"الفصل الخامس و الثلاثون"

1K 23 0
                                    


-يــــــارا
زأر بها و هـو ينتفض مستقيمًا بجلسته على الأريكة و صدره ينهج علوًا و هبوطًا جبينه مندى بحبات العرق ، اخترق صوته مسامعها بقوةٍ و لكنها أبت الاستجابة ، تلفت باحثًا عنها ليجدها كما تركها .. أعلى الفراش ، فـ انتصب واقفًا على الفور و أوفض نحوها ، انحنى بـ جذعه عليها مستنًا بكفه الى جوار رأسها ، و تنفس بمعدل سريع و هو يمرر نظراته على وجهها ، بلا وعي منه تلمس وجنتها بكفه الآخر و كأنه يتأكد من وجودها ، أطبق جفنيه و استند بساعده الى الوسادة بجوار رأسها ثم استند بجبينه عليه  متنفسًا الصعداء عقب ذلك الرعب الذي عايشه قبل ثوانٍ ، مرر ابهامه على وجنتها ، ظل صدره يعلو و يهبط من فرط الانفعال ، حاول استعادة ثباته و لكنه فشل ، رفع نظراته ليمررها على وجهها و مرر ابهامه على وجنتها مرددًا بـ اصرار :
- مش هتسيبيني ، مش هسمحلك تعملي ده !
ازدادت نظراته تصميمًا و هو يهمس بنبرة ثابتة :
- محدش هيقدر يأذيكي طول ما انتي معايا
رمشت بعينيها عدة مرات و هي تتقلب على الفراش لتكون في مواجته فـ سمحت له بـ دراسة ملامحها عن قربٍ ، ازدرد ريقه و هو يمرر نظراته على وجهها و كأنها استشعر ثقلًا على وجنتها فـ مدت كفها محاولة ازاحته ، سحب " يامن" كفه بحذرٍ تجنبًا لاستيقاظها ، بينما كان صوته يخترق مسامعها فـ عبست ملامحها قليلًا ، لاحظ التغير الذي طرأ عليها فـ تنهد بعمقٍ و هو ينتصب في وقفته ، لاحظ ازاحتها للغطاء فـ جذبه ليدثرها به جيدًا ، أثارته تلك الخصلة التي تمردت لتسقط على وجنتها و كأنها تحاول مواراة وجهها عنه فـ مد أنامله ليبعدها لتسنح له تأمل تفاصيل وجهها و كأنه يحفرها بعمقٍ على جدران عقلهِ ، مازات دقات قلبه تكاد تصم أذنيه كلما مرّ أمام عينيه تلك المشاهد الدامية التي رآها بها ، أوصل كرهها له ذلك الحد الذي يجعل القائها لنفسها أمام براثن الذئاب أهون عليها من وجودها بقربه ؟ و لكنه لن يكترث لما تفعل ، ستظل بجواره مهما فعلت ، لن يسمح لها بارتكاب تلك الحماقات ، سحب شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ ، و هو يستدير متجهًا نحو الشرفة فتح بابها و دلف للداخل ..
فتحت " يارا" عينيها المشوشتين قليلًا و جابت الغرفة بنظراتها ، ثم عادت تُطبق جفنيها متمتمة بـ فتورٍ :
_ أي حلم تظهر فيه هيكون كابوس !
استند بمرفقيه الى حافة الشرفة و نظر للفراغ أمامه بنظراتٍ غير مفهومة ، عادت الذكريات تقتحم جُدران عقلهِ و كأنها حكمت عليه بالعذاب اليوم .. الحاسة السادسة أو ما يشابهها ، يستشعر الخطر قبل وقوعهِ ، يشعر به يحوم حول من حوله أو حوله هو .. لا يتمكن مُطلقًا من محو تلك الرؤيا عن عقله و التى الى الآن لا تكف عن تعذيبه أثناء نومه و كأنها تخبره بأن له يد فيما حدث لوالده ، ذلك المنام الذي يراه بشكلٍ دائم .. رأى ما حدث بشكلٍ مُطابق .. حينها أخبر والده بأن هنالك ما سـ يحدث و لكنه حينها لم يُصدق .. بل أنه استخف نوعًا ما بالأمر و ..
<< عبث بخصلات شعره و لوى ثغره بابتسامة مُطمئنة و هو يتمتم :
- يا حبيبي مش لازم كل الأحلام تتحقق
عبست ملامحه و هو يُزيح كف والده مرددًا باصرار :
- لأ يا بابا ، في حاجة وحشة هتحصل
ضجر " يوسف" نوعًا ما بعد محاولات عديدة لاقناع ولده فـ تمتم بـ نبرة جادة :
- يا يامن ده كابوس عادي ، مش لازم يتحقق ، ما أنا قدامك أهو !
هز رأسه نفيًا و هو يتمتم بنبرة ثابتة :
- بابا كان الوقت بالليل ، مش عارف ده ممكن يكون امتى ، بس .. عشان خاطري امشي من البيت الأسبوع ده خلينا نروح بيت المزرعة ، مش نرجع دلوقتي يا بابا
زفر " يوسف" بحنقٍ متمتمًا بنبرة شبه هادئة :
- يامن ، أنا عارف انت الأيام دي متوتر عشان الامتحانات ، بس متقلقش ، أنا هـ..
لم يتابع ما قيل له ، ظل شاردًا في ملامحه و هو ينظر له بعتابٍ ، عجـز عن اقناعه بترك المنزل و لو لفترة قليلة ، حتى أتى ذلك اليوم الذي قلب حياته رأسًا على عقب ..>>
لم تكن هنالك تفصيلة متباينة ، الحقيقة أشبهت كابوسه حد التطابق ، شعر بـعجزه .. بأنه يعد سببًا لما حدث له ، لو أنه تمسك أكثر بقراره لربما كان قد نجح باقناعه و لكن هيهات ، لقد مرّ سبعة عشر عامًا أو ما يزيد ، و ها هو الآن هنا مازال الندم ينهش من صدره ، فرك وجهه بكفيه و دفن وجهه بينهما و هو يهمس بـ تنهيدة حارقة :
- أنا السبب .. لو كنت أجبرتك تسيب القصر مكنش حاجة هتحصل
مازال لا يتمكن من حل شفرات ذلك الكابوس ، لا يعلم لمَ تتوالى عليه بشأنها و لكن هنالك شعور يُداهمه.. شعور الخطر يحوم فوق رأسها ، لا يستطيع الجزم بنوع الخطر ، كابوسه كان عبارة عن رموز عليه أن يحاول جاهدًا حلّها بشتى الطرق  رفع كفيه ليمرر أصابعه العشر بخصلاته ، و نظر أمامه كـ نظرات نمرٍ مجروح و هو يتمتم بنبرة صلبة :
- مش هيتعاد .. اللى حصل مش هيتعاد ، مش هسمح لحاجة تأذيكي
سحب شهيقًا عميقًا عله يُخمد النيران المتقدة بـ روحه و لكن هيهات ، استدار ليدلف للداخل ، ثم اعتلى الأريكة مخفضًا لساقيه ، عقد ساعديه أمام صدره و هو مسلطًا لنظراته عليها و قد خاصم النوم جفنيه .
..............................................................................................
ها هي الشمس تفترش صفحة السماء مجددًا تُلقي بجدائلها الذهبية فـ أثبتت أن الليل ذو الستائر القاتمة سينقشع دومًا و يحل الإشراق محله بالتبادل بين كلاهما .. ببساطة انها الحياة .
ارتدى قناع الجمود و هو يسحب سلسلة مفاتيحه من فوق الكومود مسلطًا لنظراته عليها دسها في جيبه و  تنهد بعمقٍ و هو يدلف للخارج و انتقل للطابق الأسفل ، كان الوقت باكرًا فـ قد خاصم النوم جفنيه و لم يحظَ بـالنوم مجددًا ، و كيف يحظى به عقب ما رآه ؟
أخرج سلسلة مفاتيحه من جيبه و دفن أحدهم في الباب و أدار المقبض لـ ينفتح ، دلف للداخل فـ استشعر وجوده ، خفق فؤاده بعنفٍ في صدره و هو يوصد الباب خلفه ، سار بعينيه في تلك الغرفة.. غرفة والده ، تلك الغرفة التي أوصد بابها و امتلك مفتاحه وحده، لم يكن ليسمح لأحد بدخولها عدا " سهير" الوحيدة التي يثق بها في ذلك القصر لـ تقوم بـ ازالة الأتربة عنها و تنظيفها كل فترة ، حتى أخيه لم يكن لـ يسمح له بالدخول ..
و كأنه يبحث عنه  شخصت أبصاره نحو طيفه الذي تجسّد أمامه و على عكس كابوسه كانت نظراته اليه هادئة ، كاد أن يدنوَ منه و لكنه تلاشى من أمامه في ثوانٍ معدودة ، أطبق جفنيه يعتصرهما بقوة فتحهما طاردًا زفيرًا حارًا من صدره ، دنا من ذلك الإطار الذي يحوي صورة والده التى رسمها بنفسه ، توقف أمامها يتأملها ، لقد نجح بتجسيد الحزن الملتمع في عينيه دومًا ، ابتسامته كانت باهتة دومًا تحمل خلفها أنهارًا من الحسرة ، الحزن المرتسم على صفحة وجهه ، كانت لديه تلك الموهبة بالرغم من صغر سنه ، و كأنه يقف أمامه و ليست أمام صورة له ، تلك التفاصيل الدقيقة التي نجح بـ تسليط الضوء عليها جعلته يستشعر وجوده أكثر ، تلمسها بأطراف أنامله ، يشبهه الى حـدٍ كبيرٍ  ، و لكنه استبدل الحسـرة بالقسـوة ، الحزن بالجمود ، اختلاف سماتهما كان كافيًا لـ يُشعره بالفارق الشاسع بين كلاهما ، تذكر كلمتها التي لم تكف عن قولها سابقًا و التي نعتها به والده .." شيطان" و كأنه يجلد فؤاده بقسوة ، انه يسعى خلف الأخذ بالثأر ممن حرمه نعمة وجوده ، لم يكن ليحتاج حل شفرة كلمته ليفهم ، "يوسف" يُشفق عليها يستشعر ظلمه لها ، لم يكن لها ذنب و لكنه كان قاسيًا الى الحد الذي أعمى عينيه عن رؤية ذلك حتى ، ما كان يهمه فقط و أبدًا هو انتزاعها منه مهما اختلفت الطريقة ، قست تعبيراته و أظلمت نظراته و هو ينظر لصورته ، كور قبضته و هو يلكم الجدار بجوار إطارها متمتمًا بشراسة :
- مش هيسيبهاله ، مستحيــــل ، مستحيل يا بابا ، عايزني أرجعهاله فـ يقتلها زي ما قتلك ؟ عايزني أسيبه يسرقها مني زي ما سرقك ؟
كز على أسنانه بعنفٍ مشددًا على عضلات فكه هو يتمتم :
- مش هيحصـــــل ، هو ميستحقهاش ، ميستحقش حبها ليه ، ميستحقش يشوفها حتى
أحنى بصره عنه و هو يتمتم بنبرة جافة :
- لو ده اللي انت عايزه ، فـ لأ ، مش هيحصل ، متحاولش عشان مش هسيبها !
ثـم استدار موليًا ظهره للصورة ، و تجول بنظراته في الغرفة ، و انتقل نحو بابها لـ يلج للخارج موصدًا لها خلفه
.............................................................................................
تلك اللمسة الحنون على كتفها أجبرتها أن تفتح عينيها ، تشوشت الرؤية لديها في البداية فـ التوى ثغرها ببسمة باهتة متمتمة :
- ماما
هزت " سهير" رأسها نفيًا و هي تتمتم بشئ من الاستياء :
- دي أنا يا بنتي !
عبست ملامحها و طردت زفيرًا حارًا من صدرها ، فركت عينيها و هي تستقيم بجلستها ببطء ، و تمتمت بنبرة فاترة :
- عايزة ايه ؟
فـ أشارت " سهير" الى الكومود متمتمة بنبرة جادة :
- يامن باشا قالي أجيبلك الأكل هنا و ..
فـ امتعض وجهها و هي تردد بتأفف :
- خدي الأكل ده مش عايزة حاجة
قبضت " سهير" على شفتيها متمتمة باحتجاج حذر :
- بس يا هانم ..
تنغضن جبينها و هي تردد :
- قولتلك مش عايزة حاجة ، الله .. هي عافية ؟
أخفضت ساقيها و نهضت لتسير حيث المرحاض فـ بسطت " سهير" ذراعها و :
- استني أساعدك يا هانم
فرددت بـ حدة و هي ترمقها بنظرات ساخطة :
_ مش عايزة مساعدة من حد
تنهدت " سهير" بحرارة و هي تنظر لها بنظرات معاتبة ، التفتت " يارا" لتنظر أمامها و سارت بخطوات متعرجة نحو المرحاض ، دلفت للداخل و دنت من الحوض ، فتحت الصنبور و شرعت تغسل وجهها ، أغلقت الصنبور حين انتهت و التقطت منشفة ثم رفعت نظراتها للمرآة نظرت لهيئتها مليًا بقنوطٍ ثم التفتت لتسير للخارج، بينما حملت " سهير" الحامل المعدني سارت  للخارج و قبل أن تخرج وجدت من يقرع الباب ففتحته على الفور لتجد " عمر" أمامها ،فـ تسائل الأخير و هو يبحث عنها بعينيه :
- سهير! أومال فين يارا ؟
- في ايه ؟
قالتها " يارا" بنبرة جادة و هي تلف للخارج بخطوات متعرجة ، فـ تنغض جبينه متمتمًا بشئ من القلق :
- انتي كويسة ؟
فـ أخفضت نظراتها مشيرة لقدمها الملتوية و :
- زي ما انت شايف !
فـ ردد بنبرة متوجسة :
- هو في حاجة حصلت تاني و لا ايه ؟
فـ عقدت ساعديها أمام صدرها متمتمة بـتهكم مرير :
- عادي يعني ، اتعودت خلاص !
تنهدت " سهير" بحرارة و هي تنظر لها ، ثم حادت ببصرها لتنظر لـ " عمر" هامسة بـ :
- عمر بيه ؟
فـ تنغض جبينه و هو يلتفت مستفسرًا :
- أيوة يا سهير
أشارت بعينيها للحامل المعدني الذي يحويه كفيها متمتمة بـعدم ارتياح :
- البيه يامن قالي أطلع الأكل ليها و مسيبهاش غير لما تخلصه و هي رافضة ده ، أنا مش عارفة أعمل ايه ، لو الباشا عرف هيعمل مشكلة
تنهد بـ عمقٍ متمتمًا و هو يبسط ذراعيه يتناولها منها :
- هاتيها يا سهير ، أنا هتصرف
فـ تزين ثغرها ببسمة عذبة متمتمة :
- ربنا يخليك يا ابني
فـ ابتسم لها ابتسامة ساحرة و هو يدلف للداخل بينما خرجت " سهير" تاركة لكليهما ، رفع نظراته اليها ليجدها قد جلست على طرف الفراش تنظر حيث نقطة في الفراغ ، فـ طرد زفيرًا من صدره و هو يدنو منها ، جلس جوارها فـ رفعت نظراتها اليه ، عبست ملامحها حين دققت النظر لملامحه التي كانت تشبه الى حـدٍ كبير ملامح أخيه ، فـ حادت ببصرها عنه على الفور ، بينما عقد حاجبيه مستفسرًا بنبرة مرحة  :
- مالك قرفانة مني كده ليه ؟ أنا زعلتك في حاجة بس ؟
عقدت ساعديها أمام صدرها و نظرت له من زاوية عين متمتمة  :
- فيك شبه كبير منه !
فـ ضحك متمتمًا :
- أه ، قصدك يامن ؟
فـ طردت زفيرًا حارًا متن صدرها متمتمة بـ فتور :
- خلاص ، سيرته بتضايقني ، غير الموضوع
فـ ضم شفتيه معًا كاتمًا ضحكاته و حمحم متمتمًا :
- احـم ، طيب
أخفض نظراته للحامل المعدني متمتمًا بنبرة جادة :
- بس معلش عايزك تاكلي
فـ نظرت من زاوية عين للحامل و الأصناف المتعددة من الأجبان فوقه ، ثم حادت ببصرها متمتمة بـ تأفف :
- مش عايزة حاجة
ضيق عينيه و تزين ثغره بابتسامة متمتمًا بمرحٍ :
- طب و الله شكلك جعانة
هزت رأسها نفيًا مرددة بعناد:
- لأ ، مش جعانة و لا حاجة
فتنهد متمتمًا بهدوءٍ حذر :
- طب كلي أي حاجة ، آآ..
التفتت لتنظر له بحنق متمتمة بـسخطٍ :
- هو اللي باعتك صح ؟
هزّ رأسه نفيًا و :
- لأ لأ ، ميعرفش اني هنا أصلًا
فـ أشارت للحامل المعدني متمتمة بـ استهجان :
- لو جاي عشان تخليني أكل يبقى تمشي أحسن و تسيبني في حالي
نظر لها مُطولًا و تنهد بحرارة مرددًا بتردد :
- بصي يا يار....
...............................................................................................
كاد يصعد الدرجات و وجهه متجهم الى حدٍ كبير ، الى أن استوقفه صوت الصراخ الهادر باسمه و القادم من غرفة " هدى" و هي تهدر بالخدم:
-يعني ايــه مش موجود ؟ يعني ايه ؟
فـ تسمر في مكانه و التفت عاقدًا حاجبيه ، حتى خرجت من غرفتها و هي تردد هادرة :
- يـامن
- في ايه ؟
كان وجهها مشربًا بحمرة غاضبة و هي تتمتم بـ نبرة ساخطة :
- العقد ، العقد بتاعي مش لاقياه
زفر بحنق و أشاح بوجهه و هو يخلل أصابعه بخصلاته ، ثم التفت اليها مرددًا بنفاذ صبر :
- و المفروض أعملك ايه يعني ؟
ارتفع حاجبيها و هي تتمتم بـ استهجان :
- بقـولك العقد بتاعي مش لاقياه ، مش ملاحظ حاجة غريبة ؟
ضيق عينيه لتصير نظراته أكثر حدة و دنا منها متمتمًا بـ استنكار و قد تفهم تقريبًا ما ترمي اليه :
- قصـدك ايه بالظبط ؟
توسطت خصرها بكفيها متمتمة باحتدام :
- البتاعة بتاعتك هي اللي خدته ، مين هيكون غيرها مثلًا ؟
...............................................................................................
وصل صوتها الى مسامع " عمر" الذي التفت على الفور لينظر للخارج عبر الباب المفتوح ، ثم التفت اليها متمتمًا بـ شدوه :
- انتي سامعة الصوت ؟
فـ قوست شفتيها متمتمة بفتورٍ :
- أه
فـ نهض متجهًا نحو الكومود و أسند الحامل المعدني عليه ثم التفت اليها مرددًا بنبرة جادة :
- طب تعالي نشوف في ايه ؟
عبست ملامحها مرددة باستنكار :
- لأ طبعًا ، و أنا مالي ، أنزل ليه ؟
تنهد بعمق و استدار مرددًا بنبرة جادة :
- خلاص خلاص ، خليكي و أنا نازل أشوف في ايه
دلف " عمر" للخارج و انتقل للأسفل مرددًا و هو يهبط الدرجات :
- في ايـه يا ماما ؟ انتي كويسة ؟
نقل بصره لـ " يامن" الذي لم تكن حالته تحتاج الى شرح ، وجهه و عينان محتقنان بالدماء يكاد يجزم بأن عينيه سيطلقان شررًا ، كور قبضتيه بـ عنفٍ و هو يحدجها بنظرات تكاد تفترسها هادرًا بنبرة محتدمـة :
- هــــــــــــدى
امتقع وجهها و هي تردد عاقدة ساعديها أمام صدرها :
- ايـــه ؟ بقول حاجة غلط ؟ دي آخرة انك تجيب زبالة من الشارع تقعدها معانا هنا !
فـ زأر بها مُحذرًا بنبرة أجفلت جسدها :
-  هــــــــــــــــدى ، لآخـر مرة بحذرك
تنغض جبين " عمر" و هو ينقل نظراته المشدوهة بينهما و :
- هو ايه اللي بيحصل ، انتي قصدك ايه يا ماما ؟
لم تكترث لـ " عمر" و گأنه سراب ، رفعت ذقنها للأعلى و هي تنظر له بـ تحدي ، ثم تجاوزته لـ تمر من جواره لتدنوَ من الدرج ، و صاحت بأعلى صوتٍ لديها :
- انتي يا بنت حبيبة ، تعالي هنا مش هتفضلي مستخبية ، أنا هفضح عملتك دي
اخترق الصوت مسامعها بقوة خاصة ذكر اسم والدتها ، فـ استقامت بوقفتها و أوفضت للخارج برغم خطاها المتعرجة ، وقفت أمام الدرابزون و هي تردد بنبرة محتدة :
- متجيبيش سيـرة ماما على لسانك ، انتي فاهمــة ؟
فـ قوست " هدى" شفتيها بازدراء و :
- و الله عال ، أنا مشوفتش في بجاحتك ، بقى....
مسح " يامن" على وجهه بعنفٍ و قد برزت عروق جبينه و جانبي رأسه ، استدار لـ يقبض على ذراعها مديرًا لها اليه هادرًا بشراسـة :
- أنا حـذرك و أنا مبعيدش كلامي مرتين !
فـ نظرت له بنظرات حامية هادرة بـ استهجان :
- أنا أمك يا باشا مش أي حـد ، متنساش نفسك
فـ كان جوابه حاسمًا و هو يحدجها بنظراتٍ تكاد تحرقها حية :
- و أنا مليش أم يا هـدي هانم !
ثم رفع نظراته اليها و أشار بعينيه هادرًا بنبرة جافة :
- ادخلي جوا !
فـ التفتت اليها متمتمة بتصميم :
- لأ ، و الله ما هسيبها ، دي آخرتها ، كنت متأكدة انك مجرمة زي أهلك بالظبط
فـ تمتم " عتمر" باستهجان و قد ضاقت نظراته :
- ايه اللي بتقوليه ده يا ماما ؟
فـ نظرت له باحتدام متمتمة :
- أبوها قتال قتلة عايز بنته تطلع ايه ، مش بعيد تكون جاية تخلص علينا كلنا مش بس حرامية
هنا غلت الدماء في أوردتها و كأنها على موقد ، كزّت بعنفٍ على أسنانها و سارت نحو الدرج تنتوى هبوطه و هي تردد بـ استهجان :
- مـش هسمحلك تتكلمي عن أهلي أو تغلطي فيهم ، انتي سامعـة ؟
فـ قبض أكثر على ذراعها و هو يردد باحتدام :
- قولت خليكي عندك
تسمرت في مكانها أعلى الدرجات و هي تقبض بكفها على الدرابزون بقوة ، حدجته بنظرات ناقمة و هي تكزّ بعنفٍ على أسنانه ، فـ رددت " هدى" و هي تحاول التملص من قبضته :
- سيبني يا يامن دي بتعلي صوتها عليا و الله ما سيباها
ظل قابضًا على ذراعها يتبادل النظرات المحتدمة معها فـ بادلته بنظراتٍ متحدية ، هـدر بها بلهجة آمرة :
- ادخلــي جـــــوا
استغلت " هدى" انشغاله بها ، فـ تملصت من قبضته و كادت تصعد الدرجات و هي تهدر بـ نبرة شرسة :
- مش هتقدي ثانية زيادة في قصري ، أنا هطلبلك البوليس يـتصرفوا مع أمثالك يا حرامية
فـ سد الطريق أمامه بـ جسده الضخم و هو يردد بها بنبرة متوعدة :
- جربي بس تعملي كده و هتشوفي هيحصل ايه !
تنغض جبين " يارا" متمتمة بـ استهجان :
- انتي بتقولي ايه ؟ حرامية إيه أنا جيت جمبك ؟
فـ رفعت نظراتها اليها متمتمة بـ احتقار :
- متعمليش فيها بريئة ، أنا متأكدة انك انتي اللي خدتيه
اتسعت عيناها متمتمة بشدوه :
- خدت ايه ؟ أنا مخدتش حاجة ، معرفش انتي بتتكلمي على ايه !
فـ نظرت له مرددة بـ نبرة ثابتة :
- ماشي يا يامن ، مش مصدقني أنا و مصدق دي ؟ أنا هثبتلك !
عقد كفيه خلف ظهره مرددًا بنبرة جافة :
- مش محتاج لإثباتك ، مش هتلاقي حاجة
فـ رفعت ذقنها للأعلى بكبرياء و هي تحدجه بنظرات متحدية فـ بادلها بنظرات نارية ، مرّت من جواره لـ تصعد الدرجات للأعلى وصلت أعلى الدرج فـ دفعتها بعنفٍ من كتفها لتمرّ من جوارها ، تأوهت " يارا" بصوت خافت و هي تنظر لها بنظرات مستشاطة ، ثم زفرت بحنق و هي تهبط الدرجات للأسفل ، حتى وصلت اليه ، حدجها بنظراتٍ نارية هادرًا بشراسة :
- ايه اللي خرجك من أوضتك ؟
فـ نظرت له بنظرات محتقنة بالدماء متمتمة بحدة :
- أنا مسرقتش حاجة
فنظر لها بنظرات غير مفهومة ، فـلوت ثغرها بتهكمٍ متمتمة :
- خلاص مش محتاج تقول ، أكيد مصدقها
فـ دنا " عمر" منها مرددًا بضيق :
- اسمعي يا يارا ، كده كده هي مش هتلاقي حاجة
فـ لم تلتفت اليه ، رمقته بنظرات ساخطة متمتمة بـ احتدام :
- أنا مش هسمح لحد يهين عيلتي ، خصوصًا ماما اللي ملهاش ذنب في أي حاجة و ..
قطع صوتها استماعها لصوت نعل حذائها يقرع الدرجات و هي تهبط عليه بـ خيلاء ، تنظر حيث هي بنظرات واثقة ، ضيقت عينيها و هي ترفع نظراتها اليها مبتلعة كلماتها ، ازدردت ريقها بشئ من للتوتر من نظراتها الواثقة ، بينما طرد " يامن" زفيرًا حارًا من صده و هو يرمقها بنظرات شرسة .. گ عيون قد تلتمع في الظلام ، التفت لـ " هدى" التي وقفت الى جواره تمامًا و هي تنظر له بثقة ، فـ تنغض جبينه و قد استشعر شرًا مدفونًا في سطور عينيها ، و تأكدت شكوكه حيـن رفعت القلادة أمام عينيه و هي تردد بتهكم :
- هـــي دي اللي انت صدقتها و كذبتني..؟
...............................................................................................
...........................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz