"الفصل الرابع و السبعون"

745 14 0
                                    

" الفصل الرابع و السبعون"
بدلًا من أن تحاول تحرير نفسها من قبضته التي اعتصرت عنقها و قد بدا لها و كأنهُ جنّ، راحت تتلمس جانب وجههِ و هي تدمدم بصعوبة:
- ما.. ما أنا أهو يا حبيبي، إنت.. إنت كويس
تقوست شفتيه بسخرية و هو يردد بصوتٍ ساخر امتزج التهكم فيهِ مع الشراسة:
- شايفاني مفغل عشان محسش من أول لحظة إن مراتي مرجعتليش.. شايفاني مفغل عشان محسش اللي واقفة قدامي دي مراتي بجد و لا واحدة بتمثل دورها، شايفاني مفغل عشان معرفش ان مراتي مستحيل تنسى مهما نست معنى "عظيم" بيننا؟ عشان ملاحظش إن مراتي مبقتش تقول لأ؟ ، عشان ملاحظش علامة التوكة اللي مراتي مبتشيلهاش من معصمها، عشان معرفش إنها مبتحبش غير ترفع شعرها؟ عشان معرفش إن يارا عمرها ما قالتلي حبيبي؟ عشان معرفش إن يارا عمرها ما هتنسى مهما نست إني مبطيقش ريحة الشاي؟
فرددت بصعوبة متلعثمة و هي تحاول تلك المرة أن تحل قبضته عن عنقها الذي سيهشمه في قبضتهِ:
- لـ..للدرجة دي بتحبها؟ قـ..قدرت تعرفها و أنا.. و أنا و هي نفس الشكل.. نفس الملامح.. نفس العينين حتى!
كشّر "يامن" عن أنيابه و هو يلوى شدقيه بقسوة، ثم أجاب سؤالها بسؤالٍ حالك:
- كنتي فاكرة لعبتك دي هتخيل عليا قد إيه؟
فحاولت التقاط أنفاسها و قد تفاقم شحوب وجهها:
- هـ..هموت في إيدك، هموت
ابتسم من جانب ثغره بسمة قاتمة فكشف عن أنيابهِ من خلفها و هو يردد بلهجة ذات مغزى:
- ما انتي هتموتي فعلًا لو منطقتيش حالًا و قولتي مراتي فين؟
أومأت برأسها عدة مرات محاولة إيجاد خلاصها من موت محتم:
- حا..حاضر، سيبني و أنا هقولك
أرخى قبضته عن عنقها و هو يحدجها بنظراتٍ مظلمة مبتعدًا خطوة واحدة عنها، فانحنت "يورا" للأمام و هي تسعل بشدة أثناء محاولاتها لملء رئتيها بالهواء من جديد، تهدجت أنفاسها و هي تنظر نحوهُ من طرفها، و ما إن همّت بالحراك تنفيذً لمخطط فرارها، كان يجتذبها بعنفٍ من خصلاتها إليه و قد تفهم بنظرة منهُ لعينيها ما انتوت فعلهُ، فصرخت و هي تحاول تخليص نفسها من قبضتهِ و:
- آآه..سيبني يا مفتري
طافت أنفاسه المهتاجة حول بشرتها و هو يخرج سلاحه من ملابسهِ.. و ألصق فوهتهُ برأسها و هو يُنذرها بعينيه الملتهبتين:
- اسمعي يا بت انتي.. أنا انسان ميعرفش للصبر معنى، يا تنطقي و تقولي مراتي فين يا مش هتلاقي حد يقرى الفاتحة على روحك، أنا لسعتي و القبر
نهج صدرها علوًا و هبوطًا و قد التزمت الصمت إلا من أنات خافتة و هي تستشعرهُ يكاد يجتثّ خصلاتها من جذورها، أجفل جسدها بين يديه حين جأر بها و هو يسحب صمام الأمان:
- اخلصــي
أومأت عدة مرات و هي تردد بهلع:
- حاضر.. حاضر، بس.. متقتلنيش
حدجها بنظرة انسكب منها الشرر، ثم أفلتها و هو يدفع جسدها بعنف:
- انطقي
تلمست خصلاتها التي شعّثها ثم رددت تأففًا:
- مراتك كويسة.. أنا مجيتش جمبها و لا شوفتها، هي اللي سابتك و هربت بإرادتها بعد ما سقطت
فلم يشعر بنفسهِ سوى و هو يجتذبها مجددًا من خصلاتها ليجبرها على السير جوارهِ رغمًا عنها، صرخت عدة مرات و هي تحاول تخليص نفسها من براثنهِ و لكنها فشلت، حتى خرج من منزلهِ.. ثم البناية بأكملها دون أن يفلتها، و بلغ سيارتهِ، ففتح باب المقعد المجاور لهُ، دفع جسدها بعنف صافقًا الباب خلفها فتأوهت و هي تعتدل في جلستها، دار "يامن" حول مقدمة السيارة و استقلّ مقعده، شرع يدير المقود و يقتاد السيار مبتعدًا، فزمجرت بعنف و هي تردد:
- إيه دا يعني؟.. إيه الهمجية دي ما قولتلك هعرفك مكانها!
لم يتركث لقولها، تفاقم تجهم وجههُ و هو يسحب هاتفه من جيبهِ حين اهتزّ معلنًا بوصول رسالة، وجد رسالة بموقعٍ ما مبعوثة منه، أتبعها برسالة نصيّة كان فحواها:
- " تعرف.. كان نفسي أكون قدامك و أشوف أول انتصار ليا بعينيا! لكن معلش.. أصلك مستعجل"
دقق بالموقع الذي بعثهُ و قد لاحظ شيئًا ما، تقلصت تلك المسافة بين حاجبيهِ و هو يغلق الدردشة ليفتح الخاصّة بـ "ولاء"، فتيقّن مما شكك بهِ، رفع نظراتهِ عن الهاتف ليتابع الطريق و هو يهمس لنفسهِ:
- نفس العنوان؟.. يعني إيــه؟
 و انخفضت نبرتهِ ليردد بلهجة أشدّ جفاءً و هو يربط الخيوط ببعضها البعض:
- لو اللي في دماغي صح!
.................................................................
كانت قد غفت بالمقعد الخلفيّ من طول المدة التي قضاها كلاهما، حتى أوقف "مايكل" السيارة، شمل المنزل بعينيهِ حينما كانت "رهيف" تسأله و قد تنبّهت توًا لنقطة ما:
- مايكل.. فين الحراسة اللي كانت معايا
فردد أثناء تمعنهِ النظر لواجهة المنزل من خلال زجاج سيّارتهِ:
- لقد قتلوا.. قتلهم ذلك الذي كُلف بقتلكِ
أجفل جسدها و قد توسعت عيناها متمتمة بـ:
- ها؟.. اتقتلوا؟
-yes
و أمرها مشيرًا لبابها:
- ترجلي.. سأظل هنا و أنتظركِ و والدتك، إن حدث خطب ما فلا تترددي، اتصلي بي من فوركِ
أومأت برأسها و هي تنظر نحوهُ نظرة ممتنة، ثم هبطت عن السيارة و راحت تخطو للداخل توقف أمام بوابة منزلهم العتيق ذو الطابقين، و طفقت تطرق الباب و قد شعرت بارتباكها يتفاقم، حتى فتحت لها الخادمة الوحيدة الباب و رحّبت بها ترحابًا حارًا مهللة بعودتها، تجاهلتها "رهيف" وراحت تلج للداخل، شرعت تتسلق الدرجات صعودًا لغرفة والدتها، و همّت بعبور الرواق.. خطوة فـ خطوتين داخله حتى كادت تصلُ لغرفة والدتها التي تقع خلف غرفة "راشد".. إذ عليها المرور من أمامها، تكاد تلتهم الأرضية من فرط توترها الذي امتزج باشتياقها، فـ إذ بباب "راشد" ينفتح ليطل هو من خلفهِ محيطًا خصرها بذراعيهِ و قبل أن تهمّ بالصراخ و قد شعرت بدمائها تنسحب من عروقها كان يُكمم فاهها هامسًا بجوار أذنها:
- بقى كدا يا روڤي؟.. بقى أنا بدور عليكي زي المجنون و انتي كنتي في حضن ابن الخواجات؟
...........................................................
كانت متوترة و هي تجيب اتصالهِ و بدا ذلك جليّا في نبرتها و هي تدلك بكفها جبينها:
- يـ..يامن؟
فردد "يامن" متشدقًا بقسوة:
- كنتي فاكرة سرك هيستخبى لامتى يا هوليا؟
شهقت من فرط صدمتها و هي تتراجع خطوة للخلف، شملت غرفة ابنتها التي تفاجأت بخلوها منها منذ الصباح الباكر، ثم رددت و كأنها لا تفهم مقصدهِ:
- قـ..قصدك إيه يا يامن؟.. مش فاهماك
فردد بلهجة مُشتدة و قد التوى شدقيه بقسوة:
- لأ فاهماني كويس، أحب أقولك متدوريش كتير و تدوخي نفسك، لأن اللي بتدوري عليه معايا
و أنهى المكالمة.. دسّ هاتفه بجيبيه و هو يزفر في انفعال، ثم ردد بلهجة قاتمة و هو ينظر نحوها من طرفهِ:
- عرفتي نائف منين؟
التفتت نحوه و هي تحل ساعديها، ثم شجبت قولهِ و:
- على فكرة ماما متعرفش إني هنا، و لو حصل لها حاجة فـ..
فجأر بها بنفاذ صبر و هو يلكم المقود بانفعال:
- انطقي
أجفل جسدها للحظة و لكنها جاهدت لئلا تظهر توجسها منهُ، ضمت شفتيها و هي تظهر تماسكها أمامه، ثم غمغمت و هي تحيد بنظرها عنه:
- هو.. هو اللي لاقاني
حكّ "يامن" جلد عنقهِ بانفعال، و ما إن كادت تُتم كلماتها:
- هو اللي اتفق معايا و...
فجأر مقتطعًا صوتها و كأنه اختنق من فكرة تواجدها:
- خلاص اخرسي
تأهّبت في جلستها و هي تستهجن شخصيتهِ المتقلبة:
- مش لسه كنت بتقولي انطقي؟.. دلوقتي اخرسي!
- قولت اخرسي.. بـــس!
أجفل جسدها من زئيرهِ لحظيّا و لكنها تداركت نفسها، ،زفرت بحنق و راحت تعقد ساعديها و هو تحدق أمامها مغمغمة بكلماتٍ تنُم عن سخطها المتفاقِم، و ساد الصمت التام حتى بلغ ذلك الحيّ الشعبي، صف سيارتهُ على جانب الطريق لضيق الطريق فلم يتمكن من اقتيادها للداخل، فزفر متأففًا و هو يُطفأ المحرك، تفحص هاتفهِ مجددًا و فكرة ما تستحوذُ على تفكيرهِ.. و يتمنى فقط لو تكون كذبًا، ترجل و ما إن كاد يدور حول مقدمة السيارة ليجبرها على الترجل، كانت تهبط من السيارة صافقة الباب من خلفها و هي تتلمس خصلاتها بامتعاض:
- نزلت أهو.. ابعد عني
شملها بازدراءٍ واضح من مقلتيه المتقدتين، ثم سار بخطواتهِ و هو ينظر لشاشة هاتفهِ، حتى تمكن من بلوغ ذلك المنزل المكون من طابق واحد أرضيّ، توقف أمامه.. ثم التفت ليجدها تقف خلفهِ تمامًا، زفر زفيرًا مطولًا ملتهبًا من صدره و راح يطرق الباب بانفعال همجيّ.
حينما كانت هي بالمرحاض.. غسلت وجهها جيدًا بالمياه و رفعت نظرها لتتأمل ذبولهِ الواضح بالمرآة، خرجت منهُ عقب أن تقيّأت البضع لقيمات التي تناولتهم، لتجدها تبسط كفها بالمنشفة الصغيرة و هي تتأملها بإشفاق، تقوست شفتيها باستياء و هي تتمتم:
- بردو يا يارا؟.. و بعدين؟ دا انتي من امبارح مش عارفة تاكلي حاجة
سحبت يارا" المنشفة منها و ما إن كادت تتحدث حتى استمعت للطرقات على بابها، فتقوست شفتيّ الاخيرة بضيق و هي تغمغم:
- بردو مازن مش راضي يسيبك في حالك؟.. أنا زهقت من الولد دا
فتقوست شفتيّ "يارا" و هي تردد لائمة:
- ليه بس؟.. دا صعبان عليا جدًا، كفاية إنه يتيم و عايش مع جدته، كمان أصحابه بيتنمروا عليه
أجابتها و هي تبتسم ابتسامة صغيرة توفض نحو الباب لتفتحهُ:
- بس رغاي أوي
و توقفت أمام الباب، بسطت كفها لتدير المقبض و هي ترسُم الابتسامة على وجهها لاستقبال ذلك الصغير، و سريعًا ما تلاشت و قد تيبس وجهها، خاصة حينما ولجت "يارا" للصالة و هي تمسح على بطنها مرددة بصوتٍ مرتفع:
- بس كيوت أوى بجد.. تفتكري البيبي هيكون ولد حلو كدا.. و لا بنت يا أمنية؟
و رفعت أنظارها نحو الباب حين توقفت خلفها على بعد عدة خطوات، تلاشت بسمتها و شعرت بدمائها تنسحب من عروقها حين رأتهُ يقف أمامها بكامل شموخهِ و بوجههِ الذي أضحى قِطعة من الجمر الملتهب، انخفضت عيناهُ تدريجيّا عن وجهها حتى بطنها التي لا تزال تضُم طفله، انحرفت نظراتهِ نحو "أُمنية" التي رددت مستدركة:
- يامن بيه.. انت مش فاهم حاجة
نهج صدرها علوًا و هبوطًا حين وجدته ينظر نحوها نظرة معاتبة قاسية، فخطت نحوهُ حينما كانت "أمنية" المتسمرة تتنحى للجانب قليلًا مجبرة ساقيها على الحراك عقب أن أبصرت تلك الواقفة من خلفهِ و قد شعرت و كأنها جنت، حينما كانت "يارا" تردد و هي تقف أمامه مباشرة محاولة استدراك الأمر:
- يامن.. ارجوك اسمعني، انت مش فـ...
انقطع صوتها و قد شحب لون وجهها و تيبست كل ذرةٍ من جسدها، ما هذا الكابوس؟.. كيف يمكن لذلك أن يحدث، كيف ترى نفسها أمامها؟.. نفس الطول..نفس القوام، نفس تجعد الجبين، نفس انحناءة الأنف، نفس امتلاء الوجنتين، نفس استدارة الوجه، نفس الشفتين، نفس تقوس الحاجبين، نفس العينين مع اختلاف الدرجة بشكلٍ لا يُلحظ، نفس لون الشعر.. مع اختلاف بسيط حيث صار شعر "يارا" قصير للغاية على عكس "يورا"،  شملتها "يارا" بنظراتها و قد فغرت شفتيها، تراجعت للخلف خطوة و هي محملقة بها بعدم استيعاب و:
- إيـه.. إيه دا؟
قيّدت "يورا" ساعديها أمام صدرها و هي تشملها بنظرة إزدراء واضحة، ثم رددت متهكمة:
- nasıl san janam?   "كيف حالكِ روحي"
انحرفت نظرات "يارا" المشدوهة نحو "يامن" و هي تسألهُ:
- ايه دا يا يامن؟.. فهمني
تقوست شفتيهِ بقسوة و هو يردد بلهجة قاتمة حملت تهكمًا متواريًا:
- ليـه؟.. نائف مفهمكيش؟  معرفكيش إن عندك أخت توأم؟
- تـ.تـ إيه؟.. توأم يعني إيه؟
و نظرت نحوها نظرة مبهمة و هي تردد هادرة:
- انتي مين بالظبط؟
أخفى "يامن" عينيهِ خلف زجاج نظارته القاتمة و هو يرمق "أمنية" من خلفها، ثم استدار لينصرف و قد شعر أنه اكتفى من فرط الأكاذيب الملتفة حولهُ، تركت "أمنية" "يارا" مع نسختها كما أسمتها، و راحت توفض من خلفهِ محاولة استيقافهِ:
- يامن بيه.. يامن بيه، استنى أرجوك، حضرتك مش فاهم حاجة
و همّت بتلمس ذراعه و لكنه نفض ذراعها بعيدًا و هو يردد استهجانًا:
- حاسبي
حاولت مجاراة خطواتهِ و هي تقُص عليهِ:
- و الله يا يامن بيه كله بسبب نائف، هو.. هو اللي أجبرني أكون هنا مع يارا بعد ما ساعدها تهرب من المستشفى
و كأنها سكبت سائلًا قابلًا للاشتعال فوق نيرانه الموقدة، و لكنه لم يتوقف، و راح يتابع سيرهُ نحو سيارتهِ، توقفت هي محلها و قد تهدل كتفيها قنوطًا، هزت رأسها بأسى و هي تتابع انصرافهِ، حينما كانت "يارا" تدفع تلك الفتاة بعنفٍ من كتفها و هي تجأر بها:
- انتي مش أختي.. انتي واحدة نصابة، حاسبي
و سارت بخطاها للخارج حتى بلغت "أمنية" فعاتبتها باهتياج:
- سيبتيه يمشي ليه يا أمنية؟.. ليــه؟
و همّت باللحاق بهِ، حاولت "أمنية" استبقائها و هي تسحب ذراعها:
- مش هيسمع لحد دلوقتي.. مش هيقبل يسمع حاجة
اجتذبت "يارا" ذراعها منها و هي تردد بانفعال:
- لأ.. هيسمعني، لازم يسمعني
و راحت توفض من خلفهِ محاولة عدم الإسراع في خطاها، و في الوقت ذاتهِ تحاول اللحاق بهِ، حتى بلغتهُ أخيرًا.. فراحت تسد الطريق عليه بجسدها و هي تستند بساعدها على صدرهِ أفقيا و هي تردد باستهجان جاف:
- يامن.. متحسسنيش إني غلطت، كان لازم أعمل دا عشان أحمي ابني
توقف رغمًا عنهُ.. و لكنه أبعد ذراعها عنه بنفور و هو يردد باحتدام:
- حاسبي من وشي
هزت رأسها نفيًا و هي تسحب ذراعها منهُ مرددة بصوت مُحتجّ:
- لأ.. انت كنت عايز تحرمني من ابني، و كان لازم أحرمك منه لأن لو فضلت معاك مش هييجي للدنيا
و تلمست بطنها بأطراف أناملها و هي ترفع ذقنها مرددة بلهجة قوية:
- لو فضلت معاك كنت هخسرهُ.. و أنا مش مستعدة أخسره
تشنجت عضلات عنقهِ و هو يقلص المسافات بينهما جائرًا بصوتهِ:
- مين قالك اني عايزك معايا؟.. أنا مش عايز غير ابني اللي زي ما حرمتيني منه و فهمتيني إنهُ اتقتل.. زي ما فهمتيني إني قتلته، مش هسيبهولك.. ابني أول ما تولديه هطلقك و هاخده منك، و ابقى قابليني لو خليتك تشوفي ضافرهُ
و دفعها بعنف من كتفها عن طريقهِ.. حملقت عيناها غير مستوعبة ما يتفوه به، و فغرت شِفاها من تأثير صدمتها و ارتعادها من تنفيذ ما رددهُ، استقلّ "يامن" سيارته خلف المقود فلم تقف ساكنة، تحركت بخطى تشنجت و استقلتها بجواره غير مبالية بزئيرهِ:
- انـــزلي
- تـؤ
و راحت تضع حزام المان حولها و هي تردد:
- جاية معاك
فضرب بقبضته المتكورة و البارز عروقهِ منها عجلة القيادة و:
- قولت انـــزلي
فاعتدلت في جلستها لتواجهه و هي تردد استهجانًا:
- و أنا قولت لأ.. مش هسيبك ترتكب جريمة تانية، عارفة كويس إنك رايح لنائف، و عارف إنك فاكر إني اتفقت معاه بإرادتي، لكن لازم تفهم إني كنت مجبورة أعمل دا، جابلي أمنية لحد عندي و قالي أخليها معايا، و إلا هيقتلها و هيقتلك، كنت عايزني أعمل إيـه؟.. أسيبك تتقتل
فردد و قد بعثت عيناهُ شواظًا في نظراته نحوها:
- شايفاني محتاج مساعدة منك؟
زمت على شفتيها ثم زفرت بحنق، لوت شفتيها بضيق و هي تردد امتعاضًا:
- يامن.. أرجوك تهدى و تحاول تفهم اللي بيحصل، العصبية دي مش...
سحب هاتفهِ حين تعالى رنينهِ و أجاب بتشنج بزغ في نبرتهِ:
- و ديني يا نائف ما هسيبك غير و انت في قبرك!.. دا لو فضل منك حاجة تتدفن
فأتاهُ صوت ضحكاتهِ الساخرة مدمدمًا من بينها:
- يبقى عرفت يا مينو.. معلش، أنا عارف الشعور دا كويس
و صمت هنيهة و قد خبى صوت ضحكاتهِ، و غزت الشراسة صوته و هو يردد:
- عرفت معنى انك تلاقي الغدر من أقرب الناس ليك؟.. دا كان شعوري لما عرفت إن على علاقة بمراتي اللي قتلتها بنفسك!
فزمجر "يامن" أثناء قولهِ:
- قتلتها يا ابن الـ*******، معلش.. معلش يا نائف، طالما واحشاك أوي كدا و رب العزة ما هردهالك، هبعتك عندها في أول طيارة
و أنهى المكالمة و هو يلقى بالهاتف فوق صندوق السيارة الداخليّ، حينما كانت "يارا" تنظر نحوه بتوجس، تفاجأت بهِ يهبط عن سيارتهِ ليدور حول مقدمتها،  و فتح بابها بعنفٍ و هو يجتذبها من ساعدها مجبرًا لها على الترجل، فرددت متوسلة إياه:
- يامن.. أرجوك سيبني معاك، يامن أرجـوك، و الله نائف أجبرني، أنا مغدرتش بيك زي ما بيقول
فردد مشيرًا بسبابتهِ و هو يزأر بها:
- و هو اللي أجبرك تهربي من المستشفى؟.. هو اللي أجبرك تقولي على ابني إنه مات؟.. هو اللي أجبرك تحرميني من ابني
فرددت و هي تناطحه بالرأس:
- مكنتش هحرمك منه.. مكنتش هعمل دا، كنت بستنى الكابوس دا يخلص، كنت بعد الدقايق اللي نبقى فيها مع بعض تاني، كنت بنام بحلم باللحظة اللي هتجمعنا أنا و انت و ابننا
و ضمّت وجنتيه بين كفيها و هي تحاول امتصاص غضبهِ الأعمى:
- أرجوك تفهمني، أنا خفت عليه زي ما انت كنت خايف عليه، انت كنت هتحرمني منهُ.. و مهتميش حتى لكونه ابني أنا كمان، دا ابننا يا يامن.. دا ابننا احنا الاتنين
نزع كفيها عنهُ بانفعال و هو يردد بقسوة تامّة:
- دا مش ابننا.. دا ابني أنا، كون انك حملتيه في بطنك مش كفاية يخليكي أم
و نقل نظراته المحتدمة بين عينيها و هو يردد:
- تمام؟.. مش كفاية
و همّ بالحراك من أمامها ليستقل سيارتهُ مجددًا، فاستوقفته بقولها الجاف و هي ترخى ذراعيها جوارها:
- عايز ابني ميعترفش بيا زي ما انت مش معترف بيها
فضرب على سقفية السيارة بجوارها و هو يرمقها بنذير متوعد، قبل أن يردد مهددًا:
- إياكي.. تحاولي تتكلمي في الموضوع دا معايا
فرددت مستهجنة و هي تعقد حاجبيها:
- ليـه؟ غلطتت؟ مش دي الحقيقة؟
فردد "يامن" و هو يلوى شدقيه بانفعال:
- تـؤ.. مش الحقيقة
و أشار بسبابتهِ لنفسه و هو يردد بلهجة مُشتدة من بين أسنانه المطبقة:
- الحقيقة الوحيدة إن أمي ماتت.. أمي هدى الريحا
أمي هدى الريحاني اتقتلت
فرددت و قد اصطبغ وجهها بالحمرة:
- مش أمــك.. عمرها ما كانت أم، افهــم بقى، مش هي
و لأشارت بسبابتها و هي تقلص المسافة بينهما قاصدة التشديد على كلماتها:
- أمك اللي انت قسيت عليها و دوست عليها و كنت هتقتلها عشان بس قالت الحقيقة اللي انت رافض تصدقها، أمك هي سهيــر.. اللي عاشت خدامة تحت رجليك طول السنين دي، اللي استحملت اللي محدش قدر يستحمله عشانك.. و لسه بتستحمل
نهج صدرها علوًا و هبوطًا حين صمتت هنيهة، ثم تابعت و هي تدمدم بصوتٍ مُحتد مضيقة عينيها:
- انت شايف إنها تستاهل دا؟.. شايف إنها تستاهل إنك تنكرها و تنكر وجودها عشان غلطة ملهاش ذنب فيها؟
 أشاح بوجههِ المتشنج عنها و قد جثُم شعور الامتعاض فوق صدره فسلبهُ حتى أنفاسه، انزلقت تلك العبرة العالقة على أطراف جفنيهِ حينما كانت تردد متابعة و قد رقّت نظراتها نحوه:
- و ايه كان ذنبها؟.. إيه الغلط اللي ارتكبته عشان تقسى عليها انت كمان؟ الغلط الوحيد اللي ارتكبته إنها سكتت.. سكتت و كتمت في قلبها طول السنين دي، و بردو كان عشان يا يامن
نظر نحوها نظرة اخترقت قلبها كالسهام الراشقة و هي ترى العبرات قد عمّت عينيه المحتقنتين بالدماء فبرزت شعيراتها الدموية بوضوح، ارتعشت شفتيها تأثرًا و هي تردد مضيقة عينيها:
- غلطت؟.. غلطت يا يامن؟ غلطت في حقك؟
فكانت نبرتهِ جافة و هو يجيبها:
- تؤ.. مغلطتش، مغلطتش يا بنت حسين
و التوى جانب ثغره ببسمة ساخرة و هو يردد هازئًا:
- الغلط فيا أنا.. الغلط كان فيا لما ضيعت حياتي عشان أرجع حق راجل بقيت مش قادر أقول عليه أبويا، عشان كنت عايز أرجع حق راجل عيش مراته خدامة تحت رجليه و نسب ابنه لواحدة تانية، الغلط كان غلطي أنا لما فكرت إن حياتي صح.. لكن دلوقتي عرفت إنها غلط
و أشار بعينيه التي تحجرت الدموع فيهما آبية الهبوط نحوها و هو يتابع بلهجة ذات مغزى:
- و كنت لسه بغلط لما فكرت إنك الحقيقة الوحيدة في حياتي
أخفى عينيه خلف زجاج نظارتهِ و هو يخفض نظراتهِ نحو بطنها، ثم دمدم بصوتٍ اشتد فجأة:
- لكن حتى انتي طلعتي أكبر كذبة
و خطى من أمامها ليستقلّ مقعده خلف المقود، و ما هي إلا ثوانٍ و كانت تستمع لصوت احتكاك الإطار بالأرضية و هو يرحل مخلفًا ورائهُ كومة من التراب، ظلت محدقة في طيف السيارة الذي شرع يتلاشى من أمامها، فراحت تضمّ بكنها لصدرها و قد انسكبت الدموع من مقلتيها، أطبقت جفونها  لتنتحب بأنين خافت اثناء استدارتها لتعود.. مُجرجرة خلفها أذيال خيبتها.
.......................................................
انساب الهلع متدفقًا في أوردتها و هي تحاول الفكاك من إباقهِ المحكم عليها، حاولت الصراخ و لكن صرخاتها ابتلعت في جوفها، توسعت عيناها في هلعٍ حين رأتهُ يخرج تلك المدية نصب عينيها فانعكس بريقها في مقلتيهِ و هو يغمغم بشراسة مٌريبة:
- لو مش هتبقى ليا.. فمتحلميش إنك تبقي لغيري يا رهيف!
 فـ إذ بها تغرس أسنانها في كفهِ لتتمكن من الخلاص منهُ، و بمرفقها لكمتهُ بعنف مفرط عدة مرات في جنبهِ، حتى تأوّه "راشد" متألمًا و هو يحل قيد ذراعيهِ عنها مجبرًا، حتى أفلتها تمامًا فصرخت "رهيف" في وجههِ باحتدام من بين تهدج أنفاسها المنفعلة:
- انت واحد حقير و زبالة.. الله يلعنك يا أخي، مش عارفة أنا حبيت واحد زيك ازاي
فهمّ بالانقضاض عليها ليجتذبها من عضدها و هو يهدر بـ:
- أنا بردو اللي زبالة يا *****
تنحّت "رهيف" لتدحرُ عن مرمى أناملهِ، و ما إن سنحت لها الفرصة حتى  أطلقت ساقيها للريح، خرجت من الغرفة من فورها و هي تصرخُ بأعلى صوتٍ لديها محاولة الفرار منه، خرج "راشد" في أعقابها و هو يتلمس جانبهِ متألمًا سابّا لها من بين شفتيه بخفوت، حتى و أخيرًا وصل إليها، بسط كفه ليجتذبها من حجاب رأسها بعنفٍ مستوقفًا إياها، تلوت "رهيف" بين ذراعيه و قد توقفت قسرًا، خدشت لأكثر من مرة كفهُ و هي تنطق بتمقُّطٍ آمر:
- سيبني يا راشـد أحسن لك، سيبني يا غبي، يا مامـــــا
و ما إن همّت بالصراخ مجددًا حتى كمم شفتيها و هو يحذرها بتك المدية في يدهِ بتوهجٍ انبثق من عينيهِ:
- و رحمة الغاليين يا رهيف لاكون مخلص عليكي لو سمعت لك نفس
في نفس التوقيـت..
نظر "مايكل" في ساعة يدهِ و هو يتململ في جلستهِ بارتباك، رنا بنظرة مطولة للخلف لتلك الصغيرة الغافية، فأطبق أسنانهُ و قد شعر بالقلق يتفاقم بداخلهِ، نظر يمينًا ليتغضن جبينهُ حين رآى هاتفها ملقى على مقعدها، فسحبهُ متذمرًا و هو ينطق بـ:
- Impulsive " مندفعة"
تأفف "مايكل" و قد تمكّنت الأفكار السوداوية منه، ماذا إن كان "راشد" قد نصب لهُ شركًا و سقط هو فيه ببساطة، و ماذا إن كان عدل عن قرارهِ بالرحيل برفقة والدهِ و اكتفى بأن يذهب الأخير فقط؟.
 زم شفتيه بحنق و هو يهمّ بمغادرة السيارة و لكنه توقف للحظة واحدة حين نظر في شاشة الهاتف و قد صدح من خلالهِ صوتًا فـ بيد أنهُ نقر على شاشتهِ دون انتباه منه، استرعى ذلك انتباههِ و قد أدرك أنها سورة ما من الكتاب السماويّ الخاص بالمسلمين، ارتخت عضلات وجههُ و هو يرفع الصوت أكثر فـ استمع بوضوح لتلك الآية التي رُتّلت بصوتٍ شجيّ عذب:
- "لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيتهُ خشعًا متصدعًا من خشية الله و تلك الأمثل نضربها للناس لعلهم يتفكرون، هو اللهُ الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهدة هو الرحمن الرحيم، هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبّر سبحن اللهِ عما يُشركون، هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحُسنى يسبح له ما في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم"
لربما لم يفقهُ معاني بضع الكلمات، و لكنها أثّرت بهِ بشكلٍ غريب، ظل ثوانٍ ينعم ببعض الهدوء الخارجيّ الممزوج مع السكينة مُصغيًا لصوت القارئ حتى انتهى
 و بدا أنه لن يستأنف، نظر "مايكل" للهاتف بقنوطٍ، ثم تركه جانبًا، بضع دقائق مرت و هو متيبسًا بمحلهِ و بعض الكلمات ظلّت عالقة في ذهنهِ دون أن يدرك معاناها، حتى استجمع شتاتهِ المُبدد بصعوبة، تنهد بثقلٍ جثى على صدره، ثم سحب سلاحهِ من صندوق لسيارة الصغير و تهيّأ للترجل عن السيارة، فهو لم يكن ليجلس عاجزًا و يترك الظنون تعبثُ بعقلهِ..
و فور أن ترجل أغلق السيارة بالقفل الإلكترونيّ، و شرع يخطو للداخل، حينما كانت "رهيف" تحاول الخلاص من بين يديّ " راشد" بأقل العواقب، محاولة الحفاظ على حجابها أعلى رأسها و هي تجتذبهُ من بين أناملهِ الشرسة المطبقة عليها و هو يعنفها بقولهِ الخافت:
- امشي معايا أحسنلك بدل ما أوريكي
فلم تجد ما تفعلهُ سوى أن تكور أناملها لتلكمهُ بعنفٍ في عينهِ عقب أن فشلت تمامًا في الفرار منه، صرخ "راشد" متأوهًا و هو يفلتها رغمًا عنه و قد تعالى صوت سبابهِ المقذع، نهج صدر "رهيف" علوًا و هبوطًا و هي ترنو لما خلفهِ بنظرة متحسرة، فقد تمنت لو استطاعت العبور من جوارهِ فتصل لوالدتها، و لكنها تدراكت أمرها سريعًا، و أزمعت على الدحور قبل أن يتمكن منها من جديد..
 أوفضت للسلم لتشرع في هبوط درجاتهِ، حتى استمعت لصوت الخادمة و هي تصرخ بهلعٍ مبتعدة عن الباب الرئيسيّ للمنزل ذو الطابقين حين دلف "مايكل" و هو يشهر سلاحه في وجهها، صرخت "رهيف" صرخة مكبوتة في أعماقها فور رؤيتهِ و هي تهتف مستنجدة بهِ:
- مايكــــل
انحرفت نظراتهِ إليها من فوره، و شرع يحثّ خطاه نحوها، حتى تيبس محلهُ و هو يجأر بصوتٍ دوّى في أرجاء المنزل:
- watch out!
و ما إن همّت بالالتفات حتى تفاجأت بتلك القبضة التي دفعتها بعنفٍ من كتفها فاختلّ توازنها، شخص بصرها و شهقت شهقة نابعة من صدرها و هي تحاول التماسك.. و لكن هيهات، ارتد جسدها للأمام و لم تشعر بنفسها سوى و جسدها يصطدم اصطدامًا عنيفًا بالدرجات واحدة تلو الأخرى، ركض "مايكل" نحو و هو يهدر بصوتهِ المهتاج:
- رهيــف!
استقرّ جسدها عند أعقاب الدرجات و قد سكن تمامًا و انطبق جفنيها، جثى "مايكل" أمامها على ركبتيهِ و هو يمرر ذراعه خلف رأسها ليرفع جسدها إليهِ و شرع يضرب بكفه على وجنتها برفقٍ و هو يدمدم بلهفة وجلة:
- no..no..no, rahef.. rahef stay with me.. stay with me, rahef
استشعر ذلك الملمس الذي أغرق كفهِ فتصلب وجههُ و هو يرفعه نصب عينيه ليجدهُ مخضبًا بدماء لوثت حجاب رأسها، تهدجت أنفاسهِ و هو ينتظر نحوها مُعترضًا على تلك النهاية القاسية لحكائة لم تبدأ بعـد:
- Rahef.. don’t leave me.. don’t leave me rahef..raheef
" رهيف.. لا تتركيني، لا تتركيني رهيف، رهيــف"
و جأر باسمها في النهاية و هو يتأمل خلجات وجهها و تلك الزرقة التي شرعت تطال شفتيها المرتعشتين و قلبهُ يخفق بعنف بين أضلعه حتى يكاد يثب عن محلهِ، حتى استمع إلى صوت تصفيقهِ البارد و هو يهبط الدرجات ببلادة متلكئة، اصطبغت بشرة "مايكل" بالحمرة القاتمة و هو يرفع نظراتهِ إليه أطبق على أسنانه باغتياظ متفاقم و قد شعر بجذوة الحقد تتنامي بداخله نحو ذلك البارد الذي توقف أمامها مباشرة، ثم دمدم و هو يبسط كفيه بإعجاب:
- بجد.. مش قادر، حاسس إن دموعي هتنزل و أنا بتابع النهاية الحزينة دي!
ترك "مايكل" جسدها أرضًا و هو يسحب ذراعهُ عنها، و نهض عن الأرضية باندفاع و هو يزمجر غضبًا، لم يشعر بنفسهِ سوى و هو يطبق على ياقتهِ مجتذبًا إياه إليه و هو يتوعدهُ بالردّ القاسي:
- Your end will be more terrible, you******
 و بطحهُ بمقدمة رأسهِ بطحة عنيفة أتبعها بلكمات سددها لوجههِ واحدة تلو الأخرى جعلت الدماء تتطاير من بين أسنانهِ و أنفهِ، و لكن "راشد" لم يكن بذلك اليسر، حيث نجح في التصدى لبضع لكماتهِ، و تسديد لكمات أخرى قاسية لهُ، حتى تمكن "مايكل" منهُ.. طرحه أرضًا و جثى فوقه ليكيل له لكمتهِ المتفرقة الشرسة، فضربُ "راشد" في جانبهِ عدة مرات حتى نجح في أن يتناوب الأدوار، فصار هو فوق "مايكل" و هو يلكمه بعنفٍ مضاعف، نجح "مايكل" في صدّ بعضها، و البعض الآخر تلقاه، حتى دوّى صوتها المرتعد و هي تهبط عن الدرجات عقب أن وصلها الأصوات المدوّية الشرسة أولًا، و الخادمة التي هرعت إليها لتُنبأها بما طال ابنتها ثانيًا:
- رهيـــف!
انخلع قلبها و هي تراها ممدة أرضًا و قد تكونت بركة من الدماء بجوار رأسها، شرعت تلتهم الدرجات للأسفل و هي تصيح بالتياع غلّفهُ الجزع:
- رهيـف.. بنتي!
صوتها كان كافيًا ليسبب لـ "راشد" بعض الارتباك، فجعل " مايكل" يستغل الفرصة ليلكمهُ لكمة عنيفة في نفس عينه التي أصابها الحمرار المتوهج إثر ضربة "رهيف" من قليل، تأوه "راشد" و هو يتلمس عينهُ بكلتا كفيهِ، حتى  نجح "مايكل" في أن يسقطه من فوقهِ.
جثت "سعاد" جوار ابنتها و هي تحتوى جسدها بين ذراعيها رافعة رأسها إليها قليلًا أثناء صرخاتها الملتعجة النابعة من قلبها:
- رهيــف، رهيــــف، ردي عليا يا رهيف، رهيــف
التفت "مايكل" إثر صراخها فلت انتباههِ سلاحه الملقى أرضًا حوار "رهيف" نهج صدره علوًا و هبوطًا و هو يرنو لـ "رشد" الجالس على ركبتيه محيطًا لعينهِ و هو يسبّه سبابًا نابيًا من بين تأوههِ بنظرة متوعدة، التفت مجددًا لسلاحهِ، و جرّ ساقيهِ إليه و هو ينزح عن شفتيه تلك الدماء التي تدفّقت بغزارة عنها انحنى ليسحب سلاحهِ فتعلقت أنظار "سعاد" الزائغة بهِ دون أن ترمش عيناها حتى استقام في وقفتهِ و هو يحدجه بنذير غير مبشر، سحب "مايكل" صمام الأمان و هو يوجه سلاحهُ نحوه، و ما إن همّ بالضغط على الزناد.. نهضت "سعاد" من جوار ابنتها و هي تدفع كفهُ بعنفٍ لتبعده عن وجه ابن أخيها و هي تصرخ في وجههِ متهمة إيّاه:
- انت.. انت اللي عملت كدا في بنتي، مش كـدا؟.. انت اللي خطفت بنتي و قتلتها!.. أيـوة انــــت!
فصرخ بها باحتدامٍ مماثل:
- Get out of my way.. I’ will finish him
" ابتعد عن طريقي.. سأنهى أمرهُ"
و ما إن همّ بإشهار سلاحهُ في وجههِ كان "راشد" قد استجمع شتاتهِ، نهض ليخطو نحوه مباغتًا إياه بلكمة عنيفة لجانب صدغهِ ارتد "مايكل" إثرها، تدارك أمرهُ سريعًا و هو يسبّه من بين شفتيه حانقًا و اندفع نحوه ليرّد لكمتهِ، و لكنه تيبس فجأة إثر اقتحام أفراد شرطة المخفر القريب المنزل عقب أن أبلغت الخادمة من فورها عن ما حدث نصب عينيها، نظر رئيسهم لتلك الملقاة أرضًا و هدر بـ:
- اطلبوا الاسعاف، و هاتولي الاتنين دول على القسم
فرددت الخادمة من بين تهدج أنفاسها و هي تشير لـ "راشد":
- دِه..دِه يا بيه اللي.. اللي وجع الست رهيف، هو اللي عمل إكده يا بيه
توقف كلاهما أمام بعضهما البعض.. كلا وجهيهما مُخضبًا بدمائهِ التي تسيل من جراح وجههِ، و كلا نظراتهما قد تطاير الشرر منها، كلاهما يتوعد الآخر بالردّ المنذر، أخفى "مايكل" سلاحه مجبرًا في ثيابهِ و هو يحدجه بنظرات مُسعّرة، ثم همس من بين أسنانهِ:
 - I will make you rot in prison, you villainous.. promise you
" سأجعلك تتعفن بالحبس أيها الدنئ.. أعـدك"
و ما إن همّ أحد الرجال بسحبهِ برفقتهم حتى جأر بصوتهِ المهدد:
- لن أتحرك إلا بعد أن أطمأن عليها
و أخرج من ثيابهِ هوّيتهِ الأمريكية و جواز سفرهِ و هو يضعه نصب عينيّ الضابط و:
- و إلا جعلتكم جميعًا تدفعون الثمن قاسيًا للغاية!
............................................................
 و كأنهُ احتاج أن يعود إلى مكانٍ أقسم ألا يعود إليهِ ليكتب على نفسهِ العذاب، ليستشعر تلك الأكاذيب التي اكتظت بها حياتهِ، مستندًا بجسده لمقدمة سيارتهِ، و على عكس ما كان يصيبهُ من ارتياح لنفسهِ هنا، شعر و كأنها مُسلسلة بقيود من الجحيم، تهيج و تموج بداخلهِ محاولة زحزحة جسده، محاولة إجباره على لرحيل، و لكنهُ أبى، و كأنه بنفسهِ يضرمها و متعمدًا أن يفعل، حتى انتبه إلى تلك الخطى التي تدنو و التى توقفت في المنتصف، التفت دون أن يستقيم ليجدها تقف متيبسة امامه و هي تحملق بهِ بصدمة، افتر جانب ثغره كشفًا عن ابتسامة ناقمة و هو يعيد النظر أمامهُ غير مباليًا بها، رفضت "سهير" أن تشبع عيناها برؤياه، فـ أحنت بصرها أرضًا و هي تدمدم معتذرة منه بحفاء:
- آسفة يا يامن بيه.. معرفش إن حضرتك هنا
و همّت بالرحيل.. و لكنه استبقاها بقولهِ:
- لاقيتها.. لاقيتلك أمنية اللي كنت السبب في موت أبوها و أمها
تسمرت و هي تنظر إليه بشدوه، ثم خطت نحوه و هي تردد بأعين متوسعة بلهفة غلّفت نبرتها:
- بجد؟.. لاقيت أمنية؟
 توقفت أمامه مباشرة، فحاد ببصرهِ المتمقط عنها و هو يردد بسخرية شملت نبرته:
- لاقيتها.. و لاقيت أكاذيب تانية معاها
تنفست الصعداء و هي تبتعد خطوة عن محيطهِ، تهللت أساريرها و هي ترفع بصرها للسماء مدمدمة:
- الحمد لله يا رب، الحمد لله
و عادت تنظر نحوه و هي تسألهُ بارتياب:
- طمنني عنها، هي كويسة؟
نظر نحوها نظرة من طرفهِ ثم تهرب بنظره منها و هو يردد بجفاء:
 - كويسة
ارتعشت شفاها تأثرًا و هي تتأمل وجههُ عن كثب غير قادرة على الحيود ببصرها، محاولة أن تروى ظمأها المتعطش لعناق تشتمُ فيها عبقهِ، لقبلات تغرق بها كفيه، و لكنها استكفت ببضع نظرات مختلسة نحوه جعلت قلبها يُعتصر ألمًا و هي ترى تعبيراتهِ، ثم سألتهُ بارتباك جلّ على ملامحها:
- طب.. هي فين؟
فكانت نبرتهِ مقتضبة قاسية و هو يدمدم:
- هترجعي تلاقيها
أحنت بصرها عنه مجبرة و هي تردد ممتنة بتحسر:
- أشكرك يا يامن بيه.. عن إذنك
واستدارت لترحل عنهُ و قد تهدل كتفيها و هي تشعر نفسها تحمل من خلفها أذيال الخيبة و الانكسار، و لكنه استوقفها دون أن يتحرك قيد أنملة:
- قدرتي ازاي؟
توقفت محلها.. نظرت نحوهُ بأعين انسكبت منها الدموع حينما كان يكرر سؤالهِ بلهجة مُشتدة:
- قدرتي تعيشي معاه ازاي؟.. قدرتي تعيشي خدامة تحت رجليه ازاي؟ قدرتي تتحملي الإهانة و الذل ازاي؟ قدرتي تكتمي دا جواكي ازاي؟
تقوست شفتيها بابتسامة منكسرة و هي تردد بمرارة غلّفت نبرتها:
- عشانك
تلك المرة انحرفت نظراتهِ نحوها، فتابعت "سهير" و قد ارتعشت نبرتها:
- عشانك كنت مستعدة أعمل أي حاجة.. عشان بس أفضل جمبك، و أشوفك بتكبر قدام عيني
و أحنت بصرها عنهُ لتنسدل دموعها الغزيرة و هي تتابع بشجن عمّ نبرتها:
- عشانك خبيت عليك.. و صدقني ندمانة إني اتكلمت بعد العمر دا، يا ريتني فضلت كاتمة في قلبي عشان أفضل جمبك، يا ريتني سكتت و أنا براقبك ثانية بثانية من بعيد عشان متاخدش بالك مني، يا ريتني سكتت لغاية ما أموت و انت يمكن متحسش بموتي حتى، يا ريتني سكتت لغاية ما أسيب الدنيا زي ما جيتها و عيشتها.. سهير الخدامة، اللي ضاع شرفها.. و شبابها.. و عمرها، عشان غلطة مكنش ليها ذنب فيها
و انخفضت نبرتها و هي تتمتم:
- و مقدرتش حتى آخد ابني في حضني و أحميه، مقدرتش أحافظ عليه من ناس مقدرتش أقف قصادهم، مقدرتش أقوله حاجة و أنا شايفاه بيحارب عشان يرجع حقّ ابوه، و ميعرفش حاجة عن حق أمه اللي ضاع
اختنقت نبرتها أكثر و قد تعالت شهقاتها، ثم غمغمت من بينهم:
- عن إذنك يا باشا
و قبل أن تهمّ بالالتفات كان يجتذب ساعدها إليهِ، مرتميًا في أحضانها و هو يعتصر عظامها بين قبضتيهِ، دفنت "سهير" وجهها في أحضانهِ و قد تركت لنفسها و لدموعها الغزيرة الغزيرة و هي تشتمّ عبقهِ، حينما دفن هو وجههُ في عنقها و قد أغرقت دموعهِ كتفها فاستشعرتها كسياطٍ تجلد بها، صرخ "يامن" صرخة مكبوتة في أعماقهِ و قد تعالى نشيجهِ رغمًا عنه مستشعرًا دفئًا وجدهُ في أحضانها.. دفئًا حرّمه على نفسه منذ زمنٍ طويل كان ينعم بهِ في أحضانها و لم يعلم سببهِ سوى بعد مرور السنون الغابرة، مسحت "سهير" على ظهرهِ الصلب و هي تهز رأسها نفيًا، بكت بحرقة مستشعرة صوت صراخه كشظايا تنغرس في قلبها، و رددت من بين نحيبها:
- آآه يا ضنايا، آآه على الدنيا اللي جت عليا و خليتك تورث حظي، اللي مرحمتنيش و لا رحمتك يوم واحد، اللي خليتني مش قادرة آخدك في حضني السنين دي كلها، آآه
أطبق "يامن" أسنانهِ و هو يقبض جفونهُ بقوة محاولة التحكم في نشيجهِ و كبتهِ، و لكنها حثتهُ على المتابعة و هي تمرر كفها على ظهره متمتمة بثقة مريرة:
- ابكي يا ابني.. ابكي، عارفة إنك هتسيب حضني زي ما كنت، عارفة إن عمرك ما هتقولي ماما، عارفة إنك بردو مش هتعترف بيا قصاد نفسك، ابكي و خرج اللي جواك في حضني عشان تقدر تقف قصادي و تطلع قسوتك فيا، ابكي.. حتى لو الدموع مش هتريحك.. ابكي و لو إني عارفة إن الدمع عمره ما بيريح، و لو كان بيريح.. مكنتش مسكت دموعي و أنا واقفة قصادك كل يوم عيني في الأرض و بقول لابني يا باشا، ابكي
و بكى مُطولًا.. ترك لجام روحهِ لتحظى ببضع دقائق في أحضانها و شهقاتهِ تتصاعد، حتى اكتفى.. و نعمت روحهُ بسكون عجيب و راحة تسلسل إليها بين ذراعيها التي احتوتا جسده الصلب بينهما، و بين كفيها التي مررتهما على ظهرهِ محاولة التخفيف عنهُ، و كأن بلمستها شفاءٌ من دائهِ.. داء "يامن الصياد" الذي لم يجد لهُ علاج، بيد أنه وجدهُ بين ذراعيها فقط، و لكنهُ لم يكن بذلك الذي ليسمح لنفسه بالتنعُّم بالراحة، هو يغوى العذاب و يهواهُ و كأنهُ رفيق دربهِ الوعر، فـ ابتعد عنها و قد تيبس وجههُ، حاد ببصره عنها و دون أن يعقب مضيفًا حرف، كان يستدير عنها ليولّيها ظهرهُ مستقلًا سيارتهِ و ابتعد بها مخلفًا ورائهُ سحابة من الرمال المتناثرة، فتابعت طيفهِ الذي يكاد يتلاشى بنظراتها المتحسرة، و أحنت بصرها و هي تهز رأسها استنكارًا، ضمّت كفيها لصدرها، ثم رفعتهما بأنفها محاولة تشمُم عبقه العالق بهما، و هي تردد من بين شهقاتها التي تمزق نياط القلوب:
- كنت عارفة.. كنت عارفة إن مهما عملت عمرك ما هتعتبرني أمك، عمرك ما هتسامحني على غلطة مغلطتهاش
...................................................................
- مستحيـل!.. مستحيل راشد يعمل كده في بنت عمته
لم تكن كلماتها غير مصدقة بقدر ما كانت غير مُستوعبة و تائهة، فـ أردف "مايكل" متابعًا:
- بلى.. لقد فعل، و أظنكِ تأكدت أنني لم أقم بدفعها عن الدرج، إنه ذلك الـ***** من فعل
رفعت "سُعاد" نظراتها نحوه و هي تتأمل تقاسيمهُ من جديد عقب ما قصّ على مسامعها، حكّت عنقها بانفعال و هي تطبق على أسنانها مشيحة بوجهه عنه ، ثم دمدمت من بين أسنانها:
- بقى كدا يا متولي.. كنت هتضيع بنتي إنت و ابنك عشان حتة الأرض اللي حيلتنا، منك لله يا أخي
فردد "مايكل" متوعدًا و هو يشير بسبابتهِ:
- أعتذر منكِ كونه أخيكِ، و لكنني لن أترك ذلك الحقير دون أن يُعاقب كابنهِ، إن كانت "رهيف" تجيد الغفران فأنا لا أجيده
رنت "سعاد" بنظرة ثاقبة نحوه و قد تشككت في أمرهِ، تأملت تلك الدماء التي لا تزال تتدفق من جروحهِ فتنهدت في ضيق أطبق على صدرها، غمغمت و هي تشير حولها لتعرض عليهِ:
- طب روح يا ابني لدكتور يشوف وشك
تلمس "مايكل" عفويًا جرح شفتيه و تلك الدماء النازفة من بينهما، فتقوست شفتيه بفتور و هو يتخصر مشيحًا بوجههِ عنها آبيًا أن يبرح مكانه:
- لن أتحرك من هنا سوى بعد أن أطمأن عليها
ضمّت "سعاد" ابنتها الأخرى الجالسة جوارها لصدرها حينما رددت بعبوس مُشفَق:
- ماكل.. هي بتوجعك أوي؟
نظر نحوها و هو يجبر شفتيه على الابتسام لها، ثم مسح على خصلاتها برفقٍ و هو يدمدم:
- لا.. لا تؤلم
همّت "رهف" بدفع ذراعي والدتها عنها فعاتبتها و هي تعقد حاجبيها:
- خليكي يا حبيبتي في حضني.. سيبيني أشبع منك
و لكنها أبت.. هزت رأسها بالسلب و هي تحرر نفسها من أسر والدتها مغمغمة بأعين انبجست منها الدموع:
- عايزة أقول حاجة لماكل
أرخت "سعاد" ذراعيها عنها فنهضت من فورها، وقفت أمامهِ مطرقة الرأس و شفتيها منفرجتين بحزنٍ للأسفل، فانحنى "مايكل" ليوازيها، ضايقته عبراتها، فشرع ينزحهم برفقٍ و هو يردد متعهدًا لها:
- لمَ البكاء؟ ستكون بخير أبتها الصغيرة
 نظرت "رهف" نحوهُ من طرفها و قد تصاعدت شهقاتها فغمغمت من بينهم بقهرٍ:
- ماكل.. هي رهف حصل لها كدا عشان أنا قولت إنها مش بتتعب زيي؟
زمّ شفتيه بانزعاج، ثم ردد و هو يمسد على خصلاتها الشقراء:
- لا.. لقد حدث ذلك بسببي، لو أنني لم أتأخر لما حدث ذلك معها
هزت "رهف" رأسها بالسلب و هي تتمتم بنبرة منشوجة:
- بس.. بس هي هتسيبني عشان زعلانة مني يا ماكل.. صح؟ هي حصل لها كدا عشان تموت زي بابا و تيتا، عشان أنا كنت عايزة أسيبها فهي هتسيبني يا ماكل، صح؟
تفجّرت الدموع من عينيّ "سعاد" و هي تتابع حديث ابنتها الممزق لنياط القلوب، حينما تأمل "مايكل" ملامحها المشابهة لملامح شقيقتها مُطولًا، و لم يشعر بنفسهِ سوى و هو يجترّها إليه محتويًا لجسدها الضئيل بين ذراعيه، فسمح لها بترك زمام نحيبها و راحت تدمدم بنبرة امتزجت مع أنّاتها الموجعة:
- أنا بحب رهف يا ماكل.. مش عايزاها تسيبني، قولها إني مش عايزة أسيبها، قولها إني هفضل معاها على طول ماكل، مش هسيبها تاني و الله
فراح يمسد برفقٍ على ظهرها و هو يحاول تهدئة روعها مدمدمًا بلهجة حانية:
- اهدئي ايتها الصغيرة.. اهدئي قليلًا، ستكون بخير، شـشـش.. اهدئي
نظر نحو والدتها التي أومأت لهُ بتحسّر و هي تبسط ذراعيها، فأبعدها "مايكل" قليلًا و هو ينزح بلطف دموعها مغمغمًا و هو يلوى شفتيه ببسمة باهتة:
- أترين كيف حال والدتك، إذهبي لتخبريها بأنها ستكون بخير، اتفقنا؟
حاولت "رهف" التحكم بعبراتها المنزلقة و نوبة بكائها، خبى صوت شهقاتها إلا ما انفلت منها دون وعي:
انت وعدتني إنك هترجع ماما ليا، و رجعتها، ينفع توعدني رهف تبقى كويس؟
 ثم بسطت كفها أمام عينيهِ مدمدمة بنبرة خافتة مُتشككة:
-Pinky promise?
رنا "مايكل" لكفها الضئيل بنظرة مكلومة، و لكنهُ أجبر شفتيه على الابتسام في وجهها و هي يعانق نصرها و:
- Pinky promise
و استقام في وقفتهِ و هو يربت على كتفها ليحثها على الحراك، فبرحت "رهف" محلها لتخطو مجددًا نحو والدتها التي تلقفتها في أحضانها و هي تجلسها على ساقيها، أراحت "رهف" رأسها على صدر والدتها متنعّمة بالدفء الذي افتقدتهُ مطولًا، فشرعت "سعاد" تمشط خصلاتها بأناملها و هي تطبع قبلة حانية على جبين ملاكها الصغير ما بين الحين و الآخر، انزوى" مايكل" بعيدًا عنها و هو يستند بظهرهِ للجدار من خلفهِ غير واعيًا لنظرات "سعاد" التي رانت بها إليه من الحين للآخر متعجبة مساعدتهِ لابنتها في مواقف عِدة أظهر فيها شهامتهِ التي افتقدها الكثير من الرجال في ذلك الزمن.
حتى انتفض "مايكل" فور أن خرج الطبيب من غرفة الطوارئ المُتعددة الأسرّة في المشفى القريب، فراح يسألهُ من فوره عقب أن أوفض نحوه ليستوقفه:
- Is she fıne?
تغضن جبين الطبيب و هو يتأمل ملامحه و ما إن همّ بالإجابة حتى راح "مايكل" يتدارك الأمر و كأنه لن يفهمه:
- هل هي بخير؟
أومأ الطبيب و هو يردد شارحًا حالتها:
- كويسة.. الحمد لله مجرد جرح في دماغها خيطناه، و بعض الرضوض و الكدمات في جسمها هتخف مع العلاج إن شاء الله
فـ تنفس "مايكل" الصعداء و قد تهللت أساريرهُ:
- Thanks god
انتبه "مايكل" إلى تلك الجذبة التي أصابت بنطالهِ، فنظر للأسفل ليجد الصغيرة قد طارت إليه و هي تسألهُ بوجل:
- ماكل.. هو بيقول إيه؟ رهيف كويسة؟
أومأ "مايكل" و قد انبعجت شفتيهِ بابتسامة واسعة:
- نعم.. إنها بخير أيتها الصغيرة
فـ احتلّ محياها ابتسامة عريضة و هي تهلل مصفقة بطفولية، حينما كانت "سعاد" تتشبث بذراعيها و هي تسأله بتهدج:
- هي صاحية يا دكتور؟
أومأ الطبيب و هو يردد:
- أيوة.. فاقت جوا
و نظر نحو "مايكل" و هو يردد مُخيّرًا لهم:
- لو حابين ممكن ننقلها غرفة عادية عشان تبقى تحت الملاحظة النهاردة، و لو عايزين تاخدوها مفيش مشكلة
و قبل أن تهمّ "سعاد" بإجابتهِ، كان "مايكل" يجيب نيابة عنها بحزم:
- لا.. لن ترحل
تغضن جبين "سعاد" و هي ترمقه باستفسار، و لكنهُ لم ينظر نحوها و هو يسألهُ:
- أيمكننا رؤيتها؟
أومأ الطبيب و هو يشير للداخل:
- مفيش مشكلة.. اتفضلوا لغاية ما نجهز أوضة تتنقل فيها
و تهيّأ للإنصراف و:
- عن إذنكم
فلم يتربّص " مايكل" أو يترقب ثانية واحدة، انحنى ليحمل "رهف" المتشبثة في بنطالهِ بين ذراعيه، و راح يخطو للداخل متنقلًا بين الأسرة الفاصل بينها حائلًا قماشيًا و في أعقابهِ "سعاد" التي انزعجت من أريحيتهِ المفرطة و كأنها تقربهُ، و لكنها أسرّت في نفسها ما لم تتفوه به..
 حتى أرشدتهُ إحدى الممرضات إلى محلها توقف "مايكل" أمام فراشها عقب أن أزاح الحائل القماشيّ بإحدى كفيهِ، ترك "رهف" أرضًا و عاد ينتصب في وقفتهِ و هو يرى عينيها تذرُ العبرات، غابت ابتسامتهِ، و غرب إشراق وجهه، حتى انتبه إلى "سعاد" التي دفعتهُ من كتفه متعمدة و هي تمر من جواره لتصل إليها، فاعتدلت "رهيف" في جلستها على الفراش و هي تبسط كلا ذراعيها إليها لتطوق عنقها فور أن انحنت "سعاد" إليها و هي تتمتم بابتئاس مُتخوف:
- ماما.. شوفتي الحيوان كان عايز يعمل فيا إيه، كان هيقتلني يا ماما هو و أبوه، كانوا هيخلصوا عليا يا ماما
احتوتها "سعاد" و هي تربت على كتفها محاولة تهدئة روْعها:
- اهدى يا حبيتي.. أنا معاكي
و لكنها غمغمت بتحسُّر و هي تقبض جفونها:
- أنا معملتش فيه حاجة يا ماما، الحيوان كان هيقلتني و أنا معملتش فيه حاجة
فراحت "سُعاد" تتوعد لهم بشراسة و هو تمسد على ظهرها بحنو:
- و دموعك دي يا رهيف ما سايباه و لا هو و لا أبوه غير لما كل واحد ياخد جزائه
و كم أصابتهُ الغيرة من تلك السيّدة التي تحتويها بحرية بين ذراعيها في حين أنه يتمنى لو يحظى بمكانها، يحاول التخفيف عنها، يكُ لها ملجئًا و موطنًا.. زفر "مايكل" بانزعاج شديد حينما كانت "رهف" تجتذب بنطالهِ للأسفل مجددًا، أخفض نظره نحوها فسألتهُ بوجل تجلى على وجهها:
- ماكل.. هو أنا ينفع أحضن رهف زي ماما و لا هوجعها؟
انعقد حاجبية و هو يدفعها برفقٍ من كتفها ليحثها على السير مغمغمًا بتهكم:
- hug her.. hug Look’s like I’m The only one Who won’t hug
" عانقي.. عانقي، يبدو أنني الوحيد الذي لن أُعانق"
فأوفضت "رهف" من فورها نحوها، حاولت أن تنحّى والدتها الملتصقة بها عنها قليلًا و هي تلوى شفتيها في تبرم:
- حاسبي يا ماما، عايزة أحضنها أنا كمان
ضحكت "سعاد" بخفوت و هي تبتعد قليلًا، ثم انحنت لتحملها فتكن موازية لشقيقتها التي رددت من بين نحيبها الخافت:
- هاتيها يا ماما
تركتها "سعاد" تعانق شقيقتها و هي تحملها مراعية آلامها و:
- خليها معايا يا حبيبتي
اكتفى "مايكل" بالاطمئنان عليها و قد استصعب ما سيقول مبررًا خطأهُ الغير مقصود الذي كاد يودي بحياتها، فـ أحنى نظراتهُ عنها منكسًا رأسه، و انسحب من بينهنّ و هو يزفر أنفاسهِ المختنقة، حينما نظرت "رهيف" حولها و قد ضمت "سعاد" "رهف" إليها مبعدًا إياها عن شقيقتها، فسألت "رهيف" بقلقٍ انبثق من نبرتها و عيناها زائغتين تبحثان عنه:
- ماما، هو .. مايكل حصل له حاجة؟
 نظرت "سعاد" حولها هي الأخرى و قد تنفست الصعداء لانسحابهِ، فرددت:
- لأ.. كان واقف هنا بس شكله مشى
تغضن جبين "رهيف" و هي تدمدم نازحة عبراتها:
- مشى!
و رمقتها بأعين متشككة و:
- هو.. حكالك؟
أومأت "سعاد" و هي تنظر نحوها نظرة غريبة، ثم ربتت على ساقها و هي تدمدم بنبرة خالجها الاستهجان كونها لجأت إلى رجل لا تعرفهُ:
- أيوة.. فوقي انتي بس شوية و بعدين هنتكلم كتيـر!
.........................................................
تجولت في باحة الڤيلا الخاصة بها يمينًا و يسارًا و هي تطبق على أسنانها في اغتياظٍ تام، حت أتاها اتصالٍ انتظرتهُ مطولًا من مديرة مكتبها فراحت تجيب من فورها و هي تتوقف في منتصف البهو مُدلكة جبينها بكفها الآخر:
- Dört saat sonra kalkan bir uçak için bilet ayırttım.
" لقد حجزت تذكرة في طائرة ستُقلع بعد أربع ساعاتٍ من الآن"
-iyi..iyi sanim teşkkür ederım
" جيد..جيد سنام، شكرًا لكِ"
و أنهت المكالمة، ثم شرعت تنادي خادمتها و هي تُلقى عليها أمرها:
- çantam hazırla aya
" أعدي حقيبة ملابسي يا آية"
حضرت "آية" إثر ندائها و هي تردد بخنوع:
- hemen holia hanım
"فورًا سيّدة هُوليا"
جلست "هُوليا" مُضطرة عقب أن آلمتها قدمها، نظرت لشاشة هاتفها التي أُضيئت بصورة ابنتها التي تضعها كواجهة لهاتفها بأعين مُصممة، ثم نطقت من بين شفتيها بإصرارٍ تام:
- مش هسيبك يا يورا، مش هسيبك أبدًا
و رفعت نظراتها عن الصورة لتتابع بنبرة أشدّ حزمًا:
- أنا أمـك، مش هسيبها تاخدك مني!
..............................................................
جلست أمامها بوجهٍ متجهم قاتم عقب أن ودّعت "أُمنية" التي أرسل زوجها سيارة لتعيدها حيثُ منزل خالتها، عبثت "يارا" بخصلاتها و هي تشملها بنظراتها النافرة على الرغم من كونها نسخة منها، ثم رددت استهجانًا و هي تقوس شفتيها بحنق:
" المستفزة بتاعتك دي، أنا لا أختك و لا أعرفك ablam - بطلي تقولي "
اتسعت ابتسامة "يورا" المستفزة لأعصابها و هي تترك قدحها جانبًا، رفعت ساقًا فوق الأخرى بغطرسة و هي تردد:
- انكري الحقيقة زي ما تحبي.. لكن مش هتقدري تنكريها كتير
و صمتت هنيهة و هي ترفع حاجبيها مرددة ببرود:
- و بعدين ده استقبال تستقبليني بيه؟.. دا احنا مشوفناش بعض من أول ما اتولدنا، يعني من تقريبًا 23 سنة، هما تسع شهور اللي قضيناهم مع بعض بس!
زفرت "يارا" بحنقٍ و قد لاح على وجهها الامتعاض، اعتدلت في جلستها و هي تردد احتقارًا:
- يعني انتي.. عايزة تفهميني انك اتفقتي مع نائف إنك تفضلي مع جوزي.. في بيت واحد! و انتي وافقتي، مش كـدا؟
- Allah Allah..Ağzından çıkanı kulakların duysun..Okadar gaddar değilim..Bana yaklaşmasına izin vermem..
- الله الله.. فلتسمع أذنيك ما يخرج من فمك.. لستُ بتلك الحقارة.. لم أكن لأسمح له بالاقتراب مني
و كأن نيران غيرتها تنهشُ من خلاياها، حملقت بها مولًا بأعين تتناثر الشظايا منها، ثم رددت و هي تقوس شفتيها:
- و يا ترى حضرتك فضلتي تمثلي عليه قد إيه؟
نفضت "يورا" خصلاتها للخلف بعصبية و هي تردد مقوسة شفتيها بتأفف:
- للأسف.. ملحقتش أمثل عليه حاجة، أول ما رجعت البيت و مثلت إني فاقدة جزء من ذاكرتي سابني و نزل، و مجرد ما رجع كشفني
و شملها بنظرة مزدرية و:
- الواضح إن بينكم قصة حب و لا في مسلسلاتنا حتى، مجرد ما دقق في عيني عرف إني مش انتي
و كأن نيرانها همدت قليلًا، و كادت أساريراها تتهلل، و لكنها حافظت على تجهم وجهها و هي تردد مطالبة باستماعها للمزيد:
- ها.. و بعدين؟
هزت "يورا" ساقها بعصبية و هي تردد استهجانًا:
- عرفني من كذا حاجة.. بيقول إنك عمرك ما قولتيله حبيبي
فأردفت "يارا" و قد ابتسمت رغمًا عنها:
- أكيد. مش بقول غير بيبي عشان أغيظه!
و تابعت "يورا":
- و بيقول حاجة غبية أوي.. انك دايمًا بتحطي توكتك في ايدك لدرجة انها بتسيب علامة فيها، و انك دايمًا بحبي ترفعي شعرك.. مع إني مش شايفة عندك شعر ترفعيه أصلًا.. ايه العبط دا؟
تلمست "يارا" خصلاتها القصيرة و قد غابت ابتسامتها و هي تحني بصرها، فتابعت "يورا" و هي تتأهب في جلستها و:
- و إيه معنى عظيم عندكم يعني؟.. أنا بقوله بحب أسيب شعري قالي عظيم.. هو ايه دا اللي عظيم؟
نظرت نحوها نظرة مطولة مريرة، ترقرقت العبرات في مقلتيها و لكنها كبحتهم بصعوبة و هي تخفض نظراتها، حينما كانت "يورا" تردد مقوسة شفتيها بامتعاض:
- و مبتقوليش لأ ليه؟.. للدرجة دي مطيعة يعني؟ بتسمعي كلامه في كل حاجة
- تـؤ!
خرجت منها و ابتسامة ساخرة ترتسم على أطراف شفتيها، فلوحت "يورا" بكفها بلا اكتراث و هي تعيد وضع ساقًا فوق الأخرى:
- و أنا مالي.. مش هاممني أصلًا
حدقت "يارا" بها، ثم رددت و هي تضيق عينيها:
- عايزة أعرف انتي جيتي إزاي بالظبط؟ ازاي انتي أختي التوأم؟ ازاي ماما متعرفش عنك حاجة
و باتت نبرتها مستهجنة و هي تقول:
- معنى كدا إن هوليا خطفتك من ماما؟.. مش كدا؟
فاحتل الحنق وجه "يورا" و هي تجيبها بنبرة مُحتدة مهددة:
- اياكي تجيبي سيرة ماما بحرف انتي فاهمة!.. ماما مين الي تخطفني من أمك؟ اتجننتي؟
أطبقت "يارا" أسنانها ثم فرقتهم لتردد مشيرة بكفها:
- انتي اللي مجنونة.. هوليا مش أمك، حبيبة.. أمي هي أمك، مع إني عمري ما هعترف بالحقيقة دي، لكن على الأقل دي حقيقة متقدريش تنكريها
زمت "يورا" شفتيها بحنق، ثم حادت ببصرها عنها لتنفخ مغتاظة مُعقبة ذلك بقولها:
- أنا معنديش غير أم واحدة و هي هوليا و.. تمام؟ حبيبة و لا أيّا كانت دي أنا مش هاممني
و صمتت هنيهة لتلوح نظرة غائمة في عينيها، ثم أردفت:
- و بابا.. عيشنا أحسن أيام حياتنا مع بعض
و نظرت نحوها بتمقط و هي تشملها بنظراتها المزدرية، كتفت "يورا" ساعديها و هي تقول بسخرية قاتمة:
- أساسًا من أول ما ظهرتي إنتي و أمك كل حاجة جت على دماغنا.. بابا مات بسببكم و معاكم.. مقدرتش حتى أشوفه قبل ما يموت
أشارت "يارا" بسبابتها مرددة من بين أسنانها و هي تميل عليها قليلًا بجذعها في وضعٍ متأهب:
- الوقت اللي انتي عيشتي فيه أسعد أيام حياتك و كنتم فيه عيلة سعيدة احنا كنا بنتعذب، أبوكي اللي بتدافعي عنه قتل أبو جوزي، عارفة دا معناه إيـه؟
و ارتفع حاجبيها و هي تُشدد على كلماتها:
- أبونا قاتـل.. مستوعبة ده؟
تقوست شفتيّ "يورا" بنفور و هي ترمقها من طرفها، ثم رددت بامتعاض:
- و اللي أعرفه إن جوزك قاتل بردو.. اشمعنى بتتهمي بابا!
حملقت فيها مطولًا.. تبعثرت حوفها و تشتت كلماتها و لم تعد تملك المزيد لتجيبها، تبادلت النظرات المتقدة بين التوأمتين حتى حادت "يارا" ببصرها عنها و هي تنفخ متأففة، سحبت هاتفها، و شرعت تجري اتصالًا مرئيّا بـ شقيقتها و:
- متهيألي في حد لازم تشوفيه!
و نظرت نحوها نظرة هازئة، فضاقت عينا "يورا" بفضول و هي تردد:
- مين دا؟
- أختك.. ولاء
كانت جالسة أعلى فراشها حينما وجدت اتصالًا واردًا من شقيقتها، فأبعدت الهاتف قليلًا عن وجهها و هي تجيبهُ، تأملت وجهها مطولًا ثم بادرت و هي تحنى بصرها:
- يارا.. ازيك؟
أجابتها و نظراتها لم تنحرف عن تلك النسخة منها:
- تمام.. و انتي؟
أومأت "ولاء" و هي ترد بصوتٍ متأثر:
- احنا كويسين.. أنا آسفة، عرفت إن البيبي نزل، كنت عايزة أكلمك لكن.. خفت تـ..
قاطعتها "يارا" و هي تزفر مطولًا:
- البيبي منزلش يا ولاء.. أنا و البيبي بخير
ارتفع حاجبيّ "ولاء" و هي تتأهب في جلستها و قد تهللت أساريرها:
- إيه!.. ده بجـد؟
و تغضن جبينها و هي تتابع:
- طب ازاي؟.. فارس قالي إنه.....
قاطعتها "يارا" و هي تطبق جفونها ضجرًا:
- البيبي و أنا كويسين يا ولاء
و تنهدت بضيق و هي تقوس شفتيها إزدراءً مستطردة:
- مش دا السبب اللي كلمتك عشانهُ.. في سبب تاني
تقلصت المسافة أكثر ما بين حاجبيها و هي تسألها بفضولٍ مرتاب:
- ليـه؟ إيه اللي حصل؟
أدارت "يارا" شاشة الهاتف لتتسلط على "يورا" التي ألقت نظرة من طرفها على شاشته غير مبالية، ثم عادت تنظر أمامها بلا اكتراث، فارتفع حاجب "ولاء" استنكارًا و هي تزردي ريقها، عضت على شفتها السفلى من فرط توترها.. ثم سألت بتوجس:
- يارا.. انتي ازاي ماسكة الموبايل و قاعدة قدامي في نفس الوقت؟
ارتفع جانب ثغرها بابتسامة ساخرة، ثم رددت مجيبة بتهكم غلف نبرتها:
- أحب أقدملك لك اختي التوأم.. يـورا!
.........................................................
.................................
..........................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz