنتبه لتواجده سوى مع عبقه الذي عمّ الغرفة، فلم تنظر نحوهُ.. بل تعلقت نظراتها بعصفور يقف على أحد الأغصان و يطلق تغريدًا رقيقًا بصوتهِ، دنا منها.. نقل بصرهُ بينها حينًا و بين بطنها حينًا، فزفر متأففًا و هو يشيح بوجهه عنها، ثم سألها:
- كنتي عارفة؟
توهجت نظراتها باغتياظ تام و هي تنظر نحوهُ فكان قد ولى ظهرهُ لها، مرددة باستهجان:
- دا اللي فارق معاك؟
فالتفت نصف التفاتة و هو يجأر باحتدام و قد برزت عروق جبينه:
- انطقي.. كنتي عارفة و لا لأ؟
- لأ
ارتفع كتفيها و هي تستطرد بلهجة ذات مغزى:
- أكيد شكيت.. لكن متأكدتش من دا، معرفتش دا إلا متأخر
فنظر نحوها نظرة ملتهبة و هو يردد مكشرًا عن أنيابهِ:
- و لو كنتي عرفتي بدري كنتي هتعملي إيه؟.. لو كنتي عرفتي قبل ما أعرف كنتي هتعملي إيه؟.. هتقتليهِ؟
فغرت شفتيها لثوانٍ.. ثم هبّت في وجههِ و هي تتأهب في جلستها:
- هقتل ابني.. انت أكيد اتجننت!
شدد من ضغطهِ على عضلات فكيه.. و هو يتجول في الغرفة خطوة هنا و خطوة هناك، ثم لكم الجدار براحتهِ بعنفٍ محاولًا التنفيث عن طاقتهِ المكبوتة، راقبت حالتهِ بأعين كادت تفيض بالدمع، و لكنها احتفظت بزمامها و تماسكت أمامهُ، وقف محلهِ أخيرًا عقب أن لكم الجدار مجددًا، و لكن تلك المرة بقبضتهِ المكورة، و لم يلتفت نحوها و هو يردد بلهجة حاسمة:
- مش هينفع نتطلق و ابني في بطنك
انطبقت أناملها على الغطاء حتى ابيضت مفاصل أصابعها، ثم هدرت مستهجنة:
- و بعدين يا يامن بيه؟ و بعدين؟ لما أولد هتاخده مني و تطلقني؟ لما أولد هتحرمني من ابني!
فـ أشار بسبابتهِ لنفسه و هو يغمغم بنبرة مُشتدة:
- دا ابني.. ابني أنا، أنا اللي هربيه و أنا اللي هكبره
لفّت ذراعها حول بطنها و كأنها تحاول حمايتها من بطشهِ و هي تقول بانفعال:
- انت بتحلـــم دا ابني أنا و أنا اللي هربيه
و كأنهُ لم يستمع إليها و شريط حياتهِ يمرّ أمام عينيه، فراح يجأر بجنون و هو يلتفت نحوه مشيرًا بسبابتهِ لصدره:
- مش هسيب ابني في حضن أمه.. مش هسيبه يعيش يتيم مع أم مش هتعرف تربيه، مش هسيب ابني معاكي، دا ابني أنا و أنا اللي هاخده!
أطبقت كفيها مكورة أناملها بجوار رأسها و هي تزمجر غاضبة، ثم رددت بهدير مرتفع:
- دا مش ابنك لوحدك.. دا ابننا، ابننا مش ابنك
فـ لك الجدار عدة لكمات محتدمة تزامنًا مع زئيرهِ:
- اللي حصل مش هيتعاد.. الماضي مش هيتعاد.. مش هيتعــاد!
و التفت نحوها و هو يحدجها بنظرات متوهجة مشيرًا لها بسبابتهِ و هو يقول من بين أسنانه الملتصقة:
- مش هيتعاد.. دا ابني أنا و أنا عارف هربيه ازاي، مش هسيبك تقضى عليه و هو عايش.. مش هسمحلـــك
كانت تفهمهُ جيدًا و تعلم ما يعايشهُ من اضطراب داخليّ و مهابة من تلك المسؤولية العظيمة، و لكن ذلك لم يشفع لهُ و لم يجعلها تتنازل عن موقفها الساخط و المنفعل نحوهُ، نظرت نحوهُ بتمقُّط واضح ثم هدرت بنفاذ صبر:
- أنا يارا مش هـــدى يا يامن، يارا!.. فوق و شوف انت بتكلم ميـن، أنا مش هتخلى عن ابني لو لثانية واحدة
و تفاقم إصرار نبرتها و هي ترفع حاجبيها في تصميم:
- مش هتخلى عن ابني و أسيبه ليك أبدًا.. و لو حطيت السكينة على رقبتي يا يامن
و قبل أن يوجه لها ردًا رادعًا.. كانت الممرضة تدلف عقب أن طرقت الباب طرقة واحدة و هي توزع النظرت الهادئة بينهما، ثم غمغمت بعذوبة و هي تخطو و نظراتها مسلطة على المحلول الطبيّ:
- لقد أوشك على الانتهاء
و نظرت نحوه فوجدتهُ يشيح بأبصاره المحتدمة عن نظراتها المتعلقة به ليضرب براحتهِ الجدار مزمجرًا، فسألتهُ و هي تعقد حاجبيها:
- أسترحل أم نأمر بإعداد غرفة لها؟
نظر نحوها نظرة واحدة من طرفهِ أعقبها بقولهِ الموجز:
- سنرحـل
أومأت الممرضة، ثم تعلقت أنظارها لدقائق بالمحلول الطبيّ حتى انتهى، فأوقفتهُ و هي تنظر للكانيولا الطبيّة، و برقّة طلبت منها:
- أيمكن كفكِ كي أزيلها؟
أومأت "يارا" دون إجابة و هي تسلمها كفها، حتى نزعتها الممرضة برفقٍ و مسحت على كفها بقطعة من القطن، ثم انتصبت و هي تردد:
- أرجو ألا يتكرر ذلك، زال البأس
فغمغمت "يارا" و هي تلوى ثغرها بابتسامة هادئة:
- أشكرك
حتى ولجت الممرضة للخارج، فعاد وجهها يتجهم و هي تنزع الغطاء الطبيّ عنها، و انتصبت في وقفتها، داهمها بعض الدوار و لكنها تماسكت لئلّا تظهر ذلك و نجحت بالفعل، فلم يكن هو ينظر إليها حتى، سحبت معطفها بحركة عنيفة و راحت ترتديه و هي تخطو للخارج من قبلهِ، فسار في أعقابها..و فور أن خرجا للردهة سحب عضدها إليه بحركة عنيفة فـ كادت تُسقطها، نظرت نحوهُ باحتدام و هي تهدر معنفة إياه:
- إيه الهجمية دي؟ بالراحة شوية
زمّ "يامن" شفتيه و هو يسألها مستهجنًا:
- راحة فين؟
فناطحتهُ بالرأس و هي تجتذب ذراعها منهُ بعنف:
- لمكان انت مش فيه.. لو أقدر
فتقوست شفتيه و هو يردد مستنكرًا:
- أمك بتعمل عمليتها فوق
و لكزها برفقٍ نوعًا ما في ذراعها و هو يهددها:
- و متتغابيش عشان أنا لو اتغابيت عليكي معرفش هعمل إيه.. اهدي بقى و افردي وشك
و مضى هو أولًا لتتبعهُ هي و هي تردد استنكارًا:
- هتعمل إيه يعني؟.. هتقتلني أنا و ابني؟ هتعمل إيه؟
و بصعوبة تحكم في انفعالاتهِ و ابتلع في جوفهِ كلمات قاسية كاد يلقيها على مسامعها، فـ نظرت نحوهُ بازدراء من طرفها و هي تسير من خلفهِ مغمغمة بكلمات تنُم عن سخطها الشديد، حتى بلغا الطابق.. و فور أنا خطا وجدا "فارس".. و "ولاء" المجبرة، رمقها "يامن" من طرفهِ فلم يكن من الصعب التكهن بأنها أجرت جراحتها، انتفض "فارس" فور رؤيتهِ.. فحل ساعديه و هو يخطو نحوهُ عادًا حاجبيه، تأمل وجههُ أولًا ثم سأل:
- انت رجعت امتى يا يامن.. و كنت فين كل دا؟ إيه اللي حصل لك ؟ و إيه اللي في وشك دا؟
فـ سألتهُ "يارا"  بجمودٍ قاسي و هي تعقد حاجبيها:
- فارس.. هي ماما دخلت؟
أومأ "فارس" و هو يمنحها نظرة واحدة:
- أيوة.. من نص ساعة
فنفخت بقنوط لعدم التنعم برؤيتها لمرة واحدة حتى قبل أن تضمّها غرفة العمليات بين الأدوات الطبية، نظرت يمينًا فوجدت "ولاء" جالسة على أحد المقاعد و هي تنظر نحوها و كأنها ودّت مناداتها و لكنها تحرجت من ذلك، فمضت "يارا" نحوها على الفور و هي تبتسم في وجهها، جلست جوارها و هي تشمل ساقها المجبرة بعينيها، ثم ربتت برفقٍ على ذراعها و هي تحتفظ بابتسهامتها الزائفة الباهتة للغاية:
- حمدلله على السلامة يا ولاء، خرجتي امتى من المستشفى؟
- امبارح
فسألتها و هي تعقد حاجبيها محاولة الحفاظ على التماسك في نبرتها:
- و عاملة إيه دلوقتي.. أحسن؟
أحنت "ولاء" عينيها التي كادت تمتلًا بالدموع.. أو أنها بالفعل اغرورقت بهما فتشوشت الرؤية لديها و هي ترمق "فارس" المولي ظهرهُ لها من طرفها، ثم غمغمت بيأس نضح من نبرتها:
- الحمد لله.. كويسة!
و للحق أنها لم تكن خيرُ رفيقًا لها في تلك اللحظة، فقد عشش الحزن في قلبها و غيّم بسُحُبهِ الثقال عليهِ، راحت أنظارها تتجه نحوه و لكنه كان بعيدًا فلم تستمع لحديثهما الجاري و....
انعقد حاجبيّ "فارس" و هو يردد متسائلًا بتشكك:
- أمنية يا يامن.. معرفتش ترجعها؟
فنطق من بين أسنانه المطبقة و هو يحيد بنظراته عنه:
- ابن الـ****** متحامي في رجالتهُ.. كل ما أحاول أوصلها و تكون قدامي أضيعها تاني!
« تلك المرة الرابعة طوال الأسبوع التي يتنقّل فيها "نائف" من مخبأ لآخر في كوكبة من حراسته برفقة تلك الفتاة المهيضة الجناح، و بكل مرّة يستكشفُ فيها "يامن" موقعهِ يسبقهُ الأخير بخطوة فتضيع منهُ.. و لكن تلك المرة عقد العزم على استردادها و إن كان بها موتهِ.
گانت مُناورة..
يتبعهُ بسيارتهِ عقب أن أنهى أمر حراسته الذي تركهُم "نائف" في الشاليه الخاص بهِ في مدينة "شرم الشيخ" الساحليّة، و بعسر تمكن من تتبعهُ بالسيارة التي يحيطها ثلاث من سيارات حراستهِ، بينما هو تعمّد ترك رجاله، كانت "أُمنية" في المقعد الأمامي جوارهِ، و فور رؤيتهِ شرعت تطرق على زجاجها و هي تصيح استنجادًا بهِ، و لكنهُ اجتذبها عنوة من خصلاتها عقب أن فشلت في أن تعثر على ما تواريها بها، فصارت دائمًا من دونها،.. ترك "نائف" المقود و هو يسلط فوهة السلاح على جانب جبينها فشعرت بقلبها يبلغ حنجرتها، حملقت أمامها بأعين متوسعة من الهلع و هي تستمع لفحيحِ المحذر:
- لو سمعت صوتك الحلو دا تاني مش هتلحقي تكملي كلامك
فظلت كما هي و قد شعرت بجسدها ينتفض خوفًا، حتى هدر بها فجأة:
- فاهمــة
أومأت برأسها عدة مرات لتتخلص من قبضتهِ، فدفعها بعنفٍ عنه و هو يتمسك بالمقود مجددًا.
أخرج "يامن" ذراعهُ  و جزء من جسدهِ ليصوب رصاصتهِ باحترافيّة لإطارات السيارة التي أمامهُ فانحرفت عن الطريق.
 فعاد يعتدل في جلستهِ المتأهبة و هو يُضاعف من السرعة لكي يلحق بهِ، كانا على طريق جبليّ دائري يُطل على الابحر الأحمر مباشرة، فراح يرطِم بسيارتهِ السيارة الثانية بعنف ليتخلّص منها، فرطم سائقها سيارتهِ أيضًا و هو يمطر عليه وابلًا من الرصاص الذي اخترق زجاج الباب المجاور لهُ فهشمه، و قبل أن تخترق الرصاصة التلية جسد "يامن" كان يدفعهُ بعنفٍ بسيارتهِ لتهوى السيارة من أعلى تلك القمة، لم يعد هنالك سوى سيارة واحدة.. و السيارة التي بها "نائف" مع "أُمنية".
انتهى الطريق الدائري، و صار طريقًا أكثر اتساعًا أخرج "يامن" ذراعهُ منتويًا إصابة تلك السيارة أولًا كي لا تعيقهُ، و لكن سائقها كان أكثر احترافًا عن باقيّتهم.. فتفادى الطلقات بيُسر و هو يحيد يمينًا و يسارًا، نفخ "يامن" بحنق حين انتهت الذخيرة، فأفلت المقود ليشرع في تغييرها، استغل ذلك السائق الفرصة فراح يطم جانب سيارتهِ بعنفٍ لتحيد عن مسارها..
تدارك "يامن" الأمر سريعًا و هو يترك سلاحهُ ليقبض على المقود محاولًا تسديد تلك الرطمات العنيفة، و لكن.. تباطأت سرعة السيارة لتكون خلفهِ.. و شرع يدفع سيارته فعنف فيرتد جسدهِ.
 سبّهُ "يامن" العديد من المرات و هو يترك المقود مجددًا ليغير الذخيرة حتى انتهى، فكان الأوان قد فات، حيثُ دفعهُ السائق دفعة عنيفة لسيارة ما أمامهُ لا علاقة لها بما يحدث، فترك "يامن" سلاحهُ من فوره و هو يتمسك بالمقود ليبتعد بسيارتهِ عنها قبل أن يحدث صدامًا بينهما، و استغلّ السائق ذلك فصار موازيًا لهُ تمامًا ليمنح سيارتهِ دفعة عنيفة تمازنًا مع إطلاق ذلك الجالس بجواره رصاصة لم يتمكن "يامن" من تفاديها كسابقاتها و هو يحاول جاهدًا عدم الاصطدام بأيّ من السيارات المحيطة بهِ كما يحاولون إجبارهِ..
 فلم تنحرف السيارة فقط.. بل و انقلبت في الهواء رأسًا على عقب عدة مرات، حتى استقرّت على سطحيتها أرضًا، حينها كان الظلام فقط قد تمكن من احتلال رؤيتهِ ،دقائق عِدة.. حتى ظهر وجههُ المشوش بالنسبة إليهِ و هو ينحني أمامهُ متأملًا حالته و تلك الدماء التي تسيل بغزارة من جرح رأسهِ مغرقة ثيابهِ و هو متعلقًا بمقعده بواسطة حزام الأمان رغم انقلاب السيارة، ضحك مبديًا فرحتهِ بظفرهِ في تلك الجولة و هو يردد بتفاخر:
- مش قولتلك يا مينو.. مش هتقدر توقفني، أصلي مش سهل زي عمك
تسلل كفّ "يامن" بحثًا عن سلاحه الذي أسقطه و لكنه لم يجد، فبدلًا عن ذلك مرر كفهُ عبر زجاج نافذتهِ المهشم ليُطبق على جانب ياقتهِ مجتذبًا إياه منه و هو يقول بلهجة مشتدة على الغرم من خفوتها:
- قولتهالك قبل كدا يا نائف.. الحظ للي بيضحك في الآخر!
اخترق أذنيهِ صوت بكائها حيث أحضرها رجلهُ الذي أودى به لهذا الحال، فدفع "نائف" كف "يامن" بعنفٍ عنه و هو يجتذب ساعدها ليجبرها على الانحناء أمامهُ.. تأملت حالتهِ بأعين مكلومة و هي تردد من بين شهقاتها:
- يامن بيـه!
امتدّ كف "يامن" نحوها على الرغم من تشوش رؤيتهِ و لكنهُ لم يبلغها.. انطبق جفنيه و قد تراخى ذراعهُ بجواره تزامنًا مع ذلك الظلام الدامس الذي احتلّ رؤيتهِ، فلم يصلهُ سوى صوت "نائف" الساخر:
- متخافش يا مينو.. القمر دي في الحفظ و الصون!»
.......................................................................
أشار "فارس" بعينيهِ لجروح وجههِ البارزة و كدماتهِ و هو يستفسر:
- هو اللي عمل فيك كدا؟
تقوست شفتيّ "يامن" سخطًا و هو يشيح بوجههِ عنه، ثم سأل بإيجاز:
- عرّفتها حاجة؟
أومأ "فارس" و هو يقول ملتفتًا نحو الباب عقب أن ترك تنهيدة حارة:
- فاقت امبارح، و قولتلها إن.. حسين يبقى عمنا!
و حين التفت وقعت أنظارهِ على زوجته، فالتفت نحوهُ مجددًا و هو يقول بضيق:
- مراتك كانت هتموت لما عرفت إنك سافرت.. كانت حاسة إن هيحصل لك حاجة، كل خمس دقايق تتصل بيا و تكذبني، كانت فاكراك بتكلمني و أنا رافض أعرفها دا!
فارتكزت أبصارهُ عليها حينما كانت هي تحادث شقيقتها، حاد بناظريه عنها و هو يتأفف باختناق، فسألهُ "فارس" مغضنًا جبينه:
- أومال انت ناوي تعمل إيه معاها؟ هتفضل معلقها كدا؟
- حامل!
ارتفع حاجبيه باستهجان و هو يردد كلمتهِ مجددًا:
- حامل.. مين؟
نظر نحوهُ "يامن" بنفاذ صبر و هو يردف متسائلًا بحنق:
- هتكون مين؟
فنقل "فارس" النظر بينهما و هو يردد:
- بقى كدا!.. على أساس إنه جواز على ورق و...
نظرة متوهجة منهُ جعلته يبتلع كلماتهِ، أشاح "يامن" بناظريه عنه و هو يفرك جلد عنقهِ باحتدام طاف على صفحة وجهه، فسألهُ "فارس":
- طب و هتعمل إيه دلوقتي؟
فارتفعت نبرتهِ و هو يردد بجأر و قد شعر بعجزهِ عن التصرف:
- المفروض أهبب إيه يعني؟
فحاول "فارس" تهدئتهِ بنبرة حانقة:
- خلاص اهدى شوية.. مش مستاهلة العصبية دي
 فحاول أن ينسحب، التفت و هو يردد بجفاء:
- أنا نازل أجيب قهوة، عايز حاجة؟
أومأ "فارس" و هو يقول باقتضاب:
- هاتلي معاك
و نظر "فارس" نحوهما و هو يقول بنبرة مرتفعة شبه قاسية:
- ولاء.. تشربي إيه؟
نظرت نحوه من طرفها ثم رددت و هي تشيح بوجهها عنهُ:
- مش عايزة
تقوست شفتيه بفتور، ثم ارتكز ببصره على "يارا" و هو يسأل:
- و انتي؟
و قبل أن تجيب كان "يامن" قد برح محلهِ منصرفًا بلا اكتراثٍ لها، فقبضت على شفتيها و هي تهمس باغتياظ:
- نعناع!
 حينما تابعهُ "فارس" بنظراتهِ.. تنهد بضيق جثُم على أضلعه، ثم سار نحوهما و هو يعقد حاجبيه حتى توقف أمامها، فردد بجفاء:
- مبروك
لم يكن من العسير أن تستنبط مقصدهِ، رفعت أنظارها الحانقة نحوهُ فـ تغضن جبين "ولاء" و هي تسأل أثناء نقلها بصرها بينهما:
- على إيـه؟
- هتبقي خالة!
قالها دون أن يحرف نظراته عن "ولاء" التي شعرت ببعض النقم.. و كأن شعورها كان صحيحًا.. لقد أحبها بالفعل، و لم ينظر نحوها نظرة واحدة، و ها هي ثمرة حبهما تنمو في أحشاء أختها.
 أحنت نظراتها و هي تستغفر الله في نفسها على لذك الشعُـور، هي دعتهُ كثيرًا ليخلصها من تلك المشاعر التي لا تندرج سوى تحت الغيرة و حبها لتملكهِ دونًا عن أختها فقط، و بالفعل شرع ينخلع رويدًا رويدًا من قلبها، و تُقتلع تلك الجذور التي لم تنمُ حتى بأراضيها، تنفست بارتياح و هي تقبض جفونها متحسسة بأطراف أناملها تلك الجبيرة، و كأن اللهُ أنزل عليها السكينة فسكنت روحها و قلبها وعقب أن أحسّت للحظات فقط أنها ستكاد تثور و تعود لشخصيتها العجيبة التي اقتمصتها للكثير من الوقت.
في حين نهضت "يارا" عن محلها و هي تحيط بطنها بذراعها مرددة باستهجان:
- انت عايز إيه؟
فقال بجفاء متعمد:
- بصراحة.. أنا مكنتش طايقك من أول ما طعنتيه.. يمكن كنت فاكرك أنانيّة و قاصدة تقتليه
صمتت و قد احتقن وجهها بالدماء الغاضبة و هي تناظرهُ باحتداد واضح، و لكنهُ أردف دون أن ترتخي ملامحهِ:
- دلوقتي الوضع اتغير.. مش عشان انتي بنت عمي و لا كلام دا، ده عشاني عارف كويس إنك حبيتيه!
ارتخت ملامحها و قد بدت على وشك البكاء.. و لكنها كانت ثابتة و هي تردد بلهجة مُشتدة:
- فارس.. صدقني أنا مش هاممني رأيك فيا و لو لذرة
و أشارت بسبابتها نحو الردهة.. نحو تلك النقطة التي كان يقف بها تحديدًا و هي تقول باحتدام:
- اللحظة اللي أنا فكرت فيها أطعنهُ انت متعرفش أنا حصل لي إيه خلاني أفكر في دا، و دي كانت لحظة غضب و بس
و أومأت برأسها و هي تردد باستهجان:
- و دلوقتي بس عرفت.. اتأكدت مش بس عرفت إن بابا هو نفسهُ اللي أنا شوفته في المستسشفى.. و هو نفسه اللي حاول يقتله.. و هو نفسه اللي حط لهُ سم في المحلول
و التوى ثغرها بسخرية و هي تتشدق بـ:
- عارف لما شوفته قولت مين؟ قولت كمال.. لأن عينيه باللون الأسود كانت نسخة من عيون كمال! و مكنتش مصدقة إنه بابا، لكن اتأكدت لما عرفت إنهم أخوات!
ارتفعت أنظار "ولاء" نحوها و كأنها قد حصلت على دليلًا واضحًا كانت تبحث عنه كثيرًا، ثم انحرفت نظراتها نحو ذلك الجامد لتناظرهُ شزرًا.. إنه بالفعل من دمائها، إنه ابن عمها مباشرة ليست حتى صلة قرابة عن بُعد، زفرت بضيق عاد يتملك منها مع ذلك الشعور، ستجبر على رؤيتهِ دومًا.. لربما تراهُ حتى مع زوجته الأجنبيّة التي سيتزوجها حتمًا.. أو سيتزوج من أخرى، لا تعلم.
أومأ "فارس" برأسهِ متفهمًا و هو يردد بإيجاز جاف:
- كويس إنك عرفتي دا.. بعد ما كنتي بتدا..
و كاد يتشفى فيها.. و لكنهُ صمت في النهاية و هو يقبض شفتيه، ثم ردد و هو يشيح بوجههِ عنها مرددًا:
- خلاص.. الكلام في اللي فات مش هيفيد، دلوقتي خلينا في الحاضر
- عظيم!
كلمة عفوية جافة تصاحب نفس النبرة القاتمة التي يتحدث بها قائلها الأصلي خرجت منها، فالتفت "فارس" نحوها و هو يرفع حاجبيهِ مكررًا:
- عظيم؟
فعادت تجلس مجددًا دون الاكتراث لهُ، و في وسط ظُلمة ملامحه و اكفهرارهِ بزغت تلك الابتسامة الباهتة و:
- امسـك
التفت "فارس" نحوهُ فوجدهُ يحمل كوبه الورقيّ، تناوله "فارس" منه و هو يردد بخشونة:
- شكرًا
التفت "يامن" نحو "ولاء" و هو يناولها كوبها، فعقدت حاجبيها و هي ترفع نظراتها نحوه، و لكنه لم يعرها اهتمامًا ليرفع نظراتهِ إليها، نقلت نظراتها بينه و بين "فارس" الذي أطبق أسنانهِ غيظًا من فعلته المباغتة، ثم ردد و هو يرى محتوى الكوب:
- عرفت منين إنها بتحب الشاي؟
فلم يجبهُ.. انحرفت نظراته نحو "يارا" التي نظرت نحوه شزرًا من طرفها، ثم عاد ينظر نحوها، فزفر متأففًا معقبًا بنفاذ صبر:
- هتمسكي و لا أكبها؟
فحمحمت حرجًا و هي تتناولها منه بحذر مغمغمة بخفوت:
- أشكرك
 و كأنها شعرت ببعض الغبطة.. حين أحضر لشقيقتها ما لم يفكر في إحضارهِ لها، أشاحت بوجهها المتوهج بعيدًا عن الجميع، فلم تلاحظ ذلك العامل الذي حضر في أعقابهِ و هو يناولهُ كوبهِ و كوبها، فسحبهما منهُ.. تخطى "فارس" ليمضي نحوها، و دون أن ينظر نحوها كان يبسط كفه بهِ و:
- امسكي
ارتفعت نظراتها الضائقة نحوهُ و هي تنقل نظراتها بينه و بين كوبها، ثم عقدت حاجبيها و هي تهمس بحبور أخفتهُ ببراعة:
- نعناع!
و حمحمت و هي تشيح بوجهها عنه عاقدة ساعديها أمام صدرها:
- مش عايزة.. ماليش نفس
فوجدتهُ ينحنى عليها ليكون أقرب إليها مقلصًا المسافة بينهما مستندًا بساعده لمسند المقعد بجوارها دون الاكتراث لمن حولهِ و هو يغرس نظراته في عينيها محذرًا إياها:
- متختبريش صبري يا بنت حسين!
تراجعت للخلف من فورها ملصقة ظهرها للمقعد و هي تنظر نحوهُ بسخط بائن، ثم رددت بتحذير و هي ترفع حاجبيها:
- متستفزنيش
و نظرت لكفهِ الآخر.. و بحركة مباغت منها سحب الكوب من بين أناملهِ و هي تدفعه بكفها الآخر لينتصب في وقفتهِ، و ابتسمت باستخفاف و هي تشير لكوبها ناهضة عن مقعدها:
- مرسي على القهوة.. اشرب بقى النعناع براحتك
و حين مرّت من جواره لتخطو قاصة المقعد المقابل همست بسخرية جافة:
- لاحسن تكون حاططلي فيه منوم!
 ناظرها شزرًا من طرفهِ حتى جلست على مقعدها، نظر لمحتوى كوبهِ متأففًا، فعرض عليهِ "فارس" و هو يكبت ضحكتهِ مشيرًا بكوبهِ:
- تاخـد؟
نظر "يامن" نحوهُ و هو يشمله بازدراء تام و:
- بـس يالا
فسحبها "فارس" إليه مجددًا و شرع يرتشف منه أثناء غمغمتهِ الباردة:
- انت حر.. الحق عليا حاولت أساعد
أشار "يامن" بإصبعه للعامل فدنا منهُ.. ترك الكوب في صينيتهِ و هو يردد آمرًا:
- One black coffe
- One minute please ,sir
و انصرف ليلبي لهُ طلبه.. فانحرفت نظراته نحوها و قد تسائل بداخله منذ متى و هي تُحبذ القهوة؟ أم أنها فعلت لمضايقتهِ فحسب؟
انتبه لـ "فارس" الذي همس إليهِ:
- بيقولوا الستات في فترة الحمل بيبقوا عصبيين بزيادة، خد بالك بقى يا معلم
نظر "يامن" نحوهُ و هو يعنفه باحتدام:
- فارس.. أنا مش ناقص، خِـفّ
و تحرك ليبتعد عنهم ملصقًا ظهرهِ للجدار منتظرًا أن تخرج تلك السيّدة من الداخل.
......................................................................
كانت تغطّ في سبات عميق، حينما التصقت تلك الوسادة بهجوم عنيف عليها لتُمنع من التنفس تمامًا و يكتم فاهها و أنفها، انتفضت مذعورة و قد شعرت بذلك الثقل فوقها، حاولت جاهدة أن تتخلص من تلك الوسادة لتتمكن من التنفس و لكنها فشلت، صرخاتها المُستغيثة  دُفنت فيها فلم تخرج سوى همهماتٍ غير مفهومة، و فجأة شعرت بأن الهواء يخترق أنفها و فمها دفعة واحدة، أبصرت ذلك الذي ظهر وسط الظلمة ليضرب مؤخرة رأسهِ بكعب سلاحه، سحبت أنفاسها لثانية و هي تسعل معتدلة في جلستها المتأهبة على الفراش مغمغمة  بتهدج و هي تتشبث بهِ:
- الحقني يا راشد.. كان هيقتلني
و لكنها انتفضت و قد أصابها الذعر أكثر و أكثر.. و شعور الأمان الذي شعرت به لثوانٍ انسحب منها و هي تردد هلعًا:
- مـ..مايكل؟
و همّت بالصراخ و هي تسحب كفها، فكمم فاهها و هو يمر بنظرة واحدة على خصلاتها الكستنائيّة التي تبينت له رغم الظلام من تلك الإضاءة الخافتة من الخارج، شعرت بقلبها ينخلع من محلهِ و هي ترى نظراته الجائعة تلك، صرخاتها انحبست في جوفها و قبل أن تحاول الدفاع عن نفسها أو مقاومتهِ كان شعور الخدر يتسرب إليها عقب أن اخترقت تلك المادة المخدرة حاسة الشمّ لديها، فخارت قواها و سقطت في أحضانهِ، أطبق "مايكل" عليها و هو يزيح خصلاتها الكستنائيّة عن وجهه مردفًا بفحيح:
- don’t worry, I wanna talk to you, just talk to you
و حملها بين ذراعيهِ و أنفاسها تلفح بشرتهِ و عنقه و قد اندفن وجهها فيهِ فتأججت مشاعرهُ أكثر و................
........................................................
.......................
 
 

في مرفأ عينيكِ الأزرق Where stories live. Discover now