"الفصل الثلاثون"

761 18 0
                                    

" الفصل الثلاثُـون"
"محظوظون هم من لديهم القدرة على التجاوز و التخطى، ليس فقط قلب الصفحات و البدء بصفحة أخرى منذ أولى الأحرف، و لكن إغلاق الكتاب بأكملهِ.. بل إحراقه و المضي قدمًا، فـ يشرعون بكتابة قصصهم الخاصة بأيديهم.. بكتابٍ جديد.. بقدرٍ جديد، و بأنفس جديدة لا يشوبها شائبة".
و لكنها هي.. "يارا"...
لا تفقه بأمور الصفح و الغفران، و ماذا فعل لتغفر؟ ما الجديد لتتجاوز؟ حسنًا.. بالآونة الأخيرة كشفت عن خصالٍ جديدة به، على الأقل أدركت فعليًا أنه لا ينوى أذيّتها و لكن ماذا عن الماضي؟ أيكفي ما فعله ليجعلها تتناسى؟ أيكفي ما تسبب به في حياتها بينما هي تتجاوز بذلك اليُسر؟
"مستحيـل"..
كلمة عنتها جيدًا، و رددتها بأعماقها جمّا، أدركتها و أدركت كل حرف بها، تلك المرة لم يكن ضعفًا منها، هي قاومت بكل ما أوتيت من قوتها، لكن للأسف قوتها لا تكفي أمامهِ.. بل أنها تكاد تكون سرابًا، و لكنها تعهدت إن حاول تكرار الكرة فستعلن تمردها بالكامل، نظريًا قررت ذلك، و لكن إن حدث فلا تدرك بالضبط ما سـتفعل، و لكنها لن تترك الأمر يمر مرور الكِرام.
لربما هي تهاونت معهُ قليلًا فبدت لقمة سائغة لهُ، و لكنها لم تتهاون إلى تلك الدرجة سِوى بعدما أدركتهُ عنه، لاح أمام ناظريْها ما رأتهُ من الشق الموارب الذي تركتهُ ببابها و.....
«كانت تراقب الطريق من ذلك الارتفاع الشاهق في شرفة غرفتها، تلك المنطقة مريحة للنفس بشكلٍ غريب، و بالرغم مما حملتهُ من ذكرياتٍ قاسية، إلا أنها اعترفت أخيرًا بروعة ذلك المكان، كل عمارة مستقلة يحيطها مساحاتٍ صغيرة خضراء مزروعة، هذا غير الفخامة المتجلية في التصميم المعماري لكلٍ منهما، ارتفعت أنظارها للسماء فشعرت بأنها قريبة جدًا منها، ذلك التوقيت من النهار كانت السماء به صافية، الشمس لطّفت الأجواء بحرارتها النسبية، و الغيوم شكلت من حولها مظهرًا بديعًا، تنهدت بحرارة و تعبث بخصلاتها، حتى نجحت في أن تنتزع رابطتها، فـ أخذت تعبث بها بأناملها و ذهنها لا يكف، تنهدت بحرارة و هي تنسحب أخيرًا من الشرفة و قد فكرت في أن تصنع كوبًا من الشاي ، نظرت نحو ساعة الحائط، ثم انحرفت نظراتها نحو باب الغرفة و هي تعبس قليلًا قاطبة جبينها:
- هو موجود و لا لأ؟
و تحيّرت أكثر و هي تخطو خطوة و تؤخر الأخرى:
- طب عادي أخرج، و لا أفضل في أوضتي و بس؟
و في النهايـة، وصلت حتى الباب، فـ بهدوء شديد أدارت المقبض مواربة بابها، و نظرت من خلالهِ للخارج محاولة استنتاج أين هو، و لكنها فشلت، فكادت تفتح الباب على مصراعيه و قد تجهمت و لكنها توقفت في اللحظة الأخيرة حين استمعت إلى جرس الباب، فـ ورابتهُ مجددًا و هي تغضن جبينها باستفسار فضوليّ، و راحت تراقب ما يحدث بالخارج>>
كُـل كلمة.. كل حرف استعادته من ذلك اللقاء المحتدم بين الأم و ولدها، فأخذ ذهنها يحاول ربط كلماتها مع كلماتهِ مع كلمات "فارس" بالمشفى فتكونت صورة جديدة عنهُ بذهنها!
شهد مقتل والدهُ أمام ناظريْه.. و لكن الحياة كانت أكثر قسوة، فأدرك خيانة والدته، أدرك حقارتها كما ينبغى القول، لولا أنها تثق بوالدها ثقة عمياء بالرغم من تخليه عنها، لكانت ستصاب بالذعر لدى كلماته الموحية، أدركت جيّدًا لم تحديدًا يُلقى الذنب على والدتها كونها قد أصابت حياة والده بذلك البؤس، و لكن ما ذنبها هي إن كان والدهُ غير قادرًا على التجاوز؟ لم تكن لتقتنع بعد
 لاح أمام عينيها تلك الندوب البارزة بظهرهِ، و آثار الحرق الممتد على طوله ،.. و حاولت الربط بينهُ و بين كلمات ابن عمه عن معامل والدته و والده الجافة لهُ، حينها لم تكن لتصدق، و لكنها الآن أدركت جيّدًا عمق كلماته.
و لكن أيكفي ذلك؟ كل ذلك بالفعل يكفي ليشفع له؟ و هو الذي لا يعترف حتى بخطئهِ تجاهها، لا يعترف حتى بذنبه نحوها، و إن كان والدها ارتكب جريمتهِ حتى كما يؤمن، لمَ هي تحديدًا؟.. و كأنها ليست نفسًا بشريّة تشعر بما حولها، و كأنها فقط دُمية.. دمية لا أهمية لها تتلقفها الأيدي!
فراحت صورته تتجسد أمام عينيها، گـ طيرًا جريحًا يستكمل رحلتهِ بنزيف خارجيّ أخفاهُ عن العيون جيّدًا و بمهارة احترافيّة تحسدهُ عليها، تلبس فوق هيئتهِ الجريحة صورة الجوارح، گ غُـداف لا يدري أحدهم بماهيّة جرحه، و لا يعلم بما يعاني.
و لم تكن تدري حقًا ما تفعل حين تجسدت صورته التي غرستها بمخيّلتها أمام عينيها على الأوراق البيضاء، بينما تستخدم قلمها الرصاص لتستكمل رسم عينيه الحادتين الثاقبتين، لم تستعمل أى لونًا بها و قد تعسر عليها إيجاد أقلامًا ملونة، فـ استخدمت فقط الرصاص لتخربش ريشه بخربشات محددة أخرجت رسمتها أكثر تجسيدًا لهُ، مالت برأسها للجانب و هي تتلاعب بقلمها بينما تستأنف رسم عينيه، هيبتهُ نجحت في تجسيدًا على هيئة ذلك الطير الجارح عاقد الحاجبين
- "عاقد الحاجبين"
خرج صوتها مبهوتًا قليلًا و هي تحدق برسمتها قليلًا ، ذلك اللقب يليق به فعليًّا، دومًا عاقدًا لحاجبيه لا يحل عقدتهما تلك تاركًا جبينه دومًا مُغضنًا، مجعدًا، فتُضفي إليه وسامة خاصة لا تليق إلا به.
 هوايتها تلك وجدت نفسها تلجأ إليها تلقائيًا بعدما سئمت كثرة التفكير ، إنها من عُشاق الرسم بالرغم من كونها لا تفقه من رسم الأشخاص شيئًا، إلا أنها دومًا كان لديها القدرة على تجسيدهم بصور أخرى تليق بهم، صورًا تجسد انفعالاتهم و دواخلهم في ذات الآن، فـ خرج ذلك الشق بجناحهِ الأيسر الذي لم يرتتق بعد ،  بينما هو يستأنف رحلة التحليق غير مباليًا به بطريقة غير واقعيّة بالحقيقة الفعلية، و لكنها واقعية به.. و به فقط دونًا عن غيره.
و وجدت نفسها تلقائيًا تستخدم نفس الطير بنفس صفاته و نفس التجسيد الفعليّ لورقة أخرى كان يهبط بها هبوطًا حادًا و قد تجلّت الشراسة بين عينيه بينما يعقد حاجبيه تمامًا كـ عقده حاجبيه دومًا، و راحت تنهي رسمتها العجيبة تلك بكلمة أخرى جوارهِ مُظللة باحترافيّة و:
- "صيّـاد"
 لقبهُ الذي يلائمه بشكل غريب جعل ثغرها يلتوى ببسمة صغيرة، و وجدت نفسها تلقائيًّا تقلب صفحتها تلك لتستخدم ورقة أخرى، فكان هو.. يستند بجذعهِ لجذع الشجرة و قد وهن كثرة التحليق بينما جرحه الغائر ينزف بنزيف داخليّ أضناه، و لكنه على الرغم من ذلك بدت نظراته محتفظة باحتدادها، و وجهه محتفظًا بصرامته، و حاجبيه متمسكين بعقدتهما، ثابتًا.. صلدًا.. فولاذيًّا.. يرفض المساعدة و يدفع أي يد تتقدم إليه بها، فـ هو فقط و أبدًا "الصيّاد"
الوسط أشبه بسلة قمامة اكتُظ بالوريقات البيضاء المتكورة التي تملأها الخربشات المصاحبة لأي محاولة في الرسم، و خاصة بعد هُجرانها تلك الموهبة التي تملكها، فوجدت في البداية صعوبة تمكنت باحترافيّة تجاوزها، تنهدت بارتياح حالما أنهت رسمتها الثالث و قد شعرت بارتياح عجيب و بحبور أُضفي إلى يومها الكئيب بعودتها لهوايتها ، و لكن بسمتها المنشرحة تلاشت ريثما حملقت بعمق بالصورة الأخيرة و قد شعرت ببعض التعاطُف،  لا تعلم من أين تمكنت تجسيده بذلك العمق المريب، و لكن تلك الصورة تحديدًا جسّدت ذلك الموقف بينهما، حالما غادرت والدته تاركة إيّاه من خلفها، فخرجت من مخبأها لتجدهُ بذلك الحال
حررت زفيرها الملتهب من أسره بداخل صدرها و قد ارتخت ملامحها، و لكنها عادت تتقلص و هي تتحرك في الوسط بسرعة رهيبة مخفية الأوراق بين عدة أوراق أخرى بيضاء خالية من أي شئ، و تركتهم أعلى منضدة الزينة، حالما استمعت لصوتهِ الثاقب قادمًا من الخارج:
- يارا!
جابت الغرفة ذهابًا و إيابًا.. يسارًا و يمينًا بارتباك رهيب لتلملم الفوضى التي أحدثتها و التي لم تدرك ما فعلتهُ بالغرفة سِوى بحلول الآن، توقفت في منتصف الغرفة حين أدار المقبض و كاد يدلف فتغضن جبينهُ أكثر و أكثر و هو يفشل في ذلك، أزاح كفه عن المقبض بينما تيبست بمحلها لتنظر صوب الباب حالما استمعت للصوت، فرددت بنبرة ساخطة و هي تدنو منه:
- قافلاه بالمفتاح، متحاولش، و مش هفتح تمام؟ مش بعد اللي عملته!
وراي الحنق البادي في نبرته و هو يقول بصلابة بينما يصر على أسنانه:
- اخرجي شوفي صاحبتك
ضيّقت عينيها و هي تستند بكتفها للباب مغمغمة بعدم استيعاب:
- صاحبتي؟
 و عقدت حاجبيها و هي تدير المفتاح لتفتح الباب فطلّت من خلفه، تعلقت أنظاره بها بينما كانت تقول بعدم فهم:
- صاحبتي مين؟
أشار بعينيه متمتمًا بلهجة متيبسة:
- اللي كنتي مستخبية عندها!
انحلت عقدة حاجبيها ليرتفعا و تتوسع زرقاويها قليلًا بينما تقول متعجبة:
- رهيف!
فحاد ببصره عن عينيها بينما ينظر خلفه باحثًا عنها، و برح محله ليخطو حو الصالة الخارجية حيث تقف هي متيبسة أمام الباب، و تتبعتهُ "يارا" بينما تغمغم ساخطة:
- إيه ده بالظبط؟ لعبة جديدة منك و لا إيـه؟ لو مفكرني غبية عشان أصدق تبقى غلطان؟ انت فعلًا مفكرني غبية في كل حاجة، لكن أنا غلـ..
و انقطع صوتها تمامًا حالما توقف فتوقفت مرغمة و هي تنظر أمامها لتجد صديقتها المنهارة، انحرفت نظرات "يامن" الساخطة نحوها فرمشت عدة مرات، و لكنها سريعًا ما تلقت صديقتها المنهارة التي ارتمت في أحضانها فور رؤيتها و هي تغمغم بصوت باكٍ:
- يارا، الحقيني يا يارا!
 رمشت عدة مرات و هي تضمها لأحضانها ناظرة نحوه بتساؤل مرتاب، فلانت ملامحه قليلًا و هو يرفع كتفيه بحركة تكاد لا تُلحظ معربًا عن عدم معرفته لما أُلحق بها، ربتت "يارا" على كتفيها محاولة تهدئتها و هي تناظره بارتعاد:
- طب.. طب اهدى بس يا رهيف و قوليلي مالك!
فقط شهقاتها المريبة تتصاعد منها، فاحتل الوجوم صفحة وجهها، أشار "يامن" بعينيه الصارمتين نحو الغرفة و هو يقول بلهجة آمرة:
- خديها أوضتك و سيبيها معايا
 و أشار بعينيهِ نحو الصغيرة التي تقف بجواره و قد أدمعت عينيها و هي تزم شفتيها تأثرًا بحالة أختها، فانحنت نظرات "يارا" نحوها لتزداد تعاطفًا معها، ارتفعت أنظارها نحوه و هي تومئ بحركة قلقة من رأسها، ثم بهدوء أبعدت صديقتها:
- رهيف.. تعالى معايا!
لم تتلقَ منها استجابة سوى حالتها المنهارة، فزمت شفتيها بضيق و هي تصطحبها برفقتها جبرًا بينما تقول بوجل:
- اهدي بس و قوليلي مالك، انتي خوفتيني
فحل الرعب بنبرتها و هي تقول بفجع متشبثة بها:
- الحقيني يا يارا، الحقيني، عايزين يجوزوني غصب يا يارا!
كانت تلك الكلمات التي وصلت مسامعه قبل أن تلج "يارا" بها لتوصد الباب من خلفهما، انتبه إلى ذلك النشيج الرقيق ، فـ أخفض نظراته نحو لصغيرة ،وگأنهُ ارتبك قليلًا، فهو فاشل في التعامل مع الأطفال،  و خاصة البنات، انحنى قليلًا ليحملها على ذراعه فتفاجأ بها تدفن رأسها في عنقه منفجرة بالبكاء الرقيق، ازدرد ريقه بينما يغمغم بخشونة:
- اهدى
ارتفعت أنظار الصغيرة نحوه و هي تزداد تشبثًا بعنقه بين كفيها، ثم غمغمت من بين نحيبها:
-عمو.. هي رهف زعلانة ليه
- مش عارف
فتقوست شفتيها للاسفل بحزن طفولي و هي تحنى أهدابها قائلة بشجن:
- مش بحب أشوفها زعلانة، هي ليه زعلانة؟
 و راحت أنظارها ترتفع نحوه ثانية و هي تقول:
- هي زعلانة عشان بابا مش جه و طول في الشغل عشان يجيبلي عروسة؟
ظل ثابتًا لم تتبدل تعبيراته فتابعت و هي تستكمل بكائها:
- يبقى رهف زعلانة بسبب رهف أنا!
تعذر عليه فهم ما تنطق به، فمضى بها نحو الأريكة و جلس تاركًا لها فوق ساقيه، ليتفاجأ بها تضمه أكثر مشددة من عناقه و هي تدفن رأسها في صدره محاولة تبرير موقفها:
- بس أنا عايزة أكلم بابا و أقوله مش عايزة عروسة، أنا مش عايزة غير بابا
حرر زفيرًا عميقًا من صدره و هو يسألها بصلابة:
- و بابا فين؟
ارتفعت أنظارها نحوه و هي تقول بعبوسها الطفولي من بين شهقاتها:
- ماما قالتلي إنه راح لمكان بعيد عشان يشتغل و يجيبلي عروسة، و قالتلي إنه بييجي بليل عشان يشوفني، و بيمشي قبل ما أصحى عشان يشتغل كتير و يجيبلي عروسة
و أحنت نظراتها لتنسدل الدموع من عينيها و قد تهدل كتفيها ثم استأنفت بقنوط:
- عمـو، أنا مش عايزة عروسة، أنا مش عايزة غير بابا
لم يكن من العسير أن يتفهم جيّدًا أنها يتيمة الأب، ذكرتهُ بحالهِ في فترة ماضية من حياته، تلك الفتاة التي تشبه قِطعة السكاكر قد خسرت سندها الأوحد مبكرًا.. مبكرًا جدًا، و ها هي تدرك وحدتها و اشتياقها اللامحدود إليه، ارتفعت أنظارها العميقة نحوه لتقول من بين بكائها المرير:
- عمو، ينفع تكلم بابا و تقوله يرجع لي؟ و تخليه يفضل عشان أشوفه قبال ما يمشي؟
بُهت للحظات و لم يتمكن من الرد، فلم يجد سوى أن يخلل أنامله بين خصلاتها الكستنائيّة القصيرة، و راح يتأمل ملامحها، بشرتها حليبيّة يُضاف إلى وجنتيها اللون الوردي المحبب، بينما عينيها الزرقاوين اللتان تختلفن في درجتهما عن عيني زوجته قليلًا، إلا أنهما يظلان محببان للأعين، تلك اللمحة الحزينة التي تتجول بهما ذكرتهُ بزوجته الكئيبة، ظلّت أنظارها المترقبة معلقة به فـ بلحظة كاد يُخبرها مباشرة أن والدها لم يعد بيننا على الأرض ، فحاد ببصره عنها و هو يقول بلهجة جافّة:
- كل اللي اتقالك كذب، أبوكي مش..
فـ قاطعتهُ و هي تقوس شفتيها بألمٍ بالغ بتردد:
- مش.. مش بيحبني؟
ازدرد ريقه و هو يلتفت نحوها مجددًا، نزح تلك الخصلات المبتلة بدموعها و التي حجبت عنها رؤيته بشكل كامل، و وجد نفسه يتابع بخشونة:
- بيبحبك لكن..
فغمغم بلهجة طفوليّة حارقة:
- مش عايز يشوفني؟
 و عبثت بأناملها و هي تحنى بصرها مستأنفة حديثها الممزق لنياط القلوب:
- أنا عارفة إنه بيمشى قبل ما أصحى عشانه تعب بسببي و مش عايز يشوفني، هم بيضحكوا عليا
 و ازداد تقوس شفتيها للأسفل بتهديد صريح للانفجار بالبكاء، فراح يلحق بها قبل أن تفعل:
- لأ.. بس هو بيضطر يسافر عشانه بيشتغل في مكان بعيد، فبيمشي قبل ما تصحي عشان يلحق!
 و وجد نفسهُ قد اكتسب طبع زوجته.. وجد نفسه يمنح أملًا كاذبًا.. أملًا لن يتحقق، أحنى نظراته عنها و هو يتنهد بضيق من حاله، و همّ بالحديث ليوضح لها الحقيقة المُرة و لكنهُ بهت مجددًا حينما قالت و هي تنزح دموعها المريرة بأناملها الضئيلة الرقيقة بينما تغمغم متشككة:
- يـ..ـعني بابا بيحبني؟ مش بيكرهني عشانه تعب عشان.. يجيب عروسة؟
يا الله!.. أين تبعثرت كلماته القاسية التي تكونت و كادت تنطق من شفتيه؟ و هل كان لديه خيارًا لجرحها ذلك الجرح الغائر؟ ذلك الجرح الذي يعلم جيّدًا أنهُ لن يبرأ و لو بمرور السنون؟ أيجرحها ذلك الجرح الذي يدرك جيّدًا آلامه الطاحنة؟
صمت.. صمت و هو يرفع نظراته إليها بينما هي تستكشفه بعينيها الباكيتين، مرر أنامله على وجنتيها الورديتين بينما يقول محاولًا انتشالها من أفكارها:
-  اسمك إيه؟
- رهف أنا!
ضيق عينيه و سأل:
- اسمك رهف؟
هزت رأسها نفيًا لتقول موضحة:
- لأ.. اسمي رهف أنا!.. رهف دي أختي
فـ تقلصت المسافة ما بين حاجبيه و هو يقول متعجبًا:
- ازاي يعني؟ انتو الاتنين نفس الاسم؟
زمت الصغيرة شفتيها بضيق، ثم راحت تشرح لهُ متريثة و هي تشير بالسبابة و الوسطى:
- لأ يا عمـو!.. احنا اتنين، رهف أختي.. و رهف أنا.. أنا!
فتنمر قليلًا:
- ماشي يا رهف أنا.. قولـ..
هزت رأسها نفيًا و هي تقول بصبر:
- لأ.. لأ، لما انت تكلمني لوحدي قولي بس رهف!.. لكن لو رهف معايا، قولي رهف انتي!
- ليه يعني؟
تضاحكت بخفوت و هي ترفع كتفيها معربة عن عدم معرفتها:
- مُش عارفة!
.......................................................................
- يعني إيه تقولي إنك عند واحد صاحبك و تدخل عليا بالشكل ده! و تطلع عامل حادثة و بتضحك عليا!.. لأ و كمان جاي تقولي مسافر؟ سفـر إيه اللي بتتكلم عنه يا عُمر؟ انت.. انت اتجننت أكيد
تفوهت بتلك الكلمات تِباعًا عقب مشادة كلامية لبينهما، حاول "عمر" أن يحتوي غضبها المبرر بينما يقول محتفظًا ببعض الهدوء:
- و الله يا ماما ما قادر أشرح و لا أتكلم، دي رغبتي، و أرجوكي.. أرجوكي متقفيش في طريقي
جلست جواره على الفراش و هي تحتضن كفه السليم مرددة بنفي قاطع:
- أبــدًا.. مش هسمح لك تعمل كده أبدًا يا عُمر، ده انت اللي باقيلي، مش شايف أخوك و طريقته معايا؟ و عايز تسيبني؟
سحب كفه من أسفل كفها ليكن فوقها فيُربت عليه و هو يشيّعها بنظرات هادئة بينما يحاول الابتسام:
- يا حبيبتي أنا مش رايح على طول.. هي فترة الدراسة و هرجع في إجازات، و هكلمك على طول، مش هبطل أطمن عليكي
صرّت بعنف على أسنانها و قد التهبت بشرتها بينما تقول ساخطة:
- هو اللي طلع الحكاية دي في دماغك يا عمر، مش كده؟
تفهم سريعًا أن مقصدها "فارس" ، فتدل كتفيه و هو ينطق بعبوس حاول جاهدًا التحكم به:
- لأ يا حبيبتي، دي رغبتي أنا، و أرجوكي تحققيها لي!
عبست "هدى" بينما تحنى بصرها عنه مغمغمة بآسى:
- عمر.. أنا عارفة إني يمكن كنت قاسية معاك انت و أخوك
 و ارتفعت أنظارها إليه مجددًا و هي تبرر:
- لكن ده كان عشانكم، عشان أنا شوفت الدنيا صح من قبلكم، أخوك فكرني بكرهه و بقى مش طايق يبص في وشي، لكن انت يا عمر.. انت أنا عارفاك و عارفة طيبة قلبك، و عارفة إنك بدأت تفهمني و لو متأخر، متسيبنيش يا عمر، متسيبنيش في أكتر وقت محتاجة سند فيه
حرر زفيرًا حارًا من صدره و هو يجفل نظره ثم قال متعاطفًا:
- أنا عارف إنك تعبانة لأن عمي هيتسجن، و عارف كمان إنك حاسة نفسك وحيدة
و عاد يربت على كفها و هو يقول بلهجة عذبة:
- بس صدقيني متخافيش.. متخافيش و انتي عندك ابن زي يامن في ضهرك، و لو عوزتي أي حاجة اطلبيها منه، هو قلبه مش اسود للدرجة دي، صدقيني هيقف جمبك
و وجد نفسه تلقائيًا يجذبها لأحضانه فاستندت على كتفه السليم برأسها دافنة وجهها فيه للمرة الأولى منذ أمد تقريبًا تتخلى فيه عن قسوتها، و تلقائيًا راحت كلمات "سهير" تتوافد على أذنيها گالسياط:
- و زي ما خسرتي أم ابنها.. هتخسري ابنك!
تقوست شفتيها بألمٍ بالغ بينما تهمس باستياء قانط:
- انت مش فاهم حاجة يا عمر.. محدش فاهم حاجة!
.....................................................
تركتها عقب أن حطّ النوم على جفنيها لتنعم ببعض الهدوء بعد انهيارها التام و هي تشرح لها، حيث اتصال والدتها التي أفضت فيه القول بما لديها، فأنهت "رهيف" الاتصال فورًا و هي تهذر من فرط ارتعادها من إجبارهم لها على تلك الزيجة، وجدت نفسها تلقائيًّا تلجأ إليها.. فانطلقت مصطحبة أختها معها إلى منزل "حبيبة" لتخبرها بأن زوجها قد استفاق و برح المنزل مصطحبًا زوجته معه، فلم تجد سوى الانطلاق حيث مقر شركته و هي تنتظره على أحر من الجمر حتى تمكن من ملاقاتهِ متوسلة إليه برغبتها الحارقة في الاتقاء بزوجته، و على عكس ما توقعتهُ وافق من فوره. و كأن "رهيف" لم تجد أكثر منها ليتفهما حيث كان زواجها إجباريًّا أيضًا، حتى أنها أخبرتها بذلك بنفسها وسط هذرها
تنهدت بحرارة و هي تخطو للخارج فتغضن جبينها حين استمعت إلى تلك الضحكات الناعمة، أوفضت نحوهما حتى توقفت متيبسة بمحلها على قرب منهما بينما تتابع ما يجري بأعين مشدوهة
راحت تداعب بصيلات لحيتهِ النامية قليلًا بأناملها الرقيقة، فسحبتهم من فورها و هي تتأوه من بين ضحكاتها:
- آى!
و راحت تعيد الكرة ثانية مستمعة للغاية بما تفعله و هي تهمّ بفعلها مرة أخرى أثناء قولها الضاحك:
- بتخربش!
 بينما كان يقول بصوته الرجوليّ، بشئٍ من نفاذ الصبر:
- و لما هي بتخربشك بتعمليها تاني ليه!
اتسعت ابتسامتها و هي تبسط كفيه لتحتضن بهما ذقنهُ بينما تبتسم بشغف:
- انت حلو أوي!
و لكنها عبست قليلًا و هي تشير لجبينه المُغضّن قائلة بعتاب:
- بس مش قولتلك هتكون أحلى لو  ضحكت! إنت ليه مش بتضحك؟
فـ غمغم متشدقًا متجاوزًا كلمتها:
- و انتي ليه فضولية كده؟ هي البنات كلها كده؟
ضيّقت عينيها و هي تسألهُ باهتمام:
- يعني إيه فضولية؟
برقت عيناهُ بوميض لامع بينما يقول ساخرًا:
- يعني يارا!
فوجدها فجأة تهلل و قد أثر ضوء الشمس التي تكاد ترتحل من السماء و القادم من الواجهة الزجاجية في عينيه فـ انعكست و بدا بريقها مميزًا للغاية:
- واو.. واااو!
تقلصت المسافة ما بين حاجبيه و هو يسألها:
- في إيـه؟
فـ أشارت لعينيه و هي تقول بابتهاج:
- عينيك لونهم واو!
تجلى الشغف في نبرتها و هي تسأل متلهفة:
- ينفع عيني تبقى شبه عينك؟
تشدق "يامن" بسخرية تامة و هو يقول:
- حطي لينسيز!
انفرجت شفتيها بعدم فهم:
- هاه!
و لم تكترث لتلك النقطة تحديدًا، بل راحت تتلمس وجهه بأناملها الدقيقة مستكشفة معالمه، حتى وصلت لشفتيه فباغتها بأن عضّ برقة بنانها، فكركرت ضاحكة بابتهاج شديد، و أعادت الكرة ففعل مجددًا بينما صوت ضحكاتها العذبة يتردد صداه في أرجاء المنزل، ثم أحطت عنقه بذراعها متسائلة باهتمام:
- عمو.. انت عندك كام سنة؟
فغمغم متهكمًا:
- فضول تاني؟ ماشي
فحثّتهُ على الحديث و هي تقول:
- قول عمو
صمت قليلًا قبل أن يجيبها:
- سبعة و عشرين
غامت عيناها بحزن طفولي و هي تقوس شفتيها بقنوط:
- يــوه! أنا عندي بس خمسة و نص!.. مش ينفع أتجوزك!
و هللت و قد وجدت فكرة ما فـ راحت تثب في جلستها على ساقيه قليلًا فتمسك بها حائلًا دون وقوعها، بينما كانت تصيح:
- لاقيت فكرة.. لاقيت فكرة!
 و هدأت قليلًا لتقول و هي تعتدل في جلستها لتواجه عينيهِ للرائعتين من وجهة نظرها:
- عمو.. ينفع انت تخليك سبعة و عثرين.. لغاية ما أكبر و أبقى قدك و تتجوزني.. و بعدين نكبر مع بعض!
فأومأ بحركة مستنكرة بينما يستأنف تنمره الساخر:
- أنا مستحمل غباء واحدة أما يبقى عندي اتنين!
 فأتاهُ صوتها الهازئ بينما تتقدم صوبهما:
- خديه يا روڤي ياريت و ارحميني منه شوية!
 أخفضها عن ساقيه ليضعها على الأريكة جواره مستقيمًا في وقفته ليحتل الجمود صفحة وجهه بينما يشير بعينه خلفها:
- عملتي إيه؟
تركت زفيرًا حارًا من صدرها و هي تقول بقنوط:
- أهلها عاوزين يجوزها لابن خالها!
تأمل تعبيراتها مطولًا بينما كانت تتابع بانزعاج شديد و هي ترفع نظراتها إليه:
- و هي مش بتحبه و لا بتطيقه!
 و زمت شفتيها بحنق مسترسلة:
- و أهلها للأسف صعايدة.. جدتها تعبانة و يعني.. حاسة إنها هتتوفى، فـ أمرت إنهم يتجوزوا قبل ما تموت!.. و مامتها مش قادرة تعمل حاجة
تأفف "يامن" من تلك العقيلة الغريبة.. و كاد يعرب عن ذلك بلهجة متشددة:
- و أمها عايزة ترضي جدتها على حساب بنتها!
فـ وجدت الفرصة سانحة لتردد بقسوة:
- أيوة.. عشان كده جتلي، مش عايزة تتجوز غصب زيي!
و تركته متيبسًا محله بينما تمر من جواره لتجلس بجوار الصغيرة التي راحت تحتضنها بابتهاج ، بينما هو حرر زفيرًا حارًا من صدرها و التفت حين سمعها تقول بارتباك قليل و كأنها تستأذنه لبقائها:
- هي.. هي نامت جوا، و أنا بصراحة مقدرتش أصحيها
رمقها بنظرة غريبة ثم أشار للصغيرة قائلًا بلهجة آمرة و كأنهُ يعطيها الإذن:
- خديها نيميها جمب أختها ، أنا نازل
و التفت ليخطو متقدمًا متناسيًا هاتفه بينما يزفر في اختناق، فسحبتهُ " رهف" و هي تنطلق خلفه كـ القذيفة من خلفه:
- عمو.. عمو، معايا موبايلك!
توقف بمحله و هو يلتفت نحوها ، ثم بسط كفه و هو يقول بلهجة شبه آمرة:
- هاتيه!
تعجبت من عبوسه المفاجئ بينما كان بالنسبة لها رائقًا منذ قليل، فابتسمت لتقول و هي تشير إلى وجنتها:
- هاتلي بوسة و خدني معاك، و أنا هديلك موبايلك، و مُش هعمل صوت خالص!
تجعد جبينه أكثر إثر تقطيبه، بينما يعقد ساعديه و هو يناظرها باحتداد، فـ هابتهُ قليلًا، راحت ابتسامتها تتلاشى و هي تحنى بصرها مهدلة كتفيها، فخشت "يارا" من تطور الوضع، دنت منها لتجلس بجوارها على الأرضية جاثية على ركبتيها، و ربتت على كتفها و هي تحثها:
- هاتي الموبايل يا روفي عشان عمو يمشي، ممكن؟
هزت رأسها نفيًا و هي تقول بعبوس طفولي:
- بس أنا بحبه و عايزة أروح معاه
مسحت برفق على خصلاتها و هي تقول بسلاسة:
- معلش يا حبيبتي، عمو عنده مشوار مهم و مش هينفع ياخدك!
تفاجأت به ينحنى جوارها، ليشير إليها بالابتعاد قليلًا ففعلت بتردد، بينما كان يسحب الصغيرة العابسة من كفها إليه بينما يقول باشتداد ظاهريّ و تعبيراته لا تدل على شئ:
- انتي معاكي الموبايل و أنا اللي أبوسك؟
فغمغمت بضيق:
- بس أنا عايزة بوسة!
ارتخت تعبيراته حينما هتف:
- أنا اللي عايز، تعالي!
فـ ابتهجت الصغيرة و هي تدنو منه أكثر لتطبع قبلة خاطفة على وجنته، فـ استل هاتفهُ من بين أناملها و هو يستقيم في وقفته مشيرًا بظفر للهاتف، فـ عقدت ساعديها أمام صدرها و هي تزم شفتيها بغيظ:
- انت خدعتني!
تجاهلها ليمضي نحو الخارج بينما كانت تتبعهُ بخطواتها المتشنجة لتقف امامه فتسد عنه الطريق، تخصرت و هي تقول:
- خـدني معاك!
تنهد بضيق و هو ينحني ليحملها بين ذراعيه، ثم قرّب شفتيه من أذنها ليهمس لها بكلماتٍ ما جعلت شفتيها تنفرجان بابتسامة واسع، ابتعد عنها لينظر نحوها متسائلًا، فأومأت و  هي تقول:
- اتفقنا!
و اختطفت قبلة أخرى من وجنته ينما كان يميل بجذعه ليترك جسدها على الأرضية، فهتفت قبل أن تنطلق بالتجاه العكسيّ مستهدفة "يارا" المشدوهة:
- بس تجيبلي شيبسي و انت جاي!
و راحت ترتمي في أحضان "يارا" التي تلقفتها و هي مازالت قيد جلستها على الأرضية بينما تتابع إنصرافه بأعين مذهولة، راحت أنظارها تتجه نحو "رهيف" و هي تسألها بفضول:
- هو قالك إيـه؟
 هزت رأسها نفيًا عدة مرات بينما تقول مناغشة:
- تؤ تؤ تؤ، مش هقولك يا يارا!.. عمو قالي ده سر!
فقرصتها من وجنتها الوردية لتقول مشاكسة و بين طيّات كلماتها شدوهًا لذلك التآلف العجيب بينهما:
- ماشي يا حبيبة عمك!.. بتبيعيني كده؟
......................................................
إنهُ يومًا من أيام الربيع المميزة، حيث تتفتح الزهُور التي أينعت وريقاتها، و تتخلى السماء عن غيومها المُكتظة لتحتفظ بالصفاء المُنعش للروح، و حيث تبتهج به الأشجار، يومًا يبعث على التفاؤل، و لكنهُ بالنسبة إليه كان شتاءً جافًا قارصًا
- حكمت المحكمة حُضوريًّا بالسجن لمدة ست سنوات مع الأشغال الشاقّة، رُفعت الجلسة
 صدر صوت القاضي توازنًا مع طرقه بمطرقتهِ، بينما هـو جالسًا بأول الصفوف يتابع من خلف القُضبان بشماتة واضحة، و الأخير قد قنط من خروجهِ من ها هنا، بائسًا كما لم يكُن من قبل، ذابلًا، فاقدًا ثباتهِ الظاهريّ، مستندًا بجبينه للقضبان، لرُبما كان هنالك أملًا، و لكن "يامن" دعسهُ تمامًا بشهادتهِ التي أطاحت به.
 انتصب ليمضي نحو العسكريان اللذان أحاطاه ليقتاداه حيثُ محبسه، بينما "فارس" يقف متيبسًا يشيع والده بنظرات متخاذلة و كأنه يخجل من توجيه كلمة أخرى إليه، استوقفهما "يامن" بإشارة من كفه :
- لحظة
 يرفع" كمال" أنظاره البائسة و هو يقول:
- عملتها يا ابن يوسف!.. عملتها فيا يا ابن أخويا
قال "يامن" بشراسة واضحة وهو يشير بعينيه:
- حذرتك.. و عليتك على غيرك و اديتك فرصة!
و ارتفع كتفيه ليتابع ببرود:
- لكن انت ببساطة ضيعتها، اتحمل بقى يا .. يا كيمـو!
كزّ "كمال" بعنفٍ على أسنانه بينما العسكريان يدفعانهِ ليتقدم برفقتهما، فتشنج بين أيديهما و هو يقول محتدمًا:
- انت بتنتقم من الشخص الغلط يا يامن، انت مش عارف حاجة، مش عارف حقيقة اللي حواليك، انت محاط بكل الخونة، و أولهم أُمـك!.. سامعني أمك اللي لو عرفتها على حقيقتها هتقرف تبُص في وشها!.. و افتكر كلامي كويس!
.........................................................
.................................
..........................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق Nơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ