"الفصل الرابع و العشرون"

1.2K 34 1
                                    

اتجهت الأنظـار المـذعورة نحوه ، خفق قلب " يارا" بـ عنفٍ في صدرها من هيئته التي لا تنـذر بالخيـر مُطلقًا ، و شحب لـون وجهها من نظراته الشرسـة المسلطة عليها ، لـم تتحرك حدقتيه و هـو يـزأر بـ :
_ بــــــــرا
على الفـور فـرّ كلًا من " سهيـر" و " مريـم" للخارج و رجفـة سيطـرت على أجسادهـن ، و أوصـدت " سهيـر" الباب خلفها ، انكمـشت " يارا" على نفسها عنـدما سـار تجاهها مرددًا بـ صـوتٍ قاتـم :
_ هـو ده اتفاقنـا ؟
ارتسـم الهلع على صفحـة وجهها و هـي تردد بـ تلعثـم :
_ انـ.. أنا...
فـ قبض على عضدها بـ عنف ، و نظـر لـ عينيها مباشـرة من عينيه و كأنهما يُطلقان شررًا هـادرًا بـ استهجــان:
_ انتي فـاكرة اني طلعته براءة عشـان متهـربيـش ؟ تبقى غبيـة !
ازدردت ريقها بـ ذعـر و هـي تنقل نظراتها بيـن خضراوتيـه ، فـ قـرب وجهه منها لـ يردد بـ شـراسـة :
- انا لـو عايـز أدفنك تحت الأرض هعملها ، لـو هفضـل حابسك لآخـر يوم في حياتك و متشـوفيـش نـور الشمـس هعملها و بكـل سهـولة كمـان !
فـ اتسعت عيناها و كأن الغمامة على ذهنها قد انقشعت ليتبين أمامها جذور ما حدث .. فـ تمتمت بـ شدوه :
_ يعـ..يعنـي حكاية الباب و انك نسيته دي مكنتش صـدفـة ! انت .. انت أصلًا متنسـاش حاجة !
فـ ارتفع جانب ثغـره ببسمة جليديـة متمتمًا بـ تهكـم :
_ برافـو ، لسـه مكتشفـة ده !
فغرت شفتيها بـ صدمة متمتمة بـ همـسٍ :
_ ازاي .. ازاي مجاش في بالي انه فـخ انت عامله ؟
فـ تصلبت ملامحه و هو يتـرك ذراعها مرددًا بـ شـراسـة :
_ خــروج من هنــا مش هيحصــل !
ثـم نقـر بـ سبابته بـ قـوة على جانب رأسها مرددًا بجمود :
_ يا ريت تحطي ده في دماغك
كانت غير واعية لما يقوم به و ذكريات ذلك اليوم المشؤوم تُعاد أمام عينيها ، و فجأة غلت الدمـاء بـ عروقها و احتقن وجهها و عيناها بالدماء هادرة بـ تشنجٍ :
_ يعني كنــت مخطط لكـل حاجة ! كنت معتقـد اني .. لأ.. كنت متأكد اني هـحاول أهرب و هـرجع البيت ، و تيجـي انت تعرفهـم بـ جوازنـا ، انت ايـه يا أخي ؟ شيطــان ، ده انت أسـوأ من الشيطان نفسـه !
فـ قبض بـ قـوة على ذراعها و هـو يجتذبها بـ عنفٍ لـ تقف على ساقيها و لـوى ذراعها خلف ظهـرها ، ليلتصق ذراعها تحديدًا بموضع جرحها ، هادرًا بـ شـراسة :
_ بالظبط كـده ، أنا أسـوأ من الشيطـان ، أحسنلك تتجنبـي غضبــي !
قبضت على شفتيها بـ قوة و تقلصت تعبيراتها قليلًا محاولة ألا تُظهـر تآلمها ، رُغمًا عنها تجمعت الدمـوع في مقلتيها و هـي تنقـل نظراتها بيـن عينيه ، فـ أظلمت عيناه أكثـر و هـو يتمتم بـ همـسٍ أشبـه بـ فحيح الأفعـى :
_ و أنا غضبي أبعدلك من الخيـال لـو خيالك حـاول يتصـوره ! انتي مشـوفتـيش جـزء منه ، و أحسنلك متشوفيهـوش !
على عكـس الألـم الذي يفتك بها ، رمقته بنظرات مليئة بالتحـدي استفزته و أثارت سخطـه أكثـر ، فـ قست ملامحه و هـو يـ جـذب ذراعها مشددًا عليه أكثر هادرًا بـ نبرة شرسـة :
_ فــاهمــــة !
فـ انفلتت منها صـرخ متألمة و هـي تدفعه من صـدره مرددة بـ تألـم :
_ ظهري ، حاسب
لم يتأثر بـ دفعها له ، و لكـن تجمدت تعبيراته فـ هـو لـم يُـدرك اندفـاعه و عنفه سـوى الآن ، أرخـى قبضته عنها ثـم حرر ذراعها فـ تهالك جسدها على الفراش مُخفضة رأسها و الدموع تنهمـر من عينيها ، تحسست ظهرها بأطراف أناملها ، أطبق " يامن" جفنيه بـ قوة و ولاها ظهـره و هـو يبتعـد عدة خطوات عنها ، خلل أصابعه بـ خصلاته السـوداء و هـو يزفر في ضيـق ، مازال غضبه يعمي عينيه فـ يمنعه من رؤية من أمامه حتى ، التفت لـ ينظر اليها من طرف عينه لـ يشعـر بـ نغزة في قلبه ، لا يعلم ما ذلك الشعـور الذي تسلل اليه ، و كأن ضميره يؤنبه بـ قسـوة على ما فعل بها ، ليس اليـوم فقط.. بل منذ أن دلف حياتها و قـد حولها جحيمًا ، خشـى من أن يضعف أمامها عاد ينظـر أمامه و قـد قست تعبيراته ، و سار للأمام خطوة أخرى نحـو الباب و كاد يُديـر مقبضه فـ استوقفته قائلة بـ تشنج :
_ أنا مستحيـل أعيـش مع واحـد همجي زيـك في بيت واحـد !
كـور قبضته و لكـم الباب أمامه بـ عنفٍ ، ثـم استدار و هـو يهـدر بـ شراسـة :
_ انـتـــي عايـزة ايــــه ؟
فـ اختنقت نبرتها و هي تقـول :
_ مــش عايزة أعيش معاك في بيــت واحــد
فـ زأر بـ صـوتٍ جهـوري :
_ و انتى مش هتكونـى غير معايا !
هـزت رأسها نفيًا مرددة بـ استهجـان :
_ يـــــوه ، انت لسـه عايز ايه تاني منى ؟ مـش دمـرت كل حاجة باللى عملته ، خليتنى أخـون ثقتهم فيا ، بقيـت في نظـرهـم متجوزاك برضايا و بـ مزاجى ، خلينى أصلح اللي انت عملته و حـل عنى بقى !
فـ سلط نظراته الحامية عليها مرددًا بـ نبرة جافة :
_ مــش هيحصل يا بنت حسيــن ، متروحيـش بخيالك لـ بعيـد عشـان اللى بتفكرى فيه ده مـش هيحصـل !
كـاد يستدير بـ جسده و لكنها رددت بنبرة امتزجـت مع شهقاتها و قـد أجهشت بالبكاء :
_ عايزة أكلمه ، عايـزة أسمع صوته بـس على الأقـل ! هشوفه مـرة واحـدة بس !
فـ هـدر بها بـ استهجــان مشيحًا بـ كفه :
_ انتي غبيـة ؟ ده كان هيقتلك !
فـ تنغض جبينها مرددة بـ تشنجٍ :
_ كـان هيقتلنى بسببك انت ! انت السبب في كـل حاجة حصلت لي ! أنا مستحيــل أعـيش معاك ، لـو حكمـت اني أرمي نفسي من الشباك هعملها !
فـ دنا منها لـ يردد بـ اصرار مريب :
_ و أنا مش هسمـح لـ ده انه يحصـل ، مـش هسمـح للمـوت ياخـدك مني حتى لـو حاولتى !
كـزت على أسنانها بـ عنفٍ مرددة بـ استنكـار :
_ عزرائيـل لما ياخد روحي مش هيستني أمرك ، انت مـخدوع في نفسـك ، مهمـا وصل جبروتك افتكر انك بشـر كـل الهيبة اللى انت مالكها دي ممكـن في ثانية تضيـع ، و ده اللى هيحصـل ، عارف ليـه ؟ عشــانك ظـالم ، كـل حاجة هتضيع منك و في لحظـة هتلاقي نفسـك وقعت و مش هتقدر تقـوم تانى !
بـرزت عروق جبينه و صـارت عيناه گجذوتين من الجحيم ، عقد ساعديه أمام صدره هـو يردد بـ سخطٍ :
_ و أنا مبقعش يا بنت حسيــن
فـ رمقته بـ تحـدٍ متمتمة بـ نبرة محتـدمة :
_ مـش انت اللى تقرر يا يامن بيه ، قـارون كـان عنـده كنـوز الدنيا ، كـل الناس كانوا بيتمنوا يكونوا زيه .. زيك بالظبـط ، و في لحظـة واحـدة ربنا خسـف بيـه و بداره الأرض
تجمدت نظراته عليها و تصلب تعبيراته ، فـ تابعت بـ نبرة قوية:
_ يعنى ممكـن في لحظة كـل حاجة تضيع منك ، ساعتها بس هتفتكر كلمتى !
فـ لـم يتأثر كثيرًا .. ردد بـ نبرة جامدة مشيرًا لها بـ عينيه :
_ خلي حكمك و مواعظـك لنفسـك عشان مش محتاجهـم
طردت زفيرًا حارًا ألهب صدرها و هـي تضغط بكفها على جبينها ، ثـم نظرت له بـ لتردد بـ قسـوة :
_ اﻷيـام بينا يا يامن بيه ، و بكرة أفكرك
فـ ارتفع جانب ثغره ببسمة جليديـة و هـو يردد :
_ و بكـرة مش بعيـد ، مستنيـه !
ثـم تجمدت ملامحه و هـو ينظر لها بـ عينين تطاير الشرر منهما ، فـ رمقته بـ نظرات ساخطة ، استدار " يامـن" بـ جسده و سار نحـو الباب ثـم ادار مقبضه ،  هـدر بـ صوتٍ جهـوري :
_ سهيـــــر
فـ حضرت " سهير" بين يديه متمتمة بـ ذعـرٍ :
_ أيوة يا بيه
سـار للأمام مرددًا بـ صرامة  :
_ خلي مريـم تشـوف الجرح ، و حضـري الشنط
فـ رفعت حاجبيها متمتمة بـ عدم فهـم :
_ شنـط !
فـ لـم يستديـر لها و هـو يمضي نحـو غرفته :
_ راجعيـن القصـر
………………………………………………………………………………….
أغلقت الصنبـور فور استماعها لـ صوت غلق الباب ، و جففت كفيها بـ منشفـة المطبخ الصغيرة ثـم تركتها جانبًا و هـي تقف على عتبة المطبـخ لتسترق النظر للخارج لـ تجـد ابنها  يدلف من باب المنزل متجهًا لـ غرفته و الانهـاك جليًا عليه ، فـ نادت بـ همسٍ و هـي تتلفت حولها :
_ خــالد ، خـالد
استمع هـو الى صـوت همهمـات لم يتبين معناها ، فـ التفت برأسه نحو مصـدر الصوت لـ يجـد والدته ، فـ أشارت له هامسـة :
_ تعالى ، عايزاك
تنغض جبينه و هـو يدنو منها مرددًا باستفسار :
_ مالك عاملة زي الحراميين كده ليه يا امه ؟
فـ اجتذبته لداخل المطبخ ، و تلفتت حولها لـ تضمـن عدم خروج زوجها من غـرفته ، استدارت " ميرفت" لـ تشير الى احـدى المقاعد مرددة بـ همـسٍ :
_ اقعـد يا خالد
فـ اعتلى احـدى المقاعـد حـول الطاولة الصغيرة التي تنتصف المطبخ ، و ردد بـ فضـول :
_ في ايـه يا أمه ؟ مـش على بعضـك ليه ؟
فـ رددت بـ نبرة ممتعضـة :
_ في بلوي سـودا يا خالد !
استند بـ ساعديه الى الطاولة مرددًا بـ ارتياب :
_ ليـه ؟ ايه اللى حصـل ؟
فـ سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهلٍ و هـي تسحب احـدي المقاعد لـ تعتليها مرددة بـ اقتضـاب :
_ عمتـك !
رفع حاجبيه متمتمًا بـ شـدوه :
_ حبيبة ؟ انتي روحتيلها ؟
أومأت برأسها و قـد اكفهـر وجهها ، فـ ردد متلهفًا :
_ ها ؟ كلمتيها في موضوعي أنا و يارا ؟
امتعضت ملامحها متمتمة بـ تجهـمٍ :
_ اصرف نظر عن الموضـوع ده خالص يا خالد !
اتسعت عيناه مرددًا بـ استنكار :
_ نعـم ، أصرف نظـر ؟ هـي موافقتش بردو ؟
فـ اشاحت بكفها متمتمة بـتأفف:
_ هـو انا شوفتها أصلًا !
تنغض جبينه قائلًا بـ استفسـار :
_ اومـال ؟ ده احنا مش عارفيـن نوصلها بقالها كام يـوم ، هـي مش في بيتها كمـان ؟
تنهـدت بـ ضيق و رددت بنبرة ناقمة :
_ ما انت مش داري باللي حصـل يا خالد
فـ امتعضت ملامحه مرددًا بفتور :
_ يا أمه انتى هتكلميني بالألغاز ، ما تقـولي ايه اللى حصل ، أنا راجع دماغي مش فيا
فـ زفرت بـ انزعـاج مرددة بـ امتعاض:
_ ما أنا مش عارفة أجيبهالك ازاي !
ثـم رددت بـ جدية :
_ بص يا خالد ، أنا روحــت عشـان أتكلم معاها زي ما طلبت منى يمكـن أعرف أقنعها بعد ما بقالنا كـام يوم بنتصل بيها مبتردش
فـ قاطعها بـ حنق :
_ ما انا عارف كل ده يا أمه ، هاتى الجديد
فـ نهـرته متمتمة بـ تهكـم :
_ اصبر يا خالد ، ده انت هتقولي يا ريتني ما عرفت
_ انتي بتقلقينى
تنهـدت قائلة :
_ المهـم ، روحـت البيت محـدش كـان هنـاك ، قلقـت .. قـولت أسأل جارتهم اللى تحتهـم ، و يا ريتني ما سألت يا أخويا
حك جبينه متسائلًا بارتياب :
_ ليه ؟
تلفتت حولها و كأنها تتأكد من عـدم استماع أحـدهـم ، و أشارت اليه ليدنو منها ثـم مالت عليه و قـد التمعت بمكر لتهمـس بـ خبثٍ :
_ البت يارا بايـن كده على علاقة بـواحـد غني
عاد برأسه للخلف محملقًا بها هادرًا بـ استهجـان :
_ نعـم !
فـ أشارت اليه مرددة بخفوت :
_ وطي صوتك أبوك ميعرفش حاجة
فـ أخفض نبرته و هـو يردد باستنكار :
_ ايه اللي بتقوليه ده يا أمه ؟
فـ رفعت كتفيها قائلة بـ مكـرٍ :
_ و مش بس كده ، اتفضحت و أبوها عرف بـ×××× فـ قال يغسـل عاره بإيده و حاول يقتلها !
اتسعت عيناه في صـدمة لما تتفوه به ، و سريعًا ما تحولت نظراته للقتامة ، خلل أصابعه في خصلاته المجعـدة مُطلقًا سبة خافتة من بيـن شفتيه :
_ يـا بنـت الـ×××× و انتى عاملالى فيها شـريفة و بتتأمري عليا !
سحبت " ميرفت" شهيقًا زفرته على مهلٍ و تنهدت قائلة باستياء زائف :
_ و بـس ، الراجـل خـد البت يارا بعد ما أبوها طعنها ، و اتقبض عليه ، و أختها ولاء محدش لاقيها ، و حبيبة الله أعلم جرالها ايه بعد الفضايح دي كلها !
نهض فجأة باندفـاع صائحًا بـ سخطٍ :
_ قسمـًا بالله ما سايبها بنت الـ ××××× دى !
ثـم استدار بجسده والجًا للخارج ، فـ اتسعت عيناها بـ صدمة و تبعته مرددة بـ خفوت :
_ اوعــى تتهور يا خالد ، هتعمل ايه بـس
بلغ باب منزله فـ أدار المقبض و التفت برأسه نصف التفاتة مرددًا بـ صـوت أجـش :
_ هرجع الـ×××××× دي لأهلها !
تنغض جبينها قائلة بـ توجـس:
_ يا ابنى هتعرف مكانها ازاي بس ؟ فكـر بالعقل و متتهـورش
فـ التوى ثغره بـ سخرية مرددًا بازدراء :
_ أعرف مكانها ازاي ! ده أنا بإيدي دي جايبها من عنـده المرة اللي فاتت بـس كنت غبي و معرفتش كانت بتعمل ايـه !
ثـم ولج للخارج مرددًا بـ سخطٍ :
_ أنا هعرف إزاي أعرفها شغلها
فـ تمتمت " ميرفت" بتوجس و هي تتلفت حولها خشية من أن يستفيق زوجها :
_ يا خالد متوديش نفسك في داهيـة ، ده بيقولوا راجـل مايقدش عليه الا اللي خلقه ، سيبـك منها بقى و انسـاها
فـ لـم يكترث لتحذيراتها و تابع هبوطه على الدرج و قد توهج وجهه بنذير غير مبشر ، تمتم بتوعدٍ و قد شعر بالنيران تتقد بصدرهِ :
_ قسمًا بالله لموريكي يا ×××××
…………………………………………………………………………………
تابعت الطريق من النافذة المجاورة لها بأعيـن شاردة ، لا تعلـم سبب انتقالهم فجأة للعيش بداخل قصـر عائلته ، و لكنه الأفضل بالنسبة اليها ، فـ هي تخشى حقًا التواجـد معه بـ نفـس المكان وحدهما كما شعـور الرهبـة مسيطرًا عليها الآن لتواجدها معه بالسيارة وحدهما ، أطبقت جفنيها و قـد أصابها الاشتياق لعائلتها ، لـ حياتها لبسيطة ، لـ منزلها الدافئ ، لـ شقيقتها التي لا تعلـم عنها شيئًا ، لـ والدتها التي لا تعلـم كيف حالها و سـط كل تلك الأحداث الشائكة ، تنهـدت بـ اشتياق و هـي تفتح عينيها ، اعتقدت أنه لا يعيرها اهتمامًا و لـم تنتبه الى اختلاسـه النظرات اليها من الحين للآخر ، استمع الى رنيـن هاتفه فأخرجه من جيب بنطاله الأسـود و تنغض جبينه و هـو ينظـر لشاشته مليًا ، نقر زر الإجابة و ارتكـز ببصره على الطريق و هو يرفع الهاتف الى أذنه مرددًا بنبرة جافة :
_ في ايــــه ؟
فـ استمع الى صـوت " مـاجـد" المتوتر و هـو يراقب ابتعاد سيـارة " فارس" عقب أن أوصـل " ولاء" و والدتها للمنزل مرددًا :
_ فـارس بيه !
فـ تنغض بينه أكثر قائلًا بـ جمـود :
_ ماله ؟
ازدرد ريقه بتوتر و اضطربت نبرته و تلعثمت :
_ أًصـ.. أصل فارس بيه آآآ…
تجهمت ملامحه و هو يهدر به بـ احـتدام :
_ ما تخلص انت لسه هتهته !
ارتفاع نبرتهُ جعل رجفة تسيطر على جسدها ، ازدردت ريقها و هي تحاول التظاهر بالثبات أمامه ، فـ احتضنت نفسها بذراعيها و هي تتجنب تمامًا النظر اليه و أجبرت نفسها على النظر من خلال النافذة المجاورة لها .. بينما ردد " ماجـد" بـ توجـس :
_ اصل فارس بيه وصل بنت حسيـن و مراته على بيتها !
غلت الدمـاء في عروق " يامن" ..كز على أسنانه بقوة مرددًا بـ صـوتٍ قاتم :
_ امتى الكلام ده ؟
فـ ردد الأخيـر بـ ارتباك و قـد تندى جبينه بالعرق :
_ لسـه ماشي حالًا يا باشا
أغلق " يامن" المكالمة ، و أزاح الهاتف عـن أذنه و نقر على شاشته ليأتي برقـم " فارس" و رفعه الى أذنه ينتظر رده حتى أتاه صوته الجاد :
_ ألـو
فـ ردد بنبرة جامدة :
_ انت فيــن ؟
تنغض جبينه مرددًا :
_ راجع الفندق
فـ ردد بنبرة حاسمـة صارمة و نظراته المظلمة مثبتة على الطريق أمامه :
_ ترجع على القصـر
رفع " فارس" حاجبه الأيسر قائلًا بـ دهشـة :
_ القصـر ؟ ليــه ؟
فـقبض بكفيهِ بقوة على المقود ، و تجهمت ملامحه هادرًا بـ إحتـدام :
_ من غيـر ليـه ، اعمــل اللى أقــولك عليه و انت ساكت !
أصابها بالسئم من صوته الذي كان گنيران مُهلكة تتقد بروحها المعذبة ، عبست ملامحها و أطبقت جفنيها بـضجرٍ ثم فتحتهما و هي تطرد زفيرًا حارًا من صدرها هامسـة بـ سخطٍ :
_ انت مبترحمـش حـد أبدًا ، أوف
تنهـد " فارس" بضيق و هو يغير وجهته متمتمًا :
_ طيب ، هـرجـع القصـر ، في حاجة تانى ؟
فـ أطلقت عيناه شررًا و هـو يردد بنبرة متوعدة :
_ بعديـن هنتكلـم
أزاح الهاتف عـن أذنه مغلقًا المكالمة ، و دسـه في جيبه ، ثـم ضغـط بـ كفيه على المقـود متمتمًا لـ نفسـه بشراسـة :
_ ماشي يا فارس ، أنا هعرفك ازاي تكسرلي كلمة
نظـرت له " يارا" من زاوية عينها و  عـم صمتٌ مريب بعدهـا لـم يقطعه أحدهم
………………………………………………………………………
_ هـدخـل غصـب عنك و عـن عيـن اللي جابوك !
قالها " خـالد" بـ عصبية و شرارات الغضـب تتقاذف من عينيه ، فـ دفعه الحارس بـ عنفٍ للـخلف هادرًا بـ استهجـان :
_ هـو كـل من هــب و دب عايـز يقابل الباشا ، انت فاكرها تكيـة من غير بواب ؟
فـ توهجت بشرته باحمرار الغضب صائحًا بـ اهتياج :
_ انا ميهمنـيش كـل ده ، أنا هـدخل يعني هـدخـل
  وصلت سيارتيـن على التوالي ، سيـارة " كمـال" أولًا ، سيارة " فارس" من خلفها ، ترجـل " كمـال" من السيارة و تنغض جبينه و هـو يمضي نحوهـم قائلًا بـ حدة :
_ ايـه اللي بيحصـل هنا ده؟
التفت الحارس نحوه مرددًا بنبرة جامدة :
_ مفيش حاجة يا كمال بيه ، ممكن حضرتك تتفضل و احنا هنتصـرف
فـ شمله " كمال" بنظرات متأففة من رأسه حتى أخمص قدميه مرددًا بازدراء :
_ شيلوا الأشكال دي من هنا !
رفع " خالد" حاجبه الأيسـر استنكارًا مرددًا بـ استهجان :
_ أنا مش ماشي من هنا قبـل ما أخد بنت الـ××××× اللى هنا ، و ده آخـر كلام عنـدى !
نظـر له " كمال" بامتعاض ، ثـم نظر للحارس مرددًا بنبرة آمـرة :
_ آخـر مرة أشـوف الأشكال دي هنا ، ده شكله شارب حاجة و جاي يطلعها علينا
ثـم استدار بـ جسده ليتجه لسيارته ليستقلها للداخل ، و لكنه تسمـر في مكانه و هـو يرى سيارة أخـرى غير مألوفة بالنسبة اليه ، تنغض جبينه و ضيق عينيه و هو يدقق بصره تجاهها لكن ارتفع حاجباه بدهشـة هـو يرى ابنه يترجل من السيارة ، صفق " فارس" الباب و تنهـد بضيق و هـو ينظر لوالده ، فـ ردد الأخيـر مصدومًا :
_ فـارس !
سار " فارس" ناحيته و حاد ببصره عنه قائلًا بـ فتور :
_ اخبارك ايه يا بـ.. يا كمال بيه ؟
فـ ردد بـ عتاب و هـو ينظـر له بـ ضيق :
_ ده اللى ربنا قدرك عليه يا فارس ، حتى كلمة بابا مش عارف تقولها ؟
رفع " فارس" نظراته اليه و نظـر له مليًا و لـم يعقب ، فـ تنهـد " كمال" بحرارة و هـو يربت على كتفه مرددًا :
_ وصلت مصر امتى ؟
حاد ببصره عنه قائلًا بجفاء :
_ من أسبوع تقريبًا
ارتفع حاجباه قائلًا باستنكار :
_ أسبوع ! و أنا معرفش غير دلوقتى !
حاول تصنّع الابتسام و لكنه فشـل ، فظل التجهم محتلًا ملامحه و هـو يردف :
_ اه ، كنت لسه بتأقلم مع الوضع هنا !
فـهز رأسه بلا اقتناع و التوى ثغره ببسمة ساخرة :
_ و ماله ! حمدلله على السلامة
تنهد " فارس" بـ ضيق متمتمًا :
_ الله يسلمك
انتبه " فارس" لأصـوات الشجار المحتدمة فـ التفت برأسه مضيقًا عينيه قائلًا باستفسار :
_ ميـن ده ؟ و عايز ايه بيزعق كده ليه ؟
فـ نظر له " كمال" بازدراء متمتمًا بلا اكتراثٍ :
_ واحـد شكله شارب حاجة و جاي يقرفنا ، سيبك منه ، الحرس دلوقتى يرمـوه برا
_ قــــولت مش مـاشي من هنـــا غير لمـا آخـدها معايا
هـدر بها " خالد" بـ عصبية جليـة حتى أن صـوت الشجار وصل اليهم ، فـ تمتم " فارس" بـ شـدوه:
_ ياخـد ميـن ؟
أشاح " كمال" بكفه مرددًا ببرود :
_ مش بقولك شكله شارب حاجة ، خلينا ندخـل احنا
التفت " فارس" برأسه مضيقًا لعينيه لـ يراقب الشجار القائـم ، ثـم بسط كفه متمتمًا بنبرة جامدة :
_ استنى
سار " فارس" نحوه عـدة خطوات ، و لكنه تسمـر في مكانه حيـن استمع الى صـوت بـوق سيارة يأتي من خلفهـم ، فـ استدار على الفـور لـ يرتفع حاجبه الأيسـر حين أدرك أنها سيـارة " يامن" كـذلك توقفت أصوات الشجار بيـن كلًا من الحرس و " خالد" الذي سلط بصره على السيارة لتغلي الدماء في عروقه حيـن رآها هناك بـ جواره ، بينما خفق قلب " يارا" بقوة في صـدرها ، و اتسعت عيناها بذهول و هي تهمس بشدوه وصل اليه :
_ خـالد !
......................................................................................................
و أهـلًا بالمعـارك 😂🙈

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن